تقرير ثاني عن مظاهرات الإصلاحيين في إيران |
|
14 يونيو 2009
في صف الاصلاح
آية الله منتظري يخاطب 'الشعب الإيراني المضطهد': تظاهروا
الانقسام يمتد الى طبقة رجال الدين بانتقال الخليفة السابق لمؤسس الجمهورية الاسلامية الى صفوف المعارضة.
ميدل ايست اونلاين
طهران – دخل آية الله العظمى حسين علي منتظري رجل الدين الايراني المعارض على خط المواجهات الثلاثاء بين أنصار المرشح الإصلاحي للرئاسة مير حسين موسوي والسلطات الدينية التي دعمت فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد في الانتخابات التي جرت الجمعة.
وكان منتظري يعد خليفة لآية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية قبل ان يُطاح به من جانب أنصار آية الله علي خامنئي، وهو ما يزال حبيس المنزل.
وأثار منتظري غضب السلطات في نهاية الثمانينات بانتقاداته المتزايدة للقيود التي تفرضها في السياسة والثقافة.
ودعا منتظري الشباب الايرانيين الى ان تكون تظاهراتهم سلمية. وقال في بيان وجهه الى "الشعب الايراني النبيل والمضطهد"، "نطلب من الجميع خاصة شبابنا الاحباء مواصلة السعي لتحقيق طلباتهم بالصبر وضبط النفس".
ودعا المتظاهرين الى المحافظة على "الهدوء وامن البلاد وتجنب اية اعمال عنف" لان من شان مخالفة ذلك ان يفيد "اشخاصا يتظاهرون بان يكونوا منكم ويخربون الممتلكات".
وقال ان الشعب الايراني ومن خلال مشاركته في تظاهرات عامة يظهر تاييده للمرشحين الرئاسيين المهزومين الذين يسعون الى الحصول على "حقوقهم المنتهكة".
وتشهد طهران موجة من الاضطرابات منذ اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت الجمعة والتي فاز بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد على منافسه الرئيسي مير حسين موسوي بفارق كبير وغير متوقع بسبب ما يعتقد انه عمليات تزوير.
وفي محاولة لامتصاص موجة الاحتجاجات، اعلن مجلس صيانة الدستور اثر تلقيه طعونا من مرشحين للانتخابات الرئاسية الايرانية طالبا بالغاء النتائج، استعداده لاعادة تعداد الاصوات في حال تبين له حصول مخالفات في الانتخابات.
وقال المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدائي الثلاثاء انه "اذا تبين لمجلس صيانة الدستور ان مخالفات ارتكبت مثل شراء اصوات او استخدام بطاقات هوية مزورة.. فسوف يأمر باعادة تعداد الاصوات".
واعلن فوز الرئيس محمود احمدي نجاد بولاية ثانية في انتخابات الجمعة بحصوله على حوالى 63% من الاصوات مقابل 34% لخصمه الرئيسي مير حسين موسوي.
وقدم موسوي والمرشح الاصلاحي الذي حل رابعا مهدي كروبي طعنا في نتائج الانتخابات وطالبا بتنظيم انتخابات جديدة.
ولكن ليس من المنتظر ان تغير إعادة فرز الأصوات الكثير، بالنظر الى ان عمليات التزوير المحتملة كانت قد شملت وضع بطاقات لصالح احمدي نجاد او دفعت العديد من الناخبين الى تقديم أصواتهم له.
وفي مقابل التظاهرات التي تعدها المعارضة، دعت السلطة الايرانية الى تظاهرة مضادة بعد ظهر الثلاثاء في ساحة ولي العصر بطهران قبل ساعة من الموعد المقرر لتجمع انصار موسوي، وهو ما بدا على انه إشارة الى إستعداد السلطات الإيراني لخوض مواجهات دامية بين الطرفين.
واوردت الوكالة ان مجلس تنسيق الاعلام الاسلامي، الهيئة الرسمية التابعة للمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي، يطلب "من جميع شرائح المجتمع المشاركة في هذه التظاهرة" احتجاجا على الاضطرابات التي جرت في الايام الاخيرة.
وينظم هذا المجلس جميع التظاهرات الرسمية للنظام الاسلامي. وكانت الهيئة ذاتها دعت خلال التظاهرات الطلابية عام 1999 الى تظاهرة كبرى قمعت بعنف الحركة الاحتجاجية ووضعت حدا لها.
ويشكل انحياز خامنئي الى أحمدي نجاد واحدا من أهم أسباب الإنقسام الحاصل في الطبقة السياسية. ولكن انضمام منتظري الى صف المعارضين الاصلاحيين يعزز جبهتهم الداخلية، وينقل الانقسام، في الوقت نفسه، الى صفوف كبار رجال الدين الإيرانيين.
*******
«ردوا لنا أصواتنا».. كان هذا أبرز الشعارات التي اطلقها المتظاهرون في طهران احتجاجاً على إعلان فوز الرئيس أحمدي نجاد بمنصب رئيس الجمهورية للمرة الثانية بنسبة 62% من الأصوات مقابل 32% لمنافسه الإصلاحي مير حسين موسوي.
