بيان بشأن الثورة المصريّة
حامد بن عبدالله العلي
لـمْ يعـُد الوضع العربي يحتمِل الصبـر ، ولم يعد المواطن العربي قادراً على تحمـُّل الحالة اللاآدمية التي تعامله بها الأنظمة السياسية ، ولم يعـد الشارع العربي يطيق الظلم ، والإستبداد ، وإنتهاك الحقوق ، والقهـر ، والبؤس ، وهو ينظـر إلى الطغم الحاكمة في البلاد العربية على طولها وعرضها ، تنهب ثروات وطنه ، وتعيث فسادا في مقدرات أمّته ، وتصادر خيرات بلاده لشهوات مافيـا تحالف ( عائلة القصر ، والعسكر ، ورجال العمال ) ، بينمـا يتضوَّر الشعب جوعا ، ويتقلَّب على أشواك الفقر ، والتخلُّف ، وهاجس الرعب من القبضة الأمنية الخانقة .
وقـد زادت الأنظمة الحال سوءا عندما أغلقت جميع طرق الإصلاح أمام الشعوب ، فزوَّرت الإنتخابات ، وحجرت الحريات ، ولاحقت المعارضين .
وأطلقت يد جلاوزة التعذيب تنهش في أجسـاد الشرفاء ، المعارضين لجرائم النظام ، في أقبية وزارات الداخلية ، كالكـلاب المسعورة ، لاترعى حرمة لدم ، ولا لعرض ، ولا نفس ، إذ هـم على يقين أنهـم محميون من النظام ، مباح لههـم أن يفعلوا ما شاءوا فيمن يخالف النظام السياسي ، دون حسيب أو رقيب .
واستمـرّ هذا الحال ، والشعوب المسكينة صابرة على هذا الضيم الذي لايطــاق ، والقهـر الذي لايبدو في الأفـق منه إنعتـاق .
حتى إذا بلغ السيل الزبا ، وجاوز الحزام الطبيين ، ورجا الناس أن يزول الكابوس ، فإنتهاء فترة الحكم ، وتطلعوا إلى التغيير ، وتعلقت نفوسهـم بأمل التبديل ، طلع عليهم الزعيـم يبشِّرهم بأنّ ابنه الذي نبت لحمه ، وشحمـه ، من السحت الذي أكـله أبوه ، من نهب ثورة الشعب ، أنـّه سيكمـل معهم مسيـرة المعانـاة ، لتستمر ، فتنقـل إلى أولادهم ، وفلذات أكبـادهم ، ثم إلى أحفادهـم ، فيبقون في زنازين النظام البائسة إلى أن يورِّثـوا ذلك إلى أصـلابهم !
فحيـنئذ ثاروا ، وحُـقّ لهم أن يثــوروا
وهاهـي مصـر ، تقـود التغيـير كعادتـها الحميـدة
وتعالوا لنمر سريعـا على السبب وراء خروج الشعب المصري البطل بالآلاف اليـوم
يحرقون مقار الحزب الحاكم ، ويتحـدون أجهـزة الأمن ، ويتلقون عربات الأمن المركزي بصدورهـم العارية ، ويمزقـون صورة الرئيس .
في تقرير صندوق النقد الدولي للتنمية الزراعية 45% من الشعب المصري يعيش حالة فقـر في مناطق عشوائية ، وفي تقرير للجنة الإنتاج الزراعي في مجلس الشوري 45% من الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر بأقل من دولار باليوم ، وفي تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء مليون ونصف مصري يعيشون في المقابر ! 20 مليون مصري مصاب بالإكتئاب ، و1200 حالة إنتحار سنويا ، المركز 57 من بين 60 دولة في تقرير البؤس العالمي من حيث معدلات البؤس ، والشقاء ، والتخلف ، والفقر .
وفي تقرير مركز الدراسات الريفية 39 ملياراً و373 مليوناً و524 ألف جنيه تم اهدارها في الفترة ما بين أبريل 2008ويناير 2009 بسبب الفساد المالي والإداري!
