صدور الحُكْم بتحطيم الطواغيــت الســبع

 

صدور الحُكْم بتحطيم الطواغيــت الســبع

بسم الله الرحمن الرحيم


حامد بن عبدالله العلي

الحمد لله القائل في محكم التنزيل : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .


وبعــــــــد ،

فإن المحكمــة :

إذ ،،ترى أنه ينبغي التمهـيـد للحكــم ، بالتذكيــر ببعض مسيرة التاريخ القريب ، وواقع الأمة العجيـــب :

فقد كانت قوّة التحدّي الأوربي ـ الحملة الصليبيّة في القرن الماضي ـ الحضاري والسياسي ، عاصفة ومؤثرة جذريا في العالم الإسلامي .

فــي عام 1882 م حل الانجليز في مصر ، ولم يأت عام 1918 م حتى أطلق عليه عام الهيمنة البريطانية الفرنسية على الشرق العربي ، ثم لم يأت عام 1924 م حتى ألغيت الخلافة ، فنحن اليوم فيما تراكم من تداعيات هذا الحدث الجلل .

وتمت تصفية الكيان الإسلامي الواحد بما لم يسبق مثله في تاريخ الإسلام ، ووزِّعت تركته بين أعداءه ، ومُزِّقت الأمة ،

وحكم الإحتلال البريطاني والفرنسي الشعوب الإسلامية حكما مباشرا ، فرض خلالها مناهجه في الإدارة والتشريع ، والثقافة والتعليم ، والاقتصاد ، كما ألحق المنطقة بدورته الرأسمالية العالمية ، اتخذها مصدرا لمواده الخام التي بنى عليها إقتصاده ، وسوقا لمنتجاته ، وطريقا لتجارته .

وفي هذه الفترة ألف كرومر ـ الناطق الرسمي للعقل الأوربي الاستعماري ـ كتابه MODERN EGYPT الذي توقع فيه تدهور الحضارة الإسلامية ، وأنها في طور الإحتضار لايمكن إيقافه ، معبرا عما في نفوس العالم الصليبي ، مصرحـا بهدفـه .

ثــم انطلقت المواجهة الفكرية في العالم الإسلامي ، بين القائمين على الدعاوة لإرجاع الخلافة انتصارا للإســلام ، الداعين إلى صدّ الهجمة العقديّة للمحتلّ ، ودُماه ، سواءٌ على صورة حكام محلييّن ، ومن أطلق عليهم : مثقفون ، وكتّاب ، ومفكرون .. إلخ ..

وبين أبواق المحتــلّ ، أولياءِه ، ومرتزقتِه .

وظهرت القوميّة العربية داعية إلى علمنة العروبة ، مستبعدة الدين ، رافضة فكرة ( دار الإسلام ) ، وظهرت كيانات أخرى صنعها المحتل ، تشترك في كونها : مستبدلة مبدأ الدولة االعلماني المعاصر ، بعقيـدة الإمامة الحاملة رسالة الأمة الواحدة ،

واتُّخذت كلُّها ـ بلا استثناء ـ أساسا لقيام كيانات سياسية أمعنت في فصــل :

مفهوم الأمة عن مفهوم الدولة ،

والدين عن الحياة ،

والحكم عن القرآن ،

والعلماء عن تولي الأمر ،

وعوامل وحدة الأمة عن التجمع والنهوض ،

وحضارة الأمة عن الاستقلال ،

والجهاد بالمال ـ ثروات الامة ـ وبالنفس عن رسالة الأمة العالمية.

وسُخّرت هذه الكيانات ، في خدمة أهداف المحتل ، وأمعنت في توفير عوامل تدهور حضارة الإسلام ، وفشلت قياسيا : على المستوى التوجه الحضاري للأمّة ، وعلى مستوى إدارة آلة الدولة بكفاءة تحقق العدل والمصالح العامة ، وعلى مستوى التنافس العالمي بين الأمم .

وألقت بأمتنا إلى الحضيض ، مرغت كرامتها في الرغام ، وحاربت الإسلام ، وراكمت المصائب ، والبلايا ، والخلاف ، والتخلف ، والهوان ، والضعف .

