خطبة عيد الأضحى لعام 1432هـ
الله اكبر ، الله أكبر ، الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله اكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر لا إله إلا الله ، الله اكبر ولله الحمد
الله أكبر كبيراً ، و الحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلا
الله أكبر كلَّما لبَّى الحاج واستغفـرْ ، وأرْخى دمعَـه في مناسك الحـجّ داعياً واستعبـرْ ، وذبح المضحّي ، وسمَّى وكبـّرْ ، وجاهدت الأمـَّة كلَّ حاكـمٍ طغـا ، واستكـبر .
والحمد لله الذي شرع الحـجَّ على أحسن المعاني ، وأجلّ التصوير ، وقرَّر فيه عقيدة التوحيـد ، وشريعة الإسلام أفضـل التقرير ، وجعله شعاراً عظيما ، يجمـع أمّـة الجهـاد ، والتغيـير .
الحمد لله على نعمة الكثيرة ، وألطافه الكبيرة ، لاسيما نعمة إنطـلاق مشروع التحريـر ، وإطـلاق نهضـة الإسلام العظمى ، لتعبـّر عن رسالة أمّتنا أوضـح التعبيـر .
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أنّ محمدا صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وأصحابه البررة المتقين ، وسلَّمَ تسليما كثيراً ، عبده ، ورسوله ، وخيرته من خلقه ، بلّغ الرسالة ، وأدَّى الأمانة ، حتى أتاه اليقين من ربِّه .
الله اكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون في كلِّ مكان ، أيّتها الأمّة المحمديّة المجيـدة ، أيها المؤمنون بأنهّم خيـر أمـةٌ أخرجت للناس بدين ، الهدى ، ونهـج السـداد ، لتخرج العباد من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد .
يا خيـر الناس للناس ، يطلُّ علينا هذا العيد العظيم ، ليس كإطلالة ما مضى من الأعياد ، فقد أشرقت شمسُهُ ، والأمـّة تجاهد الطغيان ، وتثور على الإستبداد ، وتعلـن إصرارها على خلع عقود الذلّ بالبذل ، والتضحيـة ، والجهـاد ، لتنطلـق نحـو غـدٍ يضيء بالحرية ، ويمتلأ بالعدالة ، ويشـعُّ بالحكم الرشـاد .
أيتها الأمة الإسلامية العظيمة ، إنّ الحج مدرسة الإسلام العظمى ، ومعهده الأسمى ، وإنَّ أعـظم درسٍ في هذه المدرسة ، وأعلـى معرفـة يحتويها هذا المعهد:
هـو :
أن تجرَّد الإنسان من العبوديـّة لغيـر الله ، ليكون حُـراً ، عزيـزاً ، تُصان حقوقُه ، وتُعلى كرامـتُه ، تجـرُّده هذا : هو أفضل أحواله ، وأعلى نوالـه ، وأبهـى معانـي وجوده بجماله .
وإنَّ هذا لهـو مغزى الحـجِّ كلِّه ، من التلبية _ حيث يعلن الحاج أنـَّه عبد لله تعالى وحده ، لايملكه سواه ، ولايسلِّم ناصيته لغيره ، ولايخضـع خضوعا تامّا إلاّ لحكمـه _ إلـى جميع مشاعـر الحج ، وشعاراته ،
ومن أول إنطلاقة الحجيـج ، مخترقيـن كلّ العوائق الوضعية التي تحول بينهم وبين ربّهـم ، متجاوزيـن كلِّ العلائـق الأرضيـة ، غير عبوديتهم لله خالقه ،
إلى أن يصلوا إلى بيت الله تعالى ، فيحيطون بـه جميعا ، إحاطـةً تساويهم ببعضهم ، أمام مبدأ الإيمان العظيـم ، في مشهد هو أجلّ مشاهد التجمعات الإنسانية على وجه الأرض ، وأزكاها ، وأسماها ، مبدأ ، وهدفـا ، وقيماً ، وغايـات .
يحتشدون أمام بيت الله تعالى ، ولايمكن لقوة أرضيّه ، ولا لسلطة بشريـّة ، أن تقـف دون هذه الأمـّة ، وإعلانها في هذا الحشد البشري الحضاري الهائـل ، إعلانـها كلَّ عام ، هذا الأصـل العظيـم ، أصل التجرُّد من العبودية لغير الله تعالى ، هذا الأصـل العظيـم القائم على رفض الطغيان ، والكفرِ بإستعباد الإنسان للإنسان .