المركز 115 من بين 134 دولة في مؤشر مدركات الفساد الذي يقيس درجة انتشار الفساد بين المسئولين في الدولة ، المركز الأخير من بين 134 دولة في مؤشر كفاءة سوق العمل ، 26% من المصريين لايعرفون القراءة والكتابة ، وربع المصرين يعانون من إرتفاع ضغط الدم ، وأعلى معدلات لوفيات الأطفـال في العالم ، والمركز الثاني على مستوى العالم في الوفاة بسبب مرض السكر ، 20 ألف مواطن يموتون سنويا بسبب نقص الدماء ، أكثر من 100 ألف مواطن مصري يصابون بالسرطان سنويا بسبب تلوث مياه الشرب ، ثم هناك تفاصيل أخرى مروعـة في المصدر هنـا
وكنـت قبل عام وشهر تماما ، قـد كتبت مقالا عن التوريث جاء فيه :
( الحلّ الثالث : هو الثورة الشعبية لمنع التوريث ، ولكن هذه لاتتم إلاَّ إذا اقتنعت الشعوب أنَّ الموت سيأتي لامحالة ، فهي إمـَّا تموت بعشرات الآلاف موتا بطيئا ، من الجوع ، والمرض ، وسرقة الأعضاء ، والتعذيب في سراديب الأمن ، والقهر ، والفقر ، والجهل ، والسيول ، ..إلخ ، أو تموت بضع مئات في يوم واحد في الزحف الثوري ، وهذا الحـلّ كان متعـذرا في السابق ، لأنَّ التعبئة الإعلامية لتعليم الناس الفرق بين (الميتيين) غير ممكنة ، بسبب إحتكار السلطة لوسائل الإعلام التي تصنع وعي الشعوب ، غير أنَّ الحال قد إختلف اليوم جذريا ، فالوصول إلى الرأي العام والتأثير فيه ، قـد خرج عن السيطرة تماما .
ويبدو أنَّ هذا الحل الثالث قادم لامحالة ، ألا ترون شعوب الأرض قد أصبح حراكها للتغير أسرع وتيرةً مما مضى ، وكلُّ مافي الأمر أنَّ الشعوب العربية ـ بمخطط سياسي مدروس ـ قـد بقيت في ظلمة الجهل ، والأمية ، أكثر من غيرها من الشعوب ، وقد بدأت اليوم تتغيـّر ، فنحن مستبشرون بإذن الله تعالى بتحوُّل قادم .
وهذا التحوُّل سينتج منه أنظمة سياسية تنبثق من إرادة الشعوب بقيادة النخب ، وتستمد شرعيتها بقدرتها على تحقيـق أهداف الأمة الحضارية ، وتنتهج ثقافتها الإسلامية ، وتعتز بهذه الهويـة ، ثم ترتبط ببعضها في مؤسسات دولية إقليمية تمد جسورا بين هذه الأنظمـة ، ينتج عنها وحدة أممية .
وهذا التحول آتٍ لامحالة ، غيـر أنَّ العامل الزمني في معادلات الإنقلاب الكبرى يكون طويلا ـ نسبيا ـ في سنن الله تعالى.
ويدل على أنَّ هذا الإستشراف للمستقبل سليم تماما ، هذه المعادلات العجيبة :
الأمّة في ضعف ، والإسلام في قوّة .
ما يسمى بالحرب على الإرهاب في أوج ضجيجها وتستهلك إقتصاد الطغيان العالمي، والجهاد الإسلامي يزداد قوّة وإنتشارا.
ساسة الغرب الذين يملكون أقوى وسائل القوة ، يبذلون كلَّ جهدهم في وقف تنامي المدّ الإسلامي ، وهو يتمدّد كالتسونامي الذي لايقف أمامه شيء رغم وسائله الضعيفة.