حتى وصل بنا الحال إلى أن عادت الجيوش الصهيوصليبية إلى ديارنا ، مجددة مسيرة الحروب الصليبية ، فوجدت تلك الكيانات المهترئة المتهالكة التي كان دورها يتلخص في استهلاك آلة الدولة وإمكاناتها ، واسترقاق شعوب الأمة ، لسلطة زعماء الأحزاب والعوائل ، وتسخير طاقات الأمّـة لها ،

وجدتها مستعدة لركوب أي ملوّح لها العصا !! فركبتها لتحقيق أهدافها الجديدة :

1ـ محاربة الإسلام ، عقديا على جميع المستويات ـ حتى مناهج التعليم في المدارس ، ومنابر الجمعة ـ وصناعة إسلام بديل مهجن للنظام العالمي بقيادة الصهيوصليبة العالمية .

2ـ حماية الصهاينة في كيانهم البغيض ، وتحويله إلى إخطبوط مهيمن على ما حوله ، آمن في وكره ، مسيطر على جميع أسباب إستمراره ، ساع في إكمال مخططـه لهدم المسجد الأقصى وتهويد القدس ، وبناء الهيكل المزعوم .

3ـ تفكيك المنطقة العربية وإعادة تشكليها إلى صورة : سوق شرق أوسطية خالية فكريا ، واجتماعيا ، وسياسيا ، من غير (منظومة ثقافة السوق ): من الاستهلاك ، والمنفعة ، واللهث وراء اللذة ، وعبادة المادة .. إلــخ ..

4 ـ امتصاص غضب الشعوب من فشل الأنظمة الحاكمة ، واستيعاب تطلُّع الشعوب للتغيير الذي هو سنة الحياة ، وتفريغهما في مشاريع تغيير سياسية غربيـّة ، تضمن تحقيق الأهداف الثلاث السابقة ، كما يُفعـل الآن في كثير من الدول العربية ، تحت شعارات خدّاعة : الإصلاح ، والديمقراطية ، ودعم الحريات .. إلخ ، وهي ذاتها التي استعملت في الاحتلال الماضي لتحقيق أهدافه ، والفرق الوحيد هو أن الثورة الإعلامية المعاصرة التي اكتسحت العالم ، كانت الشعوب به أقدر اليوم على فضح هذه الشعارات ، فلم يكن بإستطاعة المحتل ـ مثلا ـ أن يفصل صور جرائم الصهاينة ، وصور ( بوغريب ) ، ودماء وأشلاء الأبرياء في العراق وأفغانستان .. إلــخ ، عن شعاراته السياسية ، فافتضح أمره .

وكل هذه الأهداف محورها الأساس هو تهويد القدس وهدم المسجد الأقصى ، وإليى هذه الغاية حثيثا تسعى .

وقــد قام في وجه هذه الحملة الصهيوصليبة الإستعمارية الجديدة ، حركة جهادية مباركة ، تختلف عن حركات المقاومة التي واجهت الإحتلال الماضي ، بأنها حركة جهادية إسلامية خالصة ، معلنة رفع راية التوحيد الحــقّ ، متبعة لهدي النبوة ، متميزة تميزا واضحا عن رجس الجاهلية ، ودنس ضلالها .

وكانت هذه الحركة الجهادية ، قـد انطلقت من مناخ قـد تمدد في العالم الإسلامي صورة غير مسبوقة منذ سبيعينات القرن الماضي تقريبا ، حيث أخذت الفكرة الإسلامية تنتشر في الشعوب الإسلامية ، وأصبحت هي الخطاب السائد المؤثر في الشــارع ، معلنة نصرا ساحقا ، في حين تراجعت الفكرة القومية والعلمانية تراجعاً كبيراً على المستوى النفسي والعقدي والسياسي.


