كتاب أمريكي جديد : قوة نافذة سرية وضعت آل بوش على رئاسة أمريكا

 

• جورج بوش الاب والابن
تأليف: راس باكر
يظهر كتاب «عائلة من الأسرار»، لمؤلفه راس باكر، ان ما يعرفه العديد منا حول سلالة بوش الحاكمة ما هو الا جزء من واقع أكبر وأعمق.
في الواقع، يوحي الكتاب ان القوى «الخفية» التي أوصلت بوش - تشيني الى السلطة لا تزال تعمل، وهي فاعلة حتى الآن، وتبذل سيطرة خفية على آليات الديموقراطية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض!
يطرح راس باكر، في تفاصيل آسرة، القصة التي لم تسرد من قبل عن كيفية تشكيل شبكة الممولين، من رجال النفط ورجال المخابرات السرية، للمناصب السياسية للرئيسين بوش، وما الذي فعله وقدمه لهم كل من بوش الأب والابن في المقابل.
ويرجع باكر بالتاريخ الى زمن نشوء «قوى الضغط» وشبكة الممولين بعد الحرب الباردة. يتضمن ذلك دراسات معمقة لاغتيال الرئيس الاسبق جون ف. كنيدي، ومعلومات جديدة تؤدي الى تفسير جديد تماما لفضيحة ووترغيت، والدور الخفي الذي لعبه فيها شقيق دبليو بوش السيد بوبي بوش، وكذلك سردا مفصلا للسجل الجدلي للرئيس دبليو بوش الابن في الخدمة العسكرية، والحملة القاسية لاحباط الاستفسارات فيها، وعرض مدمر لتوظيف الاقارب من قبل المتنفذين، وهنا ايضا روايات شخصية لم تكشف مسبقا، بما في ذلك الحقيقة وراء الحوار الديني الذي ساعد على تحويل بوش الابن الى النجاح السياسي.
ان الكتاب مثير من حيث ما يكشفه، وقد صُنع بشكل انيق، صورة تاريخية كاملة لسلالة بوش الحاكمة والعصر الذي شكلها، انها دراما اكتساح المال والسلطة والقوى غير المرئية والنصر الرمزي للنسب الذي نشر التراجيديا الوطنية.
لا يدور هذا الكتاب فقط حول عائلة بوش، انه عبارة عن كشف للتحالف المظلم الذي ظهر بشكل سلطة وراء العرش.

كيف برزت عائلة بوش؟
«الحقيقة التي نعرفها انت وانا هي ان عنصراً مالياً في المراكز الكبرى سيطر على الحكومة (الاميركية) منذ ايام اندرو جونسون».
- من رسالة موجهة من فرانلكين روزفلت الى العقيد ادوارد هاوس بتاريخ 21 اكتوبر 1933.
هذه هي قصة عائلة اعتقدنا اننا نعرفها، وبلد بدأنا نفهمه للتو، فجورج بوش الاب وجورج بوش الابن يتمتعان بشخصيتين معقدتين ويقومان بأفعال مثيرة للاضطراب اكثر مما يُعتقد. وهذا الكتاب يكشف الرواية الاخرى السرية عنها ويوثق الاسرار التي حاولت عائلة بوش حجبها عن الانظار.
وتكشف هذه الاسرار - في جانب منها - عن حقيقة اكثر اثارة للقلق عن الولايات المتحدة نفسها. انها ليست مجرد حقيقة ان تتمكن عائلة واحدة من خطف منصبي الرئيس ونائب الرئيس على مدى العشرين عاماً من اصل الثمانية والعشرين عاماً الماضية، وتبقى غير معروفة فقط، بل ان الاساليب السرية والملتوية والتلاعب التي اوصلتها الى السلطة تعكس وجود خلل اعمق، الا وهو سيطرة الرأي العام الاميركي الواهية بشكل متزايد على اسس الديموقراطية في البلاد.

