النصر حليف طالبان.. لماذا؟
الجزيرة نت 13أغسطس 200م : كثيرون كتبوا عن الحرب الدائرة في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة, لكن قلة منهم استطاعوا أن يضعوا أصابعهم على مكامن الضعف في الخطط العسكرية التي تنتهجها قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو).
ومن بين هؤلاء القلة رئيسة المعهد الأميركي لدراسات الحرب كمبرلي كاغان التي ترى أن الفشل الإستراتيجي الذريع كان سمة السنوات القليلة الماضية.
كيف كان ذلك، وما هي موجبات النصر، بالنسبة لحلف الناتو في حرب لا تزال لحركة طالبان فيها الكلمة العليا حتى الآن على الأقل؟ هذا ما تحاول كاغان الإجابة عنه في هذا المقال المنشور في العدد الأخير من مجلة فورين بوليسي.
نصر مراوغ
تحاول الكاتبة أن تقدم تحليلها لمجريات الحرب في أفغانستان بعدما سافرت إلى أفغانستان مرتين هذا العام لمعاينة ومراقبة العمليات العسكرية هناك.
تقول كاغان إن الحرب في أفغانستان لم تكن تسير على ما يرام، وعليه فليس من المفاجئ أن يشعر الأميركيون بالإحباط وخيبة الأمل, وهناك العديد من المراقبين الذين بإمكانهم الإشارة وبحق إلى بعض علامات التقدم ومنها فاعلية وحسن أداء بعض الوزارات المعينة في الحكومة الأفغانية وبرامجها, والنمو البطيء للجيش الأفغاني الوطني, وتشييد البنى التحتية الرئيسية مثل الطرق والسدود والتحسن في القطاع الزراعي.
ولكن تلك الإنجازات كانت دون ما هدفت الولايات المتحدة لتحقيقه من قيام دولة أفغانية ذات حكومة تتسم بالكفاءة، وتعتبر شرعية في نظر مواطنيها وقادرة على الدفاع عنهم بحيث لم تعد أفغانستان كما كانت معقلا آمنا للمجموعات الإسلامية الإرهابية
وفي الواقع -وكما قال قائد قوات التحالف في أفغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال مؤخرا- فإن هناك علامات تدل على تدهور الوضع, فالمجموعات المعادية لأفغانستان بقيت على مستوى عال من القوة والإمكانيات بل اكتسبت زخما ووسعت من مناطق عملياتها بينما تتصاعد عمليات العنف ضد قوات التحالف، وعليه فإن السؤال المطروح هو: لماذا لم نحقق النصر والنجاح في أفغانستان؟"
تجيب كاغان بالقول إنها ورغم أنها كانت ضمن فريق التقييم التابع للجنرال ماك كريستال، فإنها لا تعرف كيف سيجيب الجنرال ماك كريستال عن هذا السؤال.
وأضافت: كما لا يمكنني التنبؤ بتوصياته بخصوص الإستراتيجية التي يتم العمل بها قدما, ولكنني وبعد المزيد من البحث وقيامي بزيارتين إلى أفغانستان هذا العام, فإن اعتقادي الشخصي أن العمليات العسكرية تتعثر وتخفق بسبب عدم وجود إستراتيجية ميدانية متماسكة لمواجهة التمرد في أفغانستان.
وبالرغم من إعلان الرئيس باراك أوباما مؤخرا عن إستراتيجيته الباكستانية الأفغانية, فإن الحملة المشتركة لكل من القوات الأميركية وقوات التحالف في هذا الصيف, ما هي إلا استمرار لسوء تخطيط العمليات منذ العام 2008 كما أن القصور الشديد في العمليات العسكرية يعني أنه من الصعب حصول تحول نحو الأفضل هذا العام، ولكن ومن أجل تغيير الوضع إلى الأفضل علينا البدء في تصحيح العيوب والخلل في إستراتيجية ماك كريستال وفريقه التي ورثها عن أسلافه وهي:
القتال في المكان الخطأ
تم تشتيت قوات الناتو بشكل كبير في مختلف مناطق أفغانستان حتى في مناطق البشتون في الجنوب والشرق بدلا من تركيزها في منطقة مفضلة أو اثنتين وربما كانت هلمند استثناء حيث ينتشر فيها لواءان أحدهما من القوات البريطانية والآخر من قوات المارينز الأميركية الذي وصل مؤخرا.
