11/9
حامد بن عبدالله العلي
لايبعد عن الحقيقة زاعـم أنه لم ينل حادث من ضجيج التحليلات ، ولم يحظ حـدث من سيل التعقيبات ، ماناله هذا الحدث العظيم ، حتى صار بمنزلة حرب عظمى ، لكنها خاطفة ، لم يكن بين إنطلاقها ، وإنقضائها سوى ومضات سريعة ، غير أنها خلفت وراءها ما لـم تخلفه كثير من الحروب العالمية ، عبر التاريخ.
ولعـل أكثـر تلك التحليلات إنتشاراً ، تلك التي تصف الإدارة الأمريكية ، بأنها كانت إلى ذلك الحادث بالأشـواق ، وكانت متطلّعـة إلى تحقيقه ذلك الدمار الذي حققه ، أشدّ من تطلـع الأسير إلى الإعتـاق.
وإنّمـا كانت كذلك لأنَّ الحلم الذي هيمن على هذه الإدارة ، وأُشربتـه قلوب المحافظين الجدد المتصهينين ، كان بحاجة إلى حدث هائل بحجـم ذلك الحلـم ، ليحوّله إلى حقيقـة
ونعنـي به الحلم الذي وصفته الكاتبة الأمريكية "ميريل ميراك" كما نشرت ذلك صحيفة الرأي العام الكويتية 31/5/ 2003م :
(أشارك اليوم في بحث مشكلاتنا في واشنطن، من حيث حرب الولايات المتحدة غيرالشرعية على العراق، التي أثارت المخاوف في العالم الإسلامي ، والعالم كله، والتي خالفت الإدارة الأميركية فيها الأمم المتحدة ، والقانون الدولي، وأعلنت أنها ستقود العالم كإمبراطورية رومانية جديدة ، وسوف تحطّم من يقف ضدها !
وعن الحرب الأميركية الوقائية قالت: ( في سبتمبر من عام 2000م، نشروا تقريراً حول إعادة بناء دفاعات أميركا ، وهذا التقرير أعاد كما في عام 1999م ،الدعوة من جديد إلى تقوية الولايات المتحدة ، من أجل هزيمة أيّ منافس ، وتحدثوا عن ضرب العراق بشكل محدّد, وفي سبتمبر من عام 2002 نشرت الاستراتيجية الأميركية الأمنية الجديدة للحرب الوقائية ، وهي التي تحدثت بوضوح عن إمكانية توجيه ضربات نووية إلى روسيا ..)
وقالت: ( إن هذا العرض الذي قدمته ، يظهر لكم أن السياسة القومية الأميركية ليست جديدة ، وليس لها علاقة بالعراق تحديداً، وهي تكشف كذب ادعاء الإدارة الأميركية الذي يقول : إنّ حربهاضد الإرهاب هي رد فعل لما حدث في 11/9/2001، لقد كانت هذه السياسة متبعة منذ نحوعشر سنوات، وهي التي دفع بها تشيني والصقور من ورائه في الإدارة الأميركية، ولكن بعد وصول بوش إلى السلطة في يناير 2001، أصبحوا هم الحكومة وجاؤوا بعد ذلك بوولفويتز ، وبيرل) أ.هـ
أما الخلفية العقدية لهذا الحلم ، فلم أجـد أفضل من وصف الكاتب المصري سمير مرقص الذي قال :
(ثم تنامى دور اليمين الديني في عهد كلنتون ، لكن كلينتون أيضا لم يكن متدينا ،ولذلك كان لديه هامش مناورة بينه وبين اليمين الديني ، المشكلة أتت بتولى الرئيسبوش الابن مسئولية كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية ، لأن الرئيس ( بوش ) في الحقيقة هو أحد أبناء اليمين الديني الذي يسمى بالمصطلح الديني ألـAGAIN- BORN ، أي ولد من جديد ، فقد كان بوش شخصا بعيدا عن الإيمان ، وفي صباح أحد أيام 1995م ،اكتشف أنه لابد أن يعود إلى الله ..
وأصبح الدين جزءا أو مكونا أساسيا في الإدارةالأمريكية ، ولأوّل مرّة أيضا يتحالف الجناح المتشدد في الحزب الجمهوري الأمريكي مع اليمين الديني ، ويقومون بعمل صيغة ، أو خلطة جديدة في أمريكا ، وقد بدأت هذه المشكلة في يناير 2001م ، إلاّ أننـّا لم نشعر بها وقتها ، ولذلك فربما كانت واحدة من مزايا 11/9، أنه أظهر لنا هذا بشكل واضح ، وجسده بشكل واضح ، بالنسبة للسياسة الخارجية ، أوالعلاقات الدولية بشكل عام .