ويعبر هذا الشعار عن شعور بالخديعة لدى قسم من الجمهور الإيراني، خصوصاً الطلاب وأبناء الطبقة الوسطى، وقد اعتبروا ان أملاً في التغيير «سرق» منهم فيما وطأة الأزمة الاقتصادية تتزايد، حيث بلغت أرقام التضخم ما فوق الثلاثين في المائة دون ان تستفيد إيران من عوائد الفورة النفطية الاخيرة التي بلغت 250 مليار دولار، من دون ان تبدل في الوضع الاقتصادي السيئ شيئا.
ولا يعني ذلك ان الرئيس نجاد لا يمتلك شعبية كبيرة، خصوصاً في الريف، حيث حرص على تعزيز بعض التقديمات للفقراء على الصعيدين الاجتماعي والمالي، وهو الذي وصل إلى السلطة بأرقام كبيرة من المواطنين والشباب الذين يئسوا من ثماني سنوات «إصلاحية» في عهدين متتاليين للرئيس خاتمي (1997 ــ 2005) بعدما نجح المحافظون في منعه من القيام بأي خطوة حقيقية لتكريس الحريات العامة، فيما برنامجه الاقتصادي كان محدوداً في الأساس.
لقد تغلب نجاد آنذاك على الرئيس رفسنجاني والمرشح مهدي كروبي بأرقام كبيرة، لكن سرعان ما استهلك الكثير منها خلال السنوات الأربع الماضية، ومع ذلك استمر في تمثيل الاتجاه الشعبوي في النظام، هذا الاتجاه الذي لم ينجح في ازاحة الرغبة الاصلاحية لدى الجمهور، وهو ما تؤكده ردة الفعل على نتائج الانتخابات.
لقد ظهر بوضوح في الانتخابات الأخيرة ان حرص النظام كان مركّزاً على تأمين أوسع مشاركة شعبية فيها من خلال زيادة نسبة المقترعين إلى أعلى نسبة ممكنة لتعزيز تفويضه الشعبي عشية مفاوضاته مع الادارة الاميركية التي تريثت في بدئها الى ما بعد الانتخابات الرئاسية آملة في تطور يبعد نجاد عن السلطة، ولم يكن رقم المشاركة العالي ممكناً من دون القبول بترشيح اصلاحيين من وزن موسوي وكروبي، بعدما اظهرت محاولة حصر التنافس في صفوف المحافظين طيلة السنوات الاربع الماضية تقلص قاعدة الحكم الشعبية، والشعور المتزايد بأن الشباب اصبحوا في مكان آخر، خصوصاً ان معظمهم ولد بعد الثورة ولا يشعر بأنه مرتبط بها، وقد عبروا عن مواقفهم في كل التحركات التي شهدتها الجامعات ومؤسسات التعليم العالي بشكل خاص.
لذلك لم يكن ممكنا الاستعانة بالاصلاحيين من دون ثمن سياسي حتى لو كان نجاد يمتلك اكثرية عددية على الارض، خصوصاً ان نجاد هو الرئيس الوحيد الذي اتى من محافظة سمنان الجنوبية ومن خارج اطار نخبة اصفهان وتبريز التي حكمت البلاد في العهدين الامبراطوري والاسلامي رغم الفارق الهائل بينهما، ونشعر اليوم بأن التمديد لنجاد ولاية جديدة ليس إلا محاولة لإنهاء وجودهما بصورة نهائية.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل تستمر المفاوضات مع واشنطن؟
بالنسبة للادارة الاميركية لاخيار لها الا الاستمرار في التفاوض لأن ادارة اوباما لا تملك خيارات بديلة ولا تريد الاستسلام لرأي الصقور في واشنطن وفي اسرائيل بالتصعيد مع طهران، والا انتهت السياسة الجديدة للرئيس الجديد.. هذا عدا ان ايران دولة كبيرة لا يستطيع الخارج ان يتعاطى معها بمنطق استسهال التدخل في شؤونها، لأنها تمتلك خيارات بديلة في يدها مثل تسريع الملف النووي في الداخل والتصعيد في الخارج، خصوصا في العراق وكل النقاط الساخنة في المنطقة.
ولا يعني ذلك ان واشنطن لن تستفيد من الارتباك الذي تعانيه القيادة الايرانية والاساءة التي لحقت بصورتها في العالم، لكن ادارة اوباما تفضل الا يصل الامر الى دفع الحكم الايراني الى التصعيد لتعويض الخسائر السياسية والمعنوية التي لحقت به، لا بل يمكن ان تجد نفسها في مأزق لأنها ايضا لم تعد قادرة على تقديم تنازلات بسهولة للحكم المتصلب والعائد الى السلطة في طهران.
كما ان الرغبة المعلنة لواشنطن في الوصول الى نتائج سريعة قبل بداية السنة الجديدة التي وضعتها الادارة موعدا للفصل في المفاوضات باتت ملزمة لها، لكنها ستضطر الآن إلى تمديد المهلة رغم وعودها لاسرائيل بالالتزام بهذا الموعد.
لقد انفجرت الازمة المؤجلة بين التيارين المحافظ والاصلاحي اللذين يجدان نفسيهما غير قادرين على التراجع، وهذا ما يهيئ لذهاب الوضع في اتجاهات غير محسومة ونتائج دراماتيكية في كل الحالات، وعندها سيصبح لكل حادث حديث
***