وإنَّ هذا لهـو أصلُ دينِ الإسلام ، ولبُّ عقيدة الإيمان ، وجوهر هويـّة الأمّة المحمديـّة ،
فهي أمـَّةٌ تربـِّي أفرادها على مواجهة الطغيـان من أوَّل درس ، وتبـذر في نفوسهم إبـاء الحريـّة من أوِّل الغرْس ، كما قال تعالى : ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ، وأنابوا إلى الله لهم البشرى ، فبشّر عبادي ، الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسَنهَ ، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولوا الألباب ) .
وتأمَّلوا ما في هذه الآية من المعاني الجليلة ، والعبر الجميلة ، فقد لخّصـت أشمل صفات هذه الأمـّة ، فهم الذين لايخضعـون للطغـاة ، ولا يقبلون استعباد الحاكمين البغاة ، بل ينيبونَ إلى الله تعالى وحدَه ، ويخضعون بالطاعة المطلقة لله تعالى دون سواه .
ولهذا تحـرَّرت عقولهُم ، وتنوَّرت ألبابهُم ، فهم عندما يستمعون القـول ، لايقبـلون منـه إلاّ الأحسن ، فيأبون الإنقياد الأعمى ، ويأنفون من أن يكونوا إمّعـات ، أو قطعـاناً يسيـِّرها حاكمٌ فاجـر ، أو طاغيـة جائر ، أو سلطة مستبد غادر !
ذلك أنَّ أصنـام اليوم ، ليسوا أوثانا من حجر ، بل هم طغاة من البشر ، نصبوا أنفسهم على العباد أربابا ، وجعلوا الشعوب أملاكا يسترقّونهـا ، وصيَّروا الأوطان أموالاً يملكونها ، وحوَّلـوا ثروات الأمّـة كنوزاً يستأثرون بها ، ثم يورّثون ذلك كلَّه في أصلابهـم !
ثـم يحكمون بالموت ، أو الإعتقـال على من ينكر عليهم طغيانهم ، ويسلّطون زبانيتهم بالعذاب على من يجرؤ على محاسبتهم !
وقد بقيت الأمّة الإسلامية عقوداً طويلة ، وهـي تعيش تحت هذا الظلم الطاغي ، والجور الباغي .
حتَّى قضى الله تعالى ، بتبـدّل الأحوال ، وبتغيـير يجري فيما يأتي _ بإذن الله _ من الأجيـال ،
فأذِنَ لأمّتنا العظيمة أن تحقـِّقَ ما أخرجها الله تعالى من أجله ، فقذف في قلوب أبنائها عزيمة الأسـود ، وإباء الجـدود .
فقامـت _ بعد طول انتظـار _ هذه الثورات المباركة التي تنتشـر في بلادنا ، وقد أخذت تحطم أغلال العبودية ، وتكسِّـر قيود الإستبداد .
نعـم ثارت أمَّتنا العظيـمة ، ثورة الأحـرار ، بأهداف البـررة الأخيـار ،
ثارت بعـد أن عرفت أنَّ العبودية لغير الله تعالى ، تنشئ في نفوس الشعوب الذلَّة ، وقد أرادها الله كريمة ، ( ولقدْ كرَّمْنا بني آدَمْ ) ،
وتملأ الحياة بالظلم ، والنكـد ، وقد أرادها الله لتكون مليئـة بالعدل ، والسعادة ، ( إنّ الله يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُـرْبى ) ،
وتربـِّي الأمّـة على المهانة ، وقد أرادها الله عزيـزة ( ولاتهنُوا ، ولاتحزنوُا ، وأنتـم الأعـلونَ إنْ كنـتُم مُؤمنِين ) .
وتحـوِّل شعوبنا من شعوبٍ حيـّةٍ مبدعة ، مهمّـتها إشعال الحياة بالخير ، وإثمارها بالمنافع لبني البشر ، ليرى الناس إشراقة حضارتنا الإسلامية العظيمـة ،
إلـى آلات فائدتها الوحيدة أن تعمل لتستمر سلطة الطغيان الفاسد المستبدّ ، ثم يورثها ، إلى أجل غير مسمَّى !!
وهـو طغيـانٌ ، جميعُ مـنْ حولَـه ليس لهم وظيفة ، سـوى النفـخ بنفـاقٍ لاينقطع ، في صورتـه !
