مدُّوا أيديكـم للإمبراطوريّة الإسلاميّة العائدة في تركيا
حامد بن عبدالله العلي
مشهد مقتطع .. ومضة من تاريخ العثمانيين :
القرن السابع عشر الميلادي ، المكان : عاصمة الإمبراطورية الإسلامية العثمانية القسطنطينية : ( إتخذ الديوان الهمايوني قرار إعلان الحرب على ألمانيا ، تحرك محمد الرابع على رأس الجيش الهمايوني من أدرنه ، والسلطان وإبناه مصطفى ، واحمد ظلوا في بلغراد ، تحرك الصدر الأعظم قرة مصطفى باشا مع الجيش من بلغراد ، وكان تحرك السردار الأكرم للإستيلاء على النمسا ، بجيش لم تتمكن أية دولة حتى ذلك التاريخ من تأليفه وجمعه ، لم يقلق ألمانيا وحدها فقط ، بل أقام أوربا جمعيها ، ولم يقعدها ، عند أي حدِّ سيقف هذا العثماني ، هل يريد الوصول إلى الراين ؟!!
كان يحمي مقدمة الجيش الهمايوني بكلربك دياربكر الوزير قره محمد باشا ، والمؤخرة الوزير حسين باشا بكلربك الشام ، وجاء كلُّ من خان قرم ، وملك المجرالوسطى ، وفويفودات أردل، وبغدان ، وأفلاق ، وقبلوا رداء الصدر الأعظم ، فردا ، فردا ، وإنضموا إلى الجيش الهمايوني ، حضر بانات الخروات والسلوفينيا إلى الجيش ، وأقروا للسلطان بأنهم تابعين له ..أخذت الحرب طابع القتال بين الهلال ، والصليب ، ودعا البابا كافة النصارى إلى الحرب الصليبية المقدسة .. جمع الصدر الأعظم والسردار الأكرم مرزيفونلي قره مصطفى باشا مجلس الحرب في بلغراد ، وأعلن أنه سيستولى على فينا ، ويملي على ألمانيا شروط الصلح هناك ..) ملخصا من كتاب تاريخ الدولة العثمانية يلماز أوزتونا
مشهد آخر بعد سقوط الخلافة الإسلامية :
عمل أتاتورك ما يلي ليمحو صلة تركيا بماضيها الإسلامـي :
أغفل الدستور التركي 1928م ، الذي أسَّسه أتاتورك ، أنَّ تركيا دولة إسلامية , حتى جعل القسم الرسمي بالشرف ، وألغى القسم بالله تعالى .
وحورب التعليم الديني ، وأغلقت مدارس الشريعة عام 1933 م .
وفي عام 1935م ، حُوِّلت الإجازة إلى السبت ، والأحد ، تشبها بأوربا ، وألغى الطربوش التركي، وجُعل بدلـه القبعة الأوربية !
ثم حُـوّل الأذان إلى اللغة التركية ، وتُرجم القرآن إليها ، وحُوّل التاريخ الهجري إلى الميلادي ، وأعيـد كتابة التاريخ التركي ليُمحى كلُّ اثرٍ للإسلام منه ، وألغيت اللغة العربية تماما ، وعوقب من يكتب بها ، ومُنع الحجاب ، وحُرّض على التبرج ، وإعتبار الزنا ، والتعري ، لحوقا بركب العصرنية !
وحُوّل أكـبر وأروع مساجد إسطنبول مسجد أيا صوفيا إلى متحف ، ومسجد الفاتح إلى مستودع !
