لماذا يقتل النظامُ السُّوري أحفاد عمر المختـار مع القذافـي !
حامد بن عبدالله العلي
عام 1982م .. كان الجـوُّ هادئـاً في شهـر شباط فبرايـر ، كان يوماً جميـلاً في حمـاة ، مدينة الشـام الساحـرة ، والسماء صافية بزرْقتهـا الناعمـة الباعثة في النفس البهجة ، ونسيـم الهـواء مشبَّعٌ بعبيـر نهـر العاصـي ، الذي يمـرُّ بالمدينـة التاريخـية كشريانٍ ينبضُ فـي قلبـها ، فيمـلأ جسدَها بالأَلـَق ، وروحَها بالعـَبَق .
ونواعيره تدور بإختيـال ، كأنهـا تحتفـل ، وتغنـِّي له ، ولهـا ، أغنيـة الحـبِّ الذي جمـع بينهمـا عبـر التاريخ .
وجوامعها العريقة تسبِّح في وقـار ، وسكينة ، يشرحان صدر من يرى ، وقلـوب الورى .
وقلعتها المهيبة كأنهّـا ترسـلُ تحايـا من جميع من مضـى من أبطـال هذه المدينة المليئـة بالشمـوخ عبر العصور ، فتنثـرها على كـلِّ راءٍ ، وزائـر .
وكان الناس آمنون في بيوتهم ، لايشعـرون بأنهَّـم على وشك أن تفتح عليهم أبواب الجحيـم ! وتنزل عليهم حمِـمُ نظام سياسي لايمـتُّ لهذه الأمـّة بصلة ، لادينه دينها ، ولا لحُمته لحُمتها ، ولاتاريخـُه تاريخهـا ، ولايُدرى كيف يحكم هذه البقعة المباركة من السماء ، وكيف تسلَّط على شعب يكفيه فضـلا أنَّ الملائكة باسطة أجنحتـها على أرضِه ؟!
ويتقـدم نحو حمـاة اللـواء 142 من سرايا الدفاع ، واللواء 47 دبابات ، واللواء 21 ميكانيكي ، والفوج 41 إنزال جوي (قوات خاصة) ، واللواء 138 سرايا الدفاع ، وقـوات خاصة أخرى ، ومخابرات ، وأمن دولة ، وأمن سياسي ، وفصائل حزبية مسلحة ، وغيرهـا
ولم يكونـوا سـوى وحوشٍ في جثمان بشـر ، وأشكال بشـر في أرواح شياطين ، مسوخٌ بربريـة لاتعرف شيئـا مما فُطـر عليه بني آدم من الإنسانيـة ، ولا يجـري في دمائها ما يجري في دماء بني الإنسان من الرحمـة ، والعطف ، والرأفـة.
وما أنْ دخلت هذه الوحوش مدينة حماة حتى فتحـت حمِمَها على سكان المدينة ، وأسقطت عليهـم ما لايحُصى عددُه من القذائف ، فأشعلتها نيـرانا ملتهـبة .
ودخلت الدبابات فسحقت البشـر ، فاختلطت لحـوم الأطفـال والنسـاء بجنازيرها ، ثـمَّ أعمـل الوحوش الإبادة الجماعية في أهل حمـاة ، حتى سال نهر العاصي دمـا قانيـا ، وامتلأت أزقـَّةُ حماة بالجثـث ، وبلـغ عدد القتلى أكثر من ثلاثيـن ألفـا ، وبُقرت بطون الحوامل ، وذُبـح الأطفال ذبحـاً أمام أبائهم وأمهاتهـم ، وهُتـكت الأعراض ، وانتُهـبت الدور،
واسْتُحلِّـت المديـنة .. ،
واكفهرت السماء واستحالت حمراء مخيفـة بعد زرقتهـا الوضَّاءة ، واتشحـت حمـاة بالسـواد ، وغـدت تنتحـب كما تنتحـب الثكلى .
وأُخـذ من المدينة من رجالها ، وشبابها ، ونسائهـا ، من لايعلم عددهم إلاّ الله تعالى أسـرى ، فألقي بهم في غياهـب سجون لايعرف في الدنيا أشـدّ وحشية منها ،
منها زنازين لا يمـدُّ فيها السجين رجلاً ، ولا ينصب قامـةً ، وسجون أخـرى تحت الأرض سوداء مظلمة ، قعـرها بعيد ، وجدرانها حديـد ، وماؤهـا صديد.
وتركـوا هناك ، لايقـصُّ أثرَهـم أحـدٌ إلاَّ خشـي أن يلحق بهم ، ولا يجـرؤ والـدٌ أن يسأل عن ولده ، ولا أمُّ مكلومة أن تنشـد ضالـةً هي فلذة كبدها ، ونياط قلبها ، ولازوجة تجرؤ أن تحاول معرفـة مصيـر قرينها ، ووالد أطفالهـا الذين فَطـرَ الحزنُ قلوبهَـم على أبيهم ، لايدرون أين ذُهـب بـه ، وإلى أين ساقـته جلاوزة الطاغيـة .