وما هي إلاّ صـورة طغيـانٍ زائـف متسلّط على الشعب ، صورة اللصّ الأكبـر الناهـب للثـروة ، والذي سطـا على كلِّ حقوق الأمّـة ، وعلى رأسها حقُّها في السلطة ، ثمّ على جميع مقدَّراتـها ، ووزّعها بينه ، وبين أسرتِه ، وعصابة قصرِه ، وزبانيتِه !!
وقـد نفـخ الشيطان في منخريْه ، فأوهمه أنه الربُّ المهيمن على كلِّ شيء ، فوضع صورته كالصنـم في كلِّ مكان ، فوق رؤوسِ الشَّعب ، ليذلَّ بها رقابهم ، وطبعها حتى على ما يتبايعون به فيما بينهم ، ليوهمهم أنـَّه يرزقهم كما يرزق الربُّ عبيده !! _ تعالى الله عما يقول الظالمون علوَّا كبيرا _ ، وادَّعى لهـم أنـَّه يعلم كلّ حركاتهم ، ويطلع على كلّ أقوالهم ، ويراقب كلَّ أسرارهم ، بجهاز مخابراته ! متلبِّسا بربوبية مزيّفـة ، متشبِّها بالهيـّة كاذبة .
وقد نصب حوله كهنوت بلحـىً مستأجرة ، مهمّـتها أن تُخضـِّعُ الناس لطغيانه ، وتذلهـُّم لسلطانه ، فهم لاينطقون إلاّ بـ : اسمعـُوا وأطيعوا للطغـاة ، وإلاّ دخلتم النيران ، وصرتم إلى الجحيـم ، والخسران !!
نعـم .. ثارت الأمّة على هؤلاء الطغـاة ، وعلى نفوسهـم المريضة ، وعلى ( مافياهم ) مصاصي دماءِ الشعوب ، وعلى جلاوزتهم المنتشرين ، إنتشار جنود فرعون.
ثارت أمـّتنا العظيـمة حتى أغرق الله الطغـاة ، كما أغرق فرعون ، وجنـوده ، فهرب بعضهم ، وحُبس بعضهم ، وقُتـل بعضهم ، والبقيـة تنتظـر بأس الله ، وما بأسه ببعيد عن القوم الظالميـن .
وقد صدق عليهم قولُ الحق سبحانه : ( ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ ، وَيَقُولُ الأشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ، وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ، مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُون * أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ ) .
وصدق الله العظيم : ( لم يكونوا معجزين في الأرض ) ، فأحاط الله بهم ، بعد أن فرق عنهم جمعهم ، وما كانوا به يستكبرون ، و ( ما كانوا يستطيعون السمع ، وما كانوا يبصرون ) ، فقد غيَّب عقولهَم الطغيان ، فأصمَّهـم ، وأعمى أبصارهم .
ولهذا نـرى بقيتهـم ، يسمعون بمن هلك من الطغـاة ، كيف هلك ، وكأنهم لايسمعـون ، وينظـرون إلى من هوى ، كيف هوى ، وكأنهـم لايبصـرون.
وانظروا إلى كلِّ من طاغية الشام ، واليمن ، بعد هلاك شين الفاجرين ، وفرعون مصر ، وجرذ ليبيـا ، كيف غاب عقلُهما ، وذهبت مداركُهما ، وهما يريان بأس الله إليهما يقتـربْ ، وعقاب الله عليهـما مُرْتقَــبْ .
ونحن بهذا المقـام لنحيّي بتحية الإجلال المعظـَّمة ، والتبجيـل المفخـَّمة ، لشعب سوريا الأبيّ البطـل ، الذي قـدَّم التضحيات التي تفوق الوصفّ ، وصَبَـرَ صبْـرَ الأشاوس في مقدم الصفّ ،
وهو يأبى أن يتزحـزح عن نيل الحريّة ، ويرفض أن يتنازل عن حقـِّه ، ولو ذاق طعـم المنيـّة .
وهو يعلم أنَّ شعوب الأمة تتطلع إليه ، وأنها تعتـمد _ بعد الله تعالى _ عليه ، ليستمر قطار الربيع العربي ، وتبقى جذوة الثورات مشتعلة في قلب العروبة الأبـي.
ولاتعجبوا فهم أهلُ الشام ذوو الفضل في الكتاب المجيـد ، وبالسنة المشرفة بالصحاح والمسانيد ، وهـم أحفاد صلاح الدين ، بل أبي عبيدة بن الجراح ، وخالد بن الوليـد
والعجب والله مما يُسمَّى لجنة جامعة الدول العربية التي أمهلت سفاح الأطفال بشار النعجة _ لابشره الله إلاّ بما يسوؤه _ ليمعنَ في سفك دماء أطفال سوريا ، ويقتل أبناءها ، ويهلك الحرث ، والنسل .
