نحـو إنقـلاب شامــل
،
حامد بن عبدالله العلي
،
من المستحيل أن تستمر ثورة المعلومات والإتصالات ، بهذا التدفـّق الذي يفوق التصـوّر ، ولاتثـمر انقلابا شاملا في بلادنـا ، ولايخطىء الحـقّ قيـد أنملة ، من يقول إنـّه يبصـر هذا التحـوّل المفاجئ المذهل في الحياة البشرية كسيل ينحدر ليغيّـر كلّ ما يمـرّ عليه ، شئنـا أم أبينـا ، وأوّل ما يبتدئ بـه ، النظم السياسية المتعفّنـة البالية التي تحكمنا.
وفهم المعادلة في غاية السهولة :
لقد كانـت نظمنا السياسية فيما مضى ، تعتمـد في بقاءها باستبدادها وتخلّفهـا ، على جهـل الشعوب ، والجهل يولـّد الخوف ، والطاعة العمياء .
لقد كان إبقاء الشعوب في حالة الجهل بحقوقـه ، لاسيما السياسية التي بها ومنها يستخلص سائر حقوقه ، يواكب هذا الجهـل ، غموض مصطنع مرعـب عما لدى الدولة من سراديب التنكيـل السريـّة ، والقدرة الخيالية على الوصول إلى كلّ معارض ، لقد كانت هذه هـي العبقريّة الفـذّة الوحيـدة ، التي تتمتّع بها النظم السياسية فيما حولنا طيلة قرون مضت !
وكان ما يزيد الطين بلّـة ، أنَّ طوق النجاة الوحيـد للشعـوب في الماضـي المتمثّل في علماء الشريعة ، قـد تــمّ توظيفه ليكرّس هذا المثلث البائس نفسه ، لقـد كان كثير من علماء الشريعة ـ متجاهلين سنة السلف في الترفّع عن هذا التوظيف الآثـم ـ يُضفون على الجهل لاسيما السياسي ، وعلى الخوف ، والطاعة العمياء بل الحمقـاء للنظام السياسي ، قدسيّة دينيـّة زائفـة ، وكأنّهم ألغوا كلّ الفقه السياسي في شريعتنا العظيمة ، واختزلوه في كلمة واحـدة : ( وليّ الأمـر أعلم ، وله أن يجتهد فيما فيه المصلحة ) ، فحوّلوا شريعة التغيير المتجــدد ، إلى أفيون للشعــوب !
ولهذا كان حرمان الشعوب من المعرفة عن طريق السيطرة التامة على وسائل الإعلام ، والثقافة ، من أهـم أعباء تلك النظم ، وهي لازالت تكافح ببقيّة نفس ، غير أنها عبثـاً تكافح ، فهذه الثورة القادمـة ، لن يقف في وجهها شـيء.
وعوْدا إلى شـرح المعادلة ، وبكلّ سهولة ستتبيـّن : إذا زال الجهل وعمّـت المعرفـة ، وتـمّ ـ بعد أن صارت وسائل المعرفة أعظـم مبذول ، تهبط على الناس من الهـواء ـ تداول المعلومات بين شعوب العالم في كلّ ثانية ، ورأى الناس هذا التغيـّر الحتمي القادم في أنحاء المعمورة نحو الوعـي السياسي ، وتحرر الشعـوب.
إذا حدث ذلك ، زال الخوف ، وطلبت الشعوب حقوقها متخلِّصة من التبعيّة العميــاء ( ثقافة القطيع ) ، وأصبحت الشعوب نفسها ، تميـّز بين المثقفين الشرفاء ـ وعلى رأسهم علماء الشريعـة ـ الذين يريدون الخير لشعوبهم ، ويطلبون لهم حقوقهم المشروعة ، ويُخلِصـون النصيحة للأمّـة لإنقاذها من المستنقع المتعفـّن الذي هي فيـه ، وبيـن أولئك الذين يقتاتون على عفـن المستنقع نفسه.
غير أنّ النـبأ الكبيـر في الحقيـقة ليس هـذا ، فهذا الإنقلاب آتٍ لامحالة ، وهو وشيـك ، وحتى النظم السياسيّة القائمة ، قـد باتـت تعلم هذا ، وهـي ترى التغيـّر الكبير في وعي شعوبها ، متشـوّفة إلى التغييّـر ، وأنها بدأت تتجـرأ ، وتتبدَّد عنها أوهام الخوف ، متطلِّعـة إلى نيل حقوقها .
