من موقع الجمعية الأمريكية للطب النفسي
كيف يمكن لعلم النفس المساعدة في تفسر الإساءة الى السجناء العراقيين......!
الأمريكيون قد صُدموا من الصور التي عكست أساليب تعذيب الجنود الأمريكيين للجسناء العراقيين... و الكثيرون يريدون تفسيراً لإمكانية أشخاصاً,يبدون في الأصل عاديون, أن يقوموا بمثل هذه الأعمال السادية... و لقد قال بعض خبراء علم النفس اللذين يهتمون بتحليل دوافع التعذيب, أنه يمكن لأي شخص أن يتصرف بهذه الطريقة في ظروف مشابهة...
س:ما الذي يمكن أن تخبرنا به تجارب سجن ستانفورد و ميلغرام عن ماذا يحث في العراق؟ و كيف يمكن لهذه التجارب أن تساعد في شرح ما قد رأيناه في الصور التي خرجت إلينا من سجن أبو غريب؟
ج:إن الدكتور فيليب زيمباردو, و الذي أجرى تجارب سجن ستانفورد على أكثر من عشرين طالباً اختارهم عشوائياً كي يلعبوا دور السجانين و السجناء في محاكاة لسجن أبو غريب,يؤمن بأن التجربة تشابة حوادث سجن أبو غريب بدرجة مذهلة...
يقول د.زيمباردو أنه كان لدي صوراً مشابهة لأشخاص عراة,بأكياس فوق رؤوسهم, و اللذين كانوا قد أُهينوا جنسياً بواسطة حراس السجن من دراسة عام 1971...
و يستطرد د.زيمباردو قائلاً أن السجن يخلق بيئة ذات موازين قوى ليست متساوية, لدرجة أن الأشخاص العاديون, و اللذين لم يكن يبدو عليهم أي أعراض لمشاكل نفسية واضحة مسبقة, يمكن أن يتحولوا لأشخاص بذيئون و متوحشون ما لم تبذل إدارة السجن جهوداً كبيرة لضبط مظاهر التعبير عن نزوات السجانين العدائية.
من تجارب سجن أبو غريب و سجن ستانفورد,يستطرد د.زيمباردو قائلاً إننا لا نضع ثمرات التفاح الفاسدة في برميل تفاحٍ جيد, لكننا نضع ثمرات تفاح جيدة في برميل سيء. و بالتالي فإن الوعاء يفسد أي شيء يبتلى به...
يقول د.زيمباردو إن حالات السجون تعتبر نماذج لإختلافات هائلة في موازين القوى. فالحراس لهم السلطة المطلقة على السجناء اللذين لا قوة لهم, إلا إذا كان هناك إدارة حازمة و ذات رؤية شفافة كي تمنع حوادث الإخلال بالسلطة,حيث أن السلطة تولد الميل للإساءة للآخرين.
و تبعاً لزيمباردو, فإن في حالة أبو غريب, حيث الجميع, السجانون و السجناء متشابهون, من حيث وقوعهم في شَرَك غربة المكان و عدم وجود أي لغة أو ثقافة مشتركة, فإن المشهد يميل إلى خلق حالة نموذجية من سوء المعاملة,فما بالك إن كان الحراس أنفسهم يتلقون هذه الأوامر من رجال المخابرات, كما أشارت بعض التقارير الصحفية...
تجربة أخرى أجراها د.ستانلي ميللغرام, و الذي كان يُدرس علم النفس في جامعة ييل, تشرح هي الأخرى كيف يمكن للإنسان أن ينتهي به الأمر أن يسيء إلى الآخرين في مواقف يكون فيها أحد الأشخاص له القوة المطلقة على الآخر.
في بداية الستينات, و بينما كان ميللغرام يحاضر في جامعة ييل, بدأ في دراسة تأثير السلطة على سلوك الإنسان. كان يهدف من دراسته أن يرى ما إذا كان الأناس العاديون سينفذون أوامر رؤسائهم ليستمروا في تنفيذ ما هو ألمُه في ازدياد مستمر أو ربما استخدام صدمات قاتلة للآخرين...
ففي أكثر من العشرة دراسات على كل من طلاب جامعة ييل و أكثر من ألف من الأشخاص العاديون, فقد كلفهم ميللغرام بأن يقوموا بدور المعلمون اللذين يتركز دورهم على مساعدة المتعلمين أن يحَسنوا من قوة ذاكرتهم عن طريق معاقبتهم بمستويات متدرجة من الصدمات لكي يكملوا العملية التعليمية.و لقد أوضح مدير البحث, و الذي كان يرتدي المعطف الأبيض الخاص بخبراء المعامل, أنه مسؤول عن أي أذى يمكن أن يحدث للمتعلمين...
لقد أصابت نتائج هذه الأبحاث د.ميللغرام بصدمة كما أصابت جمهوره وقت الإفراج عن هذه النتائج في الصحف... لقد أوضحت النتائج أن أي شخص مسئول,في هذ الحالة فإن الباحث الذي يرتدي معطف المعمل الأبيض هو الذي يعطي التعليمات, يمكن له أن يتسبب في ارتفاع مستوى الفولتات لأقصى مستوى لها (450 فولت) بالرغم من الصراخ ,و الصمت المفاجيء, للمتعلمين في الغرفة المجاورة... إن علماء النفس الإجتماعيون قد تعلموا أن في عملية البحث, و عندما يلاحظ المرؤوس زميله و هو يتبع التعليمات كاملة, فإنه سيتصرف بنفس الطريقة عندما يأتي دوره...