وإنّ هذا لأكبر دليل على حاجة الأمة إلى استمرار الثورات حتى تسقط كلّ هذه الهيئات البائسة التي قامت على النظام العربي الآيل للسقـوط .
وبمثل تحيـِّتنا لأهل الشـام، نحيـِّي أهل اليمن ، أهل الحكمة ، والإيمان ، ومدد الخيـر في الأمّة من قديم الزمان ، وهـم أصل عروبتها ، ومعـدن عزّتنا ، وأنصار الدين ، وأخيار المسلمين ، فبارك الله فيهم ، وفي ثورتهـم ، حتى تؤتي أكلها ، فتقيـم حكما راشدا ، ووطنا عزيزا قائـدا .
وبهذا المقام أيضا ، في هذا اليوم العظيم ، يوم عيد الأضحى المبارك ، ندعو جميع شعوبنا الإسلامية أن تمـدّ يدَها للشعبين السوري ، واليمني ،
فلتدعم شعوبنـا الثورتين ، ولتؤيد النضالين ، ولتحِـْط برعايتها هذين الشعبيْن الأبييَّن ، فقـد طال عليهما ليلُ الظالمين ، واشتدّ بأس المجرمين .
هذا وإنَّ من أعظم الواجبـات العصرية العامـّة ، والفرائض الوقتية الهامـة ، بذل جميع الجهـود لكي تستمر الثورات في بلادنا حتى تنعـم بغـدٍ مضيءٍ بالخيرات ، مليءٍ بالمسرات ، يحتـوي على هذه الأهداف النيـِّرات :
أحدها : إزالة جميع أنظـمة الطغيـان التي تحكم شعوبنا بالخوف ، والإرهاب ، وتستبـد على الشعوب ، وتسرق ثروات الأمة ، وتعبـث بهويّتها ، وتستلب إرادتهـا، إلى أن لايبقى في بلادنا ( بوليس أمن الدولة ) يتحكَّم سـرَّا في الشؤون العامة ، والخاصة ، وتوابع القصر الذين يشاركون زعيمه بنهب الأمة ، وعلماء السُّوء المنافقون الذين يضلّلون الأمة عن حريتها ، ويعبدونها للطواغيـت .
والثاني : إحـلال ثقافة الحرية ، والكرامة ، والحقوق _ وعلى رأسها حق السلطة للشعب _ ومناخات العزّة ، بكلّ صورهـا ، عزّة الشعب بإختيار حاكمه ، ومحاسبة السلطة ، وإسقاطها إنْ هـي حادت عن أهداف الأمـة ،
إحلال هذه الثقافة العالية الكريمـة ، محلِّ ثقافة الأمة الأمعة ، والتبعية العمياء ، والطاعة الغبيّة ، والإنقياد القطيعي ، هذه الثقافة المتخلّفة التي كانت تُبثّ خلال عقود الإستبداد ، وعبـر أبواقه المنافقـة .
الثالـث : إزاحـة الأمة عـن موقف ( الدفاع عن النفس من خانة المتهم ) ، الذي فرضه أعداء الأمّة عليها تحت الشعار الزائف : ( الحرب على الإرهاب ) ، إلى موقف الهجوم على أسباب تخلّف الأمّة ، وضعفها ، وهوانها ، وتفرّقها ، وتسلّط التحالف الصهيوغربي عليها ، وزحف العدوّ الصفويّ إليها !
وأعظـم تلك الأسباب تسلط الطغاة الذين أوضعوا خلالها يبغونها الفتنة ،
وغيَّبوا إرادتها ، وضيعوا كرامتها ، وفرقوا عوامل قوتها ، ومزّقـوا أوطانها ، وجهلوا شعوبها ، وافسدوا أبناءها ، وبناتها .
حتى صارت نهبا لكلِّ ناهب ، وسَلَبا لكلّ سالب ، ومرتعـا لكلِّ راغب ، وملعبا لكلّ لاعـب .
