حامد بن عبدالله العلي
( إنَّ استخدام تسمية الخليج الفارسي ، هو إزالة غبار ، وتذكير ، وترسيم صحيح للواقع العالمي المعاصر.. على غرار مبدأ الثورة الإسلامية التي شكّلت إزالة الغبار عن حقيقة الشعب الإيراني ، وهويته ، وتاريخه ، وطاقاته الهائلة ) . أحمدي نجاد
( إنَّ الأعداء يريدون تحريف هذا الموضوع ، للإيحاء بأنّ الخليج الفارسي كان على بدء التاريخ ، منطقة غير آمنة ، ويحتاج الآن إلى المتآمرين ، لإرساء الديمقراطية ) . أحمدي نجاد
هكذا في نبرة صارمة ، وبعجيـج فـجّ ، يتحدى النظام الإيراني دول الخليج العربي الخرساء عن الردع _ إلاّ من كلمات هزيلة تكتفي بموقع المدافع الضعيف _ حتى كأنـّه يخيـّل إليك أنَّ ضفة الخليج الغربيـة ، قد وضع عليها لافتة ( الخليج الخارسي ) ! فلا هو عربي ، ولا فارسي.
وقـد أصـرّ النظام الإيراني الحالي منذ ثورته ، ولايزال مصـراً ، على رفض تسمية الخليج بالخليج الإسلامي ، حسمـا للجدل حول إسمه ، بل قـرّر أن يجعل تسميته بالخليج الفارسي مسألة محورية ، يربطها بمبدأ الثورة الخمينية نفسها _ كما قال أحمدي نجاد آنفا _ كما قرر ان يجعلها معقـد الولاء والبـراء !
ومن عجائب تعصّب هذا النظام لهذه المسألة ، أنـه عام 2004 منعت طهران دخول عدد من مجلة ناشونال جيوغرافيك الأميركية ، لأنها وضعـت في الأطلس الجديد اسم الخليج العربي بين قوسين إلى جانب تسمية الخليج الفارسي ، وقال مدير المطبوعات الأجنبية في وزارة الثقافة والإرشاد محمد حسين خوش الإيرانية آنذاك : ( لن نعطي تأشيرة دخول لصحافيي ناشونال جيوغرافيك ولن نسمح بتوزيعها طالما لم يصححوا هذا الخطأ.. لقد طلبنا من وزارة الخارجية الإيرانية أن تبدأ اجراءات للملاحقة ) !.
كما هددت إيران بمقاطعة دورة الألعاب الآسيوية التي تستضيفها العاصمة القطرية الدوحة عام 2006 إذا استخدم المنظمون تعبير (الخليج العربي) بدلا من (الخليج الفارسي ) !
ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن نائب الرئيس الإيراني ، ورئيس المنظمة الوطنية للتربية البدنية محسن مير علي زاده ، أنّ ما وصفه بأيّ تزوير للاسم التاريخي ( للخليج الفارسي ) ، سيؤدي إلى مقاطعة إيرانية مؤكدة للدورة ، مشيرا إلى أن كلمة الخليج العربي استخدمت في كتيبات أعدّها المسؤولون الرياضيون في قطـر!
كما صدر هذا العام عن وزير النقل الإيراني حميد بهبهاني تحذيـرٌ لشركات الطيران الأجنبية بضرورة استخدام لفظة (الخليج الفارسي) بدلا من لفظة (الخليج العربي ) والتهديد بعدم السماح للطائرات التي لا تستخدم لفظة الخليج الفارسي بالطيران في المجال الجوي الإيراني !
ولاريب أنّ كل هذا التعصب على التسمية يحمل أكثـر من مجرد تصحيح لغوي ، وقد بدا ذلك واضحا من ربط نجادي بين تسميته بالخليج الفارسي ، وبين إنطلاق الثورة ودورها في الواقع المعاصر ، وكذلك ربطه بينها وبين التاريخ الفارسي والمتآمرين على دوره !
