جُنـْـدُ الله
حامد بن عبدالله العلي
مـا لايعرفـه كثـيرٌ من الناس عن أسلوب النظام الإيراني تجاه قضايا الأمة الإسلاميـّة التي لايعترف بها أصلا _ قـد بيَّنـا سابقـا في مواضع متعـددة كيف أنَّ عقيدتهم قائمة على الطعـن فـي عصمة القرآن ، وعرض النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفي الجيل الذي رباه ، وبالتالي السنة النبوية ، وفي تاريخ الأمـة ، فلـم يُبْقـوا شيئاً لأمة الإسلام _ أنه عندما يريد أن ينكـّل بأهل السنة في إيران ، أو عربهــم ، أو في العـراق إسلامه أو عروبـته ، إعتقــالا ، وإعداما ، وتعذيبـا ، وإختطافا ، وتهجيرا ، ومصادرةً لحقوقهـم ..إلـخ ،
فإنه يتحـيّن الفرصـة حتى تنزل كارثة على المسلمين _ غـزّة مثـالا _ فيطلق أبواقه الدعائية المنافقة التي تظهـر التعاطف ، وتفضح مواقف النظام العربي المتخاذل ، ثم تحت هذه الأبواق يُعـمل آلة الإبادة والتعذيـب ، حتـَّى تخفـي أصوات المعذبين ، وصيحات المضطهدين ، وصرير أعواد المشانق ، وبكاء الأرامل ، واليتامى على المفقـودين
ومن الأمثلة القريبة على هذا أعنـي في العام الماضي أو الذي قبـله ، ما اقترفه النظام الإيراني من جريمة بشعة عندما أعتقـل منظمي حفل ( ختم البخاري ) الذي أقامـته دار العلوم الإسلامية ، بعد أن هددهم ألاّ يقيموا الحفل لا لشيء إلاّ لأنهم علماء من أهل السنة يحتفلون بتخريج طلاب أتـمُّوا كتاب الإمام البخاري فـي الحديث الشريف!!
وهذا إنما هـو مثـال عابـر تذكرته ، ولو أردنا أن نتتبـَّع جرائم هذا النظام من إبادة ممنهجة للوجود السنـي ، بدءاً من ملاحقـة العلماء ، والمدارس ، ومساجد أهل السنة حتى صار هدم المسجد الكبير لأهل السنة في مشهـد وتحويله إلى حديقة عامة ! مضـرب المثل على كلّ لسان لظلم السلطة لأهل السنة ، ومرورا بإقامة مؤسسات شيعية كبرى في المدن السنية للتضييق على أهل السنة ، وإنتـهاء بالمشانق التي تقام كـلّ شهر تقريبـا لرموز السنة في إيـران ، لو أردنا أن ننتبع ذلك لطال بنا المقام جــدا ، وقـد ألقـيتُ الضـوء على طـرفٍ من ذلك في مقالات سابقة .
ولكن يكفي أن نذكـِّر هنـا بمطالبات عجيـبة لأهل السنة في إيران ، وهـي أن يُمنحـوا بعـض مـا يعطى يهود إيران من حقـوق !!
وهذه بعض الأمثـلة لمطالباتهــم :
أن يسمح لهم بتعلم العربية من غير مضايقات ، كما يسمح لليهود بتعلم العبرية بكل حريـة !
وأن يسمح لمليون سني في طهـران بإنشاء مسجد واحـد في العاصمـة كما لليهود أكثـر من 30 معبدا فيها !
وأن يسمح لهم بمنابر إعلامية حـرّة تنقل صورتهم للعالم كما تنقل معاناتهم ، تماما كما ليهـود إيـران ! ، فمن المعلوم أن لايسمح لأي عالم سني أن يظهـر على شاشة التلفزيون الإيراني ليتحـدث نيابة عن أهل السنة ومطالبهـم ، بينما يسمح لليهود بذلك !
وأن يسمح لهم بإقامة مؤسسات إجتماعية وثقافية كما يسمح لليهود بإقامة مقرات ، ومستشفيات ، ومؤسسات إجتماعية ، وثقافيـة ، تابعة لمعابدهـم في المدن الكبـرى!
وأن يسمح لهم بإقامة مكتباتهم ، ومعارضهم ، ونشر كتبهم ، ومؤلفاتـهم كما يسـمح لليهـود !
