تشليط شاليـط ، وتحميس حماس !!
حامد بن عبدالله العلي
يُجمع المراقبون أنّ إنجاز حركة حماس ، بجناحها العسكري كتائب القسام ، ليس بأسرها الجندي شاليط فحسب ، بل في كلِّ ما أعقب أسـره من كفاءة عالية في الأداء الإستخباراتي والأمني ، والإستثمار السياسي للعملية ، على جميع الأصعدة ، قـد كان إنجازاً تاريخيـا بحـقّ ،
وكم كان موفّقـا أخونـا المجاهد أبو الوليد خالد مشعل عندما أهداه للأمّـة ، وعـدّه إنجـازا لها ، وإنّه لكذلك ، وكم فيه من عبـر ودروس عظيمة للأمـّة أيضا .
فمن ذلك هذا النجاح الباهر للعقل الأمني الفلسطيني ، متمثـِّلا في كتائب القسَّام ، التي استطاعت أن تخفي معالم شاليط بحرفية توازي حرفية أقوى الإستخبارات العالمية ، وذلك في مقابل العجز الفاضح للعقل الأمني الصهيوني ، الذي اعتـرف أنه لم يستطـع إحداث أيّ إختراق للوصول إلى معلومة واحدة عن شاليط في قطـاع غـزة ،
ولا حتى من النظام المصري الخبيـث البائـد ، الذي كان يعـذّب عناصر حركة حماس أشـدّ التعذيب ، ليهدي الصهاينة نصف ، أو ربـع كلمة عن مكان شاليط ، فعجز عن ذلك عجزاً تاما !
نعـم ..فقـد كان عـزم أسود حماس ، وهـم في سجون طاغية مصر قبل سقوطه ، أشد صلابةً من جداره الفولاذي الذي حاصر به غـزة ، فارتـدّ حصاره عليه حتى أرداه بحمد الله !
والعجـب العجاب أنّ هذا النجاح الأمني إنما هـو في قطاع غـزة بألـ 360 كيلو متر مربع فحسـب ! هذا القطاع الصغيـر المجاور للكيان الصهيوني ، والمحاط بكلّ تكنلوجيا الإستخبارات الصهيونية المدعومة دعما غربيا غير محدود !!
هذا في حين تعبـث المخابرات الصهيونية في طول البلاد العربية وعرضها ، تُقـدم لها الهدايا ، وتهُدى لها العطايـا ، وتمُـكَّن من معرفة أسرار الأمّـة !!
ولا دليـل أوضـح من هذا الدليل ، أعني من هذا الإنجاز العظيم ، على أنَّ أمّتنا إنْ ملكت أمرهـا، واعـتزَّت بهوّيتها ، وشمخـت بإرادتها ، وساسها مخلصوها ، فلاشيء بإذن الله تعالى سيقهرها ، وأنها قادرة على إسترداد حقوقها بأيسر ، وأسرع مما يُتصـوَّر ، مهما كانت قوة عدوّها .
ومن أهـم الدروس أيضـا ، أنَّ الإسلام إذا قاد المقاومـة فكراً ، وروحاً ، وتنظيمـاً ، فسيحقّق للأمـّة إنتصاراتها حتما ، فهاهي حماس أثبتت ذلك في هذا الإنتصار الأمني ، والسياسي ، كما أثبتته في الإنتصار العسكري في حرب الفرقـان قبل سنتين .
وفي ذلك إثبات عملي باهر على أنَّ هزيمة الصهاينة جداً ممكنة ، وأنـّها في متناول يـديّ الأمـّة .
وأنـَّه لايحول بيننا وبينها ، سوى الخيانة في صفوفنا ، فهـي التي يقتات الصهاينة عليها في بقائهم ، وتفوّقهـم ، لاغيـر ، وإلاّ فهم أضعـف من أن ينتصـروا على هذه الأمـة إن تمسَّكت بإيمانهـا.
كما أنَّ من الدروس المستفادة من هذا الإنجاز العظيم ، أنَّ الصبـر في المثابرة ، الصبـر الذي يجمع معـه التروِّي بطول النفس في مشاريع المواجهة ، والمقاومة ، هـو من أهـم أسباب النجاح ،
فقد تريّثـت حركة حماس ، وأعطـت ملف شاليط أوسع مدى ، حتى تتسنَّى أفضـل فرصة ، لعقـد أعلى شروط ، لأسلم صفقة تبادل ،
وكانت طيلة هذه المدة ، تتجاهل كـلّ الضغوط السياسية التي حاولـت بشتى الطرق ( تلييّن ) موقفها ، وتمرير صفقات صهيونية أخـرى مخادعة ، ولم يزدها ذلك إلاّ إصـراراً على تحقيق تفوّق نوعي على العدوّ الصهيوني ،
ليصبح هذا التفـوُّق مضربـاً للمثل ، يُذكر عبر التاريخ ، يُذكـر لحماس ، وللعقل الفلسطيني ، وللأمـَّة بأسرها .