وقد طرحت الجماعات الدعوية التي كانت تشكل ذلك المناخ ، عدة مناهج إصلاحية ، تتطلع إلى نهضة الأمة ، تضع الأهداف ، وترسم الخطط ، وتقيم المشاريع ، وتصنع الرجال، وتنشر الدعاة ، ، فأبلت في الأمّة بلاء حسنا ،

وهذه الموجة الإسلامية العارمة ، كانت هي التي أثارت مخاوف الصهيوصليبيّة العالمية ، بل أفزعها فأعدت خطة شيطانية لغزو العالم الإسلامي ، وقد هيئت فكريا لهذا الغزو الجديد منذ أن أعلنت اتخاذ الإسلام العدو العالمي الجديد ( خطر الزحف الأخضر ) في القرن المنصرم.

وبعــــــــــد :

فإنّ لمحكمة إذ تمهـّـد بما ذكـــر :

فإنها تقرر إصدار حكم أعم من موضع النزاع ، إذ رأت أنه جزء من نازلة أشمل وأكبر وأشد خطــرا :

حكم في واجب الأمـّة تجاه هذه النازلة العظيمة التي دهمتها ،

والموجزة فـــي :

إحتلال صهيوصليبي سافر لا خفاء فيه ، قد أعلن أهدافا هي أخبث ما يمكن تصوره عداءا للإسلام والمسلمين .

إستبداد أنظمة حكم تحوّلت إلى وسيلة من وسائل ذلك الاحتلال ، فضلا عن جرائمها في حق الأمة ، وأعظم تلك الجرائم ، هي إقصاء الشريعة ، وتمزيق الأمـّة ، وتحطيم أسباب القوة فيها .

تعرض الأمّة لغزو عقدي ، وثقافي ، وأخلاقي ، أفقدها التوازن ، فلم تعد ترى بوضوح بثقة واعتزاز توجهها الحضاري ، ومن أين يجـب أن تستمده ، وإلى أن يجب أن تبلغ به .

والحكم الصــادر هـــو :

تحطيم الطواغيــت الســبع ،


التي أوجــدت في الأمـّـة :

إنقطاعاً بين الدولة والأمة ،، بطاغـوت الفكرة الوطنية الوثنية الممزقة للأمة .

وبين الوحي وترشيد الحياة ، بطاغــوت العلمانية اللادينية .

وبين القرآن ومؤسسات الحكم ، بطاغــوت السياسة المستكبرِة على الوحي.

بين التصورات العقدية والإنقياد للشريعة ، بطاغــوت الإرجاء الضال .

وبين الإنتماء والولاء للإسلام والدور السياسي الشرعي للعلماء ، بطاغوت العبودية المخزية للأنظمة المستبدة ، والمناصـب الدينية ، المغلّفة بأوهام المصالح الشرعية .

وبين مخزون شعوب الأمّة من العطاء والإنطلاق العالمي ، بطاغــوت الاستبداد السياسي .

وبين رسالة الأمة العالمية وقيادة العالم ، بطاغـوت ثقافة الإنهزام : محاربة الجهاد ، وتشريع الرقّ للمحتل الأجنبي تحت شعارات زائفة : التسامح ، والإنفتاح ، والوسطيّة ، ومناهضة الإرهاب ، والتطــرف !

وأما الحكم على المذاهب المختلفة في موضع النزاع في الموقف من الحكومـات :

فهـو :

أن المذهب الثاني ما هـو إلاّ صنيعة لهــذه الطواغيت ، سيسقط بسقوطها ، وأما المذاهـب الأول والثالث والسادس، فلا تعدُو كونها من آثار الهزيمة النفسية ، وتعبيرات عن مظاهرها .

وأما مذهب القائلين من السلف والخلف بإنكار جور السلطة بالسلاح ، وقول من خالفهم من السلف والخلف أيضا ، فإنما هو في حق إمامة إسلامية جارَت مقصِّرةً عن واجبها إلى حدّ لايخرجها عن دائرة الإمامة الإسلامية ، في أصولها الشرعيــة ، فلا علاقة لها بواقعنا الموصوف آنفا في تمهيد الحكم ، مع أن الحقّ مع من عارض الإنكار على السلطة الجائرة ـ لا المرتدة ـ بالسلاح .

