مستشفيات سوريا تحولت إلى مراكز اعتقال وتعذيب !! |
|
غارونس لوكازن -
خاطر «قيصر»، وهو اسم حركي لسوري كان يعمل في الشرطة العسكرية السورية، بحياته من أجل تهريب أكثر من 45 ألف صورة ووثيقة، تخص معتقلين سوريين، عذبهم نظام الأسد حتى الموت.
وعلى مدى سنتين، سعى هذا السوري إلى كشف فظائع نظام الأسد، ونقلها إلى خارج بلاده بهدف محاكمة بشار الأسد دولياً. ورغم ان الأسد نفى في مقابلة أجرتها معه المجلة الأميركية «فورين أفيرز» وجود هذا المصور، وشكك في مصداقية صوره، فان قيصر موجود، وتحدث على مدى ساعات طويلة إلى الصحافية الفرنسية المستقلة غارونس لوكازن التي التقته في بلد يقع شمال القارة الأوروبية، لكن لأسباب تتعلق بأمن قيصر تحفظت على ذكر اسمه.
قالت لوكازن في مقدمة كتابها «عملية قيصر.. في قلب آلة الموت السورية» الذي تقدم القبس حلقات منه، إن بربرية ووحشية تنظيم الدولة الإسلامية لا تقل عن وحشية نظام الأسد، مشيرة إلى أن مسؤولي المجموعة التي هربت قيصر إلى خارج سوريا ونبهت وسائل الإعلام والحكومات الغربية إلى الوضع في سوريا، وهي مجموعة تنتمي إلى التيار الوطني السوري هم من ساعدوها على لقاء سامي صديق قيصر، بعد سلسلة لقاءات تمت في باريس وفرنسا واسطنبول وتركيا وجدة، وقد انتهى قيصر في الأخير إلى قبول لقاء الصحافية بعد 6 شهور قضتها في البحث والتحري، زارت خلالها عدة مناطق سورية، لإنجاز ريبورتاجات نشرتها في مجلة «لونوفيل أوبسرفاتور».
لقد شبهت الصحافية الفرنسية ما رأته في سوريا وما صوره قيصر بالمحرقة اليهودية أو المجازر التي ارتكبها الخمير الحمر في حق الكمبوديين، وإلى أن يتوقف الصراع في سوريا، لا يزال السوريون يسقطون يوماً بعد يوم ويتجرعون مرارة ظلم وطغيان بشار الأسد من جهة وداعش من جهة أخرى.
كان مازن يلاحظ طابورا من السجناء معصوبي العينين ومقيدي اليدين الى الخلف، كلّما نظف كل اسبوع، مكاتب البعثات الخاصة في المطار العسكري مزة، لقد كانوا يصلون على متن طائرة من حماة وحمص واحيانا من حلب، اكبر مدينة في الشمال، شطرت الى نصفين احدهما يسيطر عليه النظام والاخر المعارضة.
حين يلقى القبض على احد في الضواحي، يتم استنطاقه في مركز اعتقال محلي، ثم يرسل تقرير عن التحقيق للمكتب المركزي في دمشق، وهو من يقرر أو لا وفق أهمية الشخص والمعلومات التي يملكها ارساله للعاصمة من عدمه وعمليات النقل ليست مباشرة في الغالب بسبب مصاعب التنقل والزنزانات مكتظة في بعض المناطق واحيانا ينتظر السجناء اسابيع في السجون التي فتحتها المخابرات في دمشق، حتى يتراجع العدد، واما مسار بعض السجناء فيشبه احيانا شبكة عنكبوت، حيث ينقلون من نقطة الى اخرى دون سبب وجيه.
نقل الجثث
يتم احياناً نقل جثامين السجناء الى العاصمة ايضا، والدكتور عامر الحمصي عمل لمدة 15 عاما في المستشفى الحكومي لمدينة حمص، وبين عامي 2011 و2012، اي قبل هروبه للخارج شاهد الكثير من الجثث التي استرجعتها السلطات، من اجل نقلها للمستشفى العسكري للمدينة او مباشرة الى دمشق عن طريق مروحية.
