وجه الشبه بين الكرة والنظام العربي !
حامد بن عبدالله العلي
لايخطـِىء المتأمـّل في واقع النظام العربي وجه الشبه البيّن بينه ، وبين لعبة الكرة ، لاسيما هذه الأيام إذا رأينا ما يجري في مصر من (هستيريا) مريبة بسبب لعبة كرة بين منتخبي الجزائر ، ومصر ، حتى أصابت ( انفلونزا ) هذه الهستيريا ، بعض ( أئمـة المساجـد) ، و( الدعاة ) ، الذين رفعوا أكفَّ الضراعة في المسـاجد لنصرة المنتخب المصري ! ـ وهذه طائفة جديدة من (الشيوخ والدعـاة) تحتاج إلى إختراع إسم جديد لها ، ولعلّ اسم ( الكردعوية ) يناسبـهم !
ولهذا فقد لاح لـي عدم إستبعاد الربط بين هذه اللعبة ، ولعبة توريث الحكم ، حتى رأى بعض رموز الحزب الحاكم أنّ الربط بين فوز اللاعبين المصريين ، وبروز وجـه جمال مبارك ، أمـرٌ مفيدٌ ، لإضافة حسن الطالع لطلعته ( البهيّة) ، خاصة وأنَّ للمصريين ولعا مميزا بالربط ، أعني بين رموزهم السياسية ، وما يجري لهم من تشاؤم ، أو تفاؤل في حياتهـم !
ولاجرم ، فبين الكرة ، والنظام العربي وجوهُ شبهٍ كثيرة ، منها أنّ الكرة جلدة منفوخة فارغة من كلّ مضمون سوى الهواء ، وكذلك الأنظمة العربية وأدمغتها!
ومنها أنَّ الكرة شيء مكوّر على بعضه ليس لها حـدّ ، وكذلك النظام العربي لاتعرف الحـدّ بين حقوقه ، وحقوق الشعب ، وكلّ شيء مكـوّر حول النظام لاغير ، وكأنـه وُجـد لتكون الحقوق كلَّها له !
ومنها أنّ الكرة متكـوّرة على نفسها ، وكذلك النظام العربي يتكـوّر على نفسه ، مستبدّا ، متّخذا من نفسه إلها ، وربا ! لايريد أنَّ يشاركه أحـدٌ في السلطة ، أو حتـّى محاسبته على أخطاءه ، وهذا لاينتهي بموته ، بل يبقيه أيضا في نطفته من بعده ، فيـورّث (التكـّور) إلى ولده ، حتى لو كان نظاما جمهوريا ، فسيتحوّل بقدرة قادر إلى نظام ملكي وراثي أيضا!
ومنها أنّ هذه اللعبة هي فرق شتـّى ، وكلُّ فرقة لها زعيم ، وتتنافس مع بعضها على إنجازات ( هوائية ) ، لأنهـا كرتهـم تطير في الهواء أكثر الوقت أصلا ، وكذلك النظام العربي إفترق على كذا وكذا فرقة ، كلُّها في جهنـّم ، ـ ولانقول إلاّ واحدة ، لأنّنـا لم نـر هذه الفرقة الناجيـة ـ وهي تتنافس فيما بينها على كلِّ شيء إلاّ الأمور المهمـّة التي يُحمد فيها التنافس ، كالتقدّم ، والصناعات ، والقدرة على إدارة العالم أو الإسهام فيه ذلك على الأقـل ، والانتصارات الحقيقية على الأعداء..إلخ !
ومنها أنّ هذه اللعبة تدور على تقاذف الكرة طيلة الوقت بين الأقدام ، وهي لاتُلمس باليد ، بل تُركـل بالأرجل فقط ، وكذلك النظام العربي تلعب به الدول الكبرى ، وتركله بالأرجل ، كما يُعلب بالكرة وفق أطماعها ، وهو يلعب في شعبه مثل هذه اللعبة وفق أطماع النظام !
ومنها أنّ النتيجة الحاصلة من هذه اللعبة لاشيء سوى الفــرح بدخــول (كرة) في ( شباك) ، وهو وهـمٌ محض ، لافائدة ملموسة منه ، وكذلك النظام العربي لايحقق شيئا لشعوبه سوى الأوهام ، و الوعود الزائفة ، طيلة عقود مضت .
