ملاحظة : تمت إضافة إمكانية التعليق على المقالات
ذِكْرَى سُقُوطِ الخِلاَفَةِ الإِسْلاَمِيَّة
(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم يكون ملكا عاضا ، فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ، ثم يكون ملكا جبريا ، فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعـه إذا شاء أن يرفعه ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت ) رواه أحمد وغيره .
كان يوم أمس 3 مارس 1924م ، ذكرى سقوط الخلافة الإسلاميّة ذلك الحدث الأخطـر في الإسلام وحياة المسلمين ، بعد أن اتصلت حلقاتها ثلاثة عشر قرنا ونصف القرن ، وكانت الخلافة هي الحضْن الذي يلمّ شمـل المسلمين ، ويجمعهم في أقدس رابطة تحُيط بهم من وراءهم ، وهي رابطة الإسلام والإيمان ، وكانت هـي القلعة التي تحميهم وتحمي شريعتهم ، كما كانـت هـي اللواء الذي يلتفّون حوله إذا دهمتهم الأخطار ،
،
وأعظم وأهـم ماكانت ظلالها الوافرة تلقيه على أمّتنا أمران :
أحدهما : الإبقاء على الهويّـة التي تميّـز أمّتنـا ، بمكوّناتها الثلاث :
الجامع والإنتماء الملِّييْن لا الوطنييْن ، والشريعة الإسلامية الحاكمة والدولة القائمة على الشريعة المستمدة سلطتها منها ، والنظام السياسي المنبثق من الإسلام ،
،
الإبقاء على هذه الهويّة حيّة وقّادة في نفوس المسلمين .
،
الثاني : أنها كانت رمز القوّة الضاربة المستعلية بالإسلام ، ومظهـر الشوكة الغالبة المعزّة للدين ، فكانت الأمّة تعتـزّ بأساطيل الجهاد التي تحمي الملّة الإسلامية، والشعوب المحمّدية ، وتبقي حدودها مهابة الجانب .
،
وكان الخليفة رمـزا شرعيا يربط بين الهوية ، والنظام السياسي ، ربطا وثيقا ، بكلّ ما يعطيه هذا الربط من آثار عظيمة على الأمّة .
،
ولهذا فقد نزل سقوط الخلافة على الأمة الإسلامية نزول الصاعقة ، فلاجـرم عبَّر شوقي عمّا في نفسه ، من هوْل هذه الحدث الجلل ، بهذه الأبيات التي سارت بها الركبان :
ضَجَّتْ عليكِ مـآذنٌ ومنابرٌ *** وبَكتْ عليـكِ ممالـكٌ ونـَواحِ
الهـندُ والهــةٌ ومصرُ حـزينة ٌ *** تَبْكي عليكِ بمَدمَـعٍ سَحّاحِ
والشّامُ تسْألُ والعِراقُ وفَارسٌ *** أَمَحَـا من الأرضِ الخلافـةَ ماحِ؟
،
وكانت مصـر ـ بعد تركيا ـ قلب الأمّة ، ومنبرها الثقافي ، وثقلها السياسي ، فدخلت قوات الإحتلال البريطاني إثر سقوط الخلافة ،وبعدما أعلنت بريطانيا زوال سيادة تركيا على مصر بتاريخ 18 ديسمبر 1914م ، وأطلقـت الجيوش البريطانية الأحكام العرفية ، ووضعت الصحف تحت الرقابة ، وكممت الأفواه ، ثم أتسع الخطـر وانتشـر إلى أصقاع الإسـلام ، وشرع الغرب في إعلان حرب مفتوحة على الحضارة الإسلامية منذ ذلك الحين ، إلى يومنـا هذا .
،
وانتشر السخط الممزوج بالحزن والأسى والألم ، في نفوس الأمّـة ،
،
فلأوَّل مرة في تاريخها يستمد سلطان في بلاد الإسلام ولايته من سلطة نصرانية ، بعدما كان يستمدها من الخليفة ، إذْ قبل سلطان مصر حسين كامل منصبه من القائم بأعمال الوكالة البريطانية ، بعد أن كان الخديويون يرتقون العرش بفرمان سلطاني يحمله مندوب خاص من خليفة المسلمين .
،
ثم زاد السخط والغضب بين المسلمين عامّة ، و المصريين خاصّة ، بعـدما اتخـذ البريطانيون مصـر مركزا للقواعد الشرقية ، لإدارة الهجمات على الخلافة الإسلامية ، وتحطيـم الأمّة ، وتمزيق حضارتها ، وجعلوا القاهرة مركز الأنشطة الجاسوسية .