أسوأ رئيس
فمع قرب انتهاء ولاية جورج بوش الابن، وصلت شعبيته الى ادنى مستوى لدرجة يعتقد البعض انه اسوأ رئيس في هذا القرن وربما اسوأ رئيس اميركي على الاطلاق، حتى في نظر بعض الذين صوتوا له. فقد سجلت ادارته مجموعة كبيرة من الاخفاقات على مستوى مطاردة اسامة بن لادن ومواجهة اعصار كاترينا واحتلال العراق والازمة الاقتصادية.
وليس غريباً ان يقول 81 في المائة من الاميركيين الذين استطلعت آراؤهم في العام الاخير من ولاية جورج بوش (الابن) ان البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. واصبح واضحاً ان ذلك لا يعود الى قصور القرارات السياسية فحسب، بل يعود بشكل اساسي الى قدرات الرئيس المحدودة، الامر الذي اثار تساؤلاً مشروعاً حول كيفية بروز هذه العائلة؟

اللغز
لقد كان الرئيس بوش (الابن) لغزاً للكثيرين، وكان اشبه بالجزيرة المعزولة عن الآخرين، وحاول اكثر من كتاب تحليل شخصيته، ونجح بعضها في القاء المزيد من الضوء عليها، لكن اياً منها لم يتمكن من الوصول الى جوهر هذا الرجل.
لقد كان لدي الكثير من الشكوك حيال هذا الرجل منذ الايام الاولى لولايته الرئاسية، فقد كانت ثمة اشارات على وجود شيء ما، غير عادي، مما رأينا في اي ادارة اخرى، كالميل نحو التكتم والسرية والنزعة نحو اتباع تكتيكات الدولة البوليسية وازدراء الثوابت الديموقراطية، والتصميم على دعم مصالح الاثرياء ومحاولة تسييس الخدمات الحكومية من الاعلى الى الاسفل، وكانت هذه كلها دلائل على عقلية يندر وجودها في السياسة الاميركية.

هكذا يختار الأميركيون قادتهم
وفوق كل ذلك، فإن الخداع الذي مارسه بوش في تبرير غزو العراق والاحتلال المأساوي الذي تلاه، اكد احساسي بأن تولي بوش السلطة يشير الى شيء اعمق من مسألة وجود رئيس متوحش يحيط به عدد من الاشرار الذين يرسمون المخططات السوداوية.
في عام 2004، بدأ بوش حملة لاعادة انتخابه، وبدأت البحث الذي توّج بهذا الكتاب، وقررت البحث عن اجابات عن اسئلة مثل، ماذا يعني وصول هذا الرجل الذي يفتقر الى الاهلية، الى الرئاسة؟ وهل يمكن تعلّم شيء من ظاهرة جورج بوش لمساعدتنا في فهم كيف نختار نحن الاميركيين قادتنا؟
وكانت هناك اشياء واضحة بالفعل، فالحرب على العراق لم تكن بسبب تهديد عراقي وشيك للولايات المتحدة وحلفائها، فقد اعترف جمهوريون من امثال رئيس الاحتياطي الفدرالي إلان غرينسبان، بأن الحرب كانت من اجل النفط. والرئيس جورج بوش الذي خاض الانتخابات كمعتدل و«موحّ.د»، فعل كل ما في وسعه لتعزيز الانقسامات داخل المجتمع الاميركي من اجل تحقيق مكاسب سياسية. فقد زادت الفوارق بدرجة كبيرة بين الاغنياء والفقراء نتيجة لسياسات ادارته.
ويعود كل ذلك الى افعال رجل واحد كان يساعده بعض الانصار. وتحدث بعض منتقدي بوش عن شبكة اوسع من المساندين الذين دعموا بوش واستفادوا من سياساته. لكن هذه الافتراضات كانت عامة وغامضة، وكانت الادلة التي تسندها قليلة. والقليل من الآراء الناقدة لبوش، هو الذي نجح في وضع ظاهرة بوش في سياق اوسع يساعد الناس على فهم القوى التي ساعدت في ايجاد مثل هذه الاوضاع في الولايات المتحدة.
لقد طفت الولايات المتحدة من اقصاها الى اقصاها بحثاً عن اجابات، وتحدثت الى اناس من مختلف المشارب والانواع بمن فيهم اناس من دوائر واشنطن وتكساس، واصدقاء بوش وخصومه ومليارديرات، وموظفون صغار. وقابلت عشرات الناس ممن لهم صلات بعائلة بوش لاسيما من لم يسبق له ان تحدث في العلن (او يمثل هذا التفصيل). وقرأت كل ما وقع في يدي من وثائق حول بوش وعائلته، سواء كانت علنية أو سرية. وقد اصبحت لدي مكتبة خاصة بآل بوش تزيد على خمسة آلاف كتاب، ودرست كل شيء عن آل بوش: تاريخهم وديناميات العائلة وتعاملاتهم المالية وعالمهم الاجتماعي وشبكة المساعدين والموظفين والممولين الذين كان لهم الفضل في بروزهم. وسألت عنهم الجيران والصديقات السابقات والموظفين السابقين والمئات من الناس الذين أسهمت شهاداتهم وتجاربهم الشخصية في تسليط ضوء جديد على هذه العائلة.
وكلما زادت معرفتي بهذه العائلة، زادت تساؤلاتي، وكلما تعمقت ابحاثي، برز المزيد من الالغاز والمسائل المحيّرة. لقد فهمت السبب وراء سعي جورج بوش (الابن) الى وقف الاصلاحات التي كانت تهدف الى السماح بالنفاذ الى الوثائق المتعلقة بتاريخ الولايات المتحدة الحديث. فقد كان عازماً - على ما يبدو - الى اغلاق ادراج الملفات، ولكن ما الذي تحويه هذه الادراج؟ وهل تتضمن الادلة على نشأة السياسات الاكثر تدميراً لجورج بوش كالاندفاع الى الحرب على العراق والتعذيب الذي اقرته ادارته رسمياً، وخطوة الــ سي.اي.ايه المتمثلة باتلاف الاقراص المدمجة التي تحتوي على الادلة التي تدين الادارة، والتجسس على المواطنين الاميركيين والمواقف من مشكلة الاحتباس الحراري والتفاصيل المتعلقة بأزمة الرهون العقارية والارتفاع الجنوني في اسعار النفط؟ لا شيء من هذه الاحداث يبدو مفاجئا على ضوء الرجوع الى القصة غير المروية لجورج بوش وعائلته. هذا الكتاب يعالج هذا التاريخ السري والناس والمؤسسات الذين خلقوه.