ومنها أنَّ النصر في هذه اللعبة اسم لاحقيقة تحته ، ولفظ لا معنى للنصر فيه ، فلايُقـدّم ، ولايؤخـّر من واقع الأمّة شيئـا ، وكذلك إنتصارات النظام العربي كلُّها كلام فارغ ، بل إنهم لم يحققوا أيّ إنتصار حتى لو كان شكليّا ، منذ أنْ فـرّق المستعمر أرضهم ، ووضع حدود دولهـم !
وكلُّ الإنتصارات التي تفتخر بها الأمَّة ، وترفع رأسها هي من المقاومة فقط لاغير ، ولايقال إنتصارات استرجاع سيناء ، فما فائدة رجوع سيناء لمصر ،لأخـذ مصر برمّتها لحضن الكيان الصهيوني بإتفاقية كامب ديفيد المشؤومة ، وما أظنّها أُخذت أصلا من الصهاينة إلاّ لهذا الهـدف !
ومنها أنَّ لعبة الكرة تلهي الجماهير الكثيـرة بأمـرٍ لاناقة لهم فيـه ، ولا جمل ، وهم يتحمّسون للهـوٍ محض ليسـوا هـم فيه أصـلا ، بل يُبعـدون بعيـدا عنه ! ويتوهمون أنَّ بلوغ (الجلدة المنفوخة بالهواء ) حتى تلامس الشباك ، يتحقق به أمـرٌ عظيم هائـل ـ نسأل الله السلامة ـ فيحوصون حياصـاً عجيباً، ويتصايحون صياحا عظيما ، وربما يبكون في حال الخسارة حتى يخيـّل إليك من عويـل بكاءهم أنَّ نبينا من الأنبياء بينـنا قـد مات ، أو أنَّ نصـر التحرير القدس قد فات ، ويقال إن بعضهم يسقط صريعا بسبب الفرح ، أو يُصعق بسبب الحزن ، كصعقة عاد أو ثمود !.. نسأل الله العافية !
وكذلك النظام العربي يُلهي جماهيره بخطابات الزعماء ، وصورهم ، واحتفالاتهم ، واستقبالاتهم .. إلخ ويستأجرون من المنافقين من يمدحهم ، ويغني ويطبـِّل لهم ، وعند موتهم يبكي عليهم ـ بكاء الثكالى المستأجرة ـ والنتيجة من ذلك كلّه لاشيء !
ومنها أنَّ هذه اللعبة عالميا مقاليدها بيد الأجنبي ، وكلّ ما يتعلق بأمورها المهمّـة يُعقـد في عواصم الغرب ، وأما الدول العربية فهـي تبع لما هنـالك ، وكذلك النظام العربي السياسي تابع يتبع ما يقرر هناك !
ومنها أنَّ فضائح اللاهين بهذه اللعبة كثيراً ما تظهر فتثير الغثيان ، وكذلك النظام العربي تظهر فضائحه بعد بين الفينة والأخرى ، مهما حاول إخفاءها ، فتشمئز الناس من تلك الفضائح .
ومنها أنَّ الكرة لها مربع لاتخرج منه ، وكذلك النظام العربي وضعت له الدول الكبرى مربعا ـ تحدد هي قياساته ـ يبقى فيه ولايخرج منه ، وربما تغير هذه القياسات ، بتقسيم الدول ، كما تسعى اليوم إلى تقسيم السعودية ،والسودان ، واليمن ، والعراق ..إلخ
وكذلك النظام العربي يفعل في شعبه ، فيضع أحيانا ( برلمانا ) يحـدّد مربعا له ، ويضع قياساته بنفسه ، ويجعل بعض الناشطين يلعب فيه لعبة ( المعارضة ) ، ليكون ذلك ستارا يخفي وراءه النظام ( دكتاتورية مخادعه ) .
لكن للأنصاف ثمة شيء وحيد في هذه اللعبة ، ليس في النظام العربي ، وهي أنَّ ( كابتن الفريق ) لا يورّث ولـده ، بل يثبت الزعيم من بعده أهليّته وفق قدراته فينال الزعامـة ، والجماهير تحكم ويصل صوتها ، والنقـّاد يظهرون النقد علانية ـ لاسرا كما هو مذهب (السلعبيدية) ـ وبالتالي يتحسَّن أداء هذه الفرق اللاهية بلا فائدة ، بينما يزداد سوءا أداء الفرق الحاكمة بلا عائدة !
والله المستعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصير. الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 13/11/2009 عدد القراء: 13366
أضف تعليقك على الموضوع
|