التعليق على الأحداث الساخنة في مخيم نهـر البارد
،
حامد بن عبدالله العلي
،
لا أحسب ثمة شك في أنّ المشهد اللبناني هـو حامل لقب (الأشدّ تعقيدا في التوازنات السياسيـة ) بإمتياز ، وقـد تـولّدت تداخلاتـه المتناقضة والفوضوية ـ بطبيعة الحـال ـ من أسباب عديدة من أهـمّها كونه (دول داخل دولة ) على حدود الكيان الصهيوني ،
ولا أخـال أنّ ثمـة ريب أن دخول مشروع جهادي إسلامي في مثل هذه الساحـة هو كالبحـث عن طـريق آمـن في حقـل ألغام ، فإما أن يكون المشروع قادرا على أن يمـرّ بمسيرته نحـو أهـداف صائبـة وضعها بحذر بحيث تلائم تلك الساحـة ، وهذا المـرور يتطلـّب من الدهاء السياسي والخبرة ، والإنضباط الفكري ، والإحكام الأمني ، ما ليس بالأمـر السهـل .
وإما أن تفجـّره بعض الألغام ليفـتح بذلك طريـقا يبتغيـه من وضعه على اللغم ، أو وضع اللغم في طريقه ، أو يحدث بسببـه تفجيـر كلّ الحـقل ، وقد يكون ذلك أيضـا ما يراد له ومنـه ، شعـر أو لم يشـعر .
ذلك أنّ توظيف مفهوم الجهـاد نفسه ، وبعض جماعاته التي تحمله ، أو يحمله كثير من أفرادها بصـدق وإخلاص ، توظيفها لمشاريع أخرى في إطـار الصراع الإقليمي والدولـي ، أمـرٌ لايستبعـده تماما إلاّ البلهاء ، فأبالسة المكر السياسي ، يحسنون صنعة أبليس المفضلة التي قيل عنها : إنـّه لايبالي أن يحـبِك تسعة وتسعين خطـوة من الحلال حيـلةً ليوقع ابن آدم في المائة التي هي الحرام !
وإنهم ليجدون متعـة خاصة في إثبات قدرتهم على جعل وقود مشروعهـم أطرافاً معادية لهـم حتى يبلغوا غايته .
ولاريب أن المشهد السياسيي اللبناني وافـر العطـاء بتناقضاته لأصحاب هذه المتعـة السياسية !
ولهـذا فإنّه ـ مالم يحدث ما ليس في الحسبان ـ فليس أمام لبنان فيما سيأتي إلاّ الإنزلاق في الحـرائق ، وليت شـعري ، أيّ عاقـل سيجادلنا في أن المشروع الصفوي الممـتدّ (سوريـّاً) وعبر حزب حسن نصـر ، وجنوبا عبر الخليج إلى اليمن ، لايعبـأ أنْ يحـوّل المنطقة كلَّها إلى جحيـم ، فضلا عن (تجحيـم) لبنان ليحقـق أهدافه في صراع مع المشروع الغربي بقيادة أمريكا ، وكذا هذا المشروع الأمريكي التدميري لن يعنيه أن تحـل على العالميـن خرافـة (الهرمجدون ) ! فضـلا عن دكّ كلّ المخيمات الفلسطينية ، وقتل جميع من فيها من المدنيين ، كما فعل الصهاينة الصيف الماضي في لبنان ، بغطاء أمريكي ، ومتى كانـت دماء أبرياء البشـر داخلـة في حسابات هؤلاء المجرميـن أصـلا ،
وأما الجيش اللبناني الباسل! الذي لم يطلق رصاصة واحدة على الصهاينة وهم يدكّون لبنان دكّا دكّا ، وهو الآن مع اليونيفيل يحمي حدود الصهاينة ، ثـم تحـوّل فجأة إلى أسد هصور على عجائز وأطفال نهر البارد ، فهذا الجيـش هـو الآخر أيضا لاتزيـده أصوات المستغيثين الفلسطينيين من سكان مخيم نهر البارد إلاّ طربـا كما يبـدو !
