الملا عمر لغز يحيــر الأميركيين >>> ريدل ( رجل شبه أمي لم يلتق في حياته كلها بغير المسلمين إلا بعدد قليل منهم، وقد تمكن من القيام بأكبر تحول عسكري في التاريخ الحديث) |
|
الجزيرة نت 12 أكتوبر 2009م : بعد ثماني سنوات، بات الرئيس الأفغاني السابق الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان يشكل تحديا أمنيا مربكا للإدارة الأميركية، وقد استهلك مستشاريها وقسم الديمقراطيين وأحبط العديد من الأميركيين، حسب تعبير صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
الصحيفة تسلط الضوء على هذا الرجل الذي تقول إنه فر أواخر عام 2001 عندما شنت أميركا حربها على أفغانستان، على دراجة بخارية وهو بعين واحدة ولا يملك من التعليم إلا القليل.
ووصف المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية بروس ريديل الذي نسق المراجعة المبدئية للسياسة في أفغانستان مع إدارة الرئيس باراك أوباما في فصل الربيع، تاريخ الملا عمر بأنه مثير للدهشة.
فقال ريديل إنه "رجل شبه أمي لم يلتق في حياته كلها بغير المسلمين إلا بعدد قليل منهم، وقد تمكن من القيام بأكبر تحول عسكري في التاريخ الحديث".
المسؤولون الأميركيون يفكرون مليا في التحول العسكري الهام الذي حققه الملا عمر، فيتساءلون: هل هو العقل المدبر وراء الأساليب الجديدة لطالبان ودعايتها الإعلامية في السنوات الأخيرة، أم أنه يتلقى المساعدة من المخابرات الباكستانية؟
وهل يمكن لطالبان أن تجنح إلى المفاوضات كما ألمح عمر في بيانه الذي صدر يوم 19 سبتمبر/أيلول الماضي، أم أنه يمكن تقسيم شبكته وإضعافها بطريقة ما، أم أن إلحاق الهزيمة الكلية بطالبان ضروري لضمان عدم تحول أفغانستان مجددا إلى ملاذ للقاعدة؟
غير أن الصحيفة تقول إن الملا عمر ما زال يشكل لغزا غامضا في السياسة الأميركية ومحل إعجاب من قبل أتباعه وتخمين من قبل وكالات المخابرات.
وتتوقع أن يكون الملا عمر من مواليد خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي، وربما يختبئ قرب كويتا في باكستان أو في قرية أفغانية، ولكن لا أحد يؤكد ذلك.
وحول نشاطاته، نقلت نيويورك تايمز عن الكاتب الهولندي أليكس ستريك فان المقيم في قندهار حيث نشأت حركة طالبان وساعد أحد مسوؤليها في كتابة تقارير، قوله "هناك أربعة إلى خمسة أشخاص لتمرير الرسائل إلى الملا عمر، ومن ثم هناك دائرة من الناس الذين يستطيعون الوصول إلى تلك المجموعة".
رحيم الله يوسف زي من صحيفة ذي نيوز إنترناشيونال الباكستانية يصف الملا عمر بأنه "قليل الكلام وغير مطلع بشكل كبير على الشؤون الدولية، غير أن تواضعه وأسطورته في القتال ضد الروس في ثمانينيات القرن الماضي حيث فقد على أثرها إحدى عينيه، ونجاحه في إنهاء الفوضى والنزاعات الدموية مع أمراء الحرب في تسعينيات القرن الماضي، عززت من سلطته".
وقال يوسف زي إن "أنصاره يقدسونه ويؤمنون به وهم على استعداد للموت من أجله".
ولفتت الصحيفة إلى أن التقييم الأخير للقائد الأميركي في أفغانستان ستانلي مكريستال حول فشل قواته في هزيمة طالبان، جاء مطابقا لما جاء في بيان الملا عمر في الآونة الأخيرة الذي قال فيه إن "الحركة تقترب من حافة النصر".
محللون عسكريون أميركيون يقولون إن طالبان حققت بعض أهدافها، وهي شبكة غير مركزية مؤلفة من مقاتلين ذوي أهداف مختلفة، وتوحدهم العداوة للحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية وكذلك الولاء للملا عمر.