لقد دفعت حمص الملقبة بـ «عاصمة الثورة» الكثير خلال هذه الحرب، خاصة انها تضم اكبر قبائل البلاد، والنظام لم يدخر جهداً في ثالث اكبر مدن البلاد، والتي تقع في مفترق طرق استراتيجي، فهي تقع من جهة بين دمشق والشمال باتجاه حلب وتركيا وبين معقل العلويين على ساحل البحر الابيض المتوسط والشرق.
كانت عملية التوقيف عشوائية، والقصف الكثير يستهدف بعض الاحياء مثل حي باب عمرو، الذي كان حصنا للمسلحين، لكن النظام استرجعه في شهر مارس 2012.
يتذكر هذا الطبيب الذي لجأ اليوم الى بلد يجاور سوريا، ما كان يحصل فيقول «لقد اصبح مستشفانا مركز اعتقال او شبه ثكنة، فكل يوم كان ينقل الينا عشرات السجناء المصابين او غير المصابين، حيث كانوا يربطون في الأسرة ثم يضربون ويعذبون بالكهرباء، وفي لحظة معينة تجاوز عددهم المئات في مختلف الطوابق، كان يمنع علينا منعا تاما الحديث اليهم، وحين ينزلون من الشاحنات كنا نتجمع في الداخل خوفا من ان نتعرف على احدهم».
كان اول سجين مصاب عالجه عامر الحمصي في ربيع 2011، متظاهرا شابا وصل الى المستشفى وقد كسر كاحلاه بالسلاسل، غير انه توفي بعد ثلاثة ايام من الضرب، وحين تسلمت عائلته جثته كان محجرا عينيه فارغين.. واما جثث اخرى فقد سلمت لذويها بعد خياطتها، ما يعني ان بعض الاعضاء انتزعت منها وعلى الاباء توقيع ورقة، يؤكدون فيها أن ولدهم قتل من قبل «ارهابيين». شيئاً فشيئاً، أصبح أفراد الأمن يطالبون ذوي الجثامين بدفع المال مقابل تسلم الجثث، والعديد من العائلات لم تكن تملك الإمكانات لذلك، في ما كانت العائلات التي تسمح لها إمكانياتها بذلك تعزف عن تسلم جثث ذويها، خوفاً من الاعتقال.
كانت الرائحة لا تطاق في المشرحة التي تقع في السرداب، وعلى الخصوص ما بين يناير ومارس 2012، حين كثف النظام عملياته القمعية على أحياء حمص غير الخاضعة لسيطرته، وهنا يضيف عامر الحمصي «لقد كانت الثلاجات معبأة والجثث مكدسة على الأرض، وكان علينا ان نعمل ونغطي أفواهنا وأنوفنا بقطعة قماش».
كانت غالبية الجثث تنقل في شاحنات صغيرة لتدفن في مقابر القرى القريبة، ولكن بعضها كان ينقل الى دمشق «بالتأكيد حتى يثبتوا لرؤساء فروع الأمن بأن هؤلاء الرجال، تم توقيفهم وقتلوا فعلاً».
لم أكن إنساناً أبداً
كان أبو الليث حياً ونقلته الشرطة المكلفة بنقل السجناء الى المحكمة، وقد اطلق سراحه بعد ستة أشهر من السجن ونقل معصوب العينين في باص صغير الى مكان لا يعرفه، وفي مكتب سأله موظف عن اسمه فرد «أنا الرقم 1».
ما ان أجاب أبو الليث حتى أشبعه الموظف ضرباً وأعاد سؤاله: «ما اسمك؟».
حينها أخبره باسمه الحقيقي، فأجابه الموظف «أنت وعائلتك إرهابيون»، ثم مسك يده وأخذ بصماته على وثيقة. ركب أبو الليث في ما بعد سيارة برفقة آخرين، وكان مطأطئ الرأس على طول الطريق الطويل، واما على مستوى حواجز الجيش، فكان الجنود يطالبون «بقتل هذا الإرهابي بعقب بندقيتهم».