ثم يقول : ( ومشكلة هذا اليمين أن الإدارة الحالية في الحقيقة هي تجسيد مهم جدا لفكرة التعامل مع العالم من خلال إعادة نمط التوسع الغربي أيام الكشوفات الجغرافية ، فحين بدأت أوربا الانتشار في القرن الخامس عشر ، أو قبل ذلك أيضا
بدأت تنتشر في العالم بمنطق التوسع الغربي الذي يقوم على ثلاثة أشياء :
العسكر أو القوة المسلحة ، والتجارة ، والتبشير ، ولذلك فإنّ كل التوسعات الغربية التي تمت في أمريكا اللاتينية ، وإفريقيا ، وغيرها كانت المراكب من خلالها تخرج من إسبانيا ، أو البرتغال ، أو غيرها ، وتذهب إلى هنا ، وهناك ، وهي تحمل ثلاثة مكونات : التاجر ، والعسكري ، والمبشر ، وهنا يتضح أنَّ العسكر رمز القوة ، واستخدام القوة ، والتاجر رمز تبادل الثروة ، والتجارة .. إلخ ، والمبشر هو شكل من أشكال الهيمنة الثقافية .
وأتصور أن الرئيس بوش أعاد مع الإدارة الجديدة هذا النمط من التوسع الخارجي عند التعامل في العلاقات الدولية ، ولذلك ليس مصادفة أن كل الأدبيات التي نتجت عن هذه الإدارة ـ سواء قبل 11/9 أو بعد 11/9 ـ كلها لا تخلو من الثلاثة عناصر السابقة ، ليس هذا فقط ، بل إنني وقع في يدي بعض الوثائق أثناء الحملة الانتخابية للرئيس بوش .
وكانت كونداليزا رايس ، مستشارة الأمن القومي الحالية هي المسؤولة عن تقديم ، السياسة الخارجية أثناء الحملة الانتخابية المعبرة عن الحزب الجمهوري ، تتحدث عن الثلاثة مفاهيم هذه :
فكرة كيف يقوم التوسع أو التحرك الدولي على هذه الأسس الثلاثة ، وفكرة النظام المالي والاقتصادي العالمي وفكرة استخدام القوة ـ سواء العسكرية أو غير العسكرية ـ أو استخدام القوانين الدولية مثل قانون الحرية الدينية أو غيره ، ثم استخدام الهيمنة الثقافية أيضا
سواء من خلال استخدام الإعلام الأمريكي القوى ، والآلة الإعلامية الجبارة ، أوباستخدام وسيلة التبشير ، ولذلك فعند قراءة كتابات ( هنتينجتون ) وكتابات أخرى كثيرة قراءة متأنية نجدها تتضمن إعادة تقسيم العالم على أسس حضارية ، وثقافية، ودينية، لإعادة رسم خريطة العالم مرة أخرى ، لكن تقسيمة ( هنتيجنتون ) للأسف ليست موجودة في الترجمة العربية )أ.هـ.
هذا الحلم كان هؤلاء المعقَّدون ، المتعصّبون في الإدارة الأمريكية ، ينتظـرون ما يشعل فتيـلته الأولـى ، فظنوا أن 11/9 جاءت بالفرج المبين ، وأنَّ في ظلال تداعيات هذا الحـدث ، وفي غمـرة شعور المسلمين بالذنب ، وفزعهم من غضـب القوّة الأمريكيّة ، وخوف العالم من ردة الفعل الأمريكية ، يمكن لأمريكا أن تهيـمن على العالم كله في فترة يسيرة .
فتحتلّ أفغانسـتان ، لتحاصر روسيا ، ولتنهي الحالة النووية في باكستـان بالتحالف مع الهند ، وتحتل العراق ، ومن بعـده سوريا ، وتغير النظام العدائي في طهران ، ولتنهي الخطر على الكيان الصهيوني إلى الأبد ، وتقضي على القضية الفلسطينية ، ثم تكرّ على جميع المنطقة ما بين الفرات إلى النيـل ، وشرقا ، وغربا ، فتعيد تشكيلها كما يحلمون ، تشكيـلا يقضي على نور الإسلام ، ويقوض في المهد هذه النهضة الإسلامية التي انطلـقت في العالم الإسلامي .
