التوريــص !
حامد بن عبدالله العلي
لاينتطح عنزان في صحرائنا العربية ، أنَّ مشكلة التوريث (التوريص ) هي أعوص مشكلة تواجه أمّتنا إلى أجل غير مسمَّى ،لاسيما وأنَّ كلَّ شيء في حياة الناس ، قـد غـدا يرتبط بالنظام السياسي ، ووصل الأمر بأنظمتنا السياسية أنها مستعدة لحرق كلِّ شيء تعتـزّ به الأمـّة من أجل (تورصُّها ) ! وقد غدا (التوريص ) هو إنجازها الأعظم الوحيد الذي تريد تحقيقه ، مهما كان الثمـن.
ولنضرب على هذا مثالاً حيـَّا ، فلا أظن أنَّه حدث في التاريخ أن تبلغ عيون مـن (جمال) هـا ، أنّْ يستحق أهل غـزّة الإبادة الجماعية من أجلهـا ! فتطمَّ الأنفاق على أكثر من مليون ونصف من المسلمين !!
ياللهول .. لقد فهمنا الآن ، فلم تكن أنفاق غزة متروكة عبثـا ، إلاَّ لتصبح أوراقَ مساومة عند الحاجة إليها عندما يأتي دور ( التوريص ) ، فإذا أراد الغول الصهيوأمريكي المولـع بالإبادات الجماعيـة للبشـر أن يتلذّذ بموت جماعـي لمسلمي غـزة ، فيُنهي ملف المقاومة ، فالقضية الفلسطينية نهائيا ، فالعـرض المتوفـر اليوم هو : ( التوريص ) مقابل ( الترصيص ) ، يوافق على (التوريص) حتى تتم عميلة (ترصيص) الجدار الفولاذي حول غـزَّة !
أيها القـوم ، لقد أصبح توريث الحكم قضية في غاية الخطورة إذاً ، ذلك أنَّ مصير ملايين الشعوب العربية يرتبـط بهـا ، وقبل ذلك مصير الأمة بأسرها ، والخطورة وصلت إلى إنسداد أفـق التغييـر ، فالجمهوريات غدت تتحول إلى ملكيات بين عشيّة وضحاها ، والملكيّات أصبـح إنتاج جيناتها يزداد تشوُّها ، وتعفُّنـاً ، مع مرور السنين ،
فالمستقبل مظلم ، وآمال الشعوب بالخلاص ، غدت تتحول إلى كوابيس مخيفة .
وبينما العالم من حولنا يتغيـَّر بسرعة ، والشعوب تنال حقوقها ، والأمم تقفـز قفزات حضارية مستغلة التطور المعرفي ، وثورة الإعلام ، وبركان التكنلوجيا ، نحن نسير إلى الخلف .
ولنضرب مثلا لأكبر دولة عربية ، مصر الكنانة ، وقلب العالم العربي ، ومفتاح التغيير الحضاري فيه ،
،
فاستعد لتضع يدك على رأسك ، وأنت تقرأ هذا التقرير الذي نشرته مجلة مصرية ، عن أرقام مخيفة في مصر النيـل ، والخيـرات ، هذا مختصره :
في تقرير صندوق النقد الدولي للتنمية الزراعية 45% من الشعب المصري يعيش حالة فقـر في مناطق عشوائية ، وفي تقرير للجنة الإنتاج الزراعي في مجلس الشوري 45% من الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر بأقل من دولار باليوم ، وفي تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء مليون ونصف مصري يعيشون في المقابر ! 20 مليون مصري مصاب بالإكتئاب ، و1200 حالة إنتحار سنويا ، المركز 57 من بين 60 دولة في تقرير البؤس العالمي من حيث معدلات البؤس ، والشقاء ، والتخلف ، والفقر .
وفي تقرير مركز الدراسات الريفية 39 ملياراً و373 مليوناً و524 ألف جنيه تم اهدارها في الفترة ما بين أبريل 2008ويناير 2009 بسبب الفساد المالي والإداري!
