ماوراء تفجيـر سفـارة الهنـد في كابــل
حامد بن عبدالله العلي
عقدة باكستان الكبرى أنها لم تشـأ أن تتجنب إلتزامها بما يُسمى الحرب على الإرهاب ـ أو ظنت أنها لاتقدر أن تتجنب ذلك ـ في الوقت نفسه الذي يسوقهـا هذا الإلتزام إلى أن تدفع ثمنـا باهضا ، يهدِّد وجودها ، وصمودها في مواجهة أبغض وأشـدَّ أعداءها الهنـد.
ذلك أنَّ باكستان عن بكرة أبيها هي بلاد الجهاد الإسلامي بإمتياز ، فمـن "قراقورم" على الحدود الصينية مرورا بـ"وزيرستان" و"جلجت" و"بشاور" و"راولبندي" و"سرغودها" و"فيصل أباد" و"جهنك" و"ملتان" و"بهاولبور" و"زهوب" إلى "كراتشي" ، كلها منابع ، ومستقر ،ومستودع ، الفكرة الجهادية ، والجماعات المجاهدة
ولم تتولّ قــط سلطـة سياسية على باكستـان إلاّ وهي تعـلم أنها لايمكنها مواجهـة الهنـد إلاَّ بتحالف مـا مع هذا الخط الناري المتناثـر فــي وعبر حدود باكستان في مجاميـع الجهاد ، والممـتد في العمق الإستراتيجي لباكستان في أفغانستـان الإسلامية والمعادية للهنـد ولحلفاء الهند الغربيين والصهاينة.
وكما أنَّ الهند هي الخطر الأكبر الذي يهدد باكستان ، فإنَّ باكستان تعلم أيضا أنَّ علاقات أمريكا مع باكستـان تبقى دائما علاقات ذرائعيّة مؤقـتة ، وأنَّ واشنـطن مع الكيان الصهيوني ، مهما أظهرتـا خلاف ذلك ، لن يهنـأ لهما بال قبل القضاء على باكستـان الدولة النووية والمسلمة ، ليس خوفا من سلطة سياسية يمكن شراؤها ، ولكن خشيـة أنّ شعبـاً هو أكبـر مخزون إسلامي جهادي على وجه المعمورة، قد يأتي يوما مـا بسلطة سياسـة لايمكن شراؤها .
ولهذا لما جاء نظام العميل كرزاي الأمريكي الذي شكل أكبر تهديد لباكستان بعد الهند ، بديلا عن حركة طالبان التي رأت فيها باكسـتان ، ولازالـت ـ كما المقاومة الكشميرية ـ رصيداً مهمـاً يعزّزها ضــدّ الهنـد ، لما جاء هذا النظـام الصهيوصليبي ، لم تتفاجـأ باكسـتان بتحالفه مع الهنـد ضدَّهـا ، ولم يغـب عنها طرفـة عيـن أنَّ الهنـد والتحالف الصهيوأمريكي سيحاصـرون باكسـتان بهذا النظـام.
أي أنهَّـا علمـت أنَّ بقاء نظام كرزاي سيكون شوكة في خاصرتها .
وتعالوْا نتذكَّـر بعض التاريخ ، فقـد كانت الهند بين أوائـل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني ، في الخمسينيات من القرن الماضي ، كما تميـزت العلاقات الهندية الصهيونية بالتعاون النووي بشكل علني ، لاسيما بعد 1992م ، حتى أُعلن عـن تلقي مائة ضابط هندي تدريبات في الكيان الصهيوني ، كما سمح لمخابرات هذا الكيان بأن تقيم مكتبا في كشميـر ، قرب الحدود الباكستـانية ، تحت زعم مكافحة الحركات ( الإرهابية ) ، كما رجح مطلّعون على هذا التعاون أنَّ العديد من التجارب النووية التي أجريت فوق التراب الهندي تمت لحسـاب الكيان الصهيوني .
كما تحتضن الهنـد أكثـر من 150 شركة استثمارية صهيونية ،والعدد يزداد.
ولهذا كلَّه فإن التحالف الصهيوأمريكي لايمكن أن يقارِن بين باكستان التي لم تنضم إلى التحالف المزعوم ضد ما يسمى الإرهاب إلاَّ بعد التلويح بعدم ضمان أمن المواقع النووية الباكستانية ، وهو تهديد مبطن ، وبعد الترغيب بإسقاط الديون الخارجية ،ورفع العقوبات الإقتصادية ، ووعود بتغيير الموقف الغربي من قضية كشمير ..إلخ
بين باكسـتان هذه ، و الهنـد التي تتبنى نفس الحرب الصهيوأمريكية على الإسلام ، وبنفس الروح ، التي لاتميز بين العنف المحرم ، والمقاومة المشروعية ، وبنفس الغايات الخبيثة التي تعادي الإسلام .
وبمعنى آخر إنَّ الهنـد لهـا نفس الأهداف الإستراتيجية التي يريدها المعسكر الصهيوأمريكي في القضاء على الحالـة الإسلاميـة في كلِّ تلك المنطقة الممتدة في جنوب شرق آسيا ، بدءا من باكستان ، وشمال ذلك الشرق ، وفي أفغانسـتان وحولها .
وهي أوفى حليـف لأمريكا الباحثة عن تموقـع حول بحـر قزوين المليء بالنفـط ، وبجوار التنين الصينـي المرعـب ، وفضـلا عن ذلك كلِّه ، شـرق الأسد الفارسي الذي غـدا يثير كثيراً من القلـق الغربي عنـد أكبـر مخزونين للنفط في الخليج وقزويـن.
ولهذا صارت الهنـد حليفا استراتيجيا لابديل عنه ، وصارت باكستـان بين مطرقة هذا العـدو اللدود ، وسنـدان الضغوط الأمريكية الهائلة عليهـا.
ولايخطىء المتابع لما يجري في باكستان من تغيرات كبيرة في الآونة الأخيرة ، بدءا من تردي نفوذ برويز مشـرف ، مرورا بإغضاب أمريكا بالتحالف مع طالبان الباكستانية ، وانتهاء بالتفجير الأخيـر الذي هـزَّ كابـل ، وأنها كلها تدور حـول ما ذكرت ،وتؤذن بتغيـرات كبيـرة قادمة.
ولاريب أنَّ التفجيـر الهائل الذي زلزل السفارة الهندية في كابـل هذا الأسبوع ، يعـلن بدء مرحلة جديـدة تدخـل فيها باكستـان بقوة على معادلة الصراع في أفغانستـان .
ولعلَّها إذ تفعـل ذلك هـي تعلـن بصـوت واضح ، إنها لن تسمـح للتحالف الهندوصهيوأمريكي أن يحول أفغانستـان إلى رصيد الهنـد ، حتى لو تحوَّل المشروع الأمريكي فيها إلى فوضـى.
وتأمـل هذا التوافـق العجيب بين صنيع إيران المعادية للغرب في العراق لئلا ينجح المشروع الصهيوصليبي في العراق ، وصنيع باكستـان المتحالفة مع الغرب في أفغانسـتان لئلا ينجح المشروع الهندوصهيوصليبي في أفغانسـتان ، وتذكر قول الحـق سبحانه :
(لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) ..
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 08/07/2008 عدد القراء: 11146
أضف تعليقك على الموضوع
|