وعلى عكس ما حصل في العراق وقت تدفق المزيد من القوات الأميركية عندها، تم تركيز نحو نصف القوات الأميركية في بغداد وضواحيها حيث كانت بغداد في صلب العمليات القتالية.
وفي حالة السيطرة على بغداد التي يبلغ عدد سكانها نحو ثمانية ملايين فإننا سنحقق النجاح والنصر، ولكن إن سيطر العدو عليها عندها سنخسر, وحينذاك تولت خمسة ألوية قتالية قوامها نحو 25 ألف شخص مع مسانديهم مهمة تأمين وحماية المدينة فيما تولت أربعة فرق أخرى حماية الضواحي الجنوبية لبغداد في حين كان هناك لواء واحد إضافي على الأقل وأحيانا اثنان لتوفير الحماية للضواحي الشمالية من المدينة.
لا يوجد نظير لبغداد في أفغانستان وبدلا من ذلك فإن معظم السكان والمتمردين يقيمون وينتشرون في المناطق الريفية، ولكن هناك بعض المناطق مثل مدينة قندهار والمقاطعات المحيطة بها تعتبر أكثر أهمية بالنسبة لنا وللعدو وللحكومة الأفغانية أكثر من غيرهم.
وحتى حينه لا توجد مواجهة مع المتمردين في تلك المناطق كلها اللهم إلا في منطقتين حول قندهار، كما أنه لا يوجد موطئ قدم لقوات الأمن الوطني الأفغاني فيها.
ولعل الأسوأ من ذلك أن نسبة الذين يحاربون التمرد بين السكان في تلك المقاطعتين هي 1 : 44، ولذلك فإن تقييما جيدا لأولوياتنا في أفغانستان سيؤدي إلى توزيع مختلف بشكل ملموس وأكثر نجاعة لقوات التحالف في أفغانستان وهذا دون شك كان وراء ما أعلنه ماك كريستال أمام المراسلين من أنه سيركز القوات حول مدينة قندهار.
انتهاج أساليب خاطئة في الحرب
تعتبر كمبرلي كاغان أن هناك مشكلة أخرى تواجه قوات الناتو تتمثل في الحديث عن عقيدة مكافحة التمرد بشكل أفضل من ممارستها ميدانيا.
فمعظم وحدات الناتو في مناطق البشتون تدعي أنها تحمي السكان عن طريق سلسلة من العمليات العسكرية المعروفة بتسلسل المراحل (التحديد، التمشيط، السيطرة، البناء), ولكن تلك القوات تنتقل من مرحلة إلى أخرى بسرعة كبيرة بناء على تجربتها في العراق حيث كان تحديد المنطقة يستغرق من ثلاثين إلى 45 يوما فيما يستغرق تمشيطها من ثلاثة إلى ستة أشهر.
أما السيطرة وإحكام القبضة عليها فتستغرق وقتا أطول من ذلك بكثير ما خلا استثناءات قليلة, لكن قوات الناتو في أفغانستان لم تعمل إطلاقا وفق جداول زمنية كهذه، فهم يختزلون عمليات التحديد والتمشيط إلى أسابيع قليلة ويتحولون سريعا وقبل الأوان إلى مرحلة السيطرة أو إحكام القبضة، ونتيجة لذلك فإن قوات الناتو نادرا ما أحكمت سيطرتها بشكل دائم على مناطق, وإن حصل ذلك يكون على مناطق صغيرة قليلة الأهمية بالنسبة للسكان والمتمردين, فالعدو وببساطة يهرب ثم يعود.
