ماذا بعد الحرب القادمة ؟
،
حامد بن عبدالله العلي
،
جَليُّ جداً ، أنَّ المشروع الأمريكي الأشدّ غباء عبر التاريـخ ، الذي أطلق عليه ( الشرق الأوسط الكبير ) سقط على وجهه عند أوّل عتبة في طريقـه إلى أهدافه الشريرة ، وليس ثمة جدال في هذا الآن ، وإنما الشأن فيما سيعقب هذا الفشل .
فقـد بات الأمريكيّون الساعـة أعظم الناس علماً بشيء ، وأشدّهم جهلا بشيء ، وأحرصهم إرادةً على تحقيق شيء.
فكما أنهّم أعلم الناس بفشل مشروعهم .
هم أجهل الناس بما سيحصل بعد الحرب القادمة من آثار استكبارهم في الأرض بغير الحـقّ، جهل الإنسان الظلوم الجهول ، وجهل الباغي المستكبر ، وجهـل الغبيّ المعانـد
غير أنّهـم أحرص شيءٍ اليوم على أن لايتركـوا وراءهـم إثر فشلهم ، إلاّ الخراب على مستوى المشهد العراقي ،
لاسيما على مستويين :
1ـ تقسيم العراق ، فإنّ تقسيمه لم يزل حلمهم وحلم الصهاينة ، وبه يضمنونـه مدمَّرا كونه في حالة إنشغال داخلي ، فيبقى ضعيفا بعيدا عن تهديد الكيان الصهيوني.
2ـ إجتثاث الحالة الإسلامية ، و الثقافة الجهادية التي انتشرت في العراق انتشار النّار في الهشيم ، وإشعال نار الصراع الداخلي فيها ، وهذا المنزلق الأخطـر على الجهاد والذي يُعـدّ الآن للجهاد السنّي في العراق ،
ليُضيّع مرارة الهزيمة الأمريكية ،
وليُشتِّت زخم وحلاوة النصر التاريخي الضخم الذي حققه الإسلام عندما استطاع أن يهـزم بقليلٍ من جُندِه ، وبطرفٍ ضئيل من مخزونه الحضاري ، وبوسائله المتاحة بيده والعاديّة جـدا ، الحضارة الغربية برمتها ـ وليس الجيش الأمريكي ـ ويجعلها عبرة لكلّ العالمين.
حتى غدا هذا الإنجاز الحضاري للإسلام ، هـو بحـقّ أكبر مدرسة في العصر الحديث ، ألقى فيها أبطال الإسلام دروسا تاريخية في الاعتزاز بالإنتماء والهويّة ، والإقتدار بالعزائم القويـّة ، والإرادة الصارمة صرامة الحقّ ذاته ، الماضية ـ بإذن الله ـ مضاء القدر بثباته ، التي تحطّم كلّ المعوقات في طريق التغيير.
إشعال الصراع الداخلي ، هذا المنزلق الأخطـر ، نراه يزدلـف كأنـّه يكرّر مشاهد سابقة كانت في مشاريع الجهاد ، يزدلـف وسط اندهاش العقلاء ، وخوف المخلصين الفضلاء ، وعجز المصلحين النجباء ، يهيّجه الشحُّ الذي أُحضرتْه الأنفس ، ويدفعه الهوى ، ويحشّـه من وراءه ، الخونـة المندسُّون ، ويزيّنه الشيطان .
ونحن إذ نتضرّع إلى الله تعالى أن يفشل كيد الشيطان هذا ، ونرجو من الله أن يجنِّب المشروع الإسلامي الجهادي في العراق هذا المنزلق ، بما يقذفه في روع القادة من إيثار الآخرة ، وبعد النظرة ، وسعة المدرك ، وترجيح المصالح العامة ، نعلم أنـّه إنْ وقع ـ لاقدر الله ـ فإنَّ عُظْم إثمه إنما يقع على من يروِّج خطاب الإحتكار ، ويبثّ ثقافـة التمزيق ، إحتكار الإنجاز ، وتمزيق الصفّ ، سائلين الله تعالى أن يمكِّن العقلاء من محاصرة هذا الخطاب ، وتبديد تلك الثقافة.
هذا ،, ولم تُعـد تخفى هذه الأيام ، ركضات إدارة بوش الحمقاء لترتيب المشهد لصالح الإنسحاب من ذلك المشروع الفاشـل ، والذي لم تعد تطمع الإدارة بالنسبة إليه ، بأكثر من عـزل النظام الإيراني ، وتفكيك تحالفه ، خشية أن يستفيد من أخطاءها الإستراتيجية الهائلة في احتلال العراق .