المركز 115 من بين 134 دولة في مؤشر مدركات الفساد الذي يقيس درجة انتشار الفساد بين المسئولين في الدولة ، المركز الأخير من بين 134 دولة في مؤشر كفاءة سوق العمل ، 26% من المصريين لايعرفون القراءة والكتابة ، وربع المصرين يعانون من إرتفاع ضغط الدم ، وأعلى معدلات لوفيات الأطفـال في العالم ، والمركز الثاني على مستوى العالم في الوفاة بسبب مرض السكر ، 20 ألف مواطن يموتون سنويا بسبب نقص الدماء ، أكثر من 100 ألف مواطن مصري يصابون بالسرطان سنويا بسبب تلوث مياه الشرب ، ثم هناك تفاصيل أخرى مروعـة في المصدر هنـا .
،
وأما بقية الدول العربية ففيها مثل هذا ، وأكثر ، والحالة تزداد سوءا .
ولايوجد ـ فيما أرى ـ إلاَّ أحـد ثلاثة حلول :
أحدها : أن يسمح الحكـَّام بإجراء عملية تعديل جيني فيهم ، حتى يخرج الولد يحمل الصفات التالية : همّة عالية تليق بحضارة الإسلام العظيمة ، وإستعدادا للتضحيات الكبيرة من أجل عزّتـها ، والشجاعة في حمل رسالة أمة ، والغيرة على كرامتها ، والأنفة من العبودية للأجنبي ، وشرف النفس ، وعفـَّة اليد ، إلى آخر الصفات اللائقة بالقائـد ، وهذا يمكن الآن في المختبرات الحديثة ، بأن نأخذ حفنة من رفات الخلفاء في أزمنة العـزَّة ، فنستخرج ألـ (DNA) من تلك الرفات ، ونحقنه في صلب أحد الحكام العرب ، وننتظر فلعلَّ الله أن يجعل لنا في ذلك فرجا ومخرجا !
الحل الثاني : جاء به عمر عبدالمطلب النيجيري ، وذلك أنَّه سبب وضع أجهزة في المطارات تكشف حتى العورة المغلظـة قبل الصعود إلى الطائـرة ! وهذه الأجهزة تصدر أشعة ، يقـال أنها قد تسبب العقم ، والجماعة أولئك ـ قاتلهم الله ـ لابد لهم من المرور على هذه الأجهزة ـ وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن الوصول إلى إخصاءهم لئلا (يورصِّون) علينا ـ وبالتالي تنتهي مشكلة (التوريص) بهذه الطريقة المبتكرة التي جاءت رمية من غير رام ، ومن حيث لم يحتسبـوا ، وربَّ ضارة نافعة !
الحلّ الثالث : هو الثورة الشعبية لمنع التوريث ، ولكن هذه لاتتم إلاَّ إذا اقتنعت الشعوب أنَّ الموت سيأتي لامحالة ، فهي إمـَّا تموت بعشرات الآلاف موتا بطيئا ، من الجوع ، والمرض ، وسرقة الأعضاء ، والتعذيب في سراديب الأمن ، والقهر ، والفقر ، والجهل ، والسيول ، ..إلخ ، أو تموت بضع مئات في يوم واحد في الزحف الثوري ، وهذا الحـلّ كان متعـذرا في السابق ، لأنَّ التعبئة الإعلامية لتعليم الناس الفرق بين (الميتيين) غير ممكنة ، بسبب إحتكار السلطة لوسائل الإعلام التي تصنع وعي الشعوب ، غير أنَّ الحال قد إختلف اليوم جذريا ، فالوصول إلى الرأي العام والتأثير فيه ، قـد خرج عن السيطرة تماما .
ويبدو أنَّ هذا الحل الثالث قادم لامحالة ، ألا ترون شعوب الأرض قد أصبح حراكها للتغير أسرع وتيرةً مما مضى ، وكلُّ مافي الأمر أنَّ الشعوب العربية ـ بمخطط سياسي مدروس ـ قـد بقيت في ظلمة الجهل ، والأمية ، أكثر من غيرها من الشعوب ، وقد بدأت اليوم تتغيـر ، فنحن مستبشرون بإذن الله تعالى بتحوُّل قادم .
