قصيدة : قم ناج ربك ..بمناسبة ليلة القدر هنـا
أحكام تتعلق بليلة القدر والعشر الأواخر والإعتكاف هنـا
العشـر الثوائــر !
حامد بن عبدالله العلي
عندما تقول هذه الأمـَّة للطاغيـة : إرحــل ، فإنها حقـَّا أمَّـة الخيـر ، والعـدل التي تستحق جائـزة ليلة القـدر .
إنَّ العالـم بأسـره فيما سيأتي ، على ميعاد من نـور ، مع بؤبؤ عين الدهـر ، وعاصمته الزمانية ، وقطـب رحى الأيـام ، وخلاصـة الساعات والأعـوام .
وما فضِّلت العشر الأواخر إلاَّ لأنها كالحـرم لهذا الليلة ، فهي تحـفُّ بها ، كما يحـفُّ الحـرم بالبيت العتيـق عاصمة النور المكانيـّة على أميـال منه.
إنها ليلة القدر التي عظَّمها الله تعال في القرآن غايـة التعظيـم ، قائلا عـزَّ من قائـل : ( وما أدراك ما ليلةُ القدر ، ليلةُ القدر خيرٌ من ألفِ شهر ) .
وقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ) خرجه النسائي وغيره .
إنها ليلة القدر التي أهداهـا الله تعالى جائزةً لهذه الأمـَّة أولاً ، وجائزة للصائمين ثانيـاً ،
فكما أنَّ لكلِّ مجتهد في الخدمة مكافأة يُخَصُّ بهـا ، أعطـى الله تعالى للصائمين الذين حرموا أنفسهم لـذَّة الشهوات ، وأحيوا ليلهم بتلاوة القرآن ، وأطاعوا ربهم غير معترضين على أمره ، وانقادوا لشريعته مؤثرين رضاه على مُتَع الدنيا ،
أعطاهم هذه الجائزة الجزيـلة ، والمكافأة العظيـمة ، وهي مضاعفة عملهم الصالح هذه الليلة حتى يصير أكثر من عمل أعمارهم كلِّها ، وزيادة مغفرة الذنوب ، كما في الحديث ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
ولهذا جُعلت ليلة القدر في الثلث الأخير من الشهر ، فالجوائز تعطى في الخواتيـم .
وأما كونها جائزة لهذه الأمة ، فلأنهـا أمَّـة الثورة على الباطل ، والظلمات ، والضلال ، والطغيان ،
فاستحقـَّت أنَّ يُهديها ربها هذه الليلة العظيمـة ، ليضاعف ثوابها مضاعفةً تفوقُ أعمـار أفرادها .
وأما كونها أمـةَ الثورة على الطغيان ، فقد قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ، وقال ( وكذلكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) ، وقال ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ) ،
فما صرنا خير أمّة إلاّ لأنّنا نغيـِّر الواقع بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأعظم المعروف هو العدل ، وإصـلاح الناس والبـلاد ، وأعـظم منكر هو الطغيان في الأرض ، وإفسادها بالظلم ، والجور على العبـاد .
وما جُعلـت الأمَّة الوسط ، أي الخيـار ، إلاّ لأنهـّا تشهد بالحقّ على كلِّ شيء ، على الهدى ، والعدْل بأنـه هدى ، وعـدل ، وعلى أهله بأنهم المهتـدون ، المقسطون .
وعلى الضلال والطغيان ، بأنّه ضلال ، وطغيـان ، وعلى أهله بأنهم الضالون ، الطغـاة .
ولهذا يكونون هم الشهود على جميع الأمـم يـوم القيامة ، كما روى أحمد وابن ماجه وغيرهما عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ , وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلانِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمُهُ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : لا ، فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ , فَيُقَالُ لَهُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ ؛ فَيُدْعَى مُحَمَّدٌ ، وَأُمَّتُهُ ؛ فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ؛ فَيُقَالُ : وَمَا عِلْمُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا , فَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) قَالَ : يَقُولُ : عَدْلا ، لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ).
وقال الإمام ابن كثيـر رحمه الله : ( والوسط ههنا الخيار والأجود , كما يقال : قريش أوسط العرب نسباً ، وداراً ، أي : خيارها , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه , أي أشرفهم نسباً , ومنه : الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات ، وهي صلاة العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها ) .
وليس معنى ( الوسط ) في الآيـة الذبذبة بين الحقِّ والباطل ، والمداهنة في الدين ، بعدم الإنحياز لأحكامه ، ولعقيدة المؤمنين ، إرضـاءً للطغاة ، وأنظمـةَ الظلم ، ومَنْ وراءهم مِنَ المستكبرين في العالم ، كما تروِّج له الفرقة الإنبطاحيّة الإستخباراتيّة !
