المشروع الجهادي بين غلوِّ المتنطّعيـن ، وصفقات الخائنـين
حامد بن عبدالله العلي
قال الحقّ سبحانه :
( قاتلوهُم يعذبهّم اللهُ بأيديكمْ ويخُزهمْ وينصرْكمْ عليهْم ويشفِ صدورَ قومٍ مؤمِنين * ويُذْهب غيظَ قلوبهمْ ويتوبُ الله على منْ يشاء والله عليمٌ حكيمٌ * أمْ حسبتمْ أن تُتركُوا ولمّا يعلم اللهُ الذينَ جاهدُوا منكمْ ولمْ يتِّخذوُا من دونِ اللهِ ولا رسولهِ ولا المؤمنينَ وليجةً والله خبيرٌ بما تعملُون ) ..
قال مايلز كوبلاند في كتابه الشهير لعبة الأمم ( اللاأخلاقية في سياسة القوة الأمريكيـة)ص 79 : (في لعبة الأمم التي نتبعها مع غيرالعالم الغربي ، نقبل انتساب عدد من اللاعبين ونرحب بجلوسهم معنا إلى طاولة اللعب، دون أن يكون سلوكهم كما نحبّ ونهوى تماما ، إلاّ أننا نعتقد أنه بإمكاننا أن نفوزعليهم بمجرد اتباع طرق وألاعيب خاصة )
يقال إنّ أوّل من استعمل كلمة ( اللعبة ) في الصراعات السياسية جي دبليوكاي في كتابه تاريخ الحرب في أفغانستان ، ألفـه في نهاية القرن التاسـع عشـر الميلادي ، لكنها بلا ريب كانت قديمة ، قدم الصراع بين الحـق والباطل .
ومن الموافقـة العجيبة أنَّ أوَّل لعبة سياسية انطلقت لإجهاض ثمـار جهاد إسلامي في العصر الحديث ، تلك استخدمت في أفغانستان مع قادة جهاديين ـ أو كانوا ـ في الحرب الماضية ضد الإتحاد السوفيتي في نهايات القرن العشرين الميلادي ، وقد كانت قاصمـة الظهـر.
ولئن كان الغلوّ البشع في الفكـر والسلوك ، الذي يثمر بلائيْ الإحتكار والإقصاء ، مع طيْش العجلة والجهل والغرور ، من أعظم أسباب فشل أيّ مشروع جهادي ، فإنّ استغلال المشروع الجهادي لعقد صفقات المنافع الحزبيّة ، والشخصيّة ، مع العدوّ المحـتلّ للبلاد ، المعتدي على الأمّـة ، استغلاله بعمالة المندسّين ، أو خيانة المتأوّلين ـ فالنتيجـة واحـدة ـ لايقل ضرراً على المشروع الجهادي إن لم يربو عليه .
وقد كان المحتلَّ الصهيوصليبي ، وهو يئنّ تحت ضربات الجهاد المبارك في أرض الرافدين ، وقد ضاقت بسدنة الصنم الأبيض السبـل ، وباتت الهزيمة قاب قوسين أو أدنى ، كان يلهـث باحثا عن شبيه بعصابـة (عباس دحلان) في القضية الفلسطينية ، يستعملهم في لعبة سياسية قذرة نسخـتها عراقية هذه المـرة ، لتحرف الجهاد عن مساره ، ولتشـتت ثماره .
وصورة هذه اللعبة الخبيثة : إيقاف المقاومـة العمليات ضد المحتــــل ـ لاسيما في المناطق الساخنـة ـ ، لأنهّا غير ذات جدوى ، ولامستقبل لها ، في زعمه ، وذلك مقابل وعـودٍ كاذبة ، وإشراك في العملية السياسية ، مباشرة ، أو من وراء (ممثّلين) ، و من خلال هذه اللعبة السياسية ، يُمكن للمقاومـة أن تطالب بجلاء المحتـل ولـو على مراحـل ، بـ(الطرق السلميـة ) ، و( الوسائل الديمقراطية) ، وعبـر (صناديق الإنتخابات) ، بعـــد أن ( يشترك الجميع في بناء العـراق ، متطلعين إلى مستقبله المشرق في ظـلّ خبرة الإحتلال وقدراته الفائقة التي ستبني عراقا عصريا ديمقراطيا منفتحا ، مع الشعب العراقـي الذي أصبح الآن في ظلال الديمقراطية الوارفة ، وفي دوْح الحريــة الرائفـة !