وبعـد المجزرة المروّعـة فُجـِع الشـام بأبنائـه ، وبقـي واجمــاً لم يستوعـب الجريمـة من فداحـتها إلاَّ بعـد مضي زمـن طويل .
لكنه لم ينـس ذلك اليوم الرهيـب ، ولن ينسـاه والله ، فهـو غصَّـةً بقيـت في صدره ، ولن يزيلها إلاّ زوال النظـام الطاغية عن صـدر هذا الشعـب الكريم .
ثم استمر النظام بهذا النهـج الدمـويّ يحكـم ، يعتقل الأبرياء ، ويزج بهم في السجون ، ويكمـِّم الأفواه ، ويرهـب الناس ، حتى هاجر من سوريا الملايين ، وعاش فيها تحت الخوف الملايين ، وتحـوَّل الشعب السوري إلى من هـو مشرَّد ، ومن هـو مـن كلِّ عيش كريـم مجـرَّد .
ولقـد حان الوقـت ليثور الشعب السوري ، ويستـردّ حقوقه ، وكرامـته ، ويزيح عن صدره ما جثـم عليه منذ خمسين عـاما ، بل العجـب والله أنه لم يفعـل حتى الآن ؟!!
والحال أنَّ ما فـي سوريـا اليوم من إنتهاكات هي أبشـع مما يمكـن تصوره ، ولا يقارن بـها ما يجري في أيِّ نظام عربيّ طاغية آخـر .
ومعلوم أنَّ جرائم الأجهزة البوليسية التي كان يقترفها النظام المصري حتى أهلكه الله ، هي أضعـافٌ مضاعفة في سوريـا أصـلا ، ولا يخفى هذا على الشعب السوري ، ولكـن لا أحـد يجرؤ على الكـلام !
أما إنتهاكات حقوق الإنسان فمن العيب أن تُسمَّى إنتهاكات أصـلا ، فقد تجاوزت هذا المصطلح بكثيـر ، فالشعب السوري لايعامله النظام كالبشـر .
أما مصادرة حقوق الشعب السوري السياسيّة فلانظيـر في الأنظمة العربية لمثل الحال في سوريا ، فالطائفة النصيرية متسلِّطة من عقـود على الأغلبية السنيـّة ، تستولي على حقّهـا في الحكـم ، وتسرق ثروتـها ، وتتقاسمهـا فيما بينهـا كالغنائم ، سواء بنهب مقدرات البلاد لها ، وبطريق الرشوة ، والإحتكـار ، والمصادرة ، والضريبة ، والاحتيال ، وسائر وسائل الإبتـزاز ، والسطو !
حتى صار الشعب السوري من أفقـر الشعوب العربية ، وأكثرها شعـورا بالضيـم ، والظلـم .
وقـد تسلَّطت هذه الطائفة القلية العـدد على رقاب أهل السـنة ، وأخذت الإمتيازات الكبرى لها ، وأذاقـت _ ولم تـزل _ الأغلبيـّة السنيـِّة العذاب المهيـن .
ثم لم تكتف هذه الطائفة بما فعلت في الشعب السوري حتى وقفت _ يساندهـا نظام القذافـي من ذلك الحيـن !! _ مع إيران إبـّان الحرب المجوسية التي أطلقها الخميني على أمة المسلمين ، بادئـاً بالهجوم على العـراق ،حتى أفشـل الله مساعيهـم ، وهزمهم شـرّ هزيـمة.
ثم تسلَّط النظام السوري على لبنان فأعمـل في سنّتهـا ما تشيـبُ لـه رؤوس الولدان ، وكان يستنزف هذا البلد إستنزافا لايوصف بشاعـةً ، ويحكمه بنظام مخابراتي لايعرف الرحمـة ، يفعل فيه الأهـوال ، فيغتال من يشاء ، ويعتقل من يشاء ، ويعذّب من يشاء ، حتـى إذا خرج منه ، خلـف وراءه حزبـه _ حزب الشيطان _ ليكمل المهمـّة ، في إستعبـاد وإضطهـاد أهل السـنّة ، وفي جعـل لبنـان سخـرةً لإيـران !