ثم إن العالم بأسـره بعـد ذلك ، إنمـا هو تبعٌ لمن يهيـمن على هذه البقعـة من الثروات ، وتقع في قبضتـه ما فيها من القدرات !
هكذا تخيَّلوا ، وبهذا حلموا ، فماذا حدث بعد سبعة أعوام من 11/9 :
أهلكت أمريكا 8 تريليونات دولار ـ نحو ضعف ما أهدر في الحرب العالمية الثانية ـ في حربيها في العراق ، وأفغانسـتان.
ودخل الاقتصاد الأمريكي في ركود كارثي.
إزدادت صورة أمريكا تشوّها في العالم ، وتوالت فضائحها ، وسقطت ورقة التوت عن شعاراتها الزائفة ، وقـد اقترنت تلك الشعارات بصور غوانتنامو ، وأبو غريب ، والسجون السرية ، والقوانين البوليسية ، وستصبـح هذه الصور ملازمة للثقافة الأمريكية ، ربما إلى عقود مديدة.
وعاد عليها إحتلال العراق بنقيض قصدها ، فهي الآن لا تملك سوى الخروج منه ، بعد أن كان أكبر المستفيد من كلّ حماقاتها النظام الإيراني ، ومع ذلك فإنَّ المقاومة في العراق كامنـة في ضمير كلّ عراقي شريف ، وسرعان ما ستشتعل من جديد ، ولاريب ليـس للمشروع الأمريكي أيّ مستقبل في العـراق ، بل مصيره إلى الفشـل التام ، بعد أن تكبـَّد خسائر بشرية ، ومادية ، لايكاد يحصيها العدّ ، وحتى أصبح الإنتحار في الجيش الأمريكي في أعلى مستوياته بسبب الحرب في العراق.
كرَّست المقاومة الفلسطينية مكاسب كثيرة ، حتى هيمنـت على قطاع غزة ، بينما فقد الصهاينة رموزهم ، وانهارت روحهم المعنوية ، وافتضحـت أسطورة جيشهم المزيفة في حرب لبنان .
تعاظمت الصين مستفيدة من الأخطاء الأمريكية ، واستعادت روسيا قوتها بعـد ارتفاع أسعار النفط ، والغاز ، بسبب الحماقات الأمريكية في العالـم ، ووجهت روسيا لأمريكا عدة صفعات في القوقاز ، وانطلقت أساطيلها البحرية لتناكف أمريكا عند حدودها البحرية ، حتى نظمت مناورات عسكرية مع فنزويلا ، وأحيت ترسانتها العسكرية الصاروخية النووية ، وقاذفاتها الإستراتيجية ، فأعادت إلى الأذهان أيام الحرب الباردة ، فحطمـت كل الأحلام الأمريكية بالهيمنة على العالم ، حتى قال الرئيس الروسي للأمريكيين مؤخرا بكل ووضوح وصرامة :
لن نقبل بعالم تهيمن عليه أمريكا .
انتشرت الدعوة الإسلامية أضعافا مضاعفة بعد 11/9 ، وتضاعف الداخلون في الإسلام حتى في الغـرب ، وبدت واضحة جدا تلك الظاهرة التي تسمى ظاهرة إنتشـار التدين في العالم الإسلامي ، حتى نجح الحزب الذي يسمح بالحجاب في تركيا ، حيث أشـدّ نظام كان يحارب الإسلام ، وقـد غدت الفضائيات الإسلامية أبرز سمـات الفضاء الإعلامي بعد 11/9 ، وحقق الإعلام الإسلامي قفزات هائلة .
أما في أفغانستـان ، فعادت حركة طالبان إلى قوتها ، وامتـدت إلى داخل باكستـان ، وحصـدت دعما كبيرا ، وهي الآن تنتشـر بقوة ، ويقف وراءه الشعب الأفغاني ، والباكستـاني.
وأصبح العالم الإسلام أكثرُ إعتزازا بدينه ، وأشـدُّ تمسكا بهويته ، وأحيت الحرب الصليبية التي أعلنتها أمريكا ، ثقافة الجهاد في العالم الإسلامي ، وجندت لها الملايين.
والخلاصـة :
قضى الله أن البغـي يصرع أهله ** وأنَّ على الباغي تدور الدوائـر
الشيخ حامد بن عبدالله العلى
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 26/09/2008 عدد القراء: 5348
أضف تعليقك على الموضوع
|