غير أنّ الإحتـلال قد أعياه أن يجـدَ من تنطلي عليه هذه اللعبـة السخيفة المستهلكة ، سوى حثالة اعتادت أن تقتات على دماء الشهـداء وتتاجر بهـا ، وعلى سمعة المجاهدين فتنسبها زورا لهـا ، ولكنـّها لاوجود لها في ميادين النزال ، ولا أثـر لها على قلوب وعزائم أولـئك الأبطال .
ذلك أن هؤلاء الشرفاء المجاهـدين تيقّنـوا أمريـن :
أحدهمـا : أنَّ من يرتمـي في شَرَك المحتل ، واضـعا قيود الاحتلال في عنقـه ، موثقـا يديه بحبال مكـره ، مصدقـاً مزاعمـه أنه سيقوده إلى حقـوقه ، ويمكّنه في أرضه ، فكأنّمـا أسلم نفسه للشيطان آمـلاً أن يدخله الجنـة معـه !
وقـد وضعوا نصـب أعينهم ، أنَّ أهـداف الإحتلال الصهيوصليبي للعراق كان ، ولم يزل ، وسيبقى ، أخبث ما يمكن تصوّره من أطماع قراصنة الإستعمار الغربي منذ وطأت أقدامهـم أرضـنا ، وهـي :
ـ إنهاء أي أمـل بعـودة الجيش العراقي الذي كان أشدّ من الكابوس على الكيان الصهيوني.
ـ تقسيم العـراق وإزالة تهديده إلى الأبـد، وزرع دولة كرديّـة صهيونيّة خبيثة في قلـب الأمّـة ـ كما زُرع الكيان الصهيوني ـ تجمع بين هدفـيْ : تمزيـق العراق ، وإشغـال تركيا المتوجَّهـة بوضـوح وسـرعة إلى النهضـة والقـوّة .
ـ تحويله إلى دولة ملحقة بالغرب ، مثل غيره من الدول التابعة في المنطقـة.
ـ إستعماله لإقامة قواعد عسكرية دائمـة ، تُكمل شريط القواعد على طول كنز الطاقـة العالميـّة من زاخو إلى مضيق هرمـز .
ـ استغلاله منطـلقا لتحويل كلّ المنطقة إلى مرتع لثقافة الإستعمار الجديـد ، تلك الثقافة التي لو تُركت بلا ممانعـة ، فستقضي على هويـّة الأمّـة ، وتَنهـب مقدراتها ، وتطمـس رسالتها الحضارية .
ـ وهذا كلّه في إطـار تطبيع شامل للمنطقة كلّها مع الصهاينة ، على حساب حقوق الأمـّة في فلسطـين وخارجها .
والثانـي مما تيقنه أولئك الشـرفاء :
أنه لاسبيل إلى إفشال هذه المؤامرة الخبيثة إلاّ بالجهـاد ، فخياره أوحـد ، شريعـة الله المفروضـة في القـرآن ، يصدقهـا سنـن الله المشهـودة في الزمان .
فاتخذوا ثوابـت لايحيدون عنهـا :
ـ انطلاق مشروع الجهاد لن يوقفه شيء قبل التحرير وإنسحاب المحـتل.
ـ كلّ ماوقع في العراق من دمار ، وما أصابه من كوارث ، فالمحـتل الباغـي المعتـدي ـ معـه أذنابـه ـ هو المسؤول الأوّل عنـه ، وكلّ ما ترتَّب على الاحتلال ، وتحت حكمه وحكوماته الخائـنة ، فهـو باطـل ، بل أبطـل الباطـل ، وكلّ عملية سياسية تجري في ظلّه ورعايـته ، فخيانـة عظمـى.
ـ الأولوية لمشروع الجهاد هـي لإفشال الاحتلال ومشروعه ، وطرده من العراق وإزالة كلّ آثاره ، وإفشال الإحتلال الصفوي أيضا ،
ـ والتعاون لتحقيق هذا الهدف قدر مشترك مشروع لكلّ الشرفاء ، لايضرّهم خلافهم فيما سواه.
ـ المتعاونون مع المحـتل ، والساعون في إنجاح مشروعه ، والمصطفّون معه ، لهم حكـمه ، ومصيرهم مصيـره ، سواء الذين جاؤوا معه من الخارج ، والذين التحقوا به من الداخل.
