ننشر هنا لقاء طلبه بعض المواقع الإسلامية سابقا عن مراجعات جماعة الجهاد ، وأرسلناه إليهم ، بعـد أن كتب الشيخ الإجابات ، والحقيقة أننا لم نجد الأسئلة المرسلة في أرشيفنا ، فاجتهدنا في تذكر معنى كل سؤال مستعينين بالإجابات
أما الإجابات فهي حرفية كما كتبها الشيخ حفظه الله .
وإليكم اللقــاء
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
أولا قبل أن أبدا أريد أن أنبـّه إلى أن الحديث عن ظاهرة العنف في بلادنا ،
يأتـي من منطلقين :
أحدهمـا : منطلق مـا يريدنا النظام السياسي في بلادنا العربية ـ الذي هو أصـلا قائم على الإرهاب والعنف ـ ما يريدنا هـو أن نتناولـه من مشكلة العنف.
وهذا المنطلق لا شأن لنـا بـه ، و نرى أنه من الإفحاش في الخطأ أن تناول مشكلة العنف من هذا المنطـلق أصـلا .
الثاني : منطلق نظرة الفكر الإسلامي لمشكلة العنف بوصفها خطر على مستقبـل المشروع الإسلامي نفسه ، بغض النظر عن اهداف النظام السياسي القائم .
ومن هذه الناحية فقـط يجب أن نتناول ظاهرة العنف بالدراسة والبحث ، بموضوعيـّة ، وتجرّد ، وحرص على مصلحة الأمة .
ومن الواضح أنه كثيرا مـا تفشل محاصرة ظاهرة العنف ، بسبب أنها تنطلق من المنطلق الأول ، أيّ من سياسة النظام نفسه ، والنظام فاشل ، فسيثمر الفشل في علاج ظاهرة العنف أيضا بطبيعة الحال ، ذلك أنه يريد محاصرة هذه الظاهرة ليحصل على مزيد من الإستبداد على المجتمع وإرهابه فقـط ، ولذلك ربما يرحّب النظام السياسي بظاهرة العنف ، ويجدها فرصة ذهبية له يسخّرها لمـا يريد !
وأما الإجابة على الأسئلة :
كان السؤال هنـا يدور حول الخلفية السياسية للمراجعات
فجاء الجواب :
الجواب : أرى أنه عندما نريد أن نقيم مراجعات فكرية ، يجب أن نفرق بين قراءتها من حيث ما فيها من محتوى علمي فنحكم عليها بموضوعية ، وبين قراءتها في سياقها السياسي ، ومن الخطأ أن نعتقد التلازم الضروري دائما بين القراءتين ، فقد تكون المراجعات الفكرية وليدة قناعة فكرية صادقة أثمرتها فترة تأمّل بعيدة من المؤثرات السلبية ، فالواجب أن نقيمها أولا بحسب المعايير الفكرية المحضة ، وأرى أنه من التجنّي أن نصادر هذا التقييم لمجرد حدوثه في سياق سياسة نظام من الأنظمة ،
والحقيقة أن رجوع الجماعات التي انتهجت سبيل التغيير المسلّح عن هذا النهج ، يجب أن يلقى ترحيبا وتشجيعا من حركات التغيير الإسلامية عموما ، لأنّ هذا يعود بالخير على مجمل المشروع الإسلامي وليس فقط على هذه الجماعات ،
وأرى أنّه من الخطأ الكبير أن نسقط هذا التغييـّر الفكري الهام ، ليتهشّم على أرضية التشكيك السياسي ، لأنّ المصلحة العامة للأمّة تقتضي استيعاب كلّ حركة ترشيد في هذه الجماعات ، وليس في إهالة التراب عليه !
كان السؤال عن : هل ستقضي هذه المراجعات على ظاهرة العنف؟
الجواب : هذه المراجعات بطبيعة الحال لن تمنع ردّات الفعل العنيفة التي تخرج في مجتمعاتنا بسبب تردّي النظام العربي وفشـله ، لأنّ بقاء علل هذا النظام يعني استمرار معلولاته ، فهذه معادلة كونية لاتتخلّف ،
ولكنها أيضا ـ بلا ريب ـ من الواضح أن هذه المراجعات ستحـدّ من تجارب العنف الطائشـة قطعا ، فالحركات عندما تمـرّ بتجارب تعترف فيها بأخطاءها ، سيثمر ذلك نضوجا فكريا ، وسلوكيا ، وهذا سيغري التجارب الأخرى للإستفادة من هذا النضج ، والبناء عليه ، هذه طبيعة الحراك المجتمعي الإنساني بشكل عام ، وهذا بحد ذاته مكسـب كبير .