ثـمَّ في هذه الأيـَّام العصيبة على أهـل ليبييا الأبطـال ، أرسل النظام السوري طياريـه لقتـل الشعب الليبيّ أحفاد عمر المخـتار الذي ثار على طاغيـته ، ووقف النظام السوري بكلِّ وحشية ، وبلا رحمـة ، ضـدّ شعب عربي مسـلم يطلب الخلاص من حكم الطغيان ، وأخـذت الطائرات السورية تقصـف الشعب الليبي ، فتقتل الأبرياء ، وتمـزّق الأشلاء ، تماما كما فعل قبل ثلاثين عاما في حمـاة !!
والخلاصة أنَّ تاريخ هذا النظام كلـَّه منذ خمسين عاما ، تاريخٌ أسـود مع أمتنا ، ولايحسن سوى المتاجرة بالشعارات ، واللعـب بورقة القضية الفلسطينية ليحرقها في مشروعٍ تحالف فيه مع أعداء الأمـّة فـي طهران ، ومع داعية الدولة الباطنية في ليبيـا !!
وأنَّ مواقفه كلَّها منذ خمسين عاما ، ضـدّ الأمـّة ، منـذ أن تسلَّط بباطنيته على الأغلبية المسلمة في سوريـا ، إلـى يومـنا هـذا .
فحارب التديـُّن في الشعب السوري أشـدَّ الحرب ، ولم يزل يسلُّ سيف الإرهاب على من يتجه للتديـُّن في سوريـا ، فيلاحـق الملتحين ، ويحارب النقاب ، ويبثُّ الفساد الأخلاقي في الشعب السوري ، وينشـر الرذائـل .
وفتح أبواب القُطـر السوري لدعاة الفرس _ ويدعي أنـَّه حامي العروبة _ يعيثون في أرض العروبة فساداً ، ينشرون فيها مذاهبهم القائمة على تحريف الدين ، وشتم عرض سيد المرسلين ، وتكفير الصحابة رضوان الله عنهم أجمعيـن .
وفي الخارج كان ولايزال يتآمـر على الأمـَّة مع النظام الإيراني ، ويتحالف معه ضـد المسلمين.
فلا عجب قال شيخ الإسلام عن هذه الطائفـة أنَّ من يستخدمهم على المسلمين كمن ( يستخدم الذئاب لرعي الغنم ! فإنهم من أغش الناس للمسلمين ، ولولاة أمورهم ، وهم أحرص الناس على فساد المملكة _ يعني من ممالك المسلمين _ والدولة ، وهم شـرُّ من المخامر _ المخـرِّب _ الذي يكون في العسكر ، فإنَّ المخامر قد يكون له غرض ، إمـّا مع أميـر العسكر ، وإمـّا مع العدوّ ، وهؤلاء أعـداءُ الملـِّة ، ونبيّهـا ، ودينهـا ، وملوكهـا ، وعلمائهـا ، وعامّتهـا ، وخاصّتها ، وهم أحرص الناس إلى تسليم الحصون إلى عدوِّ المسلمين ) .
وصـدق والله ، هم أعـداء المـلّة ، وهم والله كالذئاب على الشعب السوري ! وكالمخامـِر في أمة الإسلام .
وقال عن ضررهم على المسلمين : ( وضررهم في الدين على كثير من الناس أشد من ضرر المحاربين من المشركين ، وأهل الكتاب ، ويجب على كلِّ مسلم أن يقوم في ذلك _ يعني دفع ضررهم _ بحسب ما يقدر عليه من الواجب ، فلا يحـلّ لأحـد أن يكتم مايعرفه من أخبارهم ، بل يفشيها ، ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم ) .
هذا .. وقـد اتفق علماء الأمـّة الإسلاميّة أنَّ الطائفة النصيرية أصـلا هي ملَّة أخرى غير ملَّة المسلمين ، وديانة منفصلة تمامـا عـن ديانة المحمّدييِّـن ، كسائر فرق الباطنية التي وصفها الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله : ( ظاهرهم الرفض ، وباطنهم الكفر المحض ).
وبعـد :
فقد بلغ السيل الزبى بهذا النظام عندما أرسل قواته لتقصف أحفاد عمر المختار ، وقـد كشر عن أنيابه ، وكشـح في عداوته ، ووجبت الثورة عليه .
فيا أيها الشعب السوري البطل تحـرَّك اليوم ، وانتقـم لماضيك ، وحاضرك ، واصنـع مستقبلك ، وارفـع راسك ، واسترد حقـَّك .
وأطلـق الصيحة العربية الماجـدة : الشعب يريد إسقاط النظـام .
متوكـِّلا على الله وحده ، مستنْصـراُ ربـَّك الذي ينزّل النصر على من يشاء ، هازم الأحـزاب ، ومنزل الكتـاب ، ومجري السحـاب.
والله المستـعان ، وهو حسبنا ، عليه توكـَّلنا ، وعليه فليتوكِّـل المتوكـِّلون الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 15/03/2011 عدد القراء: 49480
أضف تعليقك على الموضوع
|