ومضـى المشروع على خطى هذه الثوابت ، بعزيمــةٍ بالتوكل على الله ماضية ، وقلوبٍ بأمر الله راضيـة ،
ينتقـل من نصـر إلى نصـر ، ومن مجد إلى مجـد ، ومن عـزّ إلى عـزّ ،
والعدوّ المحتـل يتراجع ، ويتقهقـر ، وقـد تُرك كصيِصة الظبْي ، وعن أهدافـه كلّها أبعد من سهيـل عن الجـدي.
وبينما درَّت حَلُوبَة المسلمين ، وأقبل النصـر فوشّاها ، واستبشرت الأمّـة ببشراها ، وقـع المحتـلون على بغْيتهم فـي شرار الخـلق ، السقط المنبوذ من كلّ عشيرة كريمة ، والخبيث المنبـتّ ، لادين تقىِّ ينفعـه ، ولا حميّـة عربيِّ تردعـه ، وأطلقوا عليهم ( الصحوات ) ، يضحكون على عقولهم ، وليسوا سوى حمـيرٍ مطايا للإحتلال ، يركبهم ليحقِّـق أهدافـه ، ثـم يعلفهـم علفهـم ، رشوةً على خيانتهم أمَّتهـم ، فلافرق بينهم وبين دروز الجيش الصهيوني ، أو جيش (أبو حنيك) !
وزيّن لهم خيانتهـم تلك ، وجــوهٌ بغيضة ، بلحـى زائفة ، أشـدَّ من أولئك السَـقَط خُبْثا ، وأكثـر منهـم على المال والمناصـب لهثـا ، خلطوا لهم السواد بالبياض ، فزيَّنـوا لهم بإسم الدين جرائمهـم ، فتنفَّس الإحتلال بعد أن أشرفَ على الهلَكَة ، ثـمَّ نفَـذَ إلى حصـنٍ كان حصينا ، وصفٍّ قـد كان رصينا ، فغـدا وهو يتحـدث عن ( تقـدم ميداني ، ونجاح نسـبي ، وتراجع للمقاومة ) ، بعد أن كان حلمُه أن يجرؤ على إذاعـة مثل هذه التصريحات .
فلاجــرم .. بعد هذا الإخـتراق ، طمـع الإحتلال البغيض باحتواء كلَّ الجهاد ، وإلجـام المقاومـة العراقيـّة بلجـام الخديعـة ، ولهذا فقـد بات يسـعى اليوم سعيا حثيثـا ، إلى تحقيـق تقـدم أكبـر ، قائم على خطوتين :
إشغـال المقاومـة بمعارك أخـرى غير جهاد الإحتلال ، وذلك أطول مـدَّة ممكنـة ، وإبقاؤه يُستهلك في هذه الدوّامة ، ليخفِّف عن الإحتلال نزيف الدم ، ويكفيه هذا الهـمّ .
الخطوة الثانية : وضع المشروع الجهادي بعد أن يصيبـه الإعياء ، ويفقـد زعماءَه لاسيما أسود الثبـات ، وتضعـف قدراتـُه ، وضعـه أمام فـخِّ الألاعيب السياسية ـ التي وقَعَ فيها الخونـة من قبـل ـ بكلِّ خباثتهـا ، لينتهي به المطـاف إلى أحزاب تستجدي الإحتلال أو أذنابـه دكاكينَ سياسية ، تركع تحت عتبـة فرعـون العصـر ، لتنال شرعيتها منـه !
فسُحقا لهـم .. لاماتـوا ميتة الأبطـال ، ولا عاشوا عيشـة الرجـال.
هذا أمـل المحتـل ، غيـر أنَّ ذلك لن يكـون بإذن الله تعالى ، وإنَّ ما يبشـر بالخيـر أن عامَّة المجاهدين الصادقين ـ من جميع الفصائل ـ ، هـم على ثوابتهـم الهادية كرسوخ الأطـواد ، وبعزائمهم الماضيـة بهمم الآسـاد ، وعلى وعدهـم بالبقاء على العهـد ، في كلِّ حيـن يجددونه ، وبالحـقِّ على الموت يبايعـونه .