فالبنسبة للمشهد الفلسطيني ، يقلق الأمريكيون الإرتباط بين حماس و النظام الإيراني ، غيـر أنهّـم استراحوا مؤخـرا ، أن إستحكـم وقوع حماس في الفخ بعد المأزق ، فبعد أن كانت تحمل شعلة الذود عن الحمى ، صارت هذه الأسئلة تدور في حماها : هل حماس ستبقى تحمي القدس ، وتحمي المقاومة ، وتحمي حق العودة ، وتحمي حقوق الفلسطينيين ، أيْ قبل هذا كلّه ، وبعد هذا كلّه ، ستحمي حق الإسلام والمسلمين في فلسطين ،
وهل أصبح هدفها بعد إستشهاد رموز الثبات ، أن تحمي حكومة حماس ! هل قاتلت طيلة هذه المدة ضد أوسلو ، لكي تنتهي إلى ما هو أسوء منها ؟! هل انقلبت حماس على ميثاقها الداخلي ، وعلى جهادها المشرف ، إنَّ مجرد تردد هذه الأسئلة على الألسنة يعـدّ كارثة حقيقية لأيّ حركة جهاديـة ، فكيف إذا كانت هذه الحركة في مواجهة أشد الناس عداوة للذين آمنوا ، وعدوانا على مقدسات الأمة ،
أم أنهّــا قـد طاب لها السيـر في سـراب الخداع المسمّى العملية السياسية التي هـي بيد أعـداء الأمّـة يسوقون من يسير معهم فيها إلى حتفـه ، فلايرجع من الغنيمة حتّى بالإياب ، بل يلقى مصير عرفـات ، قُتل مسموما بعد كلّ التنازلات المُخزية التي قدمها ؟!
ثـم كيف إذا كانت الكارثة قـد تعـدَّت التساؤلات ، إلى واقـعٍ آخذٍ في التشكـّل ، كان قد أُعِـدَّ له سلفا ـ في أمرٍ دبِّـر بليل ـ ليكون تغييرا فكريـّا استراتيجيا على وفق الوثيقة المشؤومة المنسوبة لأحمد يوسف ؟!
أما في بقية أجزاء المشهد في المنطقة ، فإنها تجري محاولات حثيثة لفك سوريا عن إيران ، وبالتالي قطع ذراع النظام الإيراني في لبنان ، حزب حسن نصـر ، وتعرض في هذا السياق صفقات حالمة للنظام العلوي في سوريا ، يعاد معها ترتيب كلّ الحالة اللبنانيّة ، وتقوم دول عربية بدور فاعل في تنفيذ المخطـط .
ولاريب أن المشهد العام في المنطقة آخذٌ في التوتر المتصاعد وسينتهي بصدام محتوم ، كما ذكرنا ذلك سابقا عندما بيّنـا أن المشروعين الصفوي والصليبي ، أو الصراع الفارسي الغربي للهيمنة على هذا الجزء الأهم من العالم ، بما يحمل من تناقضات استراتيجية ، لايمكن إلاّ أن تضطرم نار صراعــه عاجلا أم آجلا ،
وكالعادة في مثل هذه الصراعات الكبرى ، فإنَّه بعيدا عن المناورات السياسية ، والتصريحات الإعلامية التي تدور في فلكها ، يعمل كلَّ طرف من وراء لحشد قواه ، وتجميع أوراقه ، والتركيز على نقطة ضعف الآخر ، لتوجيه الضربة بنقاط قوته إليها ،
أما الصفويون الذين أحسنوا بذكاء استثمار الغباء والغطرسة الأمريكية ، وحمق هذه الإدارة الأمريكية وتخبّطها ، مع الفراغ الهائل في المنطقة بسبب فشل النظام العربي وإنشغاله بملاحقة نخبه ومفكريه ، وقمع شعوبه ،
أما الصفيون فإن أخطـر الأوراق بأيديهم هي :
1ـ تهديدهم بضرب الكيان الصهيوني بواسطة حزب حسن نصـر ، والتحالف السوري ، ومعلوم مدى خطورة هذه التهديد إذ ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن ضرب الصهاينة أشد عليها من ضرب واشنطن نفسها ، ولهذا ترمي السياسة الأمريكية هذه الأيام بثقلها لوضع حلّ لهذه المعضلة كما ذكرنا آنفا .
2ـ قدرتهم على إزعاج الإحتلال الأمريكي البريطاني للعراق لاسيما في جنوبه ، إذا الوجود الصفوي الإيراني بلغ مدى تغلله إلى ان أصبح جزءا من النسيج العام ، نسيج النظام ، والمجتمع ، ولهذا يعمل الإحتلال جاهدا لبعثرة هذا الوجود ، بعد أن انتهى زواج المتعة معه .
3ـ قدرتهم على تهديد الأمن في الدول التي تنطلق منها الهجمات الأمريكية على النظام الإيراني ، بعـد أن استغلت عجز هذه الدول الإستراتيجي على مستوى الصراع الإقليمي فضلا عن العالمي ، فأوجدت لها أذرعة على أنموذج حزب حسن نصر في لبنان ، تذكرنا بالأحزاب الشيوعية الثورية في حقبة الصراع الشيوعي الرأسمالي .
4ـ استطاعتهم تهديد مضيق هرمز الحيوي ، بما يشكله ذلك من تهديد بالغ على مصدر الطاقة الأساس للغرب .