وأما القسم القائل بالإنزواء والاقتصار على مشاريع إصلاح تنتهـــي إلى تقويم الأفراد والنواحي الاجتماعية ـ القسم الأوّل من مذهب الحلول السلميّة ـ فهؤلاء إذا لم يُعيقوا مشاريع الإصلاح الجذرية التي تعيد للأمـّة رسالتها ،

ولم يتحوّلوا إلى وسيلة في خطّة الأعداء ، يسوقونهــم بديلا عن مشروع الإسلام الحضاري الشامل ـ كما يحدث ذلك كثيراً ـ فيُحرَقون في حركة الصراع لصالح العدو نفسه ، من حيث يشعرون أولا يشعرون .

فلهم فيما هـم فيه ثواب الصالحين ، وجزاء الذين يأمرون بالقسط من الناس ، والله لايضيع أجر من أحسن عمـلا ، ولا يكلَّف عبـدٌ إلا ما يطيقه ، غير أن مـا معهم إنما هــو حلول جزيئة ، ليست فيما نحن بصدده .

ويبقى الخلاف بين مذهب القائلين بسلّ سيوف الجهاد لإصلاح حال الأمّة وإرجاعها إلى :

1ـ نظامها السياسي الشرعي الذي به تقيم أمر الدين ، وتُعلي كلمة الله ، وترفع راية الجهـاد : الخلافة الإسلامية الحاكمة بالشرع ، الجامعة للأمّـة .

2ـ وتوجهها الحضاري العالمي : قيادة البشرية بإعلاء كلمة الله تعالى .

، ومذهب القائلين بالحلول السلمية من داخــل النظام الجاهلي نفسه ، بخوض الصراع السياسي فيه ومعه ، ووفقـا لقواعده .

والحكم هو أن عنوان مشروع الأمّة يجب أن يكون :
في البلاد الـــتي ينتشر فيها مشروع العدو بجيوشه ، هو : رياح قوّة الجهاد الملقّّحة بروح النهضة الشاملة ، في إطار مشروع سياسي شرعي يحقق رسالة الأمّة، لتُمطـر غيث النصر الكامل.
وأما في البلاد الـــتي يختفي فيها مشروع المحتـل وراء الاستبداد ، أو هياكل الأنظمــة العميلة ، ويتحرّك من صورتهــا ، فهــو : قوة تلك النهضة المشبَّعة ، بجذوة الجهاد ، وروح العزّة ، وعلى جميع الحركات الإسلامية المخلصة متعاونةً أن تكون جزءا من تلك النهضة المباركة .

والسبيل الأولى :قوامها ثلاثة أركان ، وآفاتها ثلاث آفات:

الركن الأول: أن يكون إنقياد مشروع الجهاد ، إنقياداً تاما للوحي : في الأهداف ، والوسائل ، والمراحل ، حاملا لمشروع واضح الأهداف الوسيطة ، والنهائية .

الركن الثاني : التمايز عن مشاريع المقاومة الجاهلية ، غير متحـرِّج من إغتنام تقاطع المصالح ، نحو الأهداف .

الركن الثالث : صلاحية البيئة للمشروع الجهادي في الاستيعاب ، والدعم الشعبيين ، وملاءمة الأرض .

وأما آفاتها :

فأحدهــا: الخلاف الذي يُذهب الريح .

والثانيــة : تشتّت الأهداف العليا والوسيطة ، والجهل بالواقع السياسي ، وسوء التدبير القتالي.

والثالثــة: التنازل للعدوّ الذي يُثمر الوهن .

أما السبيل الثانية ، فكذلك قوامها ثلاثة أركان ، وآفاتها ثلاث آفات :

أما أركانهـــا :

فأحدها : وضوح هويّة المشروع النهضوي الإسلامـي ، وتوفـّر الإمكانات الملائمة للعصر القادرة علـى إيضاحه تفصيلا للناس .

الثانـي : الفهم الشمولي للنهضة الإسلامية ، والقدرة الاستيعابيّة للتعدد السائغ فيها.

الثالـث : دعمه بالقوة المعنوية : ومنها الانتشار الشعبي الواسع ، والمادية : ومنها الإقتصاد ، والسلاح حيث يكون مأمونا على أهداف المشروع .