كان السؤال حول النظام العربي الرسمي وهل هو من أسباب ظاهرة العنف؟
الجواب : النظام العربي فاشل على جميع الأصعدة ، وأخطرها على مستوى الحفاظ على الهوية ، فقد ضاعت هويـّة الأمّة ، وأهينت بما لم يقع مثله في تاريخها كلّه ،
ثـمّ على مستوى حقوق الإنسان ، وهذا يشمل حقوق المواطنة ، وما تحت ذلك من مفردات واسعة جـدا ، هي في بلادنا تشكل مأساة حقيقية ، وكذلك فاشل فشلا ذريعا مواكبة التطور في العالم ، مما جعل مجتمعاتنا متخلفة .
وهذا الفشـل يعني بالضرورة أن الحالة العامة تتجه ليس لظاهرة العنف ، بل لثورة عارمة حقيقة ،
فلسنا نتحدث هنا عن العنف كظاهرة محدودة ، بل تغيير جذري قد يتمسلك في صدام عام للشعوب مع الأنظمـة ،
ولكن هنا يجب أن ننظر إلى هذه التطور على أنه حتمية تاريخية ، فهـو أحد سنن الله القدرية في الحياة ، بغض النظر عن الحكم عليه ، فالحكم هنا لامعنى له إذا حدث هذا وهو حادث لامحالة ،
فلسننا هنا بصدد الحديث عن ظاهرة العنف التي ندينها ، بل عن تطور الحياة الطبيعي بما أودع الله تعالى فيها من معادلات ، فثورة المعلومات والإتصالات ، وتنامي الوعي الثقافي ، وتواصل العالم بهذه الصورة المدهشـة ، يعني أن الشعوب ستغيـّر النظام الفاشل لامحالـة .
بمعنى آخر كما أن تطور المعرفة جعل الإنسان يتغلّب على فشلـه أمام الأمراض المستعصية مثـلا ، كما جعله يبـدع الأنظمة الحياتية التي قضت على فشله في الإستفادة منها يوم كان جاهـلا ، كذلك سيجعله يتغـلب على فشل النظام السياسي حتما، وهذا تماما ما يحدث في العالم اليوم .
إنه التطور المذهل في المعرفة والمعلومات والإتصالات ، الذي يعني تغيـر سريع لجميع الإنظمة الإنسانية .
لكن نظامنا الرسمي من شدة غباءه وفشله لـم يـر بعد هذه الحقيقة !
كان السؤال عن مؤلفات سيد إمام ووزنه في حركة الجهاد المصرية؟
الجواب : الحقيقة أنني لم أقرأ لسيد إمام ولايمكنني تقييم كتاباته ، ولا وزنه في تيارات التغيير المسلح .
كان السؤال عن : هل تتوقع إنخراط الجماعات التي تتراجع عن العنف في العملية السياسية ؟
الجواب : ليس معنى التخلّي عن خيار التغيير المسلح ، الإنخراط في العملية السياسية ، لأنـه :
أولا : يجب أن نعترف لايوجد لدينا في بلادنا العربية عملية سياسية حقيقية تستحق هذا الإسم ، إنما هي أنظـمة تلعـب لعبة تستعمل فيها ما يكرّس وجودها فقط ، وكل ما يحقّق هذا الهدف تدخله في اللعبة ، وتخرج غيره منها ، هذا كل ما في الأمـر.
وثانيا : هنا يجب أن نذكر أمراً مهما جداً ، فالفكر الإسلامي في مشروعه السياسي ، يختلف اختلافا جذريا عن أيّ فكر آخر ، إن الفكر الإسلامي يرى أن الثوابت المنطلقة من العقيدة مقدمة على كلّ ما سواها ، وبالتالي فإنّ خيار الغربة في حال التخيـّر بين الحفاظ عليها والبقاء شريكا في عملية سياسية ، خيار الغربة هنا يكون فرضا شرعيا لامحيد عنـه ، وقد يكون أحيانا فاصلا بين الإسلام وضـده.
ولهذا أقول دائما ، أنه يجب ان نفرق دوما بين الخطاب السياسي ، والعملية السياسية ، فالخطاب السياسي قد يكون أحيانا قائم على رفض العملية السياسية ، والفكر الإسلامي هو أسمى فكر في خطابه السياسي ، ولهذا يترفّع عن تلويث نفسه في عملية سياسية قائمة على مايناقض ثوابـته .