شياطين الإفساد تعمل بكلِّ طاقتها لمحاربة الدين ، والتديّن يأخذ في التصاعـد حتى إكتسح تركيا التي لم يُحارب الدين في بلد كما حورب فيها .
الحرب على الفضيلة تستعر والحجاب ينتشر.
النظام السياسي العربي يزداد جهلا ، والشعوب العربية تزداد وعيا.
النظام السياسي العربي يزداد بطشا ، وتخويفا للشعوب ، وهي تزداد جرأة ، وشجاعة على مواجهة طغيانه.
محاولات التزييف الإعلامي لخداع العقل تتنامى ، واليقظة تزداد .
أمريكا تضاعف نفقاتها في حلم السيطرة العالمية ، وفشلها يتضاعف بالتوازي.
الكيان الصهيوني يزداد عملاؤه في النظام العربي ، ورغم ذلك تتقهقر قوته ، ونفوذه ، ويتعرض لإنتكاسات مفصليّة.
ولا يخفى على من يفقـه مسارات التاريخ ، أنَّ هذا كلَّه إنمـا يدل على شيءٍ واحد ، ويسير نحو إتجاه واحد ، وهو أنَّ عملية تحوُّل حضارية هائلة قادمة لامحالة ، ولما كانت النهضات التاريخية لاتعبـُر إلاَّ خلل نظام سياسي يحملها على عاتقه ، فهذا يبشـر بأنَّ كارثة التوريث في بلادنا العربية ستتوقف ، وستشرق شمس حضارتنا من جديد بإذن الله تعالى .
كلّ ما عليكم أيها الشعوب ، أن تستمروا في طلب الوعي من غير وسائل الإعلام الرسمية ، وأن تسيروا مع رياح التغيير فهي بسم الله مجريها ومرساهـا ، وأن تتيقنـوا أنَّ مسلسل التوريث إنما هو من ميراث المستعمر ، ليحقق أطماعه ، وأنه إذا كان في ماضي الأمة يورث معه أهداف حضارتنا ، فهو اليوم بعكس ذلك تماما ، فيجـب أن يتوقف بكلِّ السبل المتاحـة.
ولا إخال أنه سيمضي عقدان أو ثلاثة ، دون أن نشهد زوال الكيان الصهيوني ، وإضمحلال الهيمنة الأمريكية ، وعودة قدرة الإسلام على التأثير في العالـم ) أ.هـ. الإقتباس من المقال السابق..
ولكـن يبـدو أنَّ التغيير بدأ قبل ما توقعـت ، والحمد لله تعالى
أيتها الشعوب العربية الأبيـّة :
أملٌ على مرِّ العقـود يجافي ** والآن يأتـي يا شعوبُ يوافـي
يمْضي إلى عهدٍ يحـلُّ بأرضِنا ** يَسْقي الشعوبَ من الغِياثِ الصَّافي
ويُفيضُ نورَ العدلِ حتَّى يرْتوي ** شعبُ العروبةِ من منارٍ ضَـافي
لقد آنستنا تونس بإذن الله تعالى بأن تهب علينا رياح التغييـر ، فانطـلقت منها ،
ليحتضنها النيـل العظيـم ، فيحـوّلها إلى عاصفـة في أرض الكنانـة .
وهاهي مصـر العظيمة ، مصر الحضارة ، مصر القيادة ، مصـر التغيير ، مصـر الإباء ، مصر العـزة ، مصـر المجـد ، والفخـر ، والحريـّة .
هاهـي تنتفض فتقـود الأمـّة إلى عهـد جديد :
تسترجع فيه الأمّـة مكانتها ، وتعيد إليها حقوقها ، وتحيي كرامة شعوبها ، وتسـترد ما اغتصـب منها ، وتضع كلَّ الأمـور في نصابها الصحيـح .
وتوقـظ العمـلاق الإسـلامي لينهض على قدميه من جديـد ، حامـلا شعـلة الحضارة الرشيدة ، لتقـود البشـرية إلى عهد العدل ، والحـقّ ، والنـور .