وأما آفاتها فهي :

أحدها: الركون إلى مشروع الجاهليّة، وتذويب مشروع النهضة الإسلامي فيه ـ وفي هذه الدكادك وَقع من وَقع من الأحـزاب الإسلامية السياسية حتى تحوّل خطابها إلى لسان الجاهلية نفسه ، وآل بنيانها إلى رافد من روافدها ـ إمّا على مستوى الفكر بتحريف معاني الوحي تلفيقا على الباطل ، أو توفيــقا معه ، رغبةً أو رهبةً ، أو على مستوى الإخلاد إلى الأرض ، وإتباع الشهوات .

الثانية: العدول عن آفاق الدعوة الإسلامية الحاضنة لمشروع أمّة ، إلى ضيق الحزبيّة محاكاة لواقع الأنظمة المستبـدة ، وهذا ـ وآسفاه ـ هــو واقع عامة الأحزاب السياسية الإسلامية ، حتى إنها سرعان ما تهــرع إلى تقديم مكاسبها الحزبية ، على مصالح الأمة العامة !!

الثالثة : الجهل بحقيقة الصراع ، في آيات الوحي ، وسنن الكون ، وواقع بيئة المشروع ، فيثمـر :

إما المسارعــة بحرق المراحل تشوفا للثمرة العاجلة ، المفضية إلى خسران المشروع لصالح العدو .

أو التباطؤ عن إغتنام الفرص ، والتردد في الإقدام حيث يُحمد .

أو القناعة بالجمود على دور متخلف سرعان ما يتحول إلى ملحق ( ديني ) متبلِّد ، للواقع الجاهلي نفســه ، يخدم مشروعه !


هذا ،، والخلط بين السبيلين ، ريما يثمـر نتائج بالغة السوء على الإسلام ، فكما أن الإنكفاء عن جهاد المحتل والسقوط في شرك الحلول التلبيسيّة الأخرى دركٌ موغل في الخيانة لله ولرسوله ودينه ، كذلـك تجاهل توفير أسباب نجاح مشروع الجهاد ، وكذا اقتحام رايته إقتحام الحُطَمة ، إستهانةً بالدماء واسترخاصاً للأرواح ، خبطُ تغـرّر ، ونهجُ تهوّر ، يضيفان إلى رصيد العدو ّنصراً مجانيا ، ويفتّان في عضد النهضة الإسلامية ، ويكسران حردها ، وكما قيل في المثل : قتلت أرضٌ جاهلها ، والتباطؤ في درك مالا يدرك إلا به ، حكمة ، وقيل : قد يدرك المبطِىء من حظِّّه ،



هذاوإن الأمر من قبل ومن بعد لله تعالى ، يستعمل من يشاء في مرضاته ، ويصطفى من يشاء إلى درجاته ، ويؤتي الملك من يشاء ، وينزعه عمّن يشاء ، ويعزّ من يشاء ، ويذلّ من يشاء ، قد جعل لكل شيء قدره ، وقضى بحكمته على كل فرد ، وجيل ، بما يطيقه ، فلن يعدو أحدٌ قدره ،

وإنما نصر هذه الأمة وتمكينها بيد الله ، الله تعالى راعيها ، إلى الرشد هاديها ، يجمع شملها ، ويلم شعثها ، ويُلحـق شاردهـا بحاديها ،

وهي في هذا الطريق سائرة ، ونحو الاجتماع والقوّة مراكبها هادرة ، ألا ترى روح الإسلام بدأت فيها تسري ، وقوة الجهاد أخذت فيها تجــري .

ثـم يؤتي نصره من يشاء ، ينزله على من يصطفيهم برحمته ، يجندهم في طريق الجهاد ، بعدما ينبتهم فيه نباتا ، ثم يفرغ عليهم صبرا وثباتا .

فطوبى لعبد جعل الله وجهه ، والجنة غايته ، حاملا لواء الإخلاص ، متدثرا برداء الإخبات ، إما آخذٌ بعروة سلاحه مجاهدا ، أو قائــمٌ على مشروع من مشاريع الخير في الأمة بارّا راشـدا ،

يدعو إلى بصيرة ، يجمع الأمّـة ولا يفرقها سبلَ الردى ، ويعلم الخيـر ، وينشر الهدى .

