الخليج بين مطرقة الصراع الإيراني الأمريكي وسنـدان ضعـفه وتفككه
،
حامد بن عبدالله العلي
،
(إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة، أن الخليج الفارسى من بداية شط العرب إلى مسقط بجميع جزائره ، وموانية ، بدون استثناء ، ينتمي إلى فارس ، بدليل أنه خليج فارسي ، وليس عربياً).رئيس وزراء إيران سنة 1944 حاجي ميرزا أغاسي
،
(إنّ العرب حكموا المسلمين ، وكذلك الأتراك ،وحتى الأكراد, فلماذا لا يحكم الفرس وهم أعمق تاريخاً ، وحضارة ، من كلّ هؤلاء؟ ) .. الخميني
،
لم يعـد يخفى ـ وكيف يخفى في زمن العولمة شيء ـ أنَّ الأحداث الخطيـرة جـداً التي تجري محليّـا في بعض دول الخليج ، كالكويت ، والبحرين ، وغيرهما ، ليست سوى مظاهر الصراع الأمريكي ، الإيراني ، على النفوذ في الخليج
،
وأنَّ ما نراه ، من رسائل سياسية متبادلة يبن الطرفيـن ـ كما في الكويت هذه الأيـام نموذجا ـ ليس سوى تحريك كلّ طـرف لأدواته ، ضـد الآخـر ، بين يدي مواجهة يبدو أنهــا ستصبـح أكثـر وضوحا ، وهـي آخذة بالتصاعـد ، وربمــا تتسارع وتيرتها مع نهايــة هذا العام ـ والله أعلم ـ حتــى تؤدي إلى الحرب القادمـة التي ستثمـر متغيرات هائلة في المنطقـة .
،
وإذا كانت هذه العبارة التي قالها أحـد الكتاب صحيحة سابقا :
(ليس الخلاف بين العرب ، والإيرانيين ، مجرد خلاف لفظي/اسمي ، وإنما هو خلاف يعكس صراعاً ، سياسياً ، وقومياً ، ذا أبعاد ، ومضامين استراتيجية، خلاصتها : من له الهيمنة على الخليج، على مياهه ، وجزره ، ونفطه ، ومواقعه الاستراتيجية ، وأمنه وثرواته) .
،
فإنها تحتاج إلى تعديـل اليوم ، إلى أنّ الصـراع الحقيقي هو بين المشروع الأمريكي ، والإيراني ، وأمّا الخليج الضعيـف ، والمفكّك ، فهـو أحـد ساحات هذا الصراع فحسب.
،
وواضـحٌ أنَّ طرفي الصراع ، لايهمّهم لو احتـرق الخليج كلّه ، وشعوبـه صارت رمادا ، في نيران صراعهـم ، كما فعلوا في العـراق .
،
ولقـد قُرئ بوضـوح ، على لافتة كبيـرة فوق كلّ مجريات الأحداث في المشهد الكويتي ـ على سبيل المثال ـ مؤخـراً ، حتى إنّه أصبح كنسخة مصغّـرة عن المشهـد اللبنانـي :
،
قرئ بوضـوح هذا العنــوان :
إذا كان الأمريكيون يملكون على هذه الساحـة أقوى الأدوات ضد الإيرانيين ، وهي آلة الدولة ، فالإيرانيون أيضا يملكون من الأحزاب ، والشخصيات المؤثـرة ، والقوى المجتمعية النافذة ، والتأييد النسبي لخطابهـم السياسي المتعاطف مع قضايا الأمّة ، كالقضيــة الفلسطينية ـ في وقت تخاذل النظام العربي والخليجي جزء منه ـ ثم أخيـراً يملكون القدرة على الإيذاء البالغ ، بالمنظمات العسكريّة ،السريّة ، المدرّبة جيداً في إيران ، ومعسكرات حزب حسن نصر في لبنان ، وغيرهما ، وقد أعطـت لأمريكا دروسا عملية لقدراتها العسكرية في حرب لبنان الماضية ، وفي عملياتها السرية الوحشية البشعة في العـراق .
،
ثـم وراء ذلك كلـّه إنّ إيران لم تعـد تلك الدولة المحاصرة في حرب الثمانينات الميلادية ، إنها الدولة التي تملـك الجيش المطـوّر ، وذلك النفـوذ المتعاظم في العراق ، والذي كان ثمرة الغبـاء ، والغطرسة الأمريكية .
