كلام في الصميــم
ونصائح لفصائل الجهاد في العراق
،
حامد بن عبدالله العلي
،
الحمد لله والصلاة والسلام على نبنيا محمد وعلى آله وصحبه ،وبعد :
فإنّ الله تعالى قد أخذ الميثاق على أهل العلم ليبينّنه للناس ولا يكتمونه ، وأنْ يحمـوا أحكام الشريعة عن التبديل ، غير عابئين بما يصيبهم من الأذى والتنكيل ، ثم إذا برأت ذمَّتهم مما أوجب الله تعالى ، فتلك والله هي النعمة العظمى ، والمنـّة الكبرى ،
وليس عليهم أن يقبل الناس النصح ، ولا يضرّهم أن يرفضوه ، فالناس من تراب وإلى التراب ، نواصيهم بيد خالقهم ، وأمرهم إليه سبحانه
وإن كان أكثرهم قد جُبل على التمسّك بما يرجع بالنفع إليـه ، وشـقّ عليه التحوّل عما نشـأ عليه ، فلا بـد أن يأتي يوم ، وتنكشف الحقيقة ، وتسقط إمبراطورية الوهـم ، التي تقيمها الأسماء الوهمية ، وينفخ فيها المجاهيـل أمانـي عريضة من خداع النفس ، وسيتبيَّن للناس أنّ كلمة الحـق باقية ، وسواهـا إلى الإضمحلال فانيـة .
ونحن لئن نبيـّن للناس أحكام الشريعة المطهّرة كما نزلت ، ونميّزها عن الواقع المخالف لهـا ، فيكـره بعض الناس من كلامنا ما يكـرهون ، ويختلـق بعضهم ما ليس بحـقّ ما يختلقـون ، فحسبنا أن الله علاَّم الغيوب يعلـم أنه ليس بحـق ، وحسبنا أننا سنوليه سبحانه حساب قائله .
والله علامُ الغيوب وحده يعلم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، أننا لم نكتب ما كتبنا إلاّ بما رأينا أنه واجـب شـرعيّ لحماية شعائر الدين ، لم ، ولا ، يهمّنا سوى إرضاء الله تعالى ، ولم ، ولا ، يهمنا أن يرضى عنا شخص أو جماعـة ، أو تسخـط ،
( إنك ميت وإنهم ميتون ، ثم إنكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون ) .
ولئن نبيّن للناس هذه الحقيقة ـ وإن كانت مرّة ـ ، خيـر مـن إبقاءهم يحلمون بآمـال لاحقيقة لها ، ثم يُصدمـون أخيـرا بكارثة تحبط نفوسهـم ، وتبلبل أفكارهـم ، وتردهـم إلى الحيرة ، والإنتكاس ، والتيه .
فخذوها واضحة مدويـَّة ، لالبـس فيها :
أيتها الأمـّة الخيّـرة الرشيدة ،
بما فيك من علماء عاملين ، ودعاة مخلصين ، ومفكرين مصلحين ، ومثقفين مستنيرين ، ومؤسسات خيرية ، وحركات إسلامية ، ورجال صادقين ، ونساء صالحات ، وشعوب أمتنا الحبيبة ، هي مادة أمتنا المباركة ،
وبما فيك من شباب أغرار ، يتلقون من شبكة الإنترنت كلّ كلام ، فيأخذونه على عواهنــه ، ويظنون كلّ قائل مخلصا صادقا عالما بما يقول ،
أنتم جميعـا ، أيها المطلّعون على المشهد العراقي ، الفرحون بصنيع أبطالكم هنـاك ، الفخورن بإنجازهم الحضاري التاريخي العملاق في هزيمة المشروع الصهيوصليبي ، وتلقين الإحتلال الأمريكي أقسى درس يتلقاه محتـل متغطرس في التاريخ .
حُـقَّ لكم أن تفخروا بهذا الصرح الحضاري العظيم لأمّتنا ، واعلموا أنهم صنعوه جميـعا ، متعاونين ، متآخيـن ، متصالحين ، وأنهم فصائل جهادية مباركة صالحة معروفة قبل الإحتلال الأمريكي للعراق ، بأنهم دعاة من أهل العـراق الأبـرار ، ومصلحون من خيارها الأطهـار ، مشهود لهم بالخيـر ، ولازالوا نحسبهم كذلك .
واستقبلوا إخوانهم الذين جاءوا من خارج العراق نصرة لهم ، بصدر رحب ، واستفادوا منهم ، وهي جماعات ماضية في طريقها لكي تحرّر العراق من دنس آخر جندي غاز وطأ أرضها ، لايلويها عن ذلك ـ بإذن الله تعالى ـ شــيء ، ولن يقف في طريقها ـ إن شاء الله تعالى ـ أي معـوّق .
لكنّها لازالت سيوفها مشرّعة تقارع ، ورماحها مرتفعة تصارع ، والحرب دائرة رحاها ، والمعارك ترجع أُخراها على أُولاها ،
وحتى الآن لم يبلغ الجهـاد غايته ، ولم ينـه عملياته ، ولم يخرج المحـتل بعد ، ولم يستقر الأمر في العـراق لأهل الجهـاد ، فليس على أرضـه اليوم ، ولا هي الإحوال ملائمة الآن ـ في ظل إستمرار الصراع مع المحتـل ، وما ترتَّب على ذلك من تداعيات كبيرة ، ومعقدة ـ للمشروع الإسلامي العظـيم ،بإقامة نظام حكـم إسلامي مرشَّـد ناضج .