علاوة على ذلك فإن قوات التحالف والقوات الأفغانية تركز بشكل مبالغ فيه على تأمين خطوط الإمدادات وتحاشي التعرض إلى تفجير العبوات الناسفة عن طريق مجهودات تكتيكية بدلا من محاربة التمرد.
وتبعا لذلك فإن العديد من القوات خاصة القوات الأفغانية تنتشر بمحاذاة الطريق الدائري الذي يحيط بالبلاد، وهذه المواقع الثابتة تتسبب في تبديد القوات وبالطبع فإن قواتنا يجب أن تكون لديها القدرة على المناورة والتحرك بمحاذاة المواقع الثابتة.
على أن أفضل السبل لتحقيق ذلك هو تأمين المناطق المأهولة، والتحرك خارج الطريق الدائري من أجل هزيمة العدو في معاقله والمناطق التي توفر له الدعم.
في مناطق أخرى تحاول القوات المقاتلة التصرف بشكل صحيح ولكن مرة أخرى في المكان الخطأ, وقد علمتنا التجربة في العراق أنه من أجل نجاح محاربة التمرد يجب نشر القوات وتوزيعها إلى مجموعات صغيرة عوضا عن مجموعات أكبر من أجل العيش بين السكان.
غير أن القوات المقاتلة في المناطق النائية من شرق أفغانستان وسعت مناطق انتشارها في نورستان حيث لا يوجد للعدو تأثير كبير من حيث العمليات أو الإستراتيجية، وتحركت من قواعد العمليات الأمامية إلى مناطق عديمة الأهمية الإستراتيجية, وأقامت مواقع قتالية صغيرة لدرجة أنها لا تستطيع فعل شيء سوى حماية نفسها.
ولعل الإستراتيجية الأفضل هي الدفع بقوات كبيرة من أجل شن عمليات ضد المتمردين، والمجازفة بتحمل مخاطر أكبر في مناطق قليلة الأهمية.
القتال بافتراضات خاطئة
تعتقد كاغان أن ما يقرر مكان عمليات قوات التحالف المكونة من التحديد والتمشيط وإحكام القبضة والبناء هو إمكانية تنفيذ مشاريع تنموية وليس أمن السكان، وهذا يدفع لتفضيل المهم على الملح والممكن على الضروري.
فعلى سبيل المثال تركزت العمليات القتالية الرئيسية في منطقة القوات البريطانية في هلمند من أجل السماح بعمليات التنمية، فبناء سد كاجاكي ومنطقة التنمية الزراعية قرب لشكرغاه استأثرت باهتمام وتركيز القوات في الولاية بل في المنطقة الجنوبية بشكل عام.
أما في شرق أفغانستان فقد نفذت القوات الأميركية عمليات بناء الطرق مثل طريق ممر خوست/ غاردر، وهذه المشاريع لها أهميتها للتنمية على المدى البعيد ولكنها مهمة في بعض الأحيان من أجل تحقيق أهدافنا العسكرية فحسب.
ويجب عدم السماح لها بتشتيت مصادرنا العسكرية القليلة, والأكثر من ذلك أن الجهود والمساعي العسكرية والمدنية تعطي الافتراضات الخاطئة عن التنمية وكثيرا ما كانت تروج لمشاريع التنمية على أنها نموذج لاستعراض كفاءة الحكومة الأفغانية ونية الغرب الحسنة.
فإتمام بناء سد ما يبين للسكان بأن الحكومة الأفغانية يمكنها تقديم الخدمات بشكل عام، وتمشيط قرية أفغانية يبين أن قوات الأمن الأفغانية يمكنها تأمين السكان من حيث المبدأ.
ولكن إذا لم يتم إنجاز المشروع بسرعة وتكراره على نطاق واسع وسريع, فإن ذلك يقف ببساطة شاهدا على مدى ما يمكن إنجازه من مشاريع.
ولن يكون لمثل تلك المنجزات تأثير قادر على إلحاق الهزيمة بالتمرد، فإما أن يكون الموقع آمنا وخاضعا لحكومة فاعلة أو لا.
