مشروع إعادة سوريّة إلى الأمّة الإسلاميّة
حامد بن عبدالله العلي
قال الحق سبحانه : ( إنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ).
هذه الآية العظيمة هي من أعظم الهدايات القرآنية في سنن التغيير الإجتماعي ، وقد دلَّت فيما دلت عليه من معان كثيرة ، على أمرين :
أحدهما : أنَّ الله تعالى ينظر في نفوس الناس فإن صحَّت عزيمتهم على التغيير ، وخطوْا الخطوة الأولى داخل أنفسهم بإزالة العوائق ، وكسر حاجز الخوف ، وإستعداد لتقديـم التضحيـّات ، أخذ بأيديهم فغيَّر حالهـم ، فأخرجهم من ضيق إلى سعة ، ومن عُسر إلى يسر ، ومن شدّة إلى فـرج .
والثانية : أنّ الله تعالى سينصرهم ، مهما كان بأس عدوِّهم ، فإنّه سبحانه إذا أراد أن يخسف بطاغية ، فلـن يقدر أن يرد أمر الله أحـدٌ ، ذلك أنّ نواصي الكائنـات بيد الله تعالى يصرفها كيف يشـاء بقدرته التي وسعت كلِّ شيء ، وعلمه الذي أحاط بكلِّ شيء .
وقد ضرب الله تعالى للناس مثلا ، ولم يزل يصرّف الآيات للناس لعلَّّهم يعقلون ، بالفرعونين الهالكين : فرعون مصر ، وفرعون تونس ، فلمّا غير الناس ما بأنفسهم من الرضا بالمهانة ، والركون إلى الخوف ، واتحـدوا صارخين في وجه الطغيان ، غير الله تعالى ما بهم ، وأخرج منهم أمّة الكرامة ، والعزّة ، فارتفعت رؤوسهم أعـزَّة ، بعد أن كانوا كالهـوام ، وشمخت أنوفهـم ، بعدما كانت في الرّغـام.
ولما أراد الله تعالى أن ينزل بأسه بالطاغيتين ، لم يرد بأس الله تعالى عنهما شيءٌ ، ولم يجدا لهما من دون الله من وال ، وأخذهما ربُّ العـزة من بين الجنود المجنّدة ، والحرس المشدَّدة ، والقصور المشيَّدة ، والفرش الممهّدة ، ونبذهـما في أسوء الحال ، وأشنـع المآل ،
ثم أبقاهـما إلى حيـن كالجسدين بلا روح ، عاريين من الملك ، والمال ، والجاه ، والسلطان ، حتى تتمّ لهما الحسرة في الدنيا قبل الآخـرة ، ويذيقهما من الذلّ ، و المهانة ، قبل الموت ، مثل ما فعلاه في المظلومـين ، جزاءً وفـاقا ، وحتَّى يجعلهما عبـرة للمعتبرين ، وعظـة للمتعظين .
غير أنَّ النظام السوري لم يشأ أن يعتبـر بما جرى ، ولا أن يتَّعـظ بما يـرى ، فقرر أن يسير على خُطى الطغاة ، ويسلك سبيل الظلمـة البغاة ، معلنا تمرّده على الله تعالى ، مؤثـراً الإستكبار على التواضع لخالق السموات والأرض ، مقدِّمـا العناد على الإنقياد لمن بيده نواصي العباد.
وأيم الحـقّ لو قيل إنّ إبليس نفسه ، لـو أراد أن يقيم دولة يجمع فيها مجموع شـرِّه مجسـّدا ، لما زاد على النظام السوري الحالي صورة ومعنـى ، لو قيل هذا لما أبعد قائلُه عن الوصف الصادق ، والنعت المطابـق .
وأعظـم جرائم هذا النظام الخبيث فوق ما يفعله من الإستبكار المنتفش ، والظلم والقمع المتوحّش ، مما وصفنا بعضه في المقال السالـف ، أنه ماض في خُطط فصل الشام عن الأمّة الإسلامية ، وإلحاقه بالنظام الإيـراني ، في إستنساخ مطابق تماما لما فعله الصفويون قبل قرون عندما فصلوا بلاد فارس عن الأمّة الإسلامية ، بعد أن كانت درَّة في تاجهـا ، وضياء إبلاجهـا .
