حكايةالظاهرة ( البوطية ) قصة البوطي مع نظام البعث السوري !!

 

تقرير ـ لم يكتسب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي شهرته من مواقفه المخزية خلال الأشهر الأخيرة، فللرجل شهرة في الأوساط الدينية الإسلامية في سورية ولبنان وغيرهما، بدأت خلال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي واتسعت مع انتشار الإنترنت والفضائيات خلال السنوات الأخيرة من ذاك القرن.
 
ولا تعتبر مواقف البوطي من الثورة السورية غريبة عنه وعن سلوكه، فعلاقة الرجل بالنظام الأسدي وولاؤه له أمر قديم، يزيد عمره عن ثلاثين سنة.
 
ولسنا هنا لنناقش مواقف البوطي الأخيرة والمبررات الدينية التي يتذرع بها، ولكننا سنحاول أن نتلمس ظروف وأسباب ولاء رجل نشأ وتربى في بيئة دينية بين رجال علماء أتقياء، لنظام وصل به إجرامه عند بدء علاقته به إلى قتل المصلين في المساجد ووصل به عداؤه للدين إلى إقفال مساجد ومصليات ومدارس دينية وإهانة رجال دين على مرأى من الناس، وإلى نزع الحجاب عن رؤوس الطالبات عنوة عند دخولهن إلى المدارس والجامعات. 
 
محمد سعيد البوطي، التركي المولد ثم السوري بعبور الحدود
 
ولد محمد سعيد البوطي في سنة 1929 كردياً تركياً في قرية جيلكا من جزيرة بوطان في كردستان تركيا(المعروفة اليوم بجزيرة ابن عمر) لأب عرف بالصلاح والتقوى وسعة العلم، وهو الشيخ رمضان الذي شهر بإسم "الشيخ ملا رمضان البوطي"
 
وبقي محمد سعيد البوطي في قرية جيلكا التي ولد فيها إلى أن بلغ الرابعة من عمره في سنة 1933، وفي تلك السنة هاجر والده من تركيا إلى سوريا مصطحباً زوجته وأولاده فراراً بدينه من الأذى الذي ألحقه نظام أتاتورك بعلماء الدين المسلمين. وبمجرد انتقاله من تركيا إلى سوريا صار محمد سعيد مواطناً سورياً. ففي قرية عين ديوار التي تلي الحدود التركية السورية، سجل اسم الشيخ رمضان واسم من معه ومنهم ابنه محمد سعيد مواطنين سوريين وأعطاهم مختار تلك القرية الوثائق التي تثبت أنهم ولدوا فيها.
 
محمد سعيد البوطي، طالب العلم في سوريا ثم في مصر، ثم المدرس والعميد والمؤلف في سورية
 
أنهى البوطي دراسته الثانوية في مدرسة دينية شهيرة في دمشق كان يديرها الشيخ حسن حبنكة الميداني وهي التي عرفت فيما بعد بإسم "معهد التوجيه الإسلامي" وانتقل بعدها إلى مصر حيث التحق عام 1953 بكلية الشريعة في جامعة الأزهر، وحصل منها على شهادة العالمية عام 1955. وعمل بعد عودته مدرساً في ثانويات مدينة حمص من عام 1958 إلى عام 1961 الذي عين فيه معيداً في كلية الشريعة من جامعة دمشق ثم انتدب للحصول على الدكتوراه من جامعة الأزهر، وحصل عليها في سنة 1965 ليعود إلى دمشق ويعين مدرساً في كلية الشريعة ثم يترقى في المناصب العلمية حتى يصل إلى عمادة الكلية، وهو الآن متقاعد يدرس في الجامعة بالتعاقد.
 
وللبوطي مؤلفات، لاقت رواجاً واسعاً في صفوف الشباب السوريين واللبنانيين وغيرهم. وقد ساعد على رواج تلك الكتب التصاق اسمه بإسم والده الملا رمضان، بحيث بات ينظر إليه على  أنه الوريث العلمي له، وأسلوبه الشيق والأنيق في الكتابة، وقدرته على التحليل والجدل العلمي وسوق حجج  الطرف الآخر ثم حججه بطريقة تبدو مقنعة للقارئ.
 
ويرى بعض مشايخ سورية ولبنان أن في كتب البوطي أو في بعضها مسائل في الأصول والفروع خالف فيها إجماع الأمة وألفاظ نص العلماء على تحريم النطق بها، ومنها قوله عن الله "علة" في كتابه "كبرى اليقينيات الكونية".
 
وقد ألف الشيخ أسامة السيد –مسؤول محافظة البقاع، لبنان، في جمعية المشاريع "الأحباش" - كتاباً سماه "الرد العلمي على البوطي" وصف فيه كتب البوطي بأنها محشوة بالأفكار الشنيعة، وذكر السيد في هذا الكتاب إنه سمع ذماً للبوطي من العديد من المشايخ والعلماء والمفتين في سورية وأن هؤلاء حذروا منه ومن أباطيله وأفاعيله، وأنهم أجمعوا على أنه متكبر متعجرف لا يقبل الحق ولا يرعوي للشرع.
 
حكاية البوطي مع النظام السوري 
 
 
لا يعرف للبوطي بعد تخرجه من الأزهر عمل إلا موظفاً حكومياً بصفة مدرس في المدارس الحكومية ثم في جامعة دمشق الرسمية، وعندما استولى حافظ الأسد على السلطة في سنة 1970 كان قد مضى على تخرج البوطي من الأزهر ست عشرة سنة، وفيما خلا تلك العلاقات الطبيعية المترتبة على كونه موظفاً حكومياً لم يكن للبوطي اتصال يذكر بأجهزة النظام قبل سنة 1979.
 
