الصحراء المحاذية لعمان والزرقاء تعج بالحياة: مصانع إسمنت وطوب ومشاريع عملاقة ولافتات. والسؤال يطرحه الجميع: من هم السكان؟ |
|
عمان ـ القدس العربي 6 مايو 2008م: لا يصدق كثيرون في الاردن الرواية الاقتصادية البحتة لحالة الهوس العقاري التي اجتاحت البلاد واثارت جدلا عاصفا في كل الاروقة السياسية والشعبية علي اعتبار بحتمية وجود رواية سياسية للحدث مازالت مخفية او مسكوتا عنها او ترفض الحكومة اعلانها والاعتراف بها.
ولا احد حتي الان في عمان يعرف بصورة محددة لمن تقام مدن سكنية ضخمة في هوامش المدن الكبيرة مثل عمان والزرقاء وفي مساحات ارض شبه صحراوية وبملايين الدنانير ما دام الفقراء والأقل دخلا وحظا في رعاية مبادرة إسكان ملكية خاصة أعلن عنها سابقا تخص عسكر وموظفين وعمالا لم يتسن لهم بعد الحصول علي منزل.
ولا يمكن معرفة المستهدفين من نشاطات الإستثمار العقاري العملاقة حاليا فأغلب ذوي الدخول المحدودة
اما استقروا في ضواحيهم وقراهم ومخيماتهم او تعجز مداخيلهم عن دفع مستحقات بيت جديد في المدن السكنية الطازجة والحديثة والمزودة بكل الخدمات.
وتستمع الحكومة في كل المجالس لاراء وتعليقات هنا وهناك يزيد من صمودها وتأثيرها غياب الشفافية والمصارحة وحصول تقاطع واحيانا تعاكس بين الوزراء والاحساس العام بأن ملف الاستثمار العقاري موضوع قصدا خلف الكواليس حرصا علي اثارة الحد الادني من جدل التداعيات السياسية وعلي اساس افتراض بأن الشفافية والمصارحة هنا قد تكون مكلفة.
ومع غياب اي دراسات رقمية تدل المواطن والمراقب علي طبيعة الفئات الاجتماعية التي ستستهدفها مشاريع اسكان عملاقة وغير مألوفة تصبح القراءة السياسية للمسألة تحصيل حاصل والاهم انها الان وحصريا في ذهن الكثيرين قراءة قد يكون لها علاقة بما يتردد حول تعديلات قد تطال الواقع القانوني لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الاردن وتلميحات لها علاقة بالتوازي بملف القضية الفلسطينية ودور الاردن في جذرها.
وعمليا لا يوجد اي اساس لاي محاولة يمكن ان تسعي للفصل ما بين البعد السياسي وحالة الهوس العقاري خصوصا وان اتجاهات الاستثمار نحو العقار لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدولة الاردنية المعاصرة،كما ان الخبراء انفسهم فشلوا في قراءة هذه التوجهات الاستثمارية غير المألوفة بناء علي قوانين السوق ومعادلات الاقتصاد المتداولة والمعروفة، فالسوق بالمنطقة لا يستوعب المدن والتجمعات العملاقة التي تبني والقدرة الشرائية للاردني مرحليا اضعف من ان تؤسس علي قواعد الطلب والشراء.
اذا حتي خبراء الاقتصاد والعقار يفشلون في فهم ما يجري بعد الاطلاع علي جزئيات وتفاصيل حالة الجنون العقاري، فثلاث مدن سكنية كبيرة علي الاقل ستقام في منطقة صحراوية فارغة شرق مدينة الزرقاء واحدة منها علي الاقل عملاقة جدا ولافتاتها المزروعة الان علي جوانب الطريق الصحراوي شرقي البلاد تحمل اسم ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز، وفي نفس المنطقة يشاهد المسافرون والسكان الشاحنات والبلدوزرات العملاقة وهي تحرث الاراضي الجرداء وتقطع الجبال الصحراوية لاقامة بنية تحتية لسلسلة من التجمعات السكنية الكبيرة بعضها برأس مال اردني وفلسطيني وبعضها الاخر برأس مال اماراتي. وفي نفس المنطقة بمحاذاة الزرقاء تقيم مجموعة الراجح الاستثمارية الضخمة مصنعا عملاقا للاسمنت يعمل فيه مئات من العمال الصينيين، كما شاهدت القدس العربي عيانا، وهو مصنع يقال انه سيخدم سلسلة المدن السكنية التي ستقام في المنطقة كما سيخدم السوق العراقية.
وبمحاذاة مصنع الراجح يخطط مليونير اردني لاقامة اربعة مصانع لانتاج طوب البناء .. وهذه الحركة عموما توحي بان هذه المنطقة الصحراوية في طريقها لتغير كبير، لكن مشاريع الاسكان غير المفهومة بالنسبة للبسطاء لا تقف عند هذه الحدود، فالحديث الرسمي يتواتر عن مدينة سكنية جديدة مع مناطق تنموية حرة بالقرب من مدينة المفرق ومدينة اربد وحتي مدينة الكرك في الجنوب، الامر الذي يوحي بأن نهضة العقار والبناء والاسكان ليست خطوة في العتمة انما تعبر عن منهج مدروس تقره الحكومة ويعتقد انه سيشكل قفزة نوعية في احتواء ومعالجة اشكالات الاقتصاد الوطني والوضع المالي للخزينة.
ومع كل هذه النهضة العمرانية العقارية في الاطراف والمحافظات اقيمت وتقام داخل العاصمة عمان وفي اطرافها وعلي طرقها الرئيسية باتجاه الغرب والشرق والشمال مشاريع اسكان وعقار من انماط لا يألفها وجدان المواطن الاردني تتضمن سلسلة لا متناهية من تجمعات الفلل والقصور الفخمة جدا وفي اكثر من عشرة مواقع علي الاقل حول العاصمة، وهي بيوت فارهة جدا من الواضح انها غير مخصصة للفقراء ولمتوسطي الدخل مع سلسلة ابراج داخل العاصمة لاغراض العمل والبزنس من الواضح ان صغار رجال الاعمال والاداريين لن يحظوا باي مساحة فيها.
واذا كان السؤال حول هوية من سيسكن من المواطنين الفقراء في المدن السكنية التي ستقام قريبا وفي غضون عامين مشروعا فان السؤال مازال مطروحا في السياق بعنوان لمن تقام العقارات العملاقة من قصور وفلل؟.
علي الارجح ان المسألة لها علاقة بفائض المال الخليجي جراء ارتفاع سعر النفط، ولها علاقة بأموال العراقيين الضخمة التي خرجت معهم بعد احتلال بلدهم، لكن هذه الوقائع لا تسمح حتي الان بالاجابة علي السؤال المطروح حول هوية من سيقطن وسيسكن في هذه البيوت الصغيرة او الكبيرة؟.
الامر الذي يبقي القراءة السياسية مفتوحة عمليا علي كل الاحتمالات.
التاريخ: 07/05/2008