فتوى في حكم المشاركة في الإنتخابات التي دعا إليها المتآمرون على العراق في شرم الشيخ
حامد بن عبد الله العلي
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
فإنه لايجوز المشاركة في انتخابات الاحتلال الأمريكي للعراق ـ كما أفتت هيئة علماء العراق بتحريم ذلك أيضــا ـ ولا ما يتفرع عن هذه الإنتخابات من أعمال تتبعها ، وذلك لان هذه الإنتخابات ليست سوى تكريس لأهداف الإحتلال ، وإضفاء الشرعية للمشروع الصهيوني الذي جاءت به حكومة البروتستانت المتصهينين ، عدوة الإسلام والمسلمين ، التي غزت العراق غزوا بربريا وحشيا ، استعملوا فيه كل الأساليب الوحشية التي تذكر بالحروب الصليبية السابقة ، وذلك بغية نهبه ، واستلاب سياسته ، وتسخيره لأطماع الصهاينة والإمبريالية الرأسمالية الغربية ، ثم جعله منصّة ينطلق منها مشروع القرن الأمريكي الذي يهدف إلى الهيمنة على أمتنا ، وجعل حضارتنا تابعة له وللصهاينة .
ولاريب أن هذه الانتخابات ماهي إلا "تمثيلية" مكشوفة الأهداف ، لإضفاء الشرعية على حكومة عميلة تنفذ أهداف المشروع الأمريكي وتجعل العراق منطلقا آمنا له ، فهذا المشروع وحكومته العميلة التي اصطنعها وجاء بها معه في ردف جيشه الغاصب ، خطر على أمتنا بأسرها وليس على العراق وشعبه المسلم فحسب ، فالمشاركة فيها هو الإثم كل الإثم ، والعدوان كل العدوان ، وكل من يشارك فيها بأي نوع من أنواع المشاركة ، شريك في آثام نتائجها ، وفي كل ما يترتب على هذه الإنتخابات من كوارث علــى المنطقــــــة بأسرها ، ومن أشنع ذلك جعلها سابقة ، وسنة سيئة يستنها العدو المحتل المغتصب ، كلما قادته أطماعه إلى إحتلال بلد من بلاد المسلمين : وقد قال تعالـى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) .
ثم إن العجب كل العجب أن تأتي هذه الإنتخابات تحت مدافع الدبابات ، ودويّ القاذفات ، وأثناء عمليات هدم المدن بل إبادتها كما حدث للفلوجة ، وسامراء ، والرمادي ، وتلعفــر ، ويخططون لمثله في الموصل وغيرها ، وقصف بيوت الأبرياء ، واقتحام بيوت الأســر ، وانتهاك العــورات ، وتعذيب الشعب في غياهب السجون ، واغتيال العلماء ، تماما كما كان يحدث في احتلال القرن الماضي ، وكما فعل البريطانيون في العراق حذو القذة بالقذة ،
فهي انتخابات متولّدة من رحم الخوف والرعب ، ومن عباءة البؤس وذهاب الأمن الذي ولده الإحتلال ، وتحت تهديد القتل والمطاردة لكل من يخالف سياسة الإحتلال !!
وكيف يصح في العقل والمنطق أن ينتخب شعب قيادته وهو محتل من قبل جيوش غازية قتلت منه عشرات الآلاف ولازالت تقتل ، وتنتهك حرماته ، وتدنس أرضه ، وهي تدعم الأحزاب الموالية لها ، بالمال والإعلام والقوة ، وتضعف من سواها ، ومتى صارت الانتخابات تعبر عن حرية شعب واقع تحت احتلال !!
مع أن المشاركة في الإنتخابات تعني حصار مشروع الجهاد لطرد المحتل وعزله ، بل هدم لـهذا المشروع ، وطعن للمجاهدين في ظهورهم ، وهو بمثابة إعلان بطلان لجهادهم ، وإهدار لدماء الشهداء الذين قدموا دماءهم وأرواحهم لإخراج المحتل ، ولإبطال كيده ، ونقض خططه التي ينفذها مع حكومته العميلة ، فعلوا ذلك كله دفاعا عن دين الإمة ، وشرفها ، وكرامتها ، وحريتها .
وخذلانهم من أعظم الخذلان للدين ، ومشاقة الرسول الأمين ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتباع غير سبيل المؤمنين ، فسبيل المؤمنين هو جهاد العدو الصائل على الدين ، والأمة ، والأرض ، والمال ، والكرامة ، وقد قال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .
وقد أخبر الله تعالى أنه يدفع العدو بالجهاد ، وليس بالإنتخابات ! ، قال تعالى ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله ، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، لهدمت صوامع ، وبيع ، وصلوات ، ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) .