أكبر الأخطاء
ولعل أخطاء بوش واكبرها بالتأكيد الخداع الذي مارسه مع الشعب الاميركي، هي احدث فصول قصة تعود الى والده، بل والى جده، في العصر الذهبي الذي يعود الى القرن التاسع عشر حين فرض من وصفهم تيدي روزفلت بــ «بارونات المطاط» سيطرتهم على امبراطوريات الصناعة والنقل والمال.
وعلى الرغم من ان جورج بوش (الابن) كان متمرداً داخل العائلة، فانه اتبع الخط الذي رسمه من سبقوه من كبار العائلة، فقد درس في الاماكن نفسها وانخرط في التجمعات السرية ذاتها واستفاد من الترتيبات المالية المشبوهة ذاتها، وارتبط بالنوعية ذاتها من الاصدقاء واحاط نفسه باناس سبق ان كانوا مقربين من والده وجده او ارتبطوا بهما، وع‍لى الرغم من الحديث عن العلاقة «الاوديبية» (نسبة الى اوديب الملك) التي ربطت بوش الابن بوالده، الا انه ظل لصيقا بجذوره العائلية، ومن المفاجئ بالنسبة لي ان فهم بوش الاب كان يمثل المفتاح لفهم ابنه.
ولهذا السبب، فان نصف الكتاب يبحث بشكل اساسي، في بوش الاب، ويتعرض للوسائل التي اعتمدها ليصبح رمزا للتقاطعات بين النفط والمال والاستخبارات التي كانت تمثل قوة في الظل في الولايات المتحدة على مدى نصف القرن الماضي او يزيد، فهذه الخلفية ضرورية من اجل فهم جورج بوش الابن.
ان البناء على الماضي الخفي لجورج بوش الاب مكنني من كشف كيف ولماذا تم اعداد جورج بوش (الابن) ليخلف والده في البيت الابيض.
وحين نفهم ذلك، يصبح من الواضح ان جورج بوش الاب والابن على حد سواء، استفادا وخدما باخلاص المصالح القوية التي ظلت خفية في معظمها عن اعين الجمهور، كما ظلت تتمتع بالحصانة من البحث في العلن.
ولكن ثمة مفارقة في ذلك، ففي الوقت الذي يعمل فيه آل بوش على خدمة القوى التي تعمل في الظل، تمكنوا من تبوؤ مكان لهم في الاضواء. وللحصول على ما يريدونه وليعملوا ما يشعرون ان عليهم عمله، عليهم ان يعيشوا حياة ازدواجية. فحتى حين نال آل بوش الشهرة والسلطة تمكنوا من الافلات من الرقابة على افعالهم ومقاصدهم.
لقد اتقنوا هذه اللعبة لدرجة ان لا احد من زملائهم كتب عنهم. وعلى الرغم من ذكر ريتشارد نيكسون لنائب الرئيس جورج بوش (الاب) في مذكراته الا انه لم يذكر حقيقة انه خدم معه في منصبين رفيعين. لقد كان الوضع وكأن هذه العائلة لم يكن لها وجود الا حين تولت الرئاسة.
ويملأ هذا الكتاب الفجوة. فهو يؤرخ تسلسل تطور عائلة بوش والمصالح القوية التي تمثلها على مدى القرن الماضي، وهو يتحدى ــ في معرض ايراد التفاصيل المتعلقة ببروز جورج بوش وكيفية وصوله الى السلطة ــ الحكمة الشائعة في ما يتصل بالاحداث الاساسية في التاريخ الاميركي الحديث.. ويفعل الشيء ذاته في ما يتعلق بالاسماء والتواريخ والمصادر. فقد ذكرت المصادر كلما امكنني ذلك.