بل الأمـَّة الوسط هـي التي تقول للطاغية أنتَ طاغية ، فارحـل .
وتقول لمن يحكم ( بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ) : أنت عادل فاحكـم .
وفي ليلة القدر تتنـزَّل الملائكة والروح ، وهو رئيس الملائكة جبريل عليه السلام ، ملك الوحـي الذي نزل بالقـرآن ، إلى الأرض ، محتفلين بميعـاد أول ليلة نزل فيها جبريـل عليه السلام بهذا الكتـاب المجيـد ،
وكان أوّل مانزل به ، آياتُ التعليم التي قال فيها سبحانه : ( اقرأ بإسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقـرأ وربُّك الأكرم ، الذي علّم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلـم ) .
فماذا كان أوَّل علم بعد قوله : ( علَّم الإنسان ما لم يعـلم ) ؟
إنـَّه الثورة ضـد الطغيان الإنساني ، بأداة الزجـر ( كـلاّ ) ، ( إنَّ الإنسان ليطغـى ) .
إنَّ ليلة القدر ما عُظِّمـت إلاَّ لأنها نزل فيها القرآن العظيـم ، والقرآن لم ينـزل إلاّ للثورة على طغـاة الأرض ، وإزالـة طغيانهـم ، وإحلال العدل مكانـه.
ثـمَّ لم يكد يطرق قلبَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلّم هذا التعليم الربانـي ، حتى ذهبت به خديجـة رضي الله عنها ، إلى ورقة بن نوفـل رضي الله عنه ، فأعطاه الدرس الثاني في الثورة على الطغيـان ،
وأنبأه أنـّه جـاء بالناموس الذي يواجه الطغـاة ، وأنهم سيحاربونه ، ويخرجونه ، فأوحى الله تعالى إليه كما في الحديث القدسي : ( اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا أَخْرَجُوكَ , وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ , وَأَنْفِقَ فَسَنُنْفِقُ عَلَيْكَ , وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثُ خَمْسَةَ أَمْثَالِهِ , وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ ) رواه مسلم .
تتنـزَّل الملائكة وعظيمها جبريـل ، لتتذكـر ذلك الميعاد العظيم ، وتشهد في الليلة التي يُفـرق فيه كلُّ أمـرٍ حكيم ، مسيرة هذه الأمـَّة ، من تلك الليلة العظيـمة ، وعبـر الأعـوام ، إلى هذا العـام .
إنـَّه التقريـر السماوي السنـوي عن هذه الأمّـة .
وأحسبُ لو كانت سترتفع شاهدةً على هذه الأمـَّة في هذا العام المبارك ، فإلى ربهّـا حاملةً معها الدعـاء في مساجد المسلمين ، ودماء شهـداء المؤمنيـن .
ستقول : _ والله أعلم منها بما تقول _ ياربَّنـا إنَّ أمـَّة القـرآن باتت تختـلف رمضـان هذا عمّـا مضـى ،
فإنـّها غـدت تتلو كتابك في صلاتـها ، ثـم تنطـلق إلى الحياة لتزلـزل عروش الطغـاة .
إنَّهـا تحـيي العشـر الثوائـر ، كما تحيي العشـر الأواخـر ،
وقد نهضـت من نومـها ، واستيقظـت من سباتـها ، واستعـلنت بحقها ، وكسرت حاجز الخـوف ، واستعـلت على الخـلود إلى الأرض ، وانطلقت تنشـد الحريـة من ربقـة الطواغيـت .
إنها اليوم أمـَّة القــرآن التي تقوم بـه في الحياة ، كما تقوم به في الصـلاة ، وتقرأه في المحاريـب ، لتحمله مشعل هداية للبعيد والقريـب .
فالحمد لله رب العالمـين .
الحمد لله الذي أقـرَّ أعيـننا بشهود تباشيـر نهضة الأمة في ليلة القدر هذا العام ، ونسأل الله تعالى أن لاتأتيـنا ليلة القدر المقبلة إلاَّ وأمتنا قـد استكملـت نهضتها ، ويممـَّت وجهها شطـر الوحـدة ، وتوجَّهـت إلى المجـد ، وسارت في طريـق العـزِّة ، وإسلامها هو حاديـها ، وقـرآنها هو هاديها ، وربها حسبها وكافيها على من يعاديـها .
آمين وحسبنا الله ، ونعم الوكيل ، نعـم المولى ، ونعيـم النصيـر الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 20/08/2011 عدد القراء: 12065
أضف تعليقك على الموضوع
|