ولنضرب على هذا مثالاً واحداً ليقاس عليه ، وهو أنشطة جمعية يطلق عليها جمعية (آل البيت ) في سوريـة ، التي يرأسها السفير الإيراني السابق في دمشق محمد حسن أختري ، وهي تتبع مباشرة مكتب خامنئي ، ومسؤولة عن نشر مراكز شيعية حول العالم ، وقد أنشأت حوزة في دمشق ووسعتها حتى صارت ثالث أكبر حوزة في العالم بعد قم ، والنجف ، كما أنشأت أكثر من 500 حسينية تتوزع على المدن المختلفة ، يدرس بها الآلاف من الإيرانيين ، وغيرهم من شيعة الخليج ، وهناك يُجنّدون فكريا ، وتنظيما ، لـ ( أيرنة ) الخليج بعد سورية .
وهذه أنشطة جمعية واحدة فقط ، فكيف إذا ضُمَّ إليها عشرات غيرها ، وقد قيل أن عدد الحسينيات التي سمح بالنظام السوري ببنائها في المدن الرئيسة في سورية أكثر من 1200 حسينية ، أكثـرها أُعِـدَّت ، وتُركت لتكون مهيَّئة يوما مـا لإستقبال المتشيّعين في المستـقبل ، في مخطط يستهدف تشييع كلّ الشعب السوري !!
ولم أجد لوضعك أيها القارىء في مشهد يوضح صورة تمكين النظام السوري لإيران من السيطرة على سورية ، لفصلها عن الأمـّة ، خيراً من وصف كاتبة فلسطينية :
( قبر صغير مجهول في أي بقعة في سورية ، يتـمّ ترميمه وتوسيعه ، يوضع عليه شاهد يحمل اسم هوية لأحد آل البيت بالعربية ، والفارسية ، يقام حول المقبرة حسينية ، يكفي ليتوافد السيـاح الإيرانيون ، ويحج إليه العراقيون ، شهور قليلة يتم أعمار المنطقة حول المقبرة ، يشترى الغرباء الأراضي والبنايات حول الضريح ، المحال التجارية والمدارس ، والمستشفيات تزين تلك البقعة التى تستوطنها أغلبية إيرانية ، فيما السكان المنطقة من السوريين يتحركون ، وينزاحون لأطراف تلك المدينة ، كالغرباء ، لا يستطيعون مقاومة الزحف الايراني أو حتى الاحتجاج على الأمر!! ) .
وتنقل لنا بيسان عدوان مشهـداً آخر فتقول : ( كان علينا التوجه لزيارة أحد أقارب وردة في حي السيدة زينب ، العائد لتـوّه من العمرة ، أبو حسين في منتصف الخمسينيات من عمره ، كان يعمل بالتدريس ، ثم فتح مكتبة لبيع الكتب الدينية بالحي ، أخذ يحكي عن رحلته إلى مكة ، بينما يوزع الهدايا من الأراضي المقدسة لمباركيه ، تحدثنا عن الكتب الدينية التي يبيعها، أخبرني أنه اشترى كتباً كثيرة من مكة المكرمة ، إلاّ أن الكثير منها صودر في المطار !!
وحين سألته عن سبب ذلك ، أخبرني بتحسـّر ( لأنها كتب سنية ! )، بدى العجب علي وجهه إلا أنه استأنف ( يا بنتي هلأ الكتب السنية مو كتيرة بالشام رغم أن نسبة المسلمين السنة أكثر من 85%، إلا أنهم بيخافوا أن تكون كتب وهابية ! أو متل ما بيقولوا تكفيرية ) !!،
أخبرته لأنّ النظام السوري علماني ، ولديه عداء مع الحركات الدينية السياسية ، رفض أبو حسين تبريري، وقال : ( لسّاكي صغيرة ، ماهو تارك للإيرانيين ، والعراقيين حرية الحركة بين الناس ، ومدارسهم ، وحسينياتهم منتشرة بكلّ مكان ! ومكتباتهم اللي بتبيع الكتب عن الشيعة مو ممنوعة ، والحكومة مو بتقلّهم شي ! بتعرفي أنه فيه أكثر من خمسمائة حسينية في دمشق وحدها ! ) !