ازيحت قطعة القماش من فوق عيني أبو الليث لدى وصول السيارة الى محكمة مزة العسكرية التي تقع جنوب غرب العاصمة، وكان أبو الليث لم يتعرض للضوء منذ فترة طويلة، بينما كان الى جانبه ضابط سابق حاول مساعدة جنود على الفرار من الجيش، وآخرون عراة، وبعضهم جراحهم تعفّنت وسيقانهم أصيبت بإنتان، واما البعض فكانوا يعانون الجرب. شعر أبو الليث بخوف شديد من هذه الوجوه، ما دفعه الى حك جلده الى ان جرحه ظفره الطويل.
لقد اتهمه القاضي بتمويل عصابة مسلحة وبدعم انشقاق الضباط والتعاون مع قوى أجنبية وأرسله الى سجن عدرا المدني، وفي الطريق إليه قضى ليلة بيضاء في غرفة مكتظة بالسجناء وسقفها منخفض للغاية. لقد رموا له الأرز على الأرض، ما حال دون وصوله الى الأكل.
ولدى وصوله الى السجن، وجد حوالي مئة شخص ينتظرون واقفين في الساحة، بينما كانت أشعة الشمس تحرق جراحهم. لقد وعدوهم بالأكل والملابس وزيارة الطبيب، فاصطفوا في طابور قبل الدخول الى غرفة، كانت تحلق فيها رؤوسهم وتقص أظافرهم، واما داخلها فقد علقت أربع أو خمس مرايا على الجدار.
غضب أبو الليث حين حدق فيه أحدهم، وكان وجهه مشوهاً وجسده هزيلاً. كان أبو الليث يرغب في ضربه، لكنه اكتشف ان الصورة المنعكسة في المقابل هي صورته «لم أعد إنساناً على الاطلاق، لذلك كنت أرغب في الانتقام لنفسي».
كان أبو الليث حليق الرأس تماماً، وكان القليل من الماء الذي يغتسل به، يثقب جلده مثل المسامير. وفي السجن، لم يكن الرجل يتحدث الا حين يتشاجر مع سجناء آخرين. واما في العنبر الكبير حيث كان السجناء قابعين، فقد رتب سجين حكم عليه بالمؤبد منذ 15 عاماً، زاوية وضع فيها جهاز تلفاز، في سجن عدرا، يتم كل شيء بالمال بما في ذلك الزيارات أو الحصول على الكتب.
كان المحكوم عليه بالمؤبد قوي البنية، وينحدر أيضاً من جبال القلمون، لذلك اهتم بأبي الليث وأصبح يطعمه مثل الطفل، ويعيره الهاتف النقال ليتصل بعائلته. لقد كانوا يبكون ويصرخون «لم يصدقوا بأني حي، فلقد كانوا جميعهم يعتقدون أني ميت، واما والدتي فقد أغمي عليها».
كان أشقاء أبي الليث يعرفون ضابطاً يعمل مع النظام، فاشتروا منه العفو على شقيقهم، مقابل وعد بتحرير عدد من جنود الجيش النظامي المسجونين لدى الجيش السوري الحر. وفي طريق العودة، مرت سيارة أبي الليث على عدد من حواجز الجيش، وبفضل هذا الضابط تمكن من تجاوزها، كما تمكن من تجاوز حواجز الجيش الحر بفضل اشقائه، وحين وطئت قدماه أمام بيت العائلة، كانت والدته وشقيقاته الأربع وأربعة من اخوانه في انتظاره، وابناء عمومة أيضاً وجيران.
عمت الجلبة والفوضى البيت، ما دفع شقيقه الأكبر الى التدخل «اتركوه ليرتاح، انه في حاجة الى الهدوء»، صعد السجين السابق الى غرفته بعد ان اعطاه طبيب مهدئاً ومنوماً، وبقي فيها منعزلاً عن العالم الخارجي أسبوعاً كاملاً، قبل ان يتمكن من التواصل مع الآخرين.
وأما في الربى، فقد أرسل «حزب الله» اللبناني الشيعي، الذي تدعمه إيران، رجاله بالزي العسكري من أجل قتال المسلحين التابعين للجيش السوري الحر، فتوالت بذلك المعارك، شعر أبو الليث بالاختناق في البيت العائلي، بينما كان اثنان من اخوانه يحملان السلاح الى جانب مقاتلي الجيش السوري الحر، وقد اخطر شقيقه الأكبر عن طريق جهاز اتصال لاسلكي برغبته في القتال، ان كان يقاتل، لكنه كان يدرك انه غير قادر على ذلك، مثلما كان غير قادر على سرد ما عاشه طيلة 7 شهور لعائلته.