وأن يسمح لهم بحرية التنقـّل كما يسمح ليهود إيران بالسفر حتى إلى الكيان الصهيونـي!
وأن ينالوا نفس الحقوق السياسية التي ينالها يهود إيران ! فيهود إيران نسبة تمثيلهـم 1 لكل 30 ألـف ، بينما نسبة تمثيـل السنة 1 لكل 1,7 مليـون !
وأن يُكـَفَّ عن هـدم مساجـدهم ، ومدارسهـم ، أسوة بمعابد اليهود ، ومدارسهم !
وأن يُكَـفَّ عن إعتقال ، وتعذيب ، وإغتيال علماء أهل السنة أسوة بإحترام حاخـامات اليهود في إيـران !
وأن يُكـَفَّ عن طباعة الكتب الشيعية التي لاتحصى بعدد ، وكلُّها تشـتم ، وتحقـر ، وتصف معتقدات السنة بأبشع الأوصـاف ،
وعلى رأسهـا أعني معتقدات أهل السنة ، أعني المسلميـن : إحترام عصمة القرآن من التحريف ، وإحتـرام رعيـل الإسلام الأول أصحاب ، وأنصار، وأحباب رسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى رأسهم أصهاره ، وخلفاؤه من بعده ، الصديق ، والفاروق ، وذو النورين .
ولعلـّك أيها القارىء ستعجب من هذا كلـِّه ، وأنـَّك لأول مـرّة تعلم حجم معاناة ثلث سكان إيـران ، من أهـل السنـّة ، والذين قـد سبق وجودهـم في هذه الأرض ، سـبق المذهب الصفوي بقرون مديـدة ، كانت فيها مدن إيران الكبرى ، قبلة طلاب العلوم الشرعية السنـيّة ، وعواصم الثقافة الإسلامية السنية ، وقـلاع حفظ السنـة ، ونشـر الحديث.
ولعلك أيضـاً ستقول في نفسك أين نحـن ؟! وأيـن كنـّا عن هذا كلـِّه ؟! وما هي الأسباب التي أدت إلى إخفـاء كلّ هذا الظلم ، والإضطهاد العظيميـن عن بصـر ، وسمـع العالـم الإسلامي !
والجـواب أنَّ لهذا سبعة أسـباب :
السبب الأول هو خبرة الإعلام الرسمي الإيراني في إزدواجية الخطاب التي أكتسبها من عقيدة التقية التي تبيح لهم النصب ، والكذب ، والدجـل ، بغية خداع الآخـرين ، للوصول إلى الأهـداف الخبيثة ،
وقد بيّنـا سابقـاً أن من أعظـم أسباب تبنـّي هذا النظام للقضيـّة الفلسطينيّة أنهـا تشكـّل بالنسبـة إليــه أنسب غـطاء يستتر به عندما يقتـرف جرائمة الشنيعة سواء داخـل إيران ، أو في العراق الجريح الذي يئـنّ تحت خناجـر الغدر ، والحقـد الإيرانيـة .
فالملايين التي يدفعها هذا النظام للملف الفلسطينيّ ، يشتري بها ملايين الأبصـار ، والعقـول التي يصرفهـا عن جرائمه في إيران ، والعـراق ، في حـقّ الإسلام ، والعروبـة أيضــا.
وهذا يستتبعه وينبني عليه السبب الثانـي : وهـو أنَّ أهل السنة الذين هم عظـم أمـّة الإسلام ، وجسدها الأعـظم ، وجماهيـرها العظمـى الممتدة من أندونيسيا إلى نواكشـوط ، ليس عندهم في عقيدتهم إجترار الأحقـاد التاريخية ، والتنادي بالثـأر في مشاهـد الدماء ، والأشـلاء ، والصراخ ، والعويـل ، كما يفعل الشيعة ،
وقلوب أهل السنـة طيبة ، لينة ، على فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وأعياد أهـل السنـة هي أعيـاد فرح ، وسرور ، وبهجـة ، والتسامح ديدنهـم ، والعفـو أخلاقهـم ، وهمّتهـم الدينيّة منصرفة إلى تعلم القرآن وحفظه ، وحفظ السنة ، والسيرة النبوية ، وتاريخ الصحابة وعلى رأسهم أهل البيت ، والتفاخـر بأمجـاد المسلمين ، خلفاء ، وملوكا ، وفتوحـات ، وحضارة .
