ماقاله البوطي عند هلاك المجوسي الكبير عدوّ الأمة حافظ الذي وقف طيلة حياته مع أعداء الأمة من الحرب السوفيتية على أفغانستان إلى حرب الصرب مرورا بحرب إيران على العراق |
|
الكلمة التي ألقاها الهالك البوطي في حفل أربعينية الهالك حافظ الأسد
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس: الدكتور بشار الأسد. السيد الرئيس لحود رئيس الجمهورية اللبنانية، الضيوف الكرام !!
دأب بعض المتكلمين في مثل هذه المناسبات عندما يتحدثون عن زعمائهم وقادتهم، على استعراض أعمالهم البطولية، وخوارق توفيقات الله -عز وجل- لهم، ومواقفهم الفذة الفريدة، دون وقوف عند العوامل الخفية الكامنة وراءها، والتي تتصل بتلك البطولات اتصال الجذع بالفروع والأغصان، وإنما أنا أريد في هذه الدقائق أن أتحدث عن العوامل، أو عن بعض وأهم العوامل الخفية الكامنة وراء ما قد عرفه العالم كله في شخص قائدنا الراحل من بطولات ومن عبقريات، ومن صمود وصبر ومصابرة، بكلمة جامعة أقول: إن باطن قائدنا الراحل كان خيراً من ظاهره، على أن ظاهره كان مبعث حب وإكبار من المقربين والأصدقاء، وكان مبعث تقدير وإعجاب من الخصوم والأعداء !!!
عندما يكون باطن الإنسان خيراً من ظاهره؛ فمعنى ذلك أن جل تعامله إنما هو مع الله! الذي يعلم السر وأخفى، وأن الإنسان في أكثر أحيانه كثير المراقبة لله -سبحانه وتعالى- ، ومن ثم فلا بد أن تسري في كيانه قوة إضافية إلى جانب قوته البشرية التي يمتلكها! ولا بد من أن يسانده من التوفيق ما يبدو أنه خارق أو معجزة !!!
ولقد كان هذا واحداً من أهم العوامل، إن لم يكن هو أهم العوامل الخفية التي انبعثت من ورائها المزايا الفذة التي عرفها العالم في شخص قائدنا الراحل رحمه الله تعالى !!!
لقد شاهدنا صموده العجيب، وشاهدنا مواقفه التي أنبأت عن توفيق إلهي!! بل عن إلهام رباني، ولقد تساءلت العقول وما تزال، عن القدرات التي جعلته يقف كل هذه المواقف !!!
إنكم لتعلمون أن الضغوط التي كانت تحيط به، بل تهيمن عليه، وكان من مقتضاها أن يستسلم لما يُراد منه، لو أنه كان موكولاً إلى قدراته البشرية وحدها !!!
القدرات البشرية محدودة، ولكن قدرة إضافية تتنزل من عند الله كانت تدعم قدرته البشرية!! ولقد قال لي بالحرف الواحد قبل وفاته بستة أعوام:" إن الضغوط التي تمارس على لو كان على حجر لتفتت، ومع ذلك فأنا متفائل ".
أيها السادة! هل تتصورون أن هذه الكلمة إنما تنبع من قدرة إنسانية كالتي نعرفها؟!!
ومتى كانت القدرات الإنسانية تغالب قدرة الحجر الصلب والصخر الأصم؟ ومن أين يأتي هذا التفاؤل أمام هذا الضغط الخانق؟ إنه تفاؤل هابط من الأعلى!، وليس تفاؤلاً بشرياً مما نعرفه جميعاً أيها الأخوة !!!
ولعل هذا الذي أقوله لكم يتمثل بشكل بارز في خطاب ألقاه في عام ( 1994 م) في مؤتمر اتحاد المحامين العرب في دمشق، سأتلو عليكم فقرات من خطابه هذا، ولسوف تجدون العامل الخفي الذي نتحدث عنه، كيف امتزج مع النتائج والثمرات التي تجلت، ولسوف تلاحظون وكأن السيد الرئيس رحمه الله يطل علينا من عالمه الذي رحل إليه، ولكأنه يخاطبنا من حياته البرزخية يقول:" لم أصم نفسي بالتوقيع على معاهدة استسلام مع إسرائيل، لن أسمح لذاتي بأن تجرني على شيء لن يجلب لي سوى اللعنات على مر التاريخ، لقد شبعت حكماً، وأمضيت عمري وأنا أناضل، وهدفي وحدة العرب، وسبيلي هو قضية العرب الأولى، وظلت فلسطين بالنسبة إلي رمزاً خالداً لا يُمس، ولم تمر علي لحظة واحدة لم أؤمن من خلالها أنني على حق، وأن ميزان العدالة سينتصر في النهاية لصالحنا ولصالح السلام. لقد رأيت في حياتي جنازات عدة لأموات، وشاهدت على شاشة التلفزيون كثيراً منها. والإنسان في نهاية المطاف سيأتيه قدره المحتوم, وكل نفس ذائقة الموت. سنذوق الموت طائعين صاغرين مؤمنين بقضاء الله وقدره. ولذا فإنني أريد أن أموت وأنا راضٍ عن نفسي، والناس راضون عني، وقبل ذلك والأهم من ذلك، أن أنال رضى الله ورحمته. هكذا أنا وهكذا سأكون بإذن الله "!!
السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد: لو قلت هذا الكلام أو نحوه أمام السيد الرئيس أيام كان حياً بين ظهرانينا؛ لربما جاء من يفسر كلامي هذا بأنه مدح ابتغي منه مغنماً أو مصلحة، ولكن الرجل رحل إلى الله، لكنه اليوم في حياته البرزخية، لا المدح يطريه ولا القدح يجرحه، لكنها الحقيقة ما ينبغي أن أضن بها، ما ينبغي أن أغُصّ ببيانها !!
أيها السادة لكل شيء جذع وأساس، وجذع ما عُرف به السيد الرئيس من المزايا الفذة والقدرات النادرة هذا الذي قلته لكم !!
السيد الدكتور بشار الأسد: لقد آل الأمر في هذا اليوم إليك بمشيئة الله -عز وجل- أولاً. ثم ببيعة صادقة صافية من الشوائب من هذا الشعب ثانياً. بيعة ـ لا والله ـ لا يمكن أن تترجم إلا بالولاء الصادق، وبالحب العفوي الصافي عن الشوائب، بيعة لا تستطيع الديمقراطيات المطبوخة المصطنعة أن تتسامى إليها، ولم تستطع المزايدات أن تُغْشِي على شيء منها بشكل من الأشكال!!
هذه حقيقة نعرفها جميعاً؛ هذه البيعة تمت من هذا الشعب لسيادتك. جاءت على موعد منك. استبشرت به الأمة. موعد منك بأن الفساد ستمتلق جذوره بالكفاية التي ستترسخ لكل مواطن في هذه الأمة !!
بيعة جاءت على موعد منك مع المبدأ الذي يقضي بأن المراكز والوظائف والأعمال إنما يتبوؤها أصحاب الخبرات والإمكانيات، لا يتبوؤها أصحاب الهويات والانتماءات فقط.
بيعة جاءت على موعد منك وعلى استبشار من هذه الأمة؛ موعد بالصفح عن زلات الماضي مع المراقبة الدقيقة لما تأتي به الأيام في المستقبل. بيعة جاءت على موعد من سيادتك بأن يتحلى ويتمتع كل أفراد الشعب بالشفافية التي كم وكم ركزت عليها في خطابك الحلو العميق الذي دخل كل قلب! تلك الشفافية في الأخلاق، وإنك لتعلم يا سيادة الرئيس إن شفافية الأخلاق لا تصقلها إلا التربية الدينية، ولقد صدق ذلك المثل الإنكليزي القائل:( لا أخلاق بدون دين ولا دين بدون أخلاق ) أجل !!
نسأل الله عز وجل ضارعاً أن يقدرك على ما أقامك فيه، وأن يجعل من حب هذه الأمة معنى من التطبيق والسلوك والوقوف معك في خندق واحد، وأن لا يكون الحب عبارة عن شعارات ترتفع وهتافات تتردد فقط !!
أسأل الله -عز وجل- ضارعاً أن يكرمك ببطانة حسنة، تقرب لك البعيد، وتيسر لك الصعب!! والأمة كلها ونحن جميعاً موكولون قبل ذلك وبعد ذلك إلى توفيق الله عز وجل وحده.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
الخميس 18 ربيع الأول 1421 هـ/20/7/2000م [1].
وقال البوطي أيضا : لكني لست مبالغاً إن قلت إن هذا الحدث ملأ كياني كله أسىً من الفرق إلى القدم، فمهما نطقت أشعر أن لساني لن يفرز شيئاً مما في فؤادي إلا هذا الأسى، غير أني تعلمت وأنا مؤمن مثلك،وكلانا ورثنا وتعلمنا قدراً كبيراً من الإيمان من السيد الرئيس الوالد الراحل ..!!
سيادة الفريق الركن: تمتع هذا الشعب من قائده الفذ بمعينٍ لا ينضب، تضلع من هذا المعين الكثير الكثير من الحكمة التي تعلمها، تضلع هذا المعين الكثير والكثير من الشموخ في السهر على الحقوق .. هذا الشعب وقد انتشى من هذا المعين، وقد تضلع كؤوساً إثر كؤوس من المعارف التي ورثها من هذا المعين لا يمكن أن يغير مذاق فمه بعد ذلك، لا يمكن أن يتجه يميناً وشمالاً ليبتعد عن هذا المعين أبداً، سيبقى مع المعين ..!!!
سيادة الفريق الركن: أذكِّر بشيءٍ تعرفه أكثر مما أعلم من أسرار قائدنا الراحل رحمه الله تعالى، كان عبقرياً، أجل، أقول هذا. وكان حاكماً فذاً في العالم، أقول هذا. لكنه والله كان يأخذ مدده وكان يأخذ شحونات توفيقه من الالتجاء إلى الله عز وجل ..!!
أنت الوريث، أجل، أنا أعلم أن الحمل ثقيل .. ولكني يا سيادة الفريق على يقين أن الله سينصرك، وأن الله لن يتخلى عنك..!!
وإني لأهنئ هذا الشعب السوري بأنه لم ينتقل من هذه المظلة إلى شمس محرقة؛ لا بل لا يزال يتفيأ ظلاً وارفاً، ولا يزالا يسير مع النهر الدافق المتفرع من ذلك المعين[2] ..!!