ولقد قاد أكبر اخوانه فرقة، نفذت هجوماً ناجحاً ضد الجنود اللبنانيين، وكان الى جانبه شقيقه الآخر، الذي قتل بعد وقت قصير في هجوم آخر.
وأما في البيت، فلم تترك الأم ابنها ابا الليث، فبعد مقتل ابنها في ساحة المعركة، بلغها نبأ وفاة آخر في مركز الاعتقال التابع للاستخبارات العسكرية، لقد قتل ولدان من أطفالها الخمسة، بينما الثالث وقع بين أيدي الاستخبارات، لذلك كان على ابي الليث ان يغادر البلد الى الخارج، حتى يعيش ويبقى اسم العائلة حياً، وبالفعل غادر أبو الليث سوريا، لكنه كان يشعر بانه سيصبح خائناً.
فرق وأديان
يقول قيصر: «في البداية كانت هناك محادثات بين الزملاء، وكانت الأغلبية تنتقد التظاهرات.. لقد كنا نعيش في أمان، لماذا يسبب هؤلاء البلطجية مشاكل لنا وتدفعهم الى ذلك دول أجنبية؟ لقد كنا نعيش جيداً الى وقت قريب، وكان في مقدورنا ان نترك سياراتنا مفتوحة، لم تكن هناك سرقة، وزوجاتنا كن يخرجن بمفردهن في أي وقت، وهذا ما يحدث اليوم».
كان زملائي يعتقدون ان ما يجري لا يهمهم وانه بعيد عنهم، لكن شيئاً فشيئاً أصبح الجنود حين يزورن قراهم في الاجازة يرون الجيش وهو يقتل المدنيين، والجنود وهم يغتصبون النساء والفتيات، ويحرقون البيوت ويحطمون السيارات بدباباتهم. لقد أدركوا ان فتنة مذهبية وطائفية بدأت تتصاعد وان التفاوض مع النظام بات مستحيلاً.
وأما في القطاعات الكبرى للجيش، فكان جنود الحراسة ينامون في العنابر، وأما في القطاعات الصغيرة حيث الأجهزة مثلي أنا، فكان الجنود يقضون لياليهم في المكاتب، وكان الجنود قبل الأحداث يفضلون النوم فرادى، حتى ينالوا قسطهم من الراحة والهدوء، لكن شيئاً فشيئاً، أصبحوا يفضلون النوم مع بعض. لم نكن نشعر بالأمان؛ لذلك كنا مثل الدجاج الذي يبحث عن الجو الدافئ والبقاء مع بعض، خوفاً من الثعلب، لم نكن نعرف من أين سيأتي الشر، هل من النظام أم من المسلحين؟
في البداية، كان هناك سريران في مكاتبنا، ثم شرعنا في نقل أسرتنا من غرفة الى أخرى، وقد جلب لي جندي سريري، ثم آخر، وآخر، في الواقع تجمعنا مع من نشعر بالألفة معهم، ومع زملاء ينحدرون من قريتنا أو منطقتنا، وينتمون الى المذهب ذاته، فالدروز تجمعوا مع الدروز، والعلويون مع العلويين، والسنة مع السنة.
لقد كنا في حاجة الى البقاء مع بعض، لاننا كنا نخشى من ان توجه لنا تهم ملفقة، فقبل الثورة لم نكن نشعر بوجود اختلافات وفروقات بين ذاك وذاك، لكن شيئاً فشيئاً رغب البعض في تصفية حساباتهم؛ لذلك، انتشرت النميمة، وكان الجميع يمكن ان يصدق ما يروع البعض عن اي شخص. وقد اوقفت رجال الامن كثيراً من الجنود طيلة اربعة او خمسة أشهر، بسبب تهم غريبة، وأحيانا كان يتم ايقاف الجنود، فقط لانهم فكروا في الانشقاق.