ونسأل الله تعالى أن يكتب له النجاح في المستقبل ، لكنّه بحاجة إلى عمل بنائي متكامل وكبيـر ، لاتطيقه جماعة من الجماعات وحـدها ، بل يحتاج ـ بعد إخراج المحـتل ـ إلى تعاون واسع بين كلّ العاملين للإسلام المؤمنين بمشروعه الحضاري الذي لايظهره إلاّ نظام حكم إسلامي سلـيم.
هذا هو الواقــع تماما ، وعامة الفصائل الجهادية ، تعرفه ، وهكذا تصفه ، وهي ماضية ، ترسم أوّلياتها على أساسه ،
وهي تعلم أنّ إعلان إقامة نظام حكم إسلامي ، لخطورتــه، وحساسية المرحلة ، والبيئة ، لايحتمـل منهج التجربة والخطأ ،
ولا يصح أن يُـزجّ بـه قبل نضجـه بإستكمالـه مراحلـه ، واستنفار كلّ طاقاتـه ، لضمان ظهوره بحيث يبدي رسالة الإسلام ، كما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، رحمة للعالمين ، تجمع بين وضوح المعالم ، ورسوخ الثوابت ، وقابلية وواقعيـة التطبـيق ، محققا بحـقّ ، وصدق ، مقاصد الإمامة الشرعية ، هذه الشعيرة العظيمة من شعائر ديننا العظــيم .
وهذا هو مقتضى الشريعة ، ودلالة العـقل الراشـد .
وما سوى ذلك خطــأ ، قد بيّنـاه بوضـوح ، بلا لبـْـس ، ولا خفاء .
وأبرأنا ذمَّتــنا والحمـد لله .
ولنا اليوم ثلاث نصائـح للجماعات الجهاديـة بالعــراق ،
أحدهـا :
أن تزيد درجة تعاونها ، فتقيم بينها حلفـا وميثاقا ، يكون الحـدُّ الأدنى فيه
أمريـن :
أحدهـما : أن الدمـاء خـط أحمـر ، فالسلاح إلى داخلـها، مرفوض جملة وتفصيلا ،مهما كانت مسوَّغاتـه ، والأخذ على يد العابث بهذا الخط الأحمـر واجب الجميع .
الثاني : لايُقدّم شيءٌ على طرد المحتـل الأمريكي ، والصفوي ، وإفشال مشروعيهما الخطيرين ، ليس على العراق فحسب ، بل على أمتنا كلها .
ثم إن اتفقوا على أن يكون بينهم مجلسٌ تنسيـقي أعلى ينسّـق بينهم في جميـع المواقف العامـة فهو غاية المطلوب ، وإلاّ فالوحـدة هي أعلى الغايات.
وننقـل هنا بعض ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عن الجماعة والإئتلاف ، والنهي عن الفرقة والإختلاف ، وهو مما لايخفى عليهم ، غير أن الذكرى تنفع المؤمنــين :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون.
، وفي الصحاح عن النبي أنه قال مثل المؤمنين في توادهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم ، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى ، والسهر ، وفي الصحاح أيضا أنه قال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه ، وفي الصحاح أيضا انه قال والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وقال صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يسلمه ، ولا يظلمه ، وأمثال هذه النصوص في الكتاب والسنة كثيرة.
وقد جعل الله فيها عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض وجعلهم إخوة ، وجعلهم متناصرين ، متراحمين ، متعاطفين ،وأمرهم سبحانه بالائتلاف ونهاهم عن الافتراق والاختلاف ، فقال واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وقال إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ، إنما أمرهم إلى الله الآية أ.هـ
الثانيــة :
أن يأخذوا أهل العراق الشامـخ في دعوتهم بالـرفق ، والحلم ، والتؤدة ، والتدرج ، واللين ، ويقدموا علماءهم على غيرهم ، ويقرّوهم على ما عليه علماؤهم من المسائل التي تنازع فيها العلماء ، فالإجتماع خيـر ، والفرقة شـرّ ، وكما قال ابن مسعود : إنَّ ما تكرهون في الإجتماع ، خير مما تحبُّون في الفرقة ، وكان الإمام أحمد رحمه الله يستحب أن يجهر الإمام ببسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة في الحجاز تأليفا للقلوب وإن كان يرجح الإسرار بها ،وقس على هذا مئات المسائل .
الثالثـة :
أن يعالجوا الشذوذ في الوسط الجهادي ـ وهو أمر واقع لامحالة تثمره ميادين العنف بطبيعتها ـ بإجتماعهم هـم أولا ، وبحصاره ثانيا ، وبإبقاء الباب مفتوحا لمن يرجع ويتبين له خطؤه ثالثا ، وبالتفريق بين المخلصين الذين اشتبهت عليهم السبل ، والمدسوسين الذين يريدون إفساد الجهاد ، بالجنوح إلى غلوّ مصطنع ، وشدَّة ممقوتة في غير موضعها ، فليعطوا كلّ فريـق مستحـقه.
ثم إننا على يقين بأن الله تعالى سيحمي دينه ، ويظهـره رايته ، ويعـزّ شريعته ، ويذل أعداءه ، وهو سبحانه يعلم المصلح من المفسـد وهو على كل شيء وكيـل .
اللهم لاتجعل مصيبتنا في ديننا ، ولاتجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، .
وحسبنا الله ونعم الوكيــل. الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 06/04/2007 عدد القراء: 10987
أضف تعليقك على الموضوع
|