وليُعطَي لهذه الصفقة ( رمزيـَّةً عالية ) ، فيتحوّل إلى مصدر إلهام ، لكلّ مراحل الصراع المستقبلية مع العدوِّ الصهيوني أولا ، ولكلِّ أشكال الصراع مع أعداء الأمـّة ثانيـا .
ومن الدروس أيضا أنَّ سـرَّ النصـر على الأعداء في أيّ معركـة ، إنما يكمن في نزاهـة القادة ، وصدقهم في تحمِّلهـم للأمانـة ، أمانة إدارة الصراع ، وأمانـة تحقيق الأهداف المنوط بهم تحقيقهـا ، من قِبـَل أتباعهـم ،
ولهذا السبب فشلت كلُّ محاولات إبتزاز حركة حماس لتقدّم تنازلات في ملف شاليط ، وتساقطت جميع المساومات تحت أقدام تلك النزاهة ، وذلك الصدق ، حتى رضخ العدوّ أخيـراً فقبـل بصفقة التبادل عن ذلِّ ذليل ، في مقابـل عـزّ عزيـز .
ومن الدروس أيضا أنّ هذه من أوائل بركات الربيع العربي المبارك ، فما أن أُطيح بطاغية مصر ، وفرعون العصـر ، وتهاوي عرش طغيانـه ، حتى بدأت تنفرج معضلات القضية الفلسطينية ، وتتفتح أبوابها المغلقـة ، وتُكسـر أقفالها الموصـدة .
ذلك أنَّ هذا الطاغية الخبيث المحاصر الآن في محبسه ، لم يكن يحاصر قطاع غزة فحسب ، بل كان يحاصـر كلّ القضية الفلسطينية ، بغيـة أن يحوِّل ملفاتها إلى قرابين يتقدم بها إلى الصهاينة ، وحلفائه الغربيين ، ليحموه ، وليُبقوا له نظامه البائس ، ثـم ليورّثوه إلى أولاده ،
حتى أتـى الله بنيـانَ نظامـه من القواعد ، فخـرَّ عليه السقف من فوقه بحمد الله تعالى ، فاضطـر الصهاينة في ضوء هذه الكارثة التي نزلت عليهم ، أن يُخفضوا أنوفهـم أمام الإبـاء الفلسطيني .
فليمض هذا الربيع العربي إذن إلى منتهاه ، وليبلغ غايـته إلى عُـلاه ، فليست ثماره بإذن الله تعالى إلاّ العـزّ ، والنصر ، والتمكين .
ومن الدروس أيضا أنّ قضية فلسطين تجمّع الأمة ، وحول تحريـر الأقصى فلتجتـمع الهمـّة ، وقد أحسنت حركة حماس عندما جعلت الصفقة تشمل الإفراج عن أسرى من جميع الفصائل ، لتجعل كلَّ بيت فلسطيني يعيش فرحة واحدةً ، إذ هـو يحيـا لقضية واحـدة ،
ليبعث ذلك في أجواء فلسطين الحبيبة ، نسائمَ الوحـدة ، لتحطـِّم أسافين الفرقة التي زرعتها مؤامرة الصهاينة بأوليائهم الخونة بين الشعب الفلسطيني الأبـيّ .
ومن الدروس أيضـا أنّ الفـرج بيد الله تعالى ، فهـو ينزله على من يشاء ، من حيث لايحتسـب ، فكم من معتقلين ، قـد أدينوا بمؤبدات وصل مجموعها إلى أطول من عمر نوح عليه السلام !! فطارت هذه الأحكـام المؤبـَّدة هباءً منثوراً ، وتحوَّلت إلى حـبْر على ورق ، وهاهـم قـد أمسوا بين أهليهم ، كتب الله لهم أجـرهم ، وبقي لهم مجدهـم .
وقـد ذكرت الصحافة الصهيونية أنَّ مجموع الأحكام التي كانت على المفرج عنهم أكثر من 190 ألـف عام سجـن !!
ومن الدروس أيضا أنَّ الله تعالى لايتخلّى عمّن جاهد في سبيله ، فيمدُّه بالثبات في أشدّ أوقات البلاء ، ويملأ صدره بالرضا في أحلك الأوقات ، ويأتيه بالفرج مهما ادلهـمّت المدلهمـات ،
فيرده _ إن لم يكتب له الشهادة _ إلى أهله وذويه ، ومانال إلاَّ العزَ ، والمجد ، والذكر الحسن في الدنيا ، وثواب المجاهدين في الآخرة ، الذي هـو أعظم الثواب ، إضافة إلى أجـر الصابرين الذي هو بغيـر حسـاب .
ومن الدروس أيضا ما سمعناه من كلمات عظيمة انبعثت كبعق الطيب من أفواه الأسرى ، بعد الإفراج عنهم ، وهم يدعـون إلى مواصلة الجهاد ، والثبات على نهج المقاومـة ،
فقـد أخرجـتهم تلك السنوات الطويلة في الأسر ، والأعوام المديـدة في المعتقـلات ، تحت التضييق ، والتعذيـب ، أشدّ صرامة ، وأقوى شكيمة ، وأعظـم إيماناً بعدالة قضيّتهـم ، وإصراراً على مواصلة الجهاد حتى النصر .