كان في كل قطاع عسكري ضابط مسؤول عن الامن، وهو في الغالب علوي، يقوم بالتحقيق ويتلقى الشكاوى قبل ان يتم ارسالها الى جهاز الاستخبارات دون المرور بالقضاء.
وعلى سبيل المثال، قام بمنع اقامة الصلاة اثناء الدوام، ففي ما سبق كان الجندي الذي يصلي اثناء اوقات العمل يتلقى انذارا بسيطا من دون تحول القضية الى جهاز المخابرات، لكن مع الثورة، اصبحت تهمة الصلاة، فرصة لاصدار حكم مسبق على اي كان، وقد تفاقم ذلك بمرور الوقت، لأن النظام اصبح يعامل الثوار كإرهابيين.
حقيقة، كان الثوار في البداية يأتون من مناطق سنية فقيرة ومحافظة، لكن لا علاقة لهم بالارهاب، لكن بالنسبة الى النظام فإن الصلاة خمس مرات في اليوم، تعني أنك من «الاخوان المسلمين»، رغم ان جميع السنة يصلون، من اجل الله تعالى، ولا علاقة لهم بــ«الاخوان المسلمين».
فحافظ الأسد والد بشار قتل الآلاف من «الاخوان المسلمين» في ثمانينات القرن الماضي، بعد ان اكد أنهم ارهابيون، ونجله بشار قام بالشيء ذاته حين تعامل مع المتظاهرين، على انهم «اخوان مسلمون» وارهابيون.
كان غالبية المجندين وافراد الشرطة العسكريين من السنة، بينما كان الضباط من الطائفة العلوية، وقبل الثورة كان الجميع يعرف من اين ننحدر، وما هو مذهبنا، ولم يكن ذلك مهما، حيث كنا نعيش في عائلة واحدة ونتجنب النزاعات.
واما داخل الجيش، فكان العلويون يتحدثون بلكنة دمشق، لكن خلال الأشهر الأولى للثورة أصبحوا يستخدمون لكنتهم وينطقون على سبيل المثال «القاف» بشدة. وكانت هذه طريقة لاستفزازنا، وابراز فخرهم بوقوفهم الى جانب النظام، وحتى السنة الذين يدعمون بشار الأسد، أصبحوا يتحدثون بلكنة العلويين، وكانوا يكثفون ذلك في استخدامها، حين يعتقدون أن النظام يقترب من تحقيق النصر، حيث يبينون أنهم في صف الرابحين.
ومثل آخرين، كنت تحت المراقبة بصفة دائمة وكانت كل افعالي واحاديثي تسجل بعناية، حتى مشاعري وطريقة نظري، كانت تخضع للتحليل.
بمرور الوقت توترت العلاقة بين الجنود والمسؤولين، في حين تمت مصادرة جهاز التلفزيون، رغم انه كان يبث فقط القنوات التابعة للدولة السورية، وعليه لم يعد بمقدورنا مشاهدة التلفزيون الا في المطعم، بينما كانت الهواتف النقالة ممنوعة.
لقد كنت أخبئ هاتفي النقال في جوربي، بينما كانت الهواتف الارضية مراقبة، حيث كانت العائلات تبلغ أبناءها العسكريين حين يتصلون بها بأن كل شيء على ما يرام، وبأنها لا تستطيع التحدث عن وضع القرية.
وكان احيانا بعض الاصدقاء ممن التحقوا بالجيش السوري الحر، يتصلون بي في البيت، لكني كنت اقطع الخط مباشرة، لأني كنت اخشى التوقيف بتهمة الاتصال بجماعة ارهابية، وكنت كل مرة لا انام طول الليل، وفي اليوم التالي أشعر بقلق شديد في المكتب.
وهكذا، وشيئا فشيئا بدأ الجنود والمجندون السنة ينشقون عن الجيش السوري النظامي، ففي البداية كانوا ينتهزون فرصة الاجازة، من اجل عدم العودة والبقاء مع عائلاتهم، ولكن النظام منع الاجازات عن المجندين في ما بعد، خوفا من ارتفاع حالات الفرار من الجيش، ولم يعد يسمح بالاجازات إلا بسبب وجود حالة وفاة.