،
وقُمع هذا الغضب بالحديد والنار ، ثـمّ سَخَّـرت بريطانيا ـ كما تفعل أمريكا هذه الأيام ـ لتمرير غزوها الصليبي الغازي لبلاد الإسلام سخـرت إمكانيات بلاد الإسلام نفسها ، وثرواتـه ، وجهود أبناءه ، وأقلام وعقول المرتزقة منهم ، وحتى فتاوى علماء الشريعة المنافقين ، وذلك لإنجاح مخططها الصليبي ، فوقع العالم الإسلامي ـ ولأوّل مرة في تاريخ بهذه الصورة الشاملة ـ تحت إحتلال نصراني صليبي غربي ، يملك من وسائل المكر ، ومُكْنة التخطيط ، وأسباب القوة ، ما تزول به الجبال الرواسي ،
،
وكان يعمل بكلّ ما أُوتي من قوّة لتحقيق ثلاثة أهداف خطيرة :
،
تعطيل الشريعة الحاكمة ، وتغييب الثقافة الإسلامية الموجّهة للمجتمع ، واستبدال التغريب بهمـا.
،
وأخطره : التغريب السياسي ، الذي أحلّ مفهوم الدولة العلمانيـّة ، محلّ الدولة الشرعية ، والنظام السياسي اللاّديني ، محلّ النظام السياسي الإسلامي ،
،
حيث جعل في صميم هذه النظام السياسي اللاّديني ، أنّ الدعوة إلى إعادة الخلافة ، يناقض كيان الدولة العلمانية نفسها ، فكانت هذه الدعـوة الراشدة لعودة الخلافة ، من أعظم الجرائم السياسية في الدساتير العربية !!
،
ثم التغريب الإجتماعي ، والأخلاقي ..إلخ
،
الهدف الثاني :تقطيع أوصال الأمة وتمزيق رابطتها الإسلامية الجامعة.
،
الهدف الثالث :تجريدها من أسباب القوة العسكرية ، والإقتصادية .
،
وقـد نجح في مخططه إلى مدى بعيـد ، وزاد أن إستطاع أن يزرع في وسط العالم الإسلامي أشـدّ الناس عدواةً للإسلام اليهود ، في كيان صهيوني غاصب ، فتحالف معه ، وحماه ، ووظفّـه لضمان بقاء العالم الإسلامي في حالة إنشغال داخلي عن نهضته الكبرى .
،
هذا ولازالت الأمّـة تعيش التداعيات الخطيرة لسقوط الخلافة ، فكلّ ما يصيبها اليوم من مصائب وبلايا ، هـو من آثار تلك التداعيات .
،
غير أنّه وبعد أن انطلقت جذوة الجهاد الإسلامي الذي جعل أعظم أهدافه إعادة نظام الخلافة الإسلامية ، وبارك الله في هذا الجهاد حتى ملأ الأرض من خيراته وبركاته ، وأقبل الله تعالى بقلوب الرجال إليه ، وجمع روح الأمّة عليه ، فتمكنت في أرض الإسلام جذوره ، واضطرم في الشعوب الإسلامية اضطرام النار شعوره ،
،
انبثق ضوء الأمـل من جديد ، وعاد إلى الأمّـة التفاؤل بالنصر المشيد ، وتطلعت إلى عودة مجدها بقيادة أئمـة العلم والجهاد ، الواثقين بنصر الله تعالى ، المؤمنين بصدق وعده ، السائرين في طريق الرشاد والسداد.
،
وقريبا بإذن الله تعالى ، ترى حضارتنا نفسها وقد اجتمعت فيها من أسباب القوة أعظمها وأسناها ، وارتقت مراقيَ العزَّة إلى أعلاها ، وعادت تقتدي أخراها بأولاها .
،
ونسأل الله تعالى أن يرينا عودة الخلافة الإسلامية ، واجتماع الملَّة المحمدية ، أمّة واحدة حاكمة بشريعتها الخالدة ، قابضة على صولجان الجهاد بعزم المؤمنين ، قائمة على هداية الأمة ببصيرة المستبصرين ،
بعـزّ عزيز ، أو بذلّ ذليل آمين ، الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 04/03/2007 عدد القراء: 17994
أضف تعليقك على الموضوع
|