،
ولقـد أرسل نجاد رسالة واضحـة في هذا السـياق ، عندما أعطى ذلك الفرق الواضح بين زيارته للعراق في وضح النهار ، معلنـة بجدولها مُسبقا ، مُوَقِعـاً عدة تفاهمات استراتيجية مع (حكومته) في بغداد ، وبين زيارات الزعامات الأمريكية المستـترة بجنح الليل ، وظلام التعمية .
،
ولسنا بحاجة إلى أن نعيد التذكير بشريط النكبات ، بمحطاتها الكبرى الأربع ـ نكسـة 67، كامب ديفيد 78 ، غزو الكويت 90 ، غزو العراق 2003 ـ التي آلت بالمنطقة برمتها ، إلى تحولهـا ساحة صراع للمشاريع الأجنبية ، وتحوّل أنظمتـها إلى أدوات في تلك الصراعات .
،
بل يكفينا أن نلخّصها في سبب جامع واحــد ، وهو فشـل النظام العربي ، وإنحطاط سلوكـه ، وخطابه السياسي العام ، وما سببـه ذلك من فراغ هائـل ، امتلأ باليأس والإحباط في نفوس الشعوب العربية ، وامتلأ بالصراعات الأجنبية على الخارطة السياسية ، وبالفوضى الفكرية على الخارطة الثقافية .
،
ولاريب أنّ المشهـد مخيـف جـداً ، والمتوقـع أشـدّ إخافـة.
،
وثمـة أربعـة اتجاهـات في النخب الثقافية تجاه هذا المشهـد المخيـف:
،
أحدهـا : مجموعات (الأفيون) ، الذين يزيّنون للأنظمة ما هي فيه من الفسـاد ، ويضخـّون جرعات المخـدّر للشعوب ، لتبقى مثل القطعان ، ويبقى النظام العربي في غيـّه سادرا ، ليس لـه همّ سوى تكريس الإستبداد بالسلطة ، ونهـب الثـروة ، ومن هذا الإتجـاه (الأفيوني ) علماء دين ، ومفتون ، ومفكرون ، وجماعات إسلامية ، وغيـرها ..إلخ ، ممن يقتاتون على بيع هذا النوع من (المخـدّر) ، وقـد تولّـد منه نخاع عظامهم ، ونبتت عليه لحومهم.
،
الثاني : أولئك الذين يهوّنون من القدرات الإيرانية ، ويظنّون أنهـا لن تصـمد ، فهم يقولون : لاداعي لتضخيـم الأمور ، وهؤلاء لايختلفون كثيرا عن عقلية راعي البقـر الأمريكي نفسه.
،
الثالـث : المرتزقة الذين يبحثون عن مكاسبهم في الالتحاق بأحـد المشروعين ، أو في فوضى الصـراع بين المشروعين.
،
الرابـع : الذين ينادون بإعادة إحياء مشروع نهضة الأمّـة ، المبنيّ على الإصلاح السياسي الشامل ، بتغيـير النظام العربـي المتبلّد ، والمتُخـم بالأمراض ، والكـفّ عن خداع الشعوب بالتطبيل للأنظمة المستبدة التي أوصلتنا إلى مانحن فيه .
،
وعلى التبرؤ من كلّ أشكال التدخلات الخارجية ، ورفض تحويل المنطقة إلى ساحات صراعات أجنبيـّة.
،
ومع أنّ هذا الإتجاه الأخيـر ، مطارد ، ومُضطهـد ، غيـر أنـّه يقوى ، وينتشـر بإضطراد .
،
وكلّ حركات الجهاد المستبصـر ، والمقاومة المسترشـدة ، من فلسطين إلى أفغانسـتان ، تستقي من هذا الإتجاه ، روحها المعنوية ، وسندها الشعـوري ، ومنطلقـها الفكري.
،
والمستقبل لهذا الإتجاه بلا ريب ، ذلك أنّـه وحـده الذي يقدم للأمّة رسالة الإصلاح ، واضحـة الأهداف ، والمعالم ، نقيّـة من شـوب النفاق ، والتزلـّف ، والعمالة .
،
الرسالة التي ستعيـد لهـا بإذن الله تعالى مكانتها ، وتخرجها مـن أزمـة الوعي ، إلى وعـي الأزمـة ، ثــم من رحم المحنة ، إلى رحمـة المنحـة ، ومن معاناة الألم ، إلى معانقـة الأمـل ، ومن استحواذ اليأس ، إلى حيازة البأس .
،
وقد قال تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
والله المـوفق،، الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 14/03/2008 عدد القراء: 16169
أضف تعليقك على الموضوع
|