ويضيفون أن القرارات اليومية يتخذها نواب الملا عمر، منهم الملا عبد الغني برادر وهو قائد براغماتي يدير الاجتماعات مع قادة طالبان وحكام الظل المعينين في البلاد.
ولفتت نيويورك تايمز إلى أن الملا عمر رفض الضغوط الأميركية عام 2001 للانقلاب على زعيم القاعدة أسامة بن لادن، فدفع ثمنا باهظا عندما سقطت حكومته
ــــــــــــ
لندن ـ 'القدس العربي': ما يثار داخل الادارة الامريكية من اعادة النظر في طالبان باعتبارها جماعة وطنية متجذرة في التراب الافغاني وعدم استبعادها من الحل السياسي يشير الى مستوى النقاش حول الاستراتيجية المطلوب تطبيقها من اجل تحقيق الانتصار وانهاء سيطرة طالبان. فهناك الكثير من الخيارات المطروحة على طاولة الرئيس الامريكي باراك اوباما وهي محاولة تجنيد السكان من اجل التغلب على مسلحي القاعدة او الاستجابة لمطلب قائد القوات الامريكية الجنرال ستانلي مككريستال بارسال قوات اضافية لهناك او تبني استراتيجية مكافحة الارهاب في افغانستان.
لكن النقاش حول الاستراتيجية المناسبة يشير الى المدى الذي وصلت اليه حركة طالبان وزعيمها المختفي ملا محمد عمر الذي انهارت امارته عام 2001 واصبح مشردا حيث قيل انه هرب على دراجة نارية فيما كان جنوده يواجهون دخول القوات الامريكية ومعها قوات التحالف الشمالي ويفرون منهم.
وكانت نهاية طالبان بمثابة انتصار حاسم في الحرب على الارهاب سجله الرئيس الامريكي جورج بوش، لكن الاخير ترك الحكم بدون ان يحقق حلمه برؤية ملا عمر وصديقه اسامة بن لادن في الاغلال او يتلقى رأسه مع رؤوس الاخرين على طبق من ذهب.
والان وبعد ثمانية اعوام من الحرب يبدو ملا عمر هو الذي يحتفل بالنصرـ فطالبان امتدت من افغانستان الى باكستان والقاعدة لا تزال موجودة وتقوم بعملياتها ودعايتها على الرغم من مزاعم الادارة بأن تأثيرها قل وتراجعت ايديولوجيتها.
حركة طالبان في فرعيها الافغاني والباكستاني لا تزال تحقق النجاح وتشير لتصميم المقاتلين، فعملية مداهمة القاعدة العسكرية في روالبندي والهجمات الانتحارية في بيشاور تشير الى هذا التصميم.
في المقابل يبدو النجاح الذي حققه المقاتلون الطالبانيون في افغانستان مثيرا للعجب، فقد حققوا سيطرة على مساحات واسعة من البلاد في وجه جيوش مسلحة وتملك التقنية العالية ولا تمثل هذه القوات امريكا فقط بل مجموعة من دول الناتو.
وتشير صحيفة 'نيويورك تايمز' الى ان ملا محمد عمر تحول من هامش في كتاب التاريخ الى مشكلة تسبب القلق لاوباما ومساعديه. وهي المشكلة التي اتعبت مساعديه وقسمت الحزب الديمقراطي وادت لاحباط الامريكيين كما تقول الصحيفة.
وتنقل عن مسؤول سابق في الاستخبارات المركزية الامريكية 'سي اي ايه' قوله ان قصة ملا عمر 'مثيرة للعجب'، ويصفه قائلا انه 'شبه متعلم لم يلتق الا بقلة من غير المسلمين طوال حياته' لكنه على الرغم من كل هذا ادار اكبر عملية عسكرية اثارة للدهشة في التاريخ الحديث وهي العملية التي اعادت ميزان القوى، مما ادى بالمسؤولين الامريكيين لاعادة النظر بأهمية عودة رمز ملا عمر، وفيما اذا كان الرأس المدبر لعودة طالبان من ناحية الاساليب القتالية او الدعاية وفيما اذا كانت باكستان تقف وراء هذه العودة او ساعدته على الاقل الاستخبارات الباكستانية.