قال الحق سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ، وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ ، وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ، فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ، وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ ، هُوَ مَوْلاَكُمْ ، فَنِعْمَ الْمَوْلَى ، وَنِعْمَ النَّصِيرُ)
فاللهمّ أبرم لهذه الأمة عوداً لدينها حميداً ، ونصراً على أعدائها مجيداً ، وحُكما عادلا رشـيدا .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
الله اكبر الله أكبر ولله الحمد
الله أكبر الله أكبر الله اكبر ، الله اكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر والحمد لله
الحمد لله الذي علَّمنا سنن الهدى ، وجنَّبنا طرق الردى ، ونوَّر قلوبنا بنور القرآن ، وفهمـنا شرائع الإيمان ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أنّ محمَداً صلى الله عليه ، وعلى آله ، وصحبه أجمعين ، عبده ، ورسوله .
يا عباد الله ، عليكم بهذه السبع فإنها مفاتيح السعادة في الدارين ، ومنارة الهدى للسعادتين : قراءة القرآن بالتدبر ، والتفهّم لمعانيه ، والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها موصلة إلى أعلى درجات المحبة الإلهية ، ودوام الذكر على كلّ حال ، فإنَّه مفتاح السبق إلى الله في كلّ مجال ، وإيثار محابِّ الله على محابِّكَ عند مغلبات الهوى ، ومطالعة القلب لأسماء الله وصفاته ، ومجالسة المحبين الصادقين ، ومباعدة كلِّ سبب يحول بين القلب وبين الله تعالى .
أيّها المسلمون ، اعلموا أنّ السعـادة في العيـد ، ليست لمن لبس فيه الجديد ، وتفاخـر فيه بالمال الطارف ، والتليـد ، وتقلَّب بالعيش الرغيـد ، وقامت عليه الخـدم ، والعبيـد.
لكنّها في شكر النعـم بالطاعـات ، والاستعداد ليوم المعاد بالباقيـات الصالحـات ، وبفعل المعـروف ، وترك المنكـرات.
وذلك كلُّه مجمـوع في اسم التقوى ، ولهذا فهـي وصية الله للأولين والآخرين ، وهي اسم جامع لكلِّ ما يرضي الله تعالى ، ويجنـِّب العبد سخط ربـِّه.
وقد قال تعالى : ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكـم وإياكم أن اتقوا الله ) ، وقال : ( ولباس التقوى ذلك خير ) وقال سبحانه : ( وتزوَّدوا فإنَّ خير الزاد التقوى ) .
فالتقوى هي سر الأسرار ، وجوهـر أعمال الأبرار ، ولباب إجتهاد الأخيـار .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
يا عباد الله ، اعلموا أن الله تعالى بيده الأمر كلُّه ، وإليه يرجع الأمر كلُّه ، علانيته وسـرُّه ، فمن عرف الله تعالى ، وعامله معاملة العبد الضعيف المذنب ، للسيد الكامل المنعـم ، نال سعادة الدنيا والآخـرة .
وقد ذكر بعض العلماء مجموعا مما جاء في الأخبار ، مساقا في مسـاق الأثـر الإلهي :
( إنـِّي ، والجن ، والإنس ، في نبإ عظيم ، أخلق ، ويُعبد غيري ، وأرزق ، ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلـىّ صاعد ، أتحبَّب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغَّضون إلـيّ بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلـيَّ ،
من أقبل إلـيّ تلقّيته من بعيد ، ومن أعرض عني ناديته من قريب ، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ، ومن أراد رضاي أردت ما يريد ، ومن تصرف بحولي ، وقوتي ألنت له الحديد ،
أهل ذكري أهل مجالستي ، وأهل شكري أهل زيادتي ، وأهل طاعتي أهل كرامتي ، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم ، فإني أحب التوابين ، وأحب المتطهرين ، وإن لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب ، لأطهرهم من المعايب .
ومن آثرني على سواي آثرته على سواه ، الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، والسيئة عندي بواحدة فإن ندم عليها ، واستغفرني غفرتها له ، أشكر اليسير من العمل ، وأغفر الكثير من الزلل ، رحمتي سبقت غضبي ، وحلمي سبق مؤاخذتي ، وعفوي سبق عقوبتي ، أنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها)
أيًُّهـا المسلمون : قـد شرع الله تعالى ذبح الأضاحي هذه الأيام المباركة ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ( من وجد سعة فلم يضحّ فلا يقربنَّ مصلاّنا ) رواه أحمد و ابن ماجه وصححه الحاكـم.
