الشّمس ستُشْـرق من المغـرب قريبـاً !
حامد بن عبدالله العلي
لا نستطيع أن ننظر إلى حركة 20 فبراير المغربية إلاَّ أنها الإمتداد الكونـي للنهضـة التي يُشعـلها شباب الوطن العربي في سبيل الخلاص من أنظمة الفساد ، والتخلـُّف ، والاستبداد ، وإنتهاك الكرامة ، وتعبيد ، وقطعنـة الشعوب _ تحويلها إلى قطعان _ ، وتوظيف مقدرات الأمـّة لشهوات وأطماع مثلث : ( القصر ، وعصابته الأمنية ، والأربعين الحراميـّة ) ، أيْ : كرسي الزعيم وعائلـته ، وبوليسه السري ، وشبكات رجال الأعمال الفاسدة المرتبطة بالإثنيـن .
هذا المثلث المتكرر على طول الخريطة العربية ، والذي تكسَّرت أضلاعه في بعض البلاد ، وبدأت أضلاعٌ ترتجـف في بلاد أخـرى !
أمّا مـا الذي جـرى ، ويجـري في مغـرب أمّـتنا البعيـد ، فدعونـا نحكـي لكـم اليـوم قصـة ثـورة شعـب ، هو من أروع شعـوب أمّـتنا ، وأعـرقـه في حضارتـنا .
في خمسين مدينة مغربيـة خرجت مسيرات حاشدة _ بعد شهر من إطلاق أول تظاهرة لحركة 20 فبرايـر المنصـرم _ وكانت المسيرات في غاية الروعة ، شعاراتها لاتختلف عن كـلّ الثورات العربية المباركة ، وامتازت أنهـا رغم أمواجها الهائلة ، كانت تحمي الممتلكات العامة ، والخاصة ، فالتـفت حولها الجماهيـر المغربية .
وقد أدهشـت الحركة الشبابية المغربية الحالة السياسية في المغرب ، كما فاجأت الأحزاب السياسية ، بقدرتها الهائلة على بثّ روح التغيـير في الشعب المغربـي ، في سرعة عجيـبة ، وتنظيـم غير مسبـوق .
ولاريب أنَّ السبب الرئيس في نجاح هذه الثورات التي تكتسح بلاد العربية ، فيما فشلت فيه الأحزاب السياسية ، هو أنها تجاوزت الحالـة الجدلية ، إلى الثورة العملية ،
فبينمـا الأحزاب السياسية في بلادنا العربيـة ، تتجادل عن الرأسمالية ، والإشتراكية ، والحداثة ، والهوية ، والقومية ، والإقليمية ، والأصالة ، و المعاصرة ، والعرفانيـة ، و العقلانيـة ، والتبعية للغرب ، أو الشرق .. إلخ ،
انطـلقت الثورات الشبابية إلى المفاهيم الأهـمّ ، والأُطـُر الأعـمّ ، وسلكت هذا المنهـج ، وهو رفـع الشعـارات التي الناس إليها أحـوج ، ويحدث بها التغيـير الأنـتج .
ولعمري .. إنَّ هذا هو سحر هـذه الحضارة الإسلامية ، وهـو سرُّها الأعظـم ، إنها حضـارة الحـلّ ( السهـل ، والمباشـر ، والشامـل ) .
إنهـا حضارة العمـل ، والإنـتاج ، حتى قال قائدها الأعظـم ، ومعلمها الأفخـم ، محّمد صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد الله بقوم خيرا فتح عليهم باب العمل ، وأغلـق عليهم باب الجدل ) .
أما لماذا انفجـر الشارع المغـربي بهذا البركـان المفاجـىء ؟! فالجواب هو نفسه في كلِّ الوطـن العـربي .
لقد ورث ملك المغـرب من أبيـه _ شأن كلِّ الأنظمـة العربية _ إرثـاً كئيبـاً من الإستبداد السياسي ، والقمـع ، ومصادرة الحريـات ، ومن الفقـر ، والتخلُّـف ، وإنتهاكات حقوق الإنسان ، وهـوّة سحيقة بين الأغنيـاء ، و الفقـراء ، وسائـر الأمـراض التي تنتشر في الشارع العربـي قبل هـذه الثـورات .
ولاريب أنَّ المـلك لـم يكن يخطـر فـي بالـه ، سوى البـقاء أطول مدة ممكنة على عرشـهِ ، ثـمَّ توريـث المغـرب بما فيـه ، لمـن يخرج مـن صلبـه ، كما فعل مـَنْ قبـلـه : ( إنـّا وجـدنا آباءَنـا على أمّـة وإنـّا علـى آثارهـم مقتـدون ) !
وقـد كان يستخدم الوسائل التقليدية المفضّلـة لدى الأنظمـة العربية لبقاء الشعوب في حالة ( القطعنـة ) ، والحالة السياسية في حالة ( المسكنة ) ، وروح الإسلام التي تحـرّك الشعـوب للتغيـير في حالة ( المهجنـة ) ، أي تهجين الديـن ليصبـح أحـد أرجـل كرسي الزعـيم !
وفي الحالة المغربيـّة تـمّ تأسيس مؤسسات دينية رسمية مخـدّرة ، مثل مؤسسة إمارة المؤمنيـن ، لنشر الدين ! وميثاق العلماء ،! وإعادة بعث الطـرق الصوفية لتكون بديـلا عن الحركات الإسلامية المطالبـة بالتغييـر .
إلى جانـب كلِّ الوسائل الأخرى الكفيلـة بتحقيـق ( القطعنة ، والمسكنة ، والمهجنة ) .
حتـّى فاجـأه هـذا الربيع العربي ، فانفجـر الشارع المغـربي يبحث عـن ربيعـه ، وامتـلأت مدن المغـرب من المسيرات المليونية ، تنشـد الحرية ، والعدالة ، والحقوق ، والكرامـة .