فيا أيها الشعب المصري البطل ، إستـمر في ثورتك المباركة حتى :
تعيد مكانة مصر القيادية ، والرياديّة في العالم العربي كما كانت .
وحتى تسحق الظـلم ، والفقر ، والجوع ، و البطالة ، والبؤس ، والتعذيب ، وإهدار حقوق الإنسـان .
وحتى تصنع نظام جديدا ، تسلِّمه أنت بإرادتك الحرة مؤسسات الدولة ، ليكون خادما للشعب ، حارسا على مصالحه ، راعيـا لضعفائه ، قائما على حاجاته ، موصلا حقّ الفقير إليه قبل الغني ، والضعيف قبل القوي ، والصغيـر قبل الكبير .
وحتى تجعل المؤسسات الأمنية لأمن الوطن ، والسهر على راحته ، ولتمتُّعه بحقوقه كاملة ، وليس لأمـن النظام ، ولحمايـة فساده ، بتخويف الناس ، وإرهابهم ، ومراقبتهم ، والتجسُّس عليهم ، ثم تعذيبهم ، وقتلهم ، ورميهم جثثا في الشوارع !!
وأخيـرا _ وهو أهـم شيء _ حتـى تحفظ كرامة الأمة كلَّها ، بحفظ دينها أولا ، وطرد المستعمر الجديد من بلادهـا ، والوقوف مع قضايا الأمة ، وعلى رأسها القضية الفلسطينية .
وحتى يُجـبر الغرب المنافق الحامي لكل الإستبداد ، والظلم في بلادنا ، يُجـبر على إحترامـنا ، و يكفُّ عـن إحتقـار أمتنا ، وإغتصاب أرضنا ، وتقسيم بلادنـا ، وسفك دمائنا ، ونهـب ثرواتنا .
وياأيها الشعوب العربية من الخليج إلى المغـرب ، اقتدوا بمصـر ، وثـوروا حتى تحققـوا هذه الأهداف كلُّها ،
ويا أيها الحكـّام اعقـلوا الدرس ، واعلمـوا أنّ دائرة بغيـكم ستـدور عليكم جميعا لامحالـة ، فأخرجوا الشرفاء من سجونـكم ، واطلبوا منهم العفو ، والصفـح ، وبادروا إلى التصالح مع أمّتـكم ، والتوبة من جرائمكـم ، وسلموا ما بأيدكم كله حتى مؤسسات الدولة إلى الجماهيـر لتضع عليها من ترتضيـه ، عسى أن تعفوا عنكم الشعوب قبل فوات الأوان .
واعلموا أن ما يجري في البلاد العربية من ثورات ، هو أيضا نتيجة لضعف الغرب الذي كان دائما يدعم الإستبداد ، وهو بنفاقه المعهود يزعم في الظاهر أنه العالم الحـرُّ ، ولهذا بدأ حـلفاء أمريكا والغرب ، يتساقطون ، وبدأ الغرب يتنصّل منكـم ، كما تنصـّل من شين الفاجرين ، وهاهـو يتنصـّل من كبير الفراعـنة !
قال الحق سبحانه ( ولاتهنوا ولاتحزنـوا وأنـتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )
اللهم أبرم لهذه الأمّة أمرا رشدا ، تقمع فيه الظلم وأهله ، وتعـزّ فيه الحق وأهله ، وتقيم رايـة العـدل ، وتخفض راية الجـور ، وتعلي صرح الفضيلة ، وتهدم علم الرذيلة
وتعيد فيه هذه الأمـّة إلى دينها الذي فيه وحـده عزُّهـا ، ومجـدها .
( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنيين ولكن المنافقين لايعلمون )
والله الموفق وهو حسبنا عليه توكَّـلنا وعليه فليتوكَّل المتوكّـلون الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 28/01/2011 عدد القراء: 26467
أضف تعليقك على الموضوع
|