وتطرح الادارة اسئلة حول امكانية التحاور مع طالبان او امكانية تقسيمها مما يعني اضعافها. كما يطرح الاستراتيجيون الامريكيون اسئلة حول اهمية طالبان في الحرب وان كان القضاء عليها مطلوبا من اجل ان لا تعود القاعدة وللابد لافغانستان.
ومشكلة امريكا ان الرجل الذي تعتقد انه يقف وراء النجاح الاخير لطالبان هو بمثابة اسطورة، ويتكهن الامريكيون حول حياته، فهم يعتقدون انه ولد اما عام 1950 او 1959 او 1960. وقد يكون في كويتا عاصمة بلوشستان او مختبئا في قرية افغانية بعيدة.
وبحسب باحث هولندي يقيم في قندهار فان ملا عمر لا يمكنه العمل في العلن لأن عينه التي فقئت اثناء الجهاد الافغاني تدل عليه خاصة ان من يلاحقه هم كثيرون. ويقول ان الطريقة التي يتواصل فيها ملا عمر تتم عبر اشخاص محددين يتواصلون عبر دوائر .
وتنقل عن رحيم الله يوسفزاي قوله ان ملا عمر الذي قابله لا يتحدث كثيرا ومعرفته بالشأن الخارجي قليلة او محدودة، لكن اهميته تكمن في جهاده السوفييت وشجاعته، وتواضعه وعمله على انهاء الفوضى بين جماعات المجاهدين وقضائه على المفسدين منهم مما جعل اتباعه يحترمونه ويطيعونه ويعبرون عن استعداد للتضحية، حسب الصحافي الباكستاني الذي قابله. وعلى الرغم من اختفائه عن الانظار الا انه يظل شخصية ملهمة لاتباعه يتواصل معهم عبرالرسائل والاشرطة المسجلة.
ويأتي الاهتمام بملا عمر على خلفية التقييم الذي قدمه مككريستال حول تدهور الوضع الافغاني وان المبادرة لم تعد بيد القوات الاجنبية بل بيد طالبان. وتشير الصحيفة الى رسالة العيد التي وجهها ملا عمر لاتباعه وبشرهم فيها بالنصر مؤكدا ان الغزاة لن ينتصروا ومنتقدا الانتخابات والفساد في البلاد، مما يعني انه مطلع على الاوضاع السياسية في البلاد. ويصف المراقبون حركة طالبان اليوم بانها مجموعة من الحركات التي اتحدت ضد القوات الاجنبية والحكومة في كابول وان القرارات اليومية تتخذ من قبل نوابه خاصة ملا عبدالغني برادار الذي يوصف بالقائد البراغماتي، فيما يترأس ملا عمر مجلس شورى الجماعة او مجلس شورى كويتا. وبحسب تقييم الجنرال الامريكي يقوم المجلس بمراجعة حملات الحركة ويخطط للعمليات القادمة.
ويرى باحثون امريكيون ان نجاح الحركة وان كان مرتبطا برمزية ملا عمر مثل رمزية اسامة بن لادن للقاعدة الا انها تعود للدعم والنصح الذي تتلقاه من الامن الباكستاني. ويعتقد باحثون في حياة ملا عمر وطالبان ان زعيمها تعلم درس عام 2001 وهو انه في حالة عودتها للسلطة فلن تسمح للقاعدة بموطئ قدم لها في افغانستان لانهم يريدون التأكيد للشعب انهم حكومة مسؤولة، وهو ما ورد في بيان منسوب للملا عمر والمؤرخ في 19 ايلول (سبتمبر) الماضي، وجاء فيه 'نؤكد لكل الدول ان الامارة الاسلامية في افغانستان ستكون قوة مسؤولة ولن تمد يدها لاية قوة تضر بها' الدول الاخرى. لكن مراقبين يرون في البيان دعاية ذكية، فالعلاقة بين طالبان والقاعدة ايديولوجية.