وأيضا وقبل ذلك كله : فأن هذه الإنتخابات تحتكم إلى غير الشرع ، في الشكل و المضمون ، وقد بُنيـت على أن الحزب الحاكم بنتائجها في حلّ أن يتحاكم إلى غير شريعة الله تعالى ، فكيف تتفق المشاركة فيها مع عقيدة المسلم التي أصلها التوحيد المتضمن اعتقاده : ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ) .
أما من يزعم أن من شأن الإنتخابات جعل العراق مستقرا ، فهو كذب وزيف ، فمتى كان هذا العدوّ حريصاً على استقرار بلادنا ، وهو الذي دعم كلّ ما أصابهــا من عدوان صهيوني ، داخل وخارج فلسطين ، وكلّ ما تسلـّط عليها من الأنظمة المستبدة ، التي عانت ولازالت شعوبنا تعاني منها ، وهي أهمّ أسباب عدم استقرار بلادنا ، وتمزّقها ، وضعفها .
إن هدف هذه الإنتخابات هو شيء واحد : صنع حكومة عميلة تجعل وجوده العسكري ، وهيمنته السياسية ، أمرا واقعا ، معترفا بها إقليميا ودوليا ، ثم الإنطلاق من ذلك إلى الخطوة التالية في مشروع القرن الأمريكي ، وهذا لم يعد خافيا على أحد .
وأما من يزعم أن من شأن المطالبة والسعي في خروج المحتل أولا ، الدخول في نفق الحرب الداخلية ، فإنما يريد إبقاء شعوب أمتنا تحت وصاية المحتل الأجنبي أبـدا ، بل قد اعترف المحتل أن الإنتخابات هي التي ستأتي بالحرب الداخلية ـ كما جاء ذلك على لسان رئيس أركانه وتناقلته وكالات الأنباء ـ ومعلوم أن هذه المذاهب المختلفة المخالفة للحق ، التي في العراق ، لم تزل فيه ، منذ قرون مديدة ومازال في أمتنا ـ كما في كلّ الأمم ـ ما فيها من تنازع المذاهب ، وتخالف المشارب ، ولم يؤد ذلك إلى حروب داخلية لامخرج لهــا .
بل كان يحدث ذلك طارئا كما يحدث في كلّ الأمم ، مع أن ما حدث في الغرب من الحروب الداخلية أعظم بكثير مما حدث في غيرها ، وأشــدّ دمارا ممّا لم يحدث مثله في التاريخ ، ثم صارت أمورهم إلى الإتفاق ، وتحالفوا على مواجهة أيّ عدو يقاتل أي دولة منهم ، وتوحّدوا في دستور واحد ، واقتصاد واحد ، وحلف عسكري واحد ، في الوقت الذي يسعون لتفريقنا ، ويمعنون في زرع العداوة بيننا ، ويهددوننا فيه بأننا إذا لم نحتل بلادكم ستكونون أمة متحاربة أبدا ، فيصدقهم من المنافقين ، والزنادقة ، والذين في قلوبهم مرض ، ممن يطمع بما في أيدي المحتلين ، ويشمشم ما يلقونه إليه من العظم ، يصدقهم من يصدقهم في كذبهم ، ويعينهم على ظلمهم ، ويبيع كرامة أمته من أجل متاع الدنيا القليل .
والمقصود أننا أمة الإسلام ، أولى أن نتفق في النهاية وإن مرت بنا محن داخلية عاصفة ، وأنــه مهما يكن ضرر الخلاف الداخلي كبيرا ، فإنه سيثمر في النهاية حلولا داخلية أيضــا ، وذلك أهون بكثير ـ بالنظر المصلحي العام البعيد ـ من إبقاء الأمة تحت وصاية عدو أجنبي كافر يعبث بمقدراتها , ويسخّر مكتسباتها لأطماعه ، ويتّكىء على ذريعة شبح الحرب الداخليّة ، ليحتل بلادنا واحـــدة تلو الأخرى !
والخلاصة : أنه كلّ من يشارك في هذه "المسرحيّة" التي تسمّى الإنتخابات ، إنما يضع لبنة في هذا المشروع الخطير الذي يسعى لطمس هويتنا الحضاريّة ، وإلغاء حقوق أمتنا ، وتركيع شعوبها ، وتحويل بلادنا إلى مرتع للهيمنة الصهيونية العالمية والأحلام الإمبراطورية للمحافظين الجديد البروتستانت المتصهينين ،،، والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
الكاتب: حامد بن عبد الله العلي التاريخ: 07/12/2006 عدد القراء: 6624
أضف تعليقك على الموضوع
|