ومهما طاشت التحليلات السياسية في وصف ما وراء الأحداث الساخـنة على ضفة مخيم النهر البارد ، فأخذت يمنة ويسـرة ، غـير أنَّ الثابت الوحـيد الذي يصمـد هـو أنّ الفوضى ستكون الغيـوم الأكثر إنتشـارا في سماء لبنان ، كلّما اقتربت ( المحاكمة الأمريكية ) للنظام السوري ، على تحالفه مع النظام الإيراني ، وليس على قتل الحريري بلا ريب.
كما النتيـجة الأكيـدة الوحيـدة هـي أن فيلة هذا الصـراع لايهمها ما ستطحـن تحتها ،
ثـم هذه المشاهد التي وزعتها وسائل الإعلام للمخيم البائس ، ليست سوى أنموذج مصغّـر لما سيحدث في كلّ المنطقـة لو استمـر صراع الفيـلة المجنونة.
وكـم هـم أغبياء الذين يظنـون أن (الفوضى الخلاّقـة) سيكون لها أيّ تـجلِّ في صراع الشيطان الشرقي مع الطاغوت الغربي ، بـل مانراه هـو بعض تجلّيات طغيان الإنسان المتمرد على الله الظلـوم الجهـول الذي يزيّن له الشيطان سوء عمله ، ولن يضر دين الله شيئا ، بل سيضـر نفسه فحـسب ، ودين الله منصـور حتما ، مكتوبةٌ له العاقبة.
وكما دفع العراق ثمـن الفراغ السياسي الذي صنعه فشل النظام العربي في كلّ شيء إلاّ في إرضـاء البيت الأبيض ، فأدخل على الأمّـة ويلات تشيب لها رؤوس الولدان ، كذلك سيدفع لبنان ، ثم غيـره ، وهلم جــرّا.
وأخيـرا فإنّ العصمـة لأهل السنة في لبنان من الإحتراق في هذا الصراع ، هـو أن يجتمعوا ، في مشـورة سديدة ، تنسّـق مواقفهـم ، وتحـفظ لهم ثقلهـم وهيبتهم ، وتنأى بهم عن صراعـات لامصلحـة لهـم فيها ، لاسيما في هذه المرحلة الحسّاسـة البالغة الخطـورة عليهم .
ولتكـن مواقفهـم بلا عجـلة توردهـم الخـلل ، ولا استبداد برأي لطائفة منهـم تصدرهم إلى الخطـل ، ولا تقاعـس عن فريضـة الدفاع عن دينهـم وكيانهم تقعـد بهم إلى الكـلل.
وأما العصمة لأيّ مشروع جهادي من الضياع فهو بأن يوضع في بيئة تسـعه لتحمله ، ويصوغ أهدافه بهداية الوحـي ، وسلامة الفهـم ، وتُحكم مقاليده بقادة يجمعون إلى الشجاعة والمعرفة العسكرية ، الدهـاء السياسي الذي يمكنهم من فهم معادلة الصراع العالمي ، والإقليمي ، والمحلي ، للتعاطي معها بما يحقق مصلحة الأمّة عامّة ، وأهل السنة خاصة في تلك الأرض ، ذلك أنّ الفشل في مشروع جهادي ليس كالفشل في غيره ، إنّ تبعات هذا الفشـل بالغة الخطورة ، وعواقبه عظيمة الأثـر .
وعلى أيـّة حـال ، فالأمّـة مـالم تنهـض بدينها أولا ، ثـم بسـواعد رجالها ثانيا ، بعد التوكّّّّّّل على الله تعالى ، فهـي إلـى مرحـلة عصيـبة سائـرة ، وليس فيها بارقة أمـل وضعها الله تعالى ، إلاّ في تلك العصائـب المسترشدة بدينها التـي تقاتل في سبيل الله تعالى ، متجرّدة لنصر رسالتـها ، غير هيّابـة عن إقتحام الأهوال في سبيـلها ، كمـا هـي واعية لمخططات عدوّها عصيـّة أن توظـَّف تابعـةً لغيـرها .
والله المستـعان ،،
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 23/05/2007 عدد القراء: 14590
أضف تعليقك على الموضوع
|