وفي التسعينات تحول الإحياء الإسلامي من منظمات هامشية صغيرة إلى المشاركة السياسية والعامة في المجتمع ، والدولة ، والمؤسسات العامة كالبرلمانات والنقابات والبلديات، وتكونت طبقة جديدة من النخب الإسلامية المتعلمة والمؤهلة، وصارت الحركات الإسلامية متعددة الوجوه ، وحيوية فاعلة في كل بلد إسلامي تقريبا، وتعمل في الصحة ، والاستثمار ، والتعليم ، والنشر والإعلام والتنمية، كما شاركت القيادات الإسلامية في الحكومات والحياة السياسية القائمة.
وبدأت تتكون أسئلة جديدة مثل: لماذا تتمتع الحركات الإسلامية بهذا التأييد واسع المدى؟ ولماذا كان التأثير الكبير للإسلام في دول تبدو علمانية مثل مصر ولبنان وتونس؟
ويقول : الحركات الإسلامية هي إحيائية تحديثية ترجع إلى المصادر الإسلامية وتحاول أن تستجيب إلى عصر جديد.
ويقول : وعلى المستوى الأصغر فقد نجحت الحركات الإسلامية في الاستجابة لمسائل الهوية ، والإيمان ، والأصالة ، ولحاجات الكثيرين بتقديم خدمات تعليمية ، وصحية ، واجتماعية، وربما تكون الحركات الإسلامية معادية للغرب ، ولكنها لا تعادي التحديث، وقد وصلت الفجوة الخرافية بين الدين والتحديث.
وتتمتع الحركات الإسلامية بتأثير يفوق أحيانا حجمها وأعدادها، وتمتلك تنظيما جيدا ودوافع سامية، ويمثل الكثير من أعضائها درجة عالية من الاستقامة والتضحية والالتزام ) انتهى .
ولاريب أن كل هذا كله شهادة بالحق ، وهو من الفضل الذي يشهد به المخالفون المنصفون ، ونحن عندما ننتقد بعض الممارسات الجزئية السلبية للصحوة الإسلامية المعاصرة ، فهي لا تعد شيئا يذكر ، بالنظر إلى الوجود الإسلامي العائد بقوة على المسرح العالمي ، فنظرتنا إلى الدعوة الإسلام بحمد لله نظرة أممية تقيس وجودها وتأثيرها بالمعايير التي لا تعترف بالحدود السياسية أصلا ، وبهذا الاعتبار ، فالإسلام يتقدم بقوة هائلة ، وينتظره مستقبل فوق التصورات والتوقعات كلها ، وهذا لأن الإسلام يتميّز بثلاث خصائص عظيمة :
الأولى :
ـــــ
أنه الدين الوحيد الذي يستجيب لنداء الفطرة ، فيملأ في نفس المنتمي الشعور بمعنى ذاته ، وهدف وجوده ، ومغزى الحياة الدنيا ، ويبعث فيه أمل السعادة الأبدية في حياة أخرى يجاور فيه خالقه في نعيم سرمدي لم تره عين ، ولم تسمعه إذن ، ولم يخطر على قلب بشر .
فتطمئن نفسه بهذا الإيمان ، وتشبع روحه ، وينجلي عن فكره الصدأ ، وتغمر قلبه نشوة المرتوي بالماء البارد بعد الظمأ .
الثانية :
ـــــ
أنه لا يقبل ولا يعترف بالتفرقة بين البشــر ، على أيّ أساس كانت تلك التفرقة ، غير معايير الإيمان والعمل الصالــــح ، فيستوعب فيها كل العالمين ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) متخطيا كل الحدود العنصرية والقومية والسياسية .. إلخ .
الثالثة :
ـــــ
أنه لا يقبل ولا يعترف بأي عزله له عن الواقع ، أو فصل بينه وبين الحياة الإنسانية بكل ميادينها بإطلاق، كما قال تعال : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) ، وقال : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) .
وهذه الخواص الثلاث هي سرّ حيويّة الإسلام ، وهي الينبوع الذي يفجّر في أتباعه الاستعداد للتضحية التي تتعدى حدود القدرة البشرية العاديّة إلى قدرات خياليّة ، وبهــا لن يتوقف الإسلام عن بلوغ النصر النهائي والصارم والحاسم على المستوى العالمي .
وعندما نقول بلوغ الإسلام النصر العالمي ، فإننا نعني بذلك أمرين :
أحدهما :
ـــــ
تمثل أحكامه في واقع الحياة في العالم الإسلامي ، وهيمنتها على المشهد العالمي برمته .
والثاني :
ـــــ
تبوأ الحضارة الإسلامية متمثّلة بنظام أممي مستمد من الشريعة الإسلامية ، قمة الهيبة الدُوَلية ، فتُقســـر العالم على تهيّب انتهاك حرمة المسلمين في أي مكان .
هذا ومن المعلوم أن العالم الغربي إنما يسخر كل طاقاته اليوم ، من أجل تحقيق منع الإسلام من بلوغ هذا النصر .
فهذا هو محور الصراع كله ، غير أن الغرب الصليبي يخفي حقيقة هذا الصراع تارة فينشر شعاراته الزائفة عن السلام والاستقرار العالميين ، والتعايش السلمي العالمي ، واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها ... إلخ ، محاولا تغطية أهدافه الحقيقة ، بينما يصرح بأهدافه تارة أخرى .
ومن الزيف المكشوف ، إطلاق الغرب على محاربته للإسلام ، خوفا من بلوغه الانتصار العالمي ، بأنها ( حرب على الإرهاب ) ، وإطلاقه على الساعين لمنع الغرب الصليبي من تحقيق أهدافه في هذه المعركة (إرهابيين ) ، يريد بذلك خداع سواد الأمة الإسلامية لتحييده في معركته ضد الإسلام .
ولكن قد بان الصبح لذي عينين ، وغدا سواد الأمة الإسلامية ، وقد انتقل من أزمة الوعي ، إلى وعي الأزمة ، وبدأت الأقنعة تتساقط شيئا فشيئا ، وانكشف الغطاء ، وتقابل الصفان ، وتداعت للنزال الفرسان ، وتواثبت للموت الشجعان ، وتمايز فسطاط النفاق ، عن فسطاط الإيمان .
وأيم الحق جزمـا جزمـا ، التهديد الإسلامي حقيقة مثل ما أنهم ينطقون ، وإن هذه الحرب لن تضع أوزارها ، حتى يكون للإسلام النصر على أعدائه حتما .