وهم في عامّتـهم لايرون أعداءً لهـم إلاَّ الصهاينة ، والحروب الصليبية ، وغيرهـم ممن لا ينتسب إلى الإسلام أصـلا ، ويبارز هذه الأمـّة العـداء .
ولهذا ربـّما ترى جماهـير من أهل السنـة لايعرفون عن المذهب الشيعي شيئـاً ، وكثيـرٌ منهـم حتى لـمْ يسمـعْ بـه أصلا ، إذ هـذا لايقوم عليه الدين عندهـم ، ولا يضـرّ المسلم جهلـه إبتداءً ، بخلاف الشيعة الذين يقوم دينهم على البراءة ، واللعن ، والأخذ بثـأر الحسيـن الشهـيد سيد شباب أهل الجنـّة رضي الله عنه ولعن من قـتله ، أخذه من أهل السنـة كلّهـم !! _ مع علمهم ببراءة أهل السنة من قاتلي الحسين رضي الله عنه _ وعلى إحـياء هذه الذكرى _ وهي المناسبة الرئيسة في دينهـم _ المملوءة بالشحن العاطفي ضد التاريخ الإسلامي كلـّه !
ومن هنا فأهـل السنـة لايتوقّعـون من نظام يدعي الإسلام أنه يفعل كلِّ هذه الجرائم في المسلمين من أهل السنة في بـلاده في تكتيـم شديد على ما يجري ! فإن إنضاف إلى ذلك هذا الزيف الذي تبثه الآلة الإعلامية في إيـران أعنـي تبنـّي هذا النظام لقضايا الأمة الإسلامية ، وتحديه لأعدائها ، فقـد استتـم الأمـر ، واستحكـمت الخديعـة !
والسبب الثالـث : القبضة البوليسية التي يحكم بها النظام الإيراني البلاد ، بواسطة ذراعه التي لاتعرف الرحمـة أعني الحرس الثوري ، وقد رأينا كيف صنع بالمعارضة الإيرانية ، إلى درجـة إغتصـاب المعارضين في السجون ، كما فضحتـهم رموز المعارضة ، فإذا كان هذا فعله في المعارضة التي كانت شريكته في الحكم ، فكيف يكون حال السنّة المضطهدين ؟!!
وإذا كانت هذه القبضة البوليسية إقتضـت السيطرة على وسائل الإعلام ، مما أدَّى إلى التكتيـم الإعلامي الخانـق على المعارضة ، فكيف يكون حال التكتيم على معاناة أهـل السنـّة .
السبب الرابـع : غياب من يتبنَّى قضيـة أهل السنة في إيران ، ويبرز معانـاتهم ، ويطالـب بحقوقهم _ أعنـي بتصعيـد يليـق بحجم تلك المعاناة ، يشمل ذلك استقدام رموزهم ، وفتح مكاتب سياسية ، وإعلاميـة لهـم ، وتمكينهم من إيصال صوتهـم _ ومن أسبـاب ذلك أنَّ النظام الإيراني يهدد الدول التي تخشى من إلتفاتهـا إلى هذه القضية ، يهدّدهـا بتحريك الأقليات الشيعية ، أو يرهبهـا بإحداث قلائـل أمنيـة فيها ، في حال تحريكها لملف إضطهـاد أهـل السنـة في إيـران !
ومع ذلك فإنّ النظام الإيراني لـم يكف أبداً عن الإيـذاء بهاتين الورقتيـن ، وإستعمالهما لمشروعه التوسـعي !
السبب الخامـس : أنه حتـّى دعاة التقريب من مغفلـّي أهل السنة قـد تـمّ الضحك على ذقونهـم بطريقة مأساوية ، فطبّلـوا وهلّلـوا لخطابات الدجل والنصب الإيرانية المعسولة عن التقريب مع هذا المذهب الباطني الذي لايعترف أصـلا بأيِّ من ثوابـت الإسـلام ، في حـين صمتـوا تماما عن معاناة أهل السنة في إيـران ، فإستغـل النظام الإيراني عملية النصب هذه ، ليهيـل مزيـداً من التـراب على هذه القضية المنسيـة !
