في ذكرى إمبراطور المقاومة أحمد ياسين رحمه الله
حامد بن عبدالله العلي
أشرقت عبقريّته على أرض فلسطين ، وقضيتها هائجة بالآلام ، تجلجل رعودها مدمدمـةً باليأس ، وتعصف رياحُها مزفزفـةً بالإحبـاط ، وتتدفق سيولها بالأشجـان والأحـزان ، وتصخـب أمواجها كالبحـر المائـج بالأنين ، والعذابات.
فبسط على تلك القضية جناح الأمـل ، منتزعا بارقته من بين حطام المعانـاة ، وألقى بأشعـة نـور التحريـر في كلِّ روح ، فاشتـعلت نافضة عن جناحيها غبار الخنوع ، وانطـلقت تغـرّد نشيد الحرية في جـوّ بيت المقدس وماحـوله ،
فملأ الأمـل فضــاء فلسطين عـطراً وشـذى ، وتلفعت رُباها ، وأوديتها ، وآكامها ، بأرديـة بيضـاء تشـعُّ بعزيمـة النهوض ، وانتثـرت لآلئ المستقبل المشـرق لتنـير طريق المقاومـة ، وعزفــت الأغصان المخضـرَّة لحـن الجهـاد
يولد العظماء وعلى جبينهم طالع نـور التغيير ، ولايزال يتعالى وميضه حتى يستوي في كبد السماء ، فإن فارقت أرواحهم أجسادهـم ، انتشـر ذلك النور ، فإنتثـر على الأجيـال فأحياهـا ، وعلى الأرض فأنبتها ، وعلى فضاء رسالـتهم فشعشعها بالنجاحـات إلى أن تتكامـل بالنصـر.
أمـّا سـرُّ عبقرية الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ، فهو أنه علَّم الأمة كيف تصنع من الضعف قوة متعاظمـة ، ومن العجـز قدرة متفجرة ، ومن الصعـب سهـلا ، بل من المستحيـل ممكنا .
هذه هي ( أيقونته ) المتألقـة أبـدا.
ولم تكن هذه العبقريـة كـلاما نظريا فحسـب ، بل نهجـا عمليا بأدق التفاصيل ، فحياتـه كلُّها من أولهـا إلى آخرهـا ، في طفولته ، وشبابه ، وكهولته ، وشيبته ، وفي بيته ، ومسجده ، وفي ثكنات المقاومة ، ومحافل السياسة ، ووسائل الإعـلام ، كلُّها كانت تشـع بالتعليم ، والتدريـب ، على معالي الأمور ، وعوالي الهـمم.
وكلُّ ما علَّمـه للجيل ، عمـل به ، منذ أن أطلق صيحة المقاومة ، إلى أن أطـلق روحه في سبيل الله .
ولهذا كان أثـره عميقا جدا في تلاميـذه ، فقد حفر دعوته ، ورسالته في سويداء قلوبهـم ،
فـلاجـرم كانوا يكتبون سطورهـا من بعده بدمائهم في معاركهم ، ويوقعون على إنجازاتهم بدمـه الذي يجري في عروقـهـم.
وإحصاء إنجازاته العظيمة صعب جـدا ، غير أنَّ أهمـها :
أنه بنى جيـلاً عظيما ، كلّ قائد منهم يحمل مشروع النصـر في أعقـد قضية ، وأصعـب معضلات القـرن ،
ثـم الأتباع على نهج قادتـهم لايرضون إلاَّ بتحمّـل هذه القضية على عواتقهـم السامقـة.
وذلك بعـد أن صنـع عبقرية توليـد الأمل من اليأس.
وشـيَّـد صـرح النهوض من تحت ركام الإحباط.
وقـد أسس مدرسة الإستشهاديين ، فعلَّمنـا فيهـا كيف نحول أنفسنا وهي ترقى بالشهـادة إلى شموس تشـرق بقضايانـا ، وأشلائنا إلى غـذاء يغذي رسالتنا ، ودمائنا إلى سقيـا نصرها .