ولن تحقق خطة جيدة لمكافحة التمرد النجاح إلا بتضافر الجهود لتنفيذ المشاريع الجيدة والمحلية.
هل معركتنا تتجه نحو النجاح أم الفشل؟
تقول كاغان إن للمقاييس أو المعايير أهميتها في أي حرب, ووفقا لتقارير حديثة، فإن إدارة أوباما تعد العدة من أجل دراسة المؤشرات لمعرفة إن كانت الحرب في أفغانستان تحقق نجاحا.
فتحديد المعايير الجيدة مهم بنفس أهمية رفض المعايير السيئة. فعلى سبيل المثال فإن العنف ضد قوات التحالف ليس مؤشرا يعتد به في تقرير النجاح أو الفشل، فكما شاهدنا في العراق فإن العنف ضد القوات الصديقة يمكن أن يتزايد عند بدء هجوم مضاد لاستعادة مناطق من قبضة العدو، وبالمقابل فإنه ما من عنف يعني أن تلك المنطقة تحت قبضة العدو بشكل تام.
إن مقاييس النجاح ليست مجرد إحصائيات فحسب ولا يمكن تقريرها بمعزل عن خطة حملة تبين منظومة المهام والأهداف.
هل يمكننا الفوز في هذه الحرب ؟
تجيب كاغان بالقول إن البعض يرد بطريقة سلبية بشكل حاد، ويقولون إن أفغانستان لم يسبق أن حكمت من قبل حكومة مركزية (وهذا خطأ)، ويقولون إنها "مقبرة الإمبراطوريات" (وهذا صحيح في عدد قليل من الحالات فقط).
فالفشل ليس قدرا محتوما دائما, والحرب في أفغانستان واجهت منذ البداية نقصا في الموارد خاصة من حيث تخصيص الوقت والاهتمام من كبار صناع السياسة.
فكانت الحرب في العراق على رأس اهتمام الولايات المتحدة منذ العام 2007 إلى العام 2009 لأسباب تبدو سليمة. وبعض هذا النقص مرده نظريات مشروخة بخصوص محاربة التمرد. فوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس, مثلا, قد أساء قراءة التجربة السوفياتية في أفغانستان ما دفع به لمعارضة زيادة القوات الأميركية في أفغانستان زاعما أنه يزيد من مخاطر الفشل.
وتستطرد كاغان قائلة: يمكننا الانتصار في أفغانستان ولكن شريطة إعادة تنظيم الحملة والمصادر بشكل سليم. إن إضافة مزيد من الموارد للمجهود الحربي على غرار ما حدث في السنوات القليلة الماضية وبدون إحداث تغيير جوهري في المفاهيم والتخطيط والتنفيذ لن يحقق الكثير.
وقد كان ذلك هو الحال في العراق قبل زيادة القوات الأميركية وما تبعها من تغيير في الإستراتيجية وخطة الحملة التي كان لها دورها في النجاح تماما مثل إضافة قوات أخرى, وهو ما يفسر احتمال أن يقوم ماك كريستال بتبني خطة جديدة ربما تتطلب المزيد من القوات العسكرية عندما يقدم تقييمه الرسمي إلى وزير الدفاع الأميركي والسكرتير العام لحلف شمال الأطلسي في وقت ما بعد الانتخابات الأفغانية.
تختتم كاغان عرضها للوضع في أفغانستان بالقول إن حقيقة كوننا لم نتصرف بالشكل الصحيح خلال السنوات القليلة الماضية في أفغانستان هي أنباء سارة حقا في الوقت الراهن. إن حملة جيدة لمكافحة التمرد في أفغانستان بموارد مناسبة لم تخفق لأنها لم تجرب أصلا.
ولهذا هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن إستراتيجية جديدة كهذه يمكن أن تنجح الآن، ولكن علينا التعجيل في ذلك، فكما هي الحال في معظم هذا النوع من الحروب: فإن لم تكسب فأنت تخسر
ــــــــــ