فهذا والله درس لبقيّة الأمـّة في الثبات ، وأنَّ الأذى في سبيل الحق ، لايزيد القائم عليه إلاَّ يقينا بطريقه ، كما هو درسٌ للأعداء أننا لانحيـد عن الطريق بما يصيبنا من الأذى ، فافعلـوا ما بـدا لكم .
ومن الدروس أيضا ما قدمته المرأة الفسلطينية الأسيـرة الصابرة ، من مثل أعـلى للمرأة العربية ، هو أروع مـن كلّ مثلٍ يريده لهـا المتهوّكـون ،
وما خطَّته من قيمٍ مثلى ، تعـلو كلّ نقيصـة يبتغيها لها المخرّبـون .
ونعنى هنا مَثـَلَ المرأة المجاهدة ، الحاملة لقيم الكرامة ، والتضحية ، والعدالة ، وتحرير الشعوب من الظلم ، والكفـاح من أجل هذه الأهداف السامية .
ولعمري هذه هي حرية المرأة الحقيقية ، وذلك هو تحريرها بحقّ ، ولهذا تجـد المفسدين لايعوّلـون على هذا التحرير إلاَّ لماما ، وترى المبطلين لايهتمـُّون بهذا التحـرُّر إلاّ لئامـا ،
ومن هنـا فلانكـاد نسـمع منهم أحداً قط ، ذكر المرأة الفلسطينية الأسيرة الصابـرة في معتقلات الصهاينة ، ولا نـوّه بالمرأة الفلسطينية المناضلة ، فضـلا عن غيرها من مجاهدات الأمّـة .
وإنما بُغيتهـم تلك التي بين الرجـال مختلطةً لتتعـرَّى ، وعلى التفسِّخ من كلِّ فضيلة تتجـرَّى ، ومن دينها ، وقيمـها الحقـَّة تتبـرَّى !!
ومن الدروس أيضـا أنَّ مشروع جهـاد الأمـّة ، ليس هو أعمالاً قتاليـَّة ، ولاعمليات تفجيرية فحسب ، إذ لوكان كذلك ، لتحوَّل إلى أوراقٍ بيد قِوًى أُخرى ، توظِّفـه لإهدافها السياسيّة ، كما يحدث في بعض الساحات الجهادية !
بل مشروع الجهاد يجمع بين القوة الضاربة ذات اليد الطولى ، والنضال السياسي ذي القدرة الكبيـرة على المناورة ، وإغتنام الفرص ، والدعاية الذكية الهادفة ، والحشد الجماهيري الدؤوب ،
على أن يدار ذلك كلَّه بكفاءةٍ عالية تجمع بين التمسُّك بالثوابت ، والحكمة البالغـة في الترجيـح عند تعارض المصالح والمفاسـد ، وفي ترتيـب الأوَّليـات ، وتوظيف كلِّ وسائل العصـر بما تحمله كلمة الوسائل من إتساع ، وتجدِّد ، وتطوُّر .
وذلك لايمكن إلاَّ في إطار حركة محكمة التنظيم ، ذات فكر واعٍ منظَّم مستنير ، وتُقـاد بقادةٍ عظـام ، هـم على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهـم ، وتحاط باتباع يقدِّسون الإلتزام بالحركـة روحاً ، وثقافةً ، وتنظيمـاً ، كإلتزامهـم بقداسة قضيتـهم.
وقد بنـتْ حركة حماس في تبنّي المشروع الجهادي بهذا المفهـوم مدرسةً راقيةً ،
مناهجهـا الدراسيّة نضـال قادتها في سيرة حياتهـم ، ومعلموها مجاهدوها ، وفصولهـا أسراهـا ، وميادينها التدريبية ساحات كتائبها ، وشهادتها التي تمنحها شهـادة النصـر ، أو الموت تحت رماح العزة ، بالشهـادة في سبيل الله تعالى .
وقـد أعطـت هذه المدرسـة _ يـوم أمس _ أحـدَ دروسها العظيمة في صفقة التبادل ، فشلَّطت بشاليط تشليطا ، ثم سلَّطت ملف شاليط تسليطا على رقاب الصهاينة ، حتى استخرجت كلَّ ما يمكن استخراجه من فائدة للقضية الفلسطينية ،
ولهذا فنحن هنا لايفوتـنا ، أن نحمـِّس حماس أن تأتي بشاليط آخر ، وآخـر ، إلى يـتمّ تبييض كـلِّ المعتقـلات الصهيونية ، بإخـراج آخـر معتقـل فلسطيني فيهـا .
فتتم بالفرحة بتحريرهم ، ثم تحريـر أرض فلسطين الحبيبة كلَّها من دنس الإحتلال الصهيونـي بإذن الله تعالى .
والله الموفق وهو حسبنا عليه توكلنا ، وعليه فليتوكّل المتوكّـلون . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 19/10/2011 عدد القراء: 35920
أضف تعليقك على الموضوع
|