مشهد ثالث عودة الإسلام ، بعد سبعين سنة فقط من سقوط الخلافة بتآمر خونة العرب مع الصليبية العالمية :
نقلا عما كتبه إستاذ العلوم السياسية في فرجيينا :
( أوصلت الإنتخابات البلدية 1994م ، حزب الرفاه الإسلامي إلى السلطة في المدن التركية الكبرى ، بما فيها أنقره ، وديار بكر ، وإستنبول ، وقيصرية ، وطرابزون ، ثم إنَّ الإنتخابات النيابية في 1995م التي فاز فيها حرب الرفاه بالعدد الأكبر من الأصوات ، سجلت إنعطافا نفسيا في تاريخ تركيا ، وقد نشرت بعض الصحف هذه الأخبار تحت العناوين التالية : ( فاتح ينتصر على حربية ) .. إنَّ خطوات أربكان ، مثل إختياره أن يستقبل كأول زائر أجنبي له زعيم الإخوان المسلمين ، ومثل إختياره بعض الدول الإسلامية لزياراته الأولى ، أكدت هدفه الإستراتيجي لتحويل تركيا إلى قائدة في العالم الإسلامي في مقابل تابعة خاضعة في الكتبة الغربية ) بإختصار من مجلة الدراسات الفلسطينية رقم 33 ص 63
مشهد رابع :
في العقدين الماضيين ، إنتشار الإسلام في تركيا ، وعودة هائلة له ، وإعتزاز كبير بالإنتماء لحضارته ، وبدور الترك العظـيم فيها .
مشهد خامس :
إنَّ على (إسرائيل) أن تعلم أنَّنـي ( لست زعيم دولة عادية ، بل زعيم أحفاد العثمانيين ) أردوغان في خطابه يوم الثلاثاء 6-1-2009 أمام الهيئة البرلمانية لحزب العدالةوالتنمية الذي يتزعّمه ، متحدثا عن العدوان الصهيوني على قطاع غزة
مشهد سادس :
أكتوبر 2009م ـ تلغي تركيا مناورات عسكرية كبيرة كانت ستُجرى على أرضها بعنوان : نسر الأناضول ، وبمشاركة دول حلف شمال الأطلسي ، وفي مقدمتها أمريكا ؛ وذلك لوجـود الطائرات الصهيونية فيها ، وقالت تركيا : ( لا نُريد مشاركة الطائرات التي قصفت الأطفال والأبرياء في غزة ) . مما جعـل بن يشاي ـ أحد أبرز المحللين العسكريين الصهاينة ـ يقول : ( الحقيقة المرَّة أنه علينا أن نعترف أن تركيا ـ في الوقت الراهن على الأقل ـ توقَّفت عن أن تكون شريكًا استراتيجيًّا أمنيًّا موثوقًا لإسرائيل ، وهي حقيقة تمثل ضررًا فعليًّا لأمن إسرائيل القومي ) جميع الوكالات
مشهد سابع قبل أسبوع من اليوم
( تركيا لن تبقى صامتة إزاء انتهاك إسرائيل القرارات الدولية ، إنها تهدد السلام الدولي ) رئيس الوزراء التركي أردوغان
جاء هذا التصريح بعد دخول 17 نائبا تركيا إلى غـزّة متحدّين حصارها ، وترحيب تركيا بكلّ القوافل التي تريد كسر الحصار ، ووقوف تركيا مواقف مندِّدة بجرائم الصهاينة على غزة المحاصـرة .
هذا .. ولاريب أنَّ الدولة الإسلامية الوحيدة في المنطقة التي لها حكومة تمثل شعبها إلى حـدِّ كبير هي تركيا ، فلاجرم نرى هذا البون الهائـل جداً بين المواقف التركية الإيجابية إلى حـدِّ ما تجاه بعض قضايانا ، وبين مواقف الدول العربية المغتصبة للسلطة الخارجة عن شرعية التمثيل للأمِّة بكلِّ المقاييس.
وهذا يدل على أنـَّه لامخرج من دوامة الذلّ والتبعيّة التي تعيشها الأمـّة إلاّ بأن يحدث تغيير جذري يؤدي إلى إنسجام تام بين السلطة والشعوب ، لتصبـح هـي التي تختار سلطتها ، وهي التي تعزلهـا إن انحرفت عن أهداف الأمة ،
وكــلُّ كلام سوى هذا عن ( طاعة ولي الأمر ) الذي لايتولـّى إلاّ أمر الهراوات المسلّطـة على ظهور شعبه ، بينما هـو مملوك أمـرُه لموظف في السفارة الأمريكية !