وهنا ننوه بالموقف المتمـيـّز للدكتور الحمدان الغامدي الذي أظهر النكير على علماء من الأزهـر بسبب سقوطهـم المريع والمثيـر للشفقـة فـي شـَرَك خديعة ما يسمـّى بالتقريب وإعترافهـم بمذهب خطيـر قائم على نسف كلِّ ثوابت الإسلام ، وتكفيـر عموم المسلمين !!
بينما هذا المذهب بعينه لايكـفّ عن إضطهـاد ثلث سكان إيران من السنـّة الذين لايستجيـب أحـدٌ لنداء إستغاثـاتهم من الظلم الواقع عليهم !
وقـد أحسـن في تعجبـِّه كيف أن صلاح الدين _ رحمه الله _ قـد طرد هذا المذهب الباطل من الباب ، ليتمكّن من تحرير بلاد المسلمين التي لم تحــتل إلاّ بسبب سيطرة هذا المذهب على مصر ، ثـم هؤلاء يعيـدون هذا المذهـب من النافـذة ، في أسوء ظروف تمر بها الأمـّة الإسلاميـة !!
والمطـلوب مزيد من مثل هذه المواقـف التي تصـدع بالحـق في هذه القضيـة المهمـّة صدعـاً جليـَّا كالشمس في رابـعة النهـار ، لاتخشـى في الله لومـة لائـم حتى يعلم الناس الحق من الباطل ، ويمـتاز الهدى عن الضـلال ، ولينـزاح الظلم عن أهل السنـة في إيـران ، ويتـم تحريرهـم مما هـم فيه من الكابوس الجاثـم على صدورهـم من ثلاثة عقـود مظلمة !
السبب السادس : أنَّ سقوط نظام طالبان أدى إلى فقدان سنة إيران لدولة كان من المتوقـع أن تتحـوّل إلى أكبـر نصيـر لهـم ، من منطـلق عقائـدي ، وواجـب ديني ، ولهذا السبب لم يزل النظام الإيراني يحيك المؤامـرات على طالبـان حتى شاركت قواته في دخـول كابل ، بعـد ما رحـب بعبور طائرات الإحتلال أجواءه لقصـف أفغانستان ، عندما تـم إحتلالها قبل تسـع سنين !
السبب السابـع : أنّ الذين يمُسكون بالعمليـّة السياسيـّة في باكستان حفنة من النصابين ، والمـرتزقة الذين لايهمهـم سوى التكسُّب من مناصبهم ، والتنفع من بقائهم أطول مدة في هذه الدورة السياسية ، ولهذا فهم يعبثون بقضية البلوش السنة _ وهـم أقوى قومية سنيـّة معارضة ، وأصعبـها مراسا ، وأشجعـها في المواجهـة _ على وفـق منافعهـم الشخصية ، ولهذا غدروا بعبدالملك ريقي هذه الغدرة القـذرة كعادتهم اللعينة ، ولـولا ذلك لم يصـل النظام الإيـراني إليه ، ودع عنك التمثيلية السخيفة عن إعتـراض طائرتــه !
غير أن هذا كلـَّه لايعنـي أن فجـر التحرير لن يبـزق ، وأنَّ شمس العدالة لن تشـرق ، وأنَّ ريـاح النصـر لن تنـدفع إعصـارا يزيل كـلَّ ما أقامه هذا النـظـام من ظلمـات الظـلم التـي يخفيـها وراء حبـال الخداع ، وشراك النفاق .
وما حركة جند الله السنية البلوشية إلاَّ حركـة تحـاول أن تبـرز قضية عظمى من قضايا العالم الإسلامي ، وتسلط الضوء على الظـلم الواقع على ملايين من المسلمين يعيشون أسوء الظـروف تحت نظام متوحش يحسـن الإستتار بالنفاق .
وإنَّ دماء العلماء ، وأجسـاد الشهداء المعلقـة على أعواد المشانق في إيران ، وحجارة المساجد المهدَّمـة ، وبقاعـها الشاكية إلى الله ، وأكـفّ الداعين في معتقـلات الظلمـة ، ستتَّحـد لتعصـف بهذا النظـام الذي عظـم خطرُه ، وطال جورُه ، وآن أن يزول دورُه .
والله غالـب على أمره ولكن أكثـر الناس لايعلمـون .
والله حسبنا عليه توكّلنا وعليه فليـتوكّل المتوكـّلون . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 21/06/2010 عدد القراء: 26606
أضف تعليقك على الموضوع
|