وإنما الشأن ـ لعمري ـ كلُّ الشأن ، فيمن ينظر إلى القضاء الإلهي بعين الرضا والتسليــم للأحكام القدريـّة ، وإلى آنات العمر بعين التشمير في منازل العبودية .

متخذا الشيطان عدواً في جميع أحوالــه ، متجنّبا العوائق ، والعلائق ، مجانباً الهوى ، وحبَّ الدنيـا ، في حله ، وترحاله .

فيرتقـي درجات إياك نعبد وإياك نستعين ، محققا صفات المتقين ، متربّصا بلحظة القدوم على رب العالمين منفردا فريدا ، متطلعا إلى الفوز المبيــن مرضيا سعيدا .

قال الحق سبحانه (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) .

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ** وقد يكون مع المستعجل الزلل


هذا وقد ذكرت هذا البيان ، لمن ندموا بـعدُ على ترك الإهتداء به ، ولات ، بعدما أُهريقت دماء ـ كأنمّا سُفكت من سويداء القلب ـ كان حقنها أولى ، وتلفت أرواحُ أعزّةٍ كانت ساحات الجهاد بها أولـــــى :

بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى ** فلم يستبينوا النصح إلاّ في ضحى الغد


وقد مضت سنة المرسلين و المصلحين في مسيرة التغيير في خمـس سبل :

والسادس سبيل ضلالة :

1ـ سلّ السـيوف وإعلان الجهاد فيما شـُرع ، كما ورد في نصوص الوحي .

2ـ أوالهجرة والجهاد ، إن لم يتيسّر في أرض ، كما فعل نبيّنا صلى الله عليه وسلم .

3ـ أو الهجرة مفارقةً للجاهلية ، إعتزالاً وصبراً على الغربة ، كأصحاب الكهف .

4ـ أو الإصلاح بالدعوة إن ترجّحت مصلحتها على الجهاد بالسلاح أو العزلة .

5ـ أو الصبر على الغربة بين النّاس وهجرهم ، إن عم ّالشر وانتشر ، كما في الحديث :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : ( بينما نحن حول رسول الله صلى اللهعليه وسلم إذ ذكر الفتنة فقال إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانواهكذا وشبك بين أصابعه قال فقمت إليه فقلت كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك قالالزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنكأمر العامة ) خرجه أحمد وأبو داود والحاكم .

أما سبيل الضلالة : فهو أفساد الدين ، إرضاءً لإعداءه ، واسترضاءً لسلطة مستبدّة محاربة لدين الله ، والإفتراء على الله الكذب إيثارا للمكاسب الحزبية أو الشخصيـة ، على حفظ الشريعة من التحريف ، جزعاً من الصبر على الغربة ، أو طمعها في حطـامٍ من الدنيا الفانية .

فهذا الأخيـر من سبل الشيطان ، لم يسلك فيه إلا أتباعُه ، الذين يتخبط به في غير هدى ، ولهذا ترى عاقبة أمرهــم عادة تُفضي بهـم إلى أسوء السوء ـ عافنا الله ـ حتى يصبحوا شركاء في كل جرائم الظلمة ، وربمّا حرسوها ودافعوا عنها أشدّ مما يقترف الظلمة أنفسهم ، لاينفعهم إعتذارهم أنهم يتّبعون أرجـح المصلحتين ، ويدرءون أشد المفسدتين ، بل هذا من وضع دلائل الشرع في مقامات الهوى ، والإستدلال بها على سبل الردى ، ومن أجل هذا لم يزل السلف الماضون يحذرون من أبواب السلطان .

وينبغي أن يُعلم أن مبنى السياسة غير الشرعية على تحصيل الممكن ، ولهذا قيل : السياسة فنّ الممكن ، وتحقيق المكاسب فيها تابـعٌ للأهواء ، فمساحة التنازل فيها أوسع من أفق الفضاء .

أما مبنى الشرع ومنه السياسة الشرعية ، فهو على تحقيق العبودية بالإنقياد للشرع ، فإن لم يمكن تغيير الواقع الجاهلي ، على هدى من الله تعالى المنزّل على نبيه صلى الله عليه وسلم ، فسبيلُ المؤمنين الصبر على غربة الدين .


الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 07/12/2006