5ـ امتلاكهم قدرات عسكرية كبيرة بالمقارنة مع ما كان يملكه النظام العراقي ، إبان فترة صراعه الماضية مع الغرب ، مما يصعب مهمة الجيش الأمريكي .
6ـ كون الإدارة الأمريكية متورطة في المستنقع العراقي ، وغارقة في مشكلات عالمية ، وسخط داخلي من الفشل الأمريكي في العراق .
أما الأمريكيون فإنهــم مع كونهم لايخفون المأزق الكبير الذي وقعوا فيه بسبب الخطأ التاريخي الإستراتيجي بتورطهم في العراق ، وما أدى إليه ذلك من تداعيات تهدد كلّ مصالحهم ، غير أنهم وجدوا أنفسهم أمام إتجاه جبري يقودهم لمواجهة جديدة ، هي نتيجـة حتمية لحماقتهم الكبرى السابقة ،
إذ يستحيل أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية بخروج النظام الإيراني وحلفاءه من هذا الصراع منتصرين ، ولو انتصارا معنويا ، فتستمر إيران في مشروعها النووي الطموح والذي سيرمي بحدود نفوذها السياسي ، والهيمني ، إلى أبعد مـدى ، وتتحول إلى قوة إقليمية ضاربة ، ومستقلة ، حاضنة لمصادر الطاقة العالمية الحيوية .
وتعتمد الولايات المتحدة الأمريكية على حلفاءها الإستراتيجيين في المنطقة ، دول الخليج ، والأردن ، ومصر ، ومن يدور في فلكها ، لتكوين تحالف يحاصـر النظام الإيراني وحلفاءه ، كما تعتمد على قوتهـا القصفية الهائلة والقادرة على التدمير الشامل السريع ، والحاسم ، وذلك لتوجيه ضربة استراتيجية تفقد مؤسسات النظام الإيراني الصلبـة سيطرتها ، فيسمح ذلك ببروز القوى السياسية المعارضة ، وتحرك القوميات المضطدة ، واختلال واسع في الحالة العامة ، يأذن بتغيير جذري للنظام المتمرد على هيمنة أمريكا ، أو على الأقل إضعافه إلى درجة لايشكل معها أي تهديد مستقبلي ، على المدى المنظـور.
ومن النقاط التي تحسبها أمريكا في صالحها من هذه المواجهة ، أنَّ التدمير الذي سيرتـدّ على دول المنطقة ، وقد يسبب كوارث إنسانية ، وبيئية ، وفتن داخلية ، كلّ ذلك لا يُعـدّ خسارة أمريكية ، بل كان الغرب ولايزال يرحّب بإشغال الحضارة الإسلامية بصراعات الداخل ، سواء بين الشيعة والسنة ، وغيرها ، بل يعمل على تأجيجها.
والغـرب بقيادة أمريكا ، لايجد مكسبين أفضـل من : إشعال حرب تكون نتيجتها إنهاء النظام الإيراني ، في نفس الوقت الذي يضـرم فتنة داخلية ، ويخطط ليكون وقودها الأعظم الصحوة الإسلامية بما فيه من تياره الجهادي الذي هو شوكة الإسلام ، وقوته الضاربة .
والخلاصة : بعد أن جاءت أمريكا بكبرها وخيلاءها تظن أنها قادرة أن تفعل شاءت ، قد غـدت تبلغ الجهد أن تخرج دون أن يستفيد غيرها ـ فحسـب ـ مما فعلته في المنطقة من خراب ودمار .
ولهذا ستأتي بدمار جديد ، في حـرب جديدة ، فهي حضارة لا تعرف سوى الدمار والتدمير ، دمار القيم والأخلاق الإنسانية ، وتدمير النعـم والحياة البشرية ،
ثم إنهم لاريب لايعلمون ماذا سيُعقـب هذه الحـرب ، وإلى أيِّ مستقر سستقـرّ ، ولكن الله تعالى العليم الخبيـر يعلـم ، وهو سبحانه القادر على كلّ شيء ، الذي بيده الأمر كلّه ، وإليه يُرجع الأمر كله ، علانيته وسرّه ، أنهم مهمـا مكروا لن تنقلب عاقبة مكرهـم إلاّ عليهم ، وقد قال الحق سبحانه ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهلـه ) .
هذا ونسأل الله تعالى أن يحفظنا ويحفظ المسلمين وأمة الإسلام ، ويجعل كيد أعداءهم في نحورهم ، ويقيّض لهذه الأمــة أمـر رشـد يقوم عليه ، وبـه ، رجالها الصادقون ، وقادتها المباركون ، يُفضون بـها إلى صلاح دينها ، وعافية دنياها ، وعـزّها وتمكينها في الأرض ، غير غالين في حمل الناس على الحق ، ولا مفرّطين في تحمّـل أمانـة الحــق ، آمــين الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 17/03/2007 عدد القراء: 19436
أضف تعليقك على الموضوع
|