وهذا التحوُّل سينتج منه أنظمة سياسية تنبثق من إرادة الشعوب بقيادة النخب ، وتستمد شرعيتها بقدرتها على تحقيـق أهداف الأمة الحضارية ، وتنتهج ثقافتها الإسلامية ، وتعتز بهذه الهويـة ، ثم ترتبط ببعضها في مؤسسات دولية إقليمية تمد جسورا بين هذه الأنظمـة ، ينتج عنها وحدة أممية .
وهذا التحول آتٍ لامحالة ، غيـر أنَّ العامل الزمني في معادلات الإنقلاب الكبرى يكون طويلا ـ نسبيا ـ في سنن الله تعالى.
ويدل على أنَّ هذا الإستشراف للمستقبل سليم تماما ، هذه المعادلات العجيبة :
الأمّة في ضعف ، والإسلام في قوّة .
ما يسمى بالحرب على الإرهاب في أوج ضجيجها وتستهلك إقتصاد الطغيان العالمي، والجهاد الإسلامي يزداد قوّة وإنتشارا.
ساسة الغرب الذين يملكون أقوى وسائل القوة ، يبذلون كلَّ جهدهم في وقف تنامي المدّ الإسلامي ، وهو يتمدّد كالتسونامي الذي لايقف أمامه شيء رغم وسائله الضعيفة.
شياطين الإفساد تعمل بكلِّ طاقتها لمحاربة الدين ، والتديّن يأخذ في التصاعـد حتى إكتسح تركيا التي لم يُحارب الدين في بلد كما حورب فيها .
الحرب على الفضيلة تستعر والحجاب ينتشر.
النظام السياسي العربي يزداد جهلا ، والشعوب العربية تزداد وعيا.
النظام السياسي العربي يزداد بطشا ، وتخويفا للشعوب ، وهي تزداد جرأة ، وشجاعة على مواجهة طغيانه.
محاولات التزييف الإعلامي لخداع العقل تتنامى ، واليقظة تزداد .
أمريكا تضاعف نفقاتها في حلم السيطرة العالمية ، وفشلها يتضاعف بالتوازي.
الكيان الصهيوني يزداد عملاؤه في النظام العربي ، ورغم ذلك تتقهقر قوته ، ونفوذه ، ويتعرض لإنتكاسات مفصليّة.
ولا يخفى على من يفقـه مسارات التاريخ ، أنَّ هذا كلَّه إنمـا يدل على شيءٍ واحد ، ويسير نحو إتجاه واحد ، وهو أنَّ عملية تحوُّل حضارية هائلة قادمة لامحالة ، ولما كانت النهضات التاريخية لاتعبـُر إلاَّ خلل نظام سياسي يحملها على عاتقه ، فهذا يبشـر بأنَّ كارثة التوريث في بلادنا العربية ستتوقف ، وستشرق شمس حضارتنا من جديد بإذن الله تعالى .
كلّ ما عليكم أيها الشعوب ، أن تستمروا في طلب الوعي من غير وسائل الإعلام الرسمية ، وأن تسيروا مع رياح التغيير فهي بسم الله مجريها ومرساهـا ، وأن تتيقنـوا أنَّ مسلسل التوريث إنما هو من ميراث المستعمر ، ليحقق أطماعه ، وأنه إذا كان في ماضي الأمة يورث معه أهداف حضارتنا ، فهو اليوم بعكس ذلك تماما ، فيجـب أن يتوقف بكلِّ السبل المتاحـة.
ولا إخال أنه سيمضي عقدان أو ثلاثة ، دون أن نشهد زوال الكيان الصهيوني ، وإضمحلال الهيمنة الأمريكية ، وعودة قدرة الإسلام على التأثير في العالم .
وأخيرا نؤكـد أنَّ عنوان المقال ليس خطأ من الطابع !
والله الموفق وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصيـر . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 01/01/2010 عدد القراء: 26282
أضف تعليقك على الموضوع
|