دور مختلف
وقد لاحظ بعض كتاب السير الذاتية ان دور آل بوش في التاريخ كان مختلفا عما يشاع، ويتفق مع هذا الرأي بيل مونتاغليو كاتب السيرة الذاتية لجورج بوش (الاب) قبل ان يصبح رئيسا، فيقول مونتاغليو في مكان ما ان آل بوش ظلوا يعيشون دائما في المنطقة الرمادية وفي اطار الصورة وليس في وسطها، فقد كانوا مع آل روكفلر وآل فاندربلت وآل آستور، لكن في الهامش وليس في المتن. انهم اقل وضوحا واقل ظهورا من غيرهم، لكنهم ربما يمثلون العائلة السياسية الاكثر رسوخا في تاريخ الولايات المتحدة.

حياة مزدوجة
حين عثر جوزيف ماك برايد على وثيقة تتحدث عن الحياة المزدوجة لجورج بوش (الاب) لم يكن يبحث عنها، وكان ذلك في عام 1985، وحين كان برايد اثناء عمله مراسلا لصحيفة «ديلي فارايتي» يبحث في مكتبة سان برنادرينو عن كتاب حول المخرج السينمائي فرانك كابرا، واخذ يبحث في الوثائق المسجلة عن افلام تتعلق بمكتب التحقيقات الفدرالي واغتيال جون كنيدي.
وكان برايد ناشطا في الحملة الانتخابية لكنيدي وظل يشعر بالاحباط لعدم ايجاد الاجابات للكثير من الاسئلة ذات الصلة بهذه المأساة الابرز في تاريخ البلاد.
وبينما كان يبحث لفتت انتباه ريد مذكرة صادرة عن مدير «اف.بي.آي» جي ارغار هوفر بتاريخ 29 نوفمبر 1963، تحت عنوان «اغتيال الرئيس جون كنيدي» واشار هوفر الى انه في يوم اغتيال كنيدي زوّد المكتب شخصان بالتفاصيل، وكان احدهما الكابتن وليام ادواردز رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية، والثاني هو جورج بوش المسؤول في وكالة المخابرات المركزية، وورد في المذكرة: «لقد علمنا ان وزارة الخارجية تشعر بوجود مجموعات غامضة مناهضة لكاسترو قد تستغل الوضع الراهن للقيام بهجوم ضد كاسترو دون تفويض، معتقدة ان اغتيال كنيدي قد يمثل بداية تغيير في السياسة الاميركية، مصادرنا لا علم لها بمثل هذه الخطط، وربما كان مصدرها كلام شفوي منقول عن جورج بوش ووليام ادواردز».
هزّ برايد رأسه متسائلا: «أليس المقصود جورج بوش ال‍سي. آي. ايه لعام 63؟ أليس المذكور اسمه في الحديث عن هجوم على كندا على اثر اغتيال كنيدي؟ هل يمكن ان يكون هو نائب رئيس الولايات المتحدة الآن؟ فحتى حين عين بوش مديرا لوكالة المخابرات المركزية عام 76 وسط عمليات التطهير داخل الوكالة، كان المؤهل الابرز لبوش، حقيقة انه لم يكن جزءا من الوكالة اثناء الانقلابات ومحاولات الانقلاب ومؤامرات الاغتيال في ايران وكوبا وتشيلي ومناطق اخرى من العالم.