وليعلـموا ـ تذكيرا لهـم والذكرى تنفع المؤمنين ـ أنَّ الأمـة كلَّها تنظر إلى جهادهم ، أنـّه الخندق الأول ، الذي يحميها من مخطط عظـيم الخطـر ، لم يمـرّ عليها مثله في تاريخها ، ولم يُعرف مثله فيما غبـر .
وكما أن إنتصارهـم إنتصار حضاريّ تاريخيّ للإسلام ، فإن زلَّتهـم فيه ، زلزال علـى أمـّة خيـر الأنـام .
وأنَّ كلَّ خطـوة يخطونهـا هـي مسؤولية جليلة ، جلالتها على قـدر مصير أمـّة ، وأيُّ أمـة ؟ أمـة محمّد خاتم المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،
الأمّـة التي من خانـها ، أو أوى من يخونهـا ، أو من فـرَّط في حفـظ حقوقهـا فعليه لعنة الله ، والملائكة ، والناس أجمعين .
فليتشاوروا في كلِّ شؤونهـم مع العلماء ، ومع غيـرهم من أهل الرأي والغيرة على الأمّـة ، في العراق ، وخارجها ، صادقين في الاستهداء بهم ، معظِّميـن رأيهـم ، مسترشدين به ، مرجِّحيـن مصلحة الأمِّة على كلَّ ما سواها .
وليقتـدوا بأئمة الأمّـة الماضين الذين ثبتوا على الحـق ، مستمسكين بثوابتهم ، حتى لقـوْا ربهـم ، فمن أوائلهم ـ في الإستعمار الماضي ـ أسد الصحراء عمر المختار الذي خاض أكثر من ألف معركة في عشرين عاما ضد الإحتلال الإيطالي ، ثم أُعـدم في شموخ العـزّة ، ومن آخرهم الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ، فللّـه درُّه ، وعليه شكره ، ما أعظمـه من قائد ، وما أكرمـه مـن شهيد عن حطام الدنيـا ، وفي صفقات الخيـانة زاهـد ، فرغم أن الضغوط التي كانت عليه أعظم بكثير مما في يجـري العـراق ، غير أنَّه ضـرب مثـلا في الثبـات لمــن أتـى بعده حتى قضى نحبّه ، ولم يبدِّل تبديـلا.
وليتيقَّنـوا أن الأمّـة تنـظر إلى إنجازات الميدان ، لا إلى دعاوى اللسان ، وأنَّ الأعمال بالخواتيـم ، والأمـور تتبيـّن بعواقبهـا ،والله تعالى على كلِّ شهـيد.
فالمحـتلّ إذا كسـب الأرض ، وتقدَّم نحـو مشروعـه الذي بيّنـا أهدافه الخطيرة على أمَّتنـا ، فهـذا يعنـي أنَّ ثمـّة خيانـة يقترفهـا من يمكِّن للمحتـل خطـَّته في السـرّ ، وهـو يسـبُّه ويلعنــه في العلـن ، فهـو يلعـب ( لعـبـة الأمـم ) المعهـودة !!
ولكنَّ هيهـات ليس على الله تعالـى ، فقـد فضـح الله كلَّ الخونـة لهذه الأمّـة ، فألقتهـم أمّتـنا في مزبلة التاريخ .
ويا الله العظيم على عرشـه استـوى ، الذي يعـلم الجهـر والنجْـوى ، يـا ربّ العالمين ، مقلب الدهـور ، المطّلع على خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور ، اللَّهم افضـح الخائنين ، واخذلهـم ، واكشـف سترهم ، والعنهـم .
اللهـم ..وانصـر المجاهدين ، وثبّت الصادقيـن ، وارفع قدرهم ، ومكنّهـم ، واجمع كلمتـهم ، وبمكائد عدوِّهـم بصّرهـم ، وبطريق الهدى فهِّمهـم .
واجعل العـراق ، وأفغانستان ، وفلسطين ، والصومال ، وكلِّ أرض إسلامية محتـلة مقبـرة للغزاة والطغـاة ، وأعـد لهذه الأمـّة مجـدها ، ورفعتها ، وعزها .
آمين ،
اللهم إني قـد بلغـت ..اللهـم فاشهـد ..
حسبنا الله ونعم الوكيـل ،، نعم المولـى ونعم النصيـر
ما نال في العـزِّ أقوامٌ منازلـَه ** إلاَّ وسالت دماءُ القـوم غدرانـا
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 10/11/2007 عدد القراء: 14814
أضف تعليقك على الموضوع
|