والخلاصة أن الحركات التي انتهجت التغيّير المسلح ، إذا ثابت إلى رشدها ، ستكون بقيامها بالحركة الإصلاحية في مجتمعها ، بما فيه من خطاب سياسيّ شرعيّ متزن ، ستكون جزءا من التغيير النافع ، حتى لو بقيت خارج المشاركة السياسية ، وهي على قدر إخلاصها ، وأخذها بأسباب الإصلاح ستوفق للخير ، وثوابها على الله تعالى ، وليس على النظام السياسي ، ولا من الناس .
كان السؤال عن ما يقوله بعض الناس إن المشاريع الأيدلوجية تتراجع عالميا ، وفي هذا الإطار تراجع تيارات العنف، أو قريبا من هذا المعنى؟
الجواب : من يقول إن المشاريع الأيدلوجية تنهار عالميا ، لايدري ماذا يدور في العالم ، والعكس تماما هو ما يجري ، فهاهو الكيان الصهيوني ، جعل محور جهده السياسي في مؤتمر الخيانة ـ أنابولس ـ التأكيد على يهودية الدولة، والصراع الأكبر في المنطقة لم يزل وسيبقى صراعا أيدلوجيا ،
وأصـلا طبيعة الإنسان ، التي خلقه الله تعالى عليها ، تأبى عليه أن لاينتمي إلى مبدأ ويتعصّـب له ، نعم يمكن تحويل بعض الإنسان إلى ثقافة السوق ، لكن لايمكن تحويل الإنسانية إلى هذه الثقافة ، ولهذا ثمة عودة جامحة للتيارات الدينية الإنجيلية في أمريكا مثلا ، والتيارات العنصرية اليمينية في أوربا وروسيا، وعودة قوية لتأثير الفكر الديني في مجريات السياسة ، فحتى رهبان بورما البوذيين ثاروا في ميانمار .
هذا على مستوى الواقع المشاهد ، أما ما جاء في نصوص القرآن والسنة ، فدلالتها قطعية على أن هذا الصراع بين عقيدة الحق ،والعقائد الباطلة ، صراع باق إلى آخـر الدهـر .
هنا سؤالان عن المنطلقات الشرعية للمراجعات ، وتقييمها من هذه الناحية
الجواب : أما المنطلقات الشرعية ، فيجـب أن ننتظـر حتى يتمّ نشـر كلّ المراجعـات ، ثـم نحكم عليها ،
ولكن تقييمي للفكـرة بصورة عامـة ـ وليس الكلام عن المراجعات التي ينشرها فضيلة الشيخ سيد إمام أو جماعة الجهاد ـ أنها إن كانت في إطار التراجع عن نهج التغيير المسلَّح ، وعـن استعمال أسلوب العنف لتحقيق أهداف المشروع الإسلامي في البلاد الإسلامية ، فهذا التراجع حـّق ، ويجب أن يُشجـّع ، ويرحّب به الجميـع ،
فنصوص الشريعة ، ومقاصدها العامة ، وتجارب الحركة الإسلامية ، ومقتضى الحكمة ، كلّ ذلك يدل على أنَّ هذا النهـج ، فضـلا عما يقع فيه من محرمات شرعية ، هـو مشروعٌ فاشـل ، لايثمر سوى تكريس واقع النظام العربي المأساوي نفسه للأسف ، وتأخيـر مشروع الحركة الإسلامية ، إذا لم يقض عليه .
أما إنْ خُلط مع هذه المراجعـات ،
الإستسلام للمشاريع الأجنبية في أمتنا ،
والدعوة إلى الكـفّ عـن مقاومتها ،
والتشكيك في شرعيـة مقاومة الإحتلال الأجنبي ،
وتشويه صورة المجاهدين الذين يطهّرون بلاد الإسلام من الحملة الصهيوصليبية
، والتطبيل للنظام الرسمي العربي الفاشل على جميع المستويات .
والدعوة إلى إلباسه لباس المخلِّص للأمـّة .
أو حتى لباس الواقع المفترض قبوله .
وتحريم كلّ وسائل التغييـّر فيه .
، فحينئذ نقول كما قيل في المثـل : برح الخـفاء ، يعني أن هذه المراجعات ليست سوى إملاءات أمنيّة ، استعمل فيها أساليب الإرهاب المعهودة في نظامنا العربي الإرهابي !
وحينئذ فلن تثـمر هذه المراجعـات شيئا ، بل ستكون مثارا للسخرية فحسب.
والله المستعان.
وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير
حامد بن عبدالله العلي
24ذو القعدة 1428ـ
4ديسمبر 2007 الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 16/12/2007 عدد القراء: 7957
أضف تعليقك على الموضوع
|