نعم لـم يعد هذا خبـرا جديدا ، بل ما بعــده : هذا السيل الجارف المنحدر في أيّ واد سيسلك ، فمـن سيقطـف ثمرة هذا الإنقلاب القادم ، وفي أيّ فكـرة سيتقوْلـب ؟
إنّ الذي نعيشـه ، وسيـمرّ بنـا في السنوات القريبة القادمة من التحـوّل التاريخي ، يشـبه التحوّل الذي جرى في أوائل القرن الماضي ، مع فارق أكبر بكثير من الفارق بين ما حدث بين أوائل القرن الماضي ، والذي قبله ، وكلّ هذه التحولات المفاجئة التي هـي طفرات بالنسبة لعمر البشـرية ، طفـرات يندهش منها العقـلاء حقـا .
ولا يستغرب وصف الطفرة إلاّ من يجهل أنَّ الأربعين عاما الماضية في عمر البشرية ، تحمل تغيـّرات جذرية عن الفتـرة قبلها إلى مائتي عام ، ثـم هذه تحمل تغيرات أشـدّ ، عما قبلها من أوّل تاريخ الإنسانية.
إنـّه تغيـّر لايكاد يصدق ، حتى إنّ عدد سكان الأرض ، كان يبقى مليارا واحدا طيلة تاريخ الإنسانية ، ثم ارتفع فجأة إلى ثلاثة مليارات قبل مائتي عام ، ثم في الأربعين سنة الماضية ارتفع إلى ستة مليارات ، ثـم هاهي الستة مليارات ، كأنها تعيش في قرية واحـدة ، تتبادل المعلومات والتواصل بسرعة مذهلة ، أو قـل بلا سرعة أصـلا ، فهي كأنها تجري في نفس الوقت ، بل هي كذلك .
ومعلوم أن مثل هذه الطفرات تأتي بموجـات تتشكل في قوالب حضاريـة ، فتستقر مدة طويـلة من التاريخ .
ولهذا كانـت المسؤولية العظيمة تقـع اليوم على حملة الفكرة الإسلامية ، ليتهيّئـوا ، ويُهيّئـوا الشعوب ، ليكون الإسلام هو قالب هذا الإنقـلاب القادم ، فيحتضنه ، ويوجِّهـه ، ويقوده إلى تجديد الحضارة الإسلامية ، تجديدا واعيا ، مسؤولا.
ومع إننـّا نرى إرهاصات هذه البشـرى القادمـة ، غيـر أنَّ الفكر الإسلامي لازال بحاجة كبيـرة ، إلى نهـدة عملاقة سريعة تواكب هذا التغيـّر السريـع .
ليتخلَّص من التخلّف الفكري والسياسي ، والإرتجاليـّة ، والتحاسـد ، وموروث الإنهزام النفسي ، والخـوف من التغييّـر ، وفقدان الثقة بالنفـس ، واستمراء الكسل ، والعجز ، والتقليـد .
لـقد آن الأوان ، لينتقـل الفكر الإسلامي نقلتـه العالمية العصرية ، القادرة على الجمع بين أصالته ، وتجـدّده ، ليستوعـب بإقتدار ، وحيويّة ، يتلاءمان وعظمـته ، وسـمو مبادئه ، يستوعـب هذا الإنقـلاب الحتمـي القادم .
ليقدم ويقـود ، نظاما سياسيا يجسّـد الأمّـة حـقّا ، ويُعلي حضارتها ، وعدالة اجتماعية تعكس قيمها الفاضلة ، وثقافـة متألّقـة تشرّف المسلمين ، وتُبهـر غيرهم ، وتستوعب معطيـات العصـر ، وتطلّعات المستـقبل.
ليقدم ويقود ، رسـالة أمّـة تتميـّز عن غيرها بإعتـزاز ، مستعلية عن الهـوان لغيرها ، مستقلّة عن التبعية للأجنبي ، لترتقي إلى مقام قيادة البشـرية ، وهذا هو معنى الوسطيّـة ، أي خير الأمـم ،
قال تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)
ونحـن إذ نكتـب هذه المقدمة ، فلكي يعقبها دراسة شاملة عن التغييّـر المنشـود ، نقدمها للمؤتـمر القادم الذي دعينا إليه .
ونسأل الله تعالى التوفيق و السـداد ، والثبات على النهج الرشـاد.
وحسبنا الله ونعم الوكيـل . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 29/09/2007 عدد القراء: 13449
أضف تعليقك على الموضوع
|