وما يعنيه في غاية الوضوح ، فهو يقصد أنَّ الخليج بضفتيه هـو ملكٌ تاريخـيّ للفرس المنحدرين من العنصر الآريّ _ وليس لنهضة إسلاميـّة تنشـد توحيد الأمـة _ ، وأنـه تابع لإيـران الآريـة التي لايصح أن يحكمها إلاّ آريّ القوميـة شيعي المذهـب _ كما ينص دستور إيران _ ، وأنّ واجب الثورة إعادة الخليج إلى أصله ، وأنّ الغرب استولى على الخليج من صاحب الحقّ الشرعي فيه ، ليتآمـر على حقّ الفرس في قيادة المنطقة ، وعلى دورهـم التاريخي في الهيمنة عليها ، ويستبدل بهذا الحق والدور ، الهيمنة الغربيـة !
وبعبارة أخـرى : إنه يقول _ وكذلك هو أحد أهم مبادىء الثورة الخمينية _ إنّ الإصرار على تسمية الخليج بالفارسي ، هو محـور مهمـّة الثورة الخمينية في إعادة الفرع إلى أصله ، والمملوك إلـى مالكه ، والحـقّ إلى صاحبه .
وليس يخفى أنّّ الخليج العربي لو كان صقـعاً قفـراً ، أو مفازةً جرداء ، لما سـال كلّ هذا اللعاب الذي ملأ الخليج من أفواه الطغمة القابعة في طهران ،
وإنما ما يحويه من موقع مهم ، وثروات تتحكم في العالم بأسره ، هو بيت القصيد ، والدافع الحقيقـي.
ومما زاد من هيجـان الغـدد التي تفرز اللعاب الإيراني في الخليج ، أنّ القوم لايرون أمامهم على الضفة ( الخرساء ) إلاّ أنظمة ضعيفة ، لاتزال تُدار بعقليات متخلّفة ، تدمـج دمجـاً عجيبـاً بيـن غطرسـة (سيـد) على ( توابعـه ) ، وخضوعه التام ( لملك الروم ) الذي يستبيح أرضه ! وبين تنازع (سادة أولئك التوابـع ) فيما بينهـا على أتفـه الأمـور ، وإجتماعهم على أمر واحد فحسب هو إرضـاء السيد الرومانـي !
أي بمعنى آخر أنـه ليس ثمة مشروع حضاري يحقق توازن قِوى ، ولا هم بصيغتهم الحالية يقدرون عليه أصـلا ، ولا في أحـلامهم .
أضـف إلى ذلك أنّ هذه الدول تقف في صفّ التحالف الصهيوغربي في زمن إشتداد هجمته على الإسلام ، لاسيما في القضية الفلسطينية التي تتـربع على مركز التحديات التي تواجهها الأمـّة ، كما تحارب ثقافة المقاومة في الأمـّة ، بل تمعن في تنفيـذ الأجنـدة الغربية في محاربة هذه المقاومة ، وملاحقـة رموزهـا _ حتى إعادة تأهيل الخطباء والشيوخ ومدرسي التربية الإسلاميـة لكي ترضى عنهم أمريكا !! _ في وقـت تتعطـّش الأمـّة لثقافـة المقاومـة ، وهي في أمس الحاجة إليها ، وهي تُستباح من جميع أعـدائهـا .
ولهذا قـد ذكرنـا في مواضع متعددة أنّ منطقة الخليج لم تكن قط في ورطة كارثية مثل ما هي عليه الآن ، فالمشروع الإيراني يخترقها بسرعة ، ودفاعاتها تكاد تكون مهترئة _ إن كان لها دفاعات أصـلا _ والوجود الأجنبي له أجنـدة أخـرى قـد وُضعت فيه قائمة مصالـح خاصة بـه ، فهـو لا يعبـأ لو أصاب هذه الدول ما أصابها في سبيل تحقيق تلك القائمة من المصالح ، وإنما ينظر إليهـا أدوات يصل فيها إلى أطمـاعه .
وإذا أردنا أن نضرب مثالاً حيّـاً وقريبـاً يلقي الضوء على نمـوذج واحـد من الصورة الكبيـرة المأوساوية ، فهو ما حدث في الكويت عندما سلّط الكاتب السياسي والمحامي الجاسم الضوء على حجم الإختراق الإيراني المخيف للحالة السياسية ، والإعلامية ، والإقتصادية الكويتية ، تعليقا على إنكشاف خلية تجسس إيرانية ، محـذراً من أنّ مشروع الأقلية الشيعية في الكويت _ 10% من السكان _ التي يدعمها النظام الإيراني ويوجهها ( إيرانيـو العراق ) ، أعنـي الحكومة العراقية الحالية ، وصل إلى مراحل بالغة الخطورة ، ويستدعي تحركا سريعـا ، ولو بتضحيات كبيـرة .