كلُّه هـراء يصنع بين أجهزة الإستخبارات ، وموظف صرف شيكات (المفتين) في القصر الرئاسي !!
ومن الواضح جدا أنَّ التحوُّل الشعبي الإسلامي في تركيا ، الذي يقف وراء إنتشار آلاف بل عشرات الآلاف من المؤسسات الدينية ، من مؤسسات طباعة الكتب إلى المدارس ، والجامعـات ، وفتح عشرات الآلاف من المساجد ، وفيها حلقات تحفيظ القـرآن ، وتوسـُّع أنشطـة الدعوة الإسـلامية في تركيا ، حتى أصبـح الحجـاب الإسلامي على النساء ، والأخذ بالسنة النبوية ، ظاهـرة واضحة في الشارع التركي ، وكلُّ ذلك إنما هـو ميـراث لفكر قـاده رجلٌ عظيم ، وعبقريُّ فـذُّ من رجال الأمّة الإسلامية ، نجم الدين أربكان ، صاحب أثرى تجربة ـ منذ قـرن ـ لمشروع تحويل إسلامي جذري لمجتمع .
وهذا كلـُّه يجري في الشعب التركي المتميـّز ، الذي يصل تعداد السكان هناك إلى 76 مليون نسمة ، أي الدولة رقم 17 في العالم في تعداد السكان ، وهو شعب حيويّ نشـط تبلغ القوى العامـلة فيه 23مليون ونصف المليون ، وهو شعب مجاهد يحبُّ روح المغامرة ، ، ويعشقها ، ولهذا كان العثمانيون رجال الفتوحات العظيمة ، وتتربع تركيا على موقع جغرافي فريد ليس لغيرها من البلاد الإسلامية ، فهي بوابة العالم الإسلامي على الغرب بأسره .
أنَّ هذا التحـوُّل هو الذي أوصل الحزب الحاكم في تركيا إلى سدة الحكـم ، فأخذت تركيـا حينئذ تلتفـت إلى دورها في العالم الإسلامي ، وتشعر بمسؤولياتها تجاهـه ، راغبة في سد الفراغ الذي أحدثه تخـلُّف أنظمة الحكم العربية ، وتبعيّتهـا المخزيـة للسياسة الأمريكية ، مما حولها إلى ركام هائل من قمامة الذل ، والمهانـة ، وأسخـط شعوبها عليها .
وهذا التوجُّه التركي هو فرصة حضارية هائلة ، يجب إهتبالها ، بإلـقاء التحيـة لتركيا لكي تكثف حضورها في العالم الإسلامي على شتـَّى المستويات ، ثقافيا ، وإقتصاديا ، وعسكريا ، وسياسيا .
ذلك أنَّ الإنتصارات الحضارية الكبرى ، لاسيما فـي مثـل المشهد العالمي الحالي المعقـَّد ، والذي يزداد تعقيدا كلّ لحظة نعيشهـا ، ويتآمر فيه المحور الصهيوغربي على الأمّة الإسلامية ، لايمكن أن يتم إلاَّ عبـر تحالفات كبيـرة تضعف تأثـير هذا المحور الصهيوغربي على منطقتنا ، بمزاحمتـه ، وإعاقة نفوذه ، مترادفاً ـ بلاريب ـ مع إستنزاف هذا المحـور الشيطاني الآيل للسقوط ، بخط المقاومة المنتشر في أمّتنا من باكستان إلى غزة.
ولهذا فإني أدعو إلى عقـد مؤتمـر نخبوي كبير تحت عنوان :
العلاقات التركية مع العالم الإسلامي والدور التركي المنشـود .
يحضره كافة أطياف النخب المثقفة ، والمدارس الفكرية ، المناهضة للمشروع الصهيوغربي ، ليكون إنطلاقة تمـدُّ اليـد لتركيا الإسلامية السنيّة العائدة بقـوة ، والتي أثبت ماضيها قدرتها على صنع ، وقيادة الإمبراطوريات التي تقود العالم .
والله الموفق وهو حسبنا نعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصيـر . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 15/01/2010 عدد القراء: 22151
أضف تعليقك على الموضوع
|