ومن أعاجيـب ما كان يميـّزه ، ذلك الجمع المدهش بين أمور تبدو متناقضة ، لايفهم الغـرّ كيف تجتمع في شخصية واحدة ، غير أنها هي سر عظمة النبلاء ، فكان يجمع بين حماسة متقدة لاتهدأ عبـر السنين ، وعاطفة جياشة لا تخبو نارها بتقـدم العمـر ، مع حكمة التروي في التخطـيط ، والتأنـّي في التربية ، كما جمـع بين همة عالية طموح وثّابـة تتربع على الجوزاء ، وتواضع حلو محبب يتربع على قلوب العامة والخاصة ، وبين معرفة تامة بمشروعه الإسلامي ، ودراية عجيبة بواقع الأمة ، ومكائد أعدائها .
وتأمَّلوا كيف كان دائمـا يبشر بالنصر قائلا : التغيرات الكبيرة تأتي كلّ أربعين عاما ، فقـد مضـت أربعون سنة في النكبـة ، وهاهـي أربعـون سنة تنطلق في المقاومـة ، وسنشـهد نهاية الكيان الصهيوني في نهاية الأربعين الثالثة ، وتوقَّع أنه لايـأتي عام 2027م ، إلاّ ولا وجود للكيان الصهيوني .
لقد جـاءت رمزيـة الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ، في زمـن كانت الأمَّة في أمـس الحاجـة إليه ،
فحقـّق لقضية الأمة المركزية ، قضية فلسطين ، أهم ما كانت تحتاج إليه :
أولا : نقل رايتها إلى الراية الإسلامية ، فأقامها على طريق النصـر .
وثانيا : نقل المعركة من خداع السـلام ، وأيدي خونته ، فحملها على أرواح الشهداء ، وعلمنا أن كلَّما انطلقت أرواحهم في ساحات الفداء ، اقتربنـا من النصر ، وأنَّ كل ما سوى ذلك سرابٌ ، وخداع.
فصـار الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ، رمـز الدلالـة على أن أمَّتنا لا تعرف طريق اليأس ، وأنها مهما بدت عاجزة ، فهي تحمـل معها دائما طريق الإنتصـار .
وليقارن الجميـع بين هذه العظمة التي تصنعها رسالة الإسلام ، ويقدمها نهـج الجهـاد.
وبين ثمار أوسلو ، تلـك الهياكل البائسة المأفونة التـي لم تقدم للأمة إلاّ ( أشرطة شبانه )! ، أولئك السفلـة ، زمـرة الخنوع ، والخنـا ، الأشقياء ، مطية الأعداء .
وبـعـد :
فقد خاض الجيل الأول للشيخ أحمد ياسين أول معركة وهي معركة الفرقان ، العام الماضي ، خاضها مع أعتى جيش في المنطقـة بأسرها ، تخشاه كلُّ الجيوش العربية ، فرد هذا الجيل الوضَّـاء ، ذلك الجيش الصهيوني خائبا ، وألحق به هزيمة نكراء ،
فتذكـرنا الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ، ودرسيه العظيمـين :
إذا كان الإسلام يـقود المعـركة ،
وأرواح الشهداء تخوضهـا، ودماؤهم ترسم خريطـة نصرها ، فالنصـر آت لاريب فيه .
ألا فادرسوا حياة هذا الإمام المجـدّد ، وعلموا الأمَّـة عبقريته ، واحقنوا عروقها بدماء تعاليمـه السامية ، واجعـلوها رمـزا تقودنا إلى النصر في أعظـم معاركنا ، نحو التحريـر الكامل للأقصى ، وكلِّ فلسطـين بإذن الله تعالى. الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 20/03/2010 عدد القراء: 23648
أضف تعليقك على الموضوع
|