عندما سلـّط الكاتب الجاسم الضـوء على هذا الملف بوضوح تام ، تـم إعتقـال الكاتب _ قد أفرج عنه لاحقـا _ وتعرض لهجمة تشويه سمعة ! وكان المتوقـَّع أن يكافأ ، ويُستفاد مما قـال لإستئصال السرطان الإيراني ( المكـوَّت ) الذي استفحـل جداً في الجسد الكويتي .
هـذا .. وقد ذكرنـا مرارا أنّ خطورة المشروع الإيراني أنه لايرى نجاحـه إلاّ على حطام الأمّة ، ولا أدل على ذلك مما فعله ، ويفعله في العراق من تعاون مع الصهاينة لتدمير الشعب العراقي ، بل تدميـر قدراته الحضارية بشكل تام ، حتى تلك الكامنة في الجينات ، من إغتيال العقول والنخب ، إلى تشويه الأجنـّة بالإشعاعات ، مرورا بإغراقه بالمخدرات والأمراض الإجتماعيـة ، وتمزيق نسيجه الإجتماعي ، بل حتى تدمير الزراعـة ، وتخريـب الأرض !
وكان هذا من أهـم أهداف المؤامرة الإيرانية الصهيونية على العراق ، وقـد بدأت من حصاره ، تمهيداً لإجتياحه ، ثم تفكيك جيشه بعد الإجتياح ، ثم البدء بتدميره منهجيـّا على مدى سنوات حتى لايبقى فيه قدرة مستقبلية على النهوض .
هذا مع يقيننـا أنّ هذه المؤامرة لاريب ستفشل ، وسينهض العراق أقوى مما كان ، فقد كان هذا شأنه في التاريخ ، وسيبـقى كذلك بإذن الله تعالى .
والمقصـود هنا ذكر مثالٍ حيّ على خطورة الأطمـاع الإيرانيـة في الخليـج ، وأن منطقة الخليج هي المستهدفة في المرحلة التالية ،
وليس التهديد الإيراني لكلّ من يُسمِّي الخليج بالعربي إلاّ إعـلانـاً واضحـاً لهذه الأطمـاع الخبيثة .
هذا .. ولا إخال أنّ ثمة حالة تشبه حالة منطقة الخليج في التاريخ ، أعني من جهة أنها تمتلك كلّ أسباب القوى ، وإمكانـات التفوّق ، ومع ذلك تبقـى خرسـاء ، صـمٌ ، بكـمٌ ، عميٌ ، وسط ضجيج الصراع العالمـي ، والإقليمي على خليجهـم !!
ولاريب أنّ المسؤول الأول عن هذه الكارثة التاريخية الصيغة السياسية المتخلفـة لأنظمة الحكم ، فهي تحمـل بإمتيـاز بذور كلّ عوامل التدهور .
وهكذا صارت شعوب الخليج بين الخوف من حرب لاتبقي ولا تذر ، لايمكنهـم دفعها ولا منعهـا لو نشـبت ، أو فتن داخلية تعــمم ظاهرة ( اللبننة ) !
ثـمّ لتحتـرق فـي هذه ، أو هذه ، كلّ الثروة التي تكدست من طفرة البترول ، فلا استفادوا منهـا فـي قوة تحميهم ، ولا بقيت ليَطْعـمْ منها ذراريهم !
وكما ذكرنا مرارا فلا مخرج من هذا المستقبل الذي يحمل هذه الغيوم السوداء المفزعـة إلاّ بإصلاح شامل ينطلق من الإسلام ، ولا ينتهي إلاّ بنهضة شاملة لبها إستقلال الإرادة ، وركنها الأساس ثورة تقوم على إصلاح سياسي مخلص ، ليحدث تغييرا جذريا على كل الأصعـدة ،، والله الموفـق
وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتوكـل المتوكلـون الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 19/07/2010 عدد القراء: 25553
أضف تعليقك على الموضوع
|