وفي 16 حزيران/يونيو 1979 حدث ما عرف بـ "مجزرة مدرسة المدفعية في حلب"، ففي ذلك التاريخ وفي منطقة الراموسة قرب مدينة حلب شمالي سورية، أقدم النقيب إبراهيم اليوسف، ضابط التوجيه المعنوي في مدرسة المدفعية وبمساعدة مجموعة تنتمي إلى ما كان يعرف باسم "الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين" على فتح النار على تلاميذ الضباط من الطائفة العلوية مما أدى إلى مقتل 32 منهم وجرح 54.
 
وفي ذلك الوقت طلبت وزارة الإعلام من الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أن يعلن حكم الشريعة الإسلامية في تلك المجزرة، فاستجاب وكان له حديث مفصل على التلفزيون السوري قدم فيه الأدلة الشرعية على حرمة العمل الذي تم الإقدام عليه.
 
ولم يطل الزمن بالبوطي حتى تهيأت له الفرصة الأولى على طريق الصلة بحافظ الأسد شخصياً، ففي سنة 1982 وبتدبير وزير الأوقاف السوري آنذاك الدكتور محمد الخطيب، تم تنظيم مهرجان خطابي كبير على مدرج جامعة دمشق بمناسبة حلول القرن الخامس عشر الهجري، بحضور الرئيس حافظ الأسد، وألقى الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي كلمة جامعة دمشق، ختمها بالدعاء لمن وصفه بقائد هذه الأمة، السيد الرئيس حافظ الأسد.
 
ولم يتسن لنا الاطلاع على تلك الكلمة كاملة، ولكن يمكن معرفة أهم ما جاء فيها من قول البوطي:
 
"عاصفة مشكلات أثارتها فصائل من الإخوان، مع الدولة، كانت آنذاك على أشدّها .. وكان جلّ، بل كل العاملين في الحقل الإسلامي، يتّقون غضبة تلك الحركات أكثر مما يتّقون الدولة وعقابها .. فكانوا يلوذون بالتجاهل والصمت، مهما سئلوا عن موقف الشريعة الإسلامية من تلك التصرفات، ومهما سئلوا عن موقف الشريعة من طريقة مجابهة الدولة لها!. فلما دخلت ميدان هذه التجربة، وألقيت كلمتي في ذلك الجوّ العاصف، أمام الرئيس رحمه الله، مستلهماً رضا الله وحده، لم يحل عظيم رضا كثير من الناس بها، دون تهديد خفي تلقيته من بعض رؤوس الجماعة"
 
ثم كانت خطوته الثانية على هذا الطريق في أواسط ثمانينات القرن الماضي، عندما تحدث في التلفزيون السوري من خلال ندوة رمضانية كان يديرها الأستاذ مروان شيخو.  شكر فيها "صاحب اليد الخفية السيد الرئيس حافظ الأسد" على رفع الحظر عن طائفة كبيرة من الكتب الإسلامية، كانت قد منعت بقرار من وزارة الإعلام آنذاك. ولم ينس البوطي في تلك الندوة أن يشكر "صاحب اليد الخفية" على نواياه، فنوه بنية الرئيس على رفع الحظر الذي كان مفروضا على الحجاب في الدوائر الرسمية.
 
وبعد وقت غير بعيد من تلك الإطلالة استدعى الرئيس حافظ الأسد البوطي. وجرى لقاء لمدة سبع ساعات متواصلة، كان البوطي خلالها مستمعاً لا متحدثاً.
 
ثم جرى لقاء بعد فترة وجيزة دام مدة ست ساعات، يقول البوطي إنه طلب فيه إخلاء سبيل معتقلي الإخوان ومن شملهم الاعتقال في أحداث الثمانيات. وأن حافظ الأسد وعده خيراً خلافاً للقائهما الأول. وقد جرى فعلاً إطلاق سراح أعداد من المعتقلين على دفعات.
 
ومنذ ذلك الوقت نشأت بين الرئيس حافظ الأسد وبين البوطي علاقة اعتبرها البعض من أقوى العلاقات التي أقامها الأسد خارج نطاق عائلته وماكينة حكمه.
 
يذكر إنه في معرض مكتبة الأسد الدولي الرابع عشر للكتاب- سنة 1998، عرضت دار المشاريع في جناحها هناك كتاب الشيخ أسامة السيد "الرد العلمي على البوطي" الذي شنع فيه على البوطي، الأمر الذي جعل البعض يعتقد أن العلاقة بين البوطي وبين النظام الأسدي قد تدهورت، إلا أنه في اليوم الثالث من أيام المعرض سحبت دار المشاريع الكتاب من العرض بتعليمات من مراجع سورية عليا.
 
وقد استمرت علاقة البوطي بحافظ الأسد لغاية السنوات الأخيرة من عمره، وحتى عندما تدهورت الحال الصحية للأسد قبل وفاته، كانت بينه وبين البوطي اتصالات هاتفية تقوم مقام اللقاء.  والمعلوم أن حافظ الأسد أوصى بأن يؤم البوطي صلاة الجنازة عليه، وبالفعل فقد أم البوطي المصلين على حافظ الأسد ولم يتمالك نفسه من البكاء أثناء الصلاة.

التاريخ: 18/08/2011