ووفق الله أبا حسين هذا الذي علم أنَّ علمانيّة النظام السوري ما هي إلاّ غطاء يُمرَّر تحته الإحتلال الإيراني (الديني) لسورية ،
بينما جـهل ذلك كثيـرٌ من المثقفيـن المغرورين بثقافتهم حتى جعل غرورُهم على عقولهم غشـاوةً ، فهم لايبصرون هذا التحالف القذر بين نظام إيران الذي يدّعـي نصرة المستضعفين بينما يدعم أشد الأنظمـة البوليسية المتوحّشـة طغيانا وظُلمـا ، وهو النظام السوري !
ثـمَّ هـم فـي عماية تامـّة عن هذا التآمر الأقذر بين النظام السوري العلماني في الظاهر ، ونظام ديني (تكفيري) يحكم بالنيابة عن المعصوم الذي من ردَّ قوله كفـر ! وزعيمه السياسي يهذي عن تلقّيه الأوامر مـن (المهدي المنتظر ) في تواصل سري بينهما !!
يتآمران على الأمـَّة في بهمة الليـل ، في سراديـب الباطنية النصيرية المتحالفة مع الخمينية الحاقـدة ، تحت قصر الطاغيـة بشار !
وبأيديهـما خناجـر الغدر على نسخة خنجر أبو لؤلؤة المجوسي أوّل غادر منهـم بهذه الأمـّة العظيـمة !
ورحم الله الشيخ ابن جبرين عندما انبرى محـذّراً من الإغترار بالجيب الإيراني في لبنان _ حزب حسن نصر _ إبـّان حرب 2006 ، منبّهـا على خطـره القادم على الأمـّة ، فسخر منه السذَّج ، حتى تبيـّن الآن ما وراء الشعار : ( التحالف بين قوى التصدي والممانعة للاختراق الأميركي والإسرائيلي للمنطقة ) الذي ترفعه إيران مع سوريـة .
إنَّ وراءه تسليم النظام السوري الشام لطهران لتضمَّها إلى مشروع الهيمنة الإيراني !
وبعـد :
فإنَّ الشعب السوري البطل لم يدَّخـر وسعا في إنقاذ الشام فانطلق مزمجراً بإنتفاضة 16 مارس ، وقد أبلى بـلاء حسـنا يفوق الوصـف ، وقدَّم حتى الآن أكثـر من 100 من الشهداء الأبرار ، وآلاف الجرحى ، والمعتقـلين .
وهو مستـمر في إنتفاضته المباركة لينقـذ سوريا من حكم الطغـاة ، ومن الإحتلال الإيراني .
وهو اليوم بأمس الحاجة إلى دعم الأمـّة الإسلاميّة لإعادة سورية إليها ، قبل أن تمزّقـها أنيـاب الذئاب الإيرانية ،
فهِبِّـي أيّتها الأمـّة العظيمة من جاكـرتا إلى نواكشـوط ،
وثِبـُوا يا أبناء الحرمين ، وفرسان جزيرة العرب ،
وقومـوا يا أهل مصر ، كنانة الإسلام ،
واستأسدوا يا أهل إفريقيا ،
وزمجـروا يا سنة فارس ، وعربها الأماجـد ،
وانهضـوا يا أهل أفغانسـتان ، وباكستان ، والهنـد ،
وأقبـلوا يا أهل الرافـدين يا أروع تاريخ الأمّـة ، وعنـوان عزّهـا ،
وازحفـوا يا أهـل تركيا يا عملاق الإسلام ، ويا مفخرة تاريخـنا .
واطلـقوا إعصـار الإسلام الذي يقذف بهذا المخطط الطائفي البغيض المتعفّن بأحقـاد المجوس إلى نارهـا ليحتـرق .
تحت شعار ( إعادة سورية إلى الأمـّة ) ، وذلك :
بفضح مخططات التحالف الإيراني السوري ضد الأمـّة .
وتقديم جميع أنواع الدعـم للثورة السورية المباركة .
قـدّموا هذا العنوان إلى مقدَّم الأوليـات في المرحلة القادمـة ، مع محاصرة المخطط الإيراني في البحـرين والخليج ، ومع دعـم سنة إيران ، وإنتفاضة الشعب الإيراني المظـلوم .
والله المسـتعان ، وهو حسبنا عليه توكّلنا وعليه فليتوكـّل المتوكـّلون .
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 04/04/2011 عدد القراء: 28370
أضف تعليقك على الموضوع
|