وصحَّ أن الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته في الأضحية ، كما تجزئ البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، ولا يجزئ من الضأن إلاّ ما تـمّ له ستة أشهر، ولا من المعز إلاّ الثنيّ وهو ما تم له سنة ، ولا من الإبل إلاّ ما تم له خمس سنين ، ولا من البقر إلاّ ما تم له سنتان ،
ويُستحب أن يتخيّرها سمينة صحيحة لاعيب فيها ، ولا تجزئ المريضة البيّن مرضها، ولا العوراء ، ولا العجفاء ، وهي الهزيلة ، ولا العرجاء البيّن ضلعها ، ولا العضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها ، وتجزئ الجمّاء ، والخصي
ومن السنة نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى ، والبقر والغنم على جنبها الأيسر متوجهة إلى القبلة ، ويقول عند الذبح : (بسم الله) وجوباً ، ويستحب أن يزيد ( الله أكبر) ، اللهمّ هذا منك ولك ،
ويُستحبّ أن يأكل ثلثاً ، ويهدي ثلثاً ، ويتصدق بثلث ، لقوله تعالى: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ) ولا يعطي الجزار أجرته منها.
ووقت الذبح بعد صلاة العيد باتفاق ، ويومان بعده ، واختلف العلماء في اليوم بعدهما ، والصواب أنه يجزىء أيضا .
كما يشرع التكبير في هذه الأيـام ، أما التكبير المقيـّد لغير الحاج فيبدأ من يوم عرفة إلى آخر عصر أيام التشريق ، وأمـّا الحاج فيبدأ من ظهر يوم النحر ، وأمـّا التكبير المطلق فيكون في عشر ذي الحجة كلها
هذا وأكثروا من الصلاة على الحبيب المصطفى ، والشفيع المجتبى ، محمّد صلى الله عليه وسلم ، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه : " إن الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما " ، اللهم صلّ ، وسلم ،وزد ، وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آل بيته ، وعلى الصحابة أجمعين ، وخصّ منهم الخلفاء الأربعة الراشدين ، أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ ، والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم أعزّ الإسلام ورد المسلمين إلى دينهـم ، وقاتـل أعداء الدين ، الذين يصدُّون عن سبيلك ، ويكذبون رسلك ، لاسيما الصهاينـة والصليبيين ، ومن والاهم من المنافقيـن .
اللهم من أراد أمة الإسلام بسوء ، فرد كيده في نحره ، واكفف عن المسلمين شـره
اللهم طهـِّر بلاد الإسلام لاسيما الأقصى وفلسطين ، من رجس اليهود المعتدين ، والصليبيين المستكبرين .
اللهم انصر المجاهدين في فلسطين ، وحرر حصارهم ، ورد أسراهم إلى أهلهم وديارهـم ، وانصـر المجاهدين في العراق ، وأفغانستان ، وكل بلاد المسلمين .
اللهمّ فـرّج عن أهل سوريا حصارهم ، وارفع عنهم بلاءهم ، وأمدهـم بمددٍ من عندك ، تربط به على قلوبهـم ، وتثبّت أقدامهم ، اللهمّ وانصرهم على عدوّك وعدوّهم ، واجعل الدائرة على طاغية الشام تدور ، واجعل عاقبة أمره إلى الهلاك والثبور ، وأرنا فيه عجائب قدرتك ، اللهم شتت شمله ، ومزق ملكه ، وحطم عرشه ، واجعله ياربّ عبرة لمن يعتبـر .
اللهم بارك في ثوراتنا ، وبلغ شعوبنا مناها منها، وحقق لها آمالها فيها ، حتى يقـام في بلادنا كلِّها من أقصى شرقها ، إلى أقصى غربها ، العدالة في الحكم ، والكرامة في الشعوب ، والأمانة في الولايات .
اللهم أجـز عن الإسلام والمسلمين ، أهل تونس ، وأهل مصر ، وأهل ليبيا ، على جهادهم ، وما أضاؤوا في الأمة من نبراسهم ، وما دفعوا فيها من أمل الحرية ، وما بثوا فيها من عزيمـة جهاد الطغـاة .
اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، صالحين ببررة ، غير ضالين ولا مضلين ، اللهم أحفظنا بالإسلام قائمين ، واحفظنا بالإسلام قاعدين ، واحفظنا بالإسلام راقدين ، ولا تشمت بنا الأعداء ، ولا الحاسدين يارب العالمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، آمين ، آمين ، آمين
تنبه : تسجل هذه الخطب وتبث عبر الأنترنت فحسب الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 05/11/2011 عدد القراء: 9057
أضف تعليقك على الموضوع
|