فاضطـرّ الملك إلى اللجـوء إلى إلتفـاف جديـد ، قبل أن يبلغه الطوفـان ، وتصله حـمم البركـان ، فابتكـر فكرة الدستـور الجديد الذي _ فيما يزعـم _ يستجيب لمطالـب شعبه !
وذلك لتشتيـت الثـورة ، وإربـاك مشروعهـا ، و(وزحلقـة ) مطالبـها ،
وهكذا ألقـى بدستور جديـد من عـليـاء برجـه الملكي ، على شعبـه المتطـلِّع لهَفَـاً لمليكـه لينقـذه !! ليُظهـرَ الإصـلاح في صورة المنحـة العلويـّة ، بالعطفـة الملكيـّة ، من صاحب الجلالـة ، راعي الرعيـة ، الذي هو أولى بكـلِّ إصـلاح من سـواه ، وأعـرف بما يحتـاجه شعـبه من كـلِّ من عـداه !!
والعجـب العجـاب في أمـر هـذا الدستـور ، أنـَّه ينص علـى العلمانية الصارخـة ( لايجوز تأسيس حزب على أساس ديني ) ! ومع ذلك هرعت الطرق الصوفية إلـى الشوارع تزمـّر ، وتطبـّل ، بالسـماع والرقص الصوفي ! لمنحـة الملك لشعبـه !!
ورمـى شيوخ الـ ( نِعـَمْ ) البلاطيـّة ! بالفتـاوى الشرعيـة التي توجـب وضـع كلمة ( نعـمْ ) على الدسـتور ، طاعـة لولـيّ الأمـر ، في فصـل الدين عن (ولايـة الأمـر) !
واشتعلـت خطب الجمعـة تأمـر الرعية بالإمتثـال لأمر الراعـي بالتصويـت بنعـم ، وإلاّ فالجحيـم جزاءُ من عصى أميـر المؤمنين ! والنـار مثوى العصـاة المتمـرّدين !!
أمّـا ما لاعجب فيـه .. فهذا الجيش المنافـق من (خونة الثقافة ) ، الذين امتلأ بهم الإعلام المغربي الرسمي ، يهلّلـون للدستور الجديد ، وكأنـَّه فتح الفتـوح ، والنصـر العظيـم الممنـوح ،
ولم يسـتح بعضهم من القول إنّ المـلك قـد فاق توقعاتهـم ، وجاوز تطلعاتـهم ، وأتى بدستـور يضاهي أكثر الدول الغربية تقدمـا ! بل عليها يزيـد ، بفيض جديـد !!
وقد نسي هؤلاء ، وأولئك ، بـل تناسـوا ، أنَّ المرحلة التي تمـرُّ بها الأمة ، لم يعـُدْ يجـد فيها النفاق ، ولا ينـفع التزيـيف .
فهـي مرحلة الحقيـقة الصارمة التـي لاترحـم ،
والحقيقة الصارمة التي التـي لاترحـم ، تنطـق بوضوح ، أنّ هذا الدستـور الجديد ليس سوى سراب خداع جديـد ، للضحـك على الذقـون .
ولن يحدث التغيـير المطلـوب في هذا البلد العربـي العريـق ، المشبـَّع بروائع حضارتـنا العظيـمة .
ذلك أنـَّه مسكـون بنفس الأدواء التي تفـتك بشعوبـنا ، أدواء ضيـاع الهويـّة ، والمهانـة ، والخنوع ، والذلّ ، والإنبطـاح ، والإنقيـاد الأعمـى للمعصـوم من الخطـأ ! الوصيّ على كـلِّ شيء ! القائـد الأعلى لكـلِّ شيء ، حتى وضـع له بدعـة جديدة أسماهـا : ( القائد الأعـلى للدين ) !!
وأنـَّى لبنـاءٍ يوضعُ على أسس الإستبـداد ذاتـها ، ويستـمدّ وجـوده من عين مادّتـهـا ، أن ينقـذ شعوبنا مـن معاناتـها ، أو يخـرج من محنـتها ؟!
ولهـذا .. فإنَّ المـغرب شأنه شأن كلِّ البلاد العربية ، سيمضـي في طريق التغييـر الشامل حتـّى يسـتردّ الشعب كامـل حريته ، ويسـقط مؤسسات ، ورموز الفسـاد كلـّها ، ويؤسس لمرحلة جديـدة ،
مرحـلةٌ روحها أنَّ شعوبنا هي السلطة الحقيقـة ، وهي وليـّة أمرها ، وأنَّ كلَّ شأن يتعلـّق بأمـرها ، لاينطـلق من إرادتها المستقلة فهو باطـل ، وأنّ حقـوقها وعلى رأسها حقوقها السياسية ، هبـة الله تعالى لهـا ، ليست منحة من مخـلوق يمـنَّ بها عليها ، أو يرمـي بها إليهـا ، وأنَّ كرامتها فوق كلِّ إعتبـار ، وحريتها حـقُّ ليس عليه غبـار.
ولاريب ..ستشـرق الشمس قريبـا من المغـرب ، بهذه النهضة الجديـدة التي تشتعل في الوطن العـربي بإذن الله تعالى .
ضياؤُهـا هـو هويتـنا الإسلامية ، ونـورُها العدالة ، وشعاعـُها الحريـة .
فنسأل الله أن يكـلّل جهود الثورة في المغـرب بالنجـاح ، حتى تصيبـنا عدواهـا ، وما أجملها من عـدوى .
والله حسبنا عليه توكـَّلنا ، وعليه فليتوكّـل المتوكّـلون .
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 04/07/2011 عدد القراء: 28170
أضف تعليقك على الموضوع
|