وبالنسبة لبوش في ادارة «سي. آي. أيه» عانى ازمات اهتزاز الثقة المتتالية خلال الفترة من 63 - 1973 حيث اغتيال كنيدي والشكوك التي احاطت بلجنة وارن للتحقيق في الاغتيال، ثم كيفية استغلال «سي. آي. ايه» لمؤسسات خاصة من اجل تمويل منظمات داخل الولايات المتحدة مثل اتحاد الطلبة القومي.
ثم جاءت فضيحة ووترغيت وتورط اعضاء في الوكالة فيها، مما ولّد احساسا لدى الاميركيين بأن ثمة منظمة سرية تعمل خارج نطاق القانون وتحظى بحماية الوكالة وكان جيرالد فورد الذي خلق ريتشارد نيكسون بعدا ستقالته قد عزل مدير الوكالة وليام كولبي.
وعيّن فورد، جورج بوش مديرا جديدا للوكالة، لكن البعض رأى انه ليس مؤهلا لهذا المنصب، لا سيما في وقت تخضع فيه الوكالة لاقصى درجات الرقابة والمحاسبة، فقد سبق لبوش ان شغل منصب المندوب الدائم لدى الامم المتحدة ورئيس اللجنة القومية للحزب الجمهوري والسفير الاميركي في بكين، فما خبرته في مجال الاستخبارات والتجسس؟ وكيف استعاد ثقة الجمهور في وكالة تجسس؟ لا احد يعرف على ما يبدو، ام هل كان جيرالد فورد يعرف ما لا يعرفه غيره؟
خدم بوش مديراً للوكالة من 76 حتى اواخر عام 77، واستفاد من هذه الفترة القصيرة ليخوض الانتخابات الاولية للحزب الجمهوري ضد حاكم ولاية كاليفورنيا السابق رونالد ريغن، وحذر البعض من تولي رئيس سابق لـ«سي. آي.ايه» الرئاسة بالنظر الى سجل الوكالة القائم والسري من التخطيط للانقلابات والاغتيالات والابتزاز.
في عام 85 وحين كان قد تمت اعادة انتخاب بوش نائباً للرئيس، عثر برايد على المذكرة ولم يفعل بها شيئاً، لا سيما ان منصب نائب الرئيس ليس بتلك القوة ولانه كان مشغولاً بامور اخرى، فقد تزوج للمرة الثانية، وواصل تغطياته لهوليوود وكان يعكف على الانتهاء من تأليف كتاب.
ولكن مع حلول عام 88، اصبح للهوية الحقيقية لجورج بوش في «سي.آي.ايه» معنى آخر، لانه بدأ اعداد العدة لخلافة ريغان في البيت الابيض. لقد قرر برايد التحول من تغطية الاعمال الفنية الى السياسة، فقد التقط سماعة الهاتف واتصل بالبيت الابيض، وطلب التحدث الى نائب الرئيس.
وحين تحدث الناطق باسمه ستيفن هارت نفى ان يكون بوش هو المعني بالمذكرة واستشهد بكلام بوش نفسه انه كان في ذلك الوقت في تكساس يعمل في صناعة النفط والتنقيب، وانه كان يحضر لخوض انتخابات مجلس الشيوخ في عام 63، وليست لديه اية فكرة عما يتحدث عنه السائل، واختتم هارت كلامه بالقول «لا بد انه جورج بوش آخر».

اختراق
برايد وجد ان هذه الاجابة مثيرة للفضول والاستغراب، وعاد بالمزيد من الاسئلة الى جورج بوش بواسطة هارت، مثل:
• هل سبق لك ان عملت بأي شكل مع «سي.آي.ايه» قبل ان تصبح مديراً لها؟
• واذا كان الامر كذلك، ما طبيعة علاقتك بالوكالة وكم دامت هذه العلاقة؟
• وهل تلقيت معلومات من «اف.بي.آي» حول نشاطات مناهضة لكاسترو في اعقاب اغتيال الرئيس كنيدي؟
خلال نصف الساعة عاود هارت الاتصال، قائلا انه على الرغم من انه لم يتحدث مع بوش بعد، الا انه سيرد على الاسئلة بنفسه، وقال ان الاجابة على السؤال الاول هي بالنفي، وبالتالي، تصبح الاسئلة الاخرى غير ذات صلة.
ولكن برايد لم ييأس، فاتصل بـ«سي.آي.ايه»، فرد عليه الناطق باسم الوكالة بيل ديغاين قائلا «هذه هي المرة الاولى التي اسمع بها مثل هذا الخبر.. وسوف ابحث في الامر واعاود الاتصال به».
وفي اليوم التالي، اتصل ديفاني قائلا انه لا يستطيع نفي أو تأكيد هذه المعلومات، وهو الرد المعتاد من الوكالة حين يتعلق الأمر بمصادرها وأساليبها، وحين سأله: «هل يمكن للوكالة ان تكشف عن وجود شخص آخر باسم جورج بوش؟»، أجاب: «انه كان هناك جورج بوش آخر قبل سبعة وعشرين عاما»، ولكنني أشكك في ذلك. وعلى أي حال، فإن سياسة الـ«سي. اي. ايه» هي عدم تأكيد تورط أي شخص بالعمل فيها.
ولكن يبدو أنه قد حدث اختراق لهذه السياسة، فقد نشر برايد هذه المعلومات في تقرير لمجلة THE NATION الليبرالية في عدد السادس عشر من يوليو 1988 تحت عنوان «الرجل الذي لم يكن هناك، عميل ال‍‍ «سي. آي. ايه» جورج بوش» مما دفع بالناطقة باسم الوكالة شارون باسو للتصريح لوكالة اسوشيتدبرس ان الوكالة تعتقد بضرورة «نفض الغبار عن هذا السجل»، واضافت ان «من الواضح ان وثيقة «اف. بي. آي» المشار اليها والتي تتحدث عن جورج بوش الذي عمل في عام 1963 في مقر الوكالة ليلا وكان في الموقع المناسب لتلقي تقرير اف. بي. آي».
وقالت ان جورج بوش ترك الوكالة عام 1964 للالتحاق بوكالة الاستخبارات الدفاعية.
ومن المؤكد ان مقالة رايد في مجلة THE NATION لم تسبب له مشكلة كبيرة، فقد انتزع ترشيح الحزب الجمهوري له لانتخابات الرئاسة بعد شهر واحد.
وفي حين قالت الناطقة باسم «سي. آي. أيه» باسو للمراسلين ان الوكالة لم تتمكن من تحديد هوية جورج بوش «الآخر»، واجهت الوكالة عددا من التقارير الاعلامية التي تنتقد مؤسسة يعمل فيها الآلاف وتتجاوز ميزانيتها مليارات الدولارات، ولا تستطيع تحديد هوية موظف سابق فيها يعمل داخل الحدود الأميركية.
وربما كانت «سي. آي. أيه» بحاجة فعلا الى شخص مثل جوزيف ماك برايد، فعلى الرغم من عدم تخصصه في التحقيقات الصحفية، الا انه لم يواجه المتاعب في العثور على جورج وليام بوش. فلم يكن من السهل العثور عليه فقط، بل كان ايضا لايزال موظفا في الحكومة الاميركية. واوضح لاحقا لبرايد انه عمل في وكالة المخابرات المركزية لفترة قصيرة فقط، حيث كان يحلل الوثائق والصور اثناء الدوام الليلي. وبالاضافة الى ذلك، قال انه لم يكن يستقبل التقارير الاستخباراتية التي يتم تبادلها بين وكالات المخابرات الاميركية ابدا.
وبعد سبع سنوات، اي في عام 1991، تمكن رئيس التحرير السابق لصحيفة TEXAS OBSERVER ديفيد ارمسترونغ من الوصول الى هوية الشخص الثاني الذي ورد اسمه في موضوع مذكرة هوفر، وهو الكابتن وليام ادواردز، اكد ادواردز انه كان على رأس عمله في وكالة الاستخبارات الدفاعية في ذلك اليوم، وانه لا يتذكر ذلك التقرير، وان لا فكرة لديه عمن هو جورج بوش المقصود.
وبعد وقت قصير من نشر مجلة THE NATION مقالة برايد، ظهرت مقالة اخرى في المجلة قدم كاتبها دليلا على ان «سي. آي. أيه» كذبت على الشعب الاميركي، ووجهت هذه المقالة مثل سابقتها بالتجاهل من الاعلام الاميركي، وقد ضاعت فرصة ليس فقط للتعرف على التاريخ الحقيقي للرجل الذي اصبح رئيسا للبلاد، بل ايضا فك رموز سلسلة اخرى من الاكاذيب وعمليات التضليل التي احاطت ورافقت تاريخ عائلة بوش.

التاريخ: 15/06/2009