إن هذا هو الحال هنا, حيث أن مائة بالمائة من المكلفين يطيعون رؤسائهم طاعة عمياء... فإن المكلفين اللذين هم في مرحلة التعلم كانوا في الحقيقة المتحالفين اللذين هم في واقع الأمر لم يكونوا مصدومين, لكنهم هم اللذين قادوا المكلفين بأن يؤمنوا بأنهم كذلك... لقد نجح ميللغرام لاحقاً في تحديد بعض الشروط الرئيسية لتعليق الأخلاق الإنسانية, و التي تعتبر متوافقة بدرجة كبيرة مع الوضع في سجن ابوغريب... و منها:
· إعطاء مبرراً مقبولاً للسلوك و مماثلاً للأيديولوجيا.
· خلق إحساس مشوه بالضحايا (أو المشاركين) لدي الحراس (أو المشاركين, أو المدرسين) بأنهم دون مستوى المقارنة بهم. و تجريدهم من صفة الآدمية كالحيوانات هو النموذج الصارخ.
· التلطف في التعبير, حيث أن كلمة "متعلم" تستخدم بدلاً من كلمة "ضحية".
· وجود ثمة تصاعد تدريجي في العنف الذي يبدأ بخطوة صغيرة.
س:ما هي النسبة المئوية من الأناس اللذين يمكن أن يصبحوا متعسفين و ساديين عندما يملكون زمام السلطة؟
ج:تبعاً لـ د. زيمباردو و آخرين ممن قد درسوا المسئلة, فإن الأغلبية العظمى من الجنود لا ترتكب تجاوزات أو فظائع, لكن القليل منهم هم اللذين يمكن أن يتعدوا حد اللياقة البشرية أثناء أي صراع أو حرب. الأغلبية من الناس ستطيع الأوامر و تتقيد بالنظام في الوضع الجديد. علاوة على ذلك, ففي بعض الحالات ,باستثناء الرحماء من الناس, سيقوموا بتنفيذ أوامر وحشية تبعاً لأوامر رئيسهم في العمل... مثلاً, ففي الدراسة الأصلية لـ ميللغرام, فإنها لم تكن نسبة الثلثي من المشاركين فقط هم اللذين اطاعوا أوامر القائم بالتجربة حتى النهاية. فتقريباً مائة بالمائة من مشاركين ميللغرام قد ولّدوا درجة عالية من الصدمة للضحايا. حتى أن أكثر المشاركين الأساسيين رحمة,هؤلاء اللذي رفضوا الانصياع لأوامر صاحب التجربة, قد ولَّدوا ما اعتقدوا أنها حوالي 300 فولت من الصدمة للضحية. فلم يعرض أحد عن الانصياع للأوامر في هذه التجربة كما كنا نتصور الشخص العادي أن يفعل.لذلك فإن تجربة ميللغرام تبين أن بعض حالات القوة يمكن لها أن تجعل الإنسان يرتكب أي عمل وحشي.
س:كيف لأناس عاديون أن يرتكبوا أعمال وحشية كهذه التي رأيناها في الصور الخارجة من سجن ابوغريب؟
ج:تبعاً لـ د.روبرت جاي ليفتون, أستاذ الطب النفسي بجامعة هارفارد, و الذي كان يدرس الأطباء النازيين و المحاربين الفيتناميين, فإن كل فرد له امكانية للسادية... إنه يقول بأن السادية هي ردة فعل للمارسات التي تحدث في بيئة الفرد.إن الجنود و النواب و جميع المتعاقدين المدنيين قد وقعوا في هذا الموقف المولد للبشاعة.و انتهى الأمر بهم إلى التكيف مع الفريق و الإنضمام إليه. .
و يقول ليفتون أنه بسبب تداخل الأمور في العراق, و عدم معرفة من هو العدو, فإن عامة الشعب الأمريكي و العسكريون الأمريكيون يعيشون على مستوى عالٍ من الخوف, الإحباط و العدوانية, التي تخلق مجموعة من العمليات التي تتسم بالبشاعة أكثر من كونها نوع من الانحراف الفردي. علاوة على ذلك, فإنه بسبب نزعتنا الطبيعية بالخوف و الريبة ممن نعتبرهم دخلاء, فإن هذه الحالة تعزز الإساءة.
كل الدراسات الميدانية للمجموعات الحقيقية و دراسات المعمل الخاصة بمجموعات جديدة تبين ان أغلب الناس بطبيعتهم مستعدون أن يرتابوا, يتنافسوا أو ربما يهاجمون الآخرين اللذين يصنفونهم كدخلاء, مثل الغرباء, أو أناس لا ينتمون لمجموعاتهم الإجتماعية أو العرقية. و لهذا السبب,فإنه من المفيد ان نتذكر أن مرتكبي هذه الاعتداءات في سجن ابو غريب لم يرتكبوا هذه الافعال ضد رفاقهم الأمريكان أو حتى تجاه العراقيين اللذين كانوا يقابلونهم في الشوارع.إن المسيئين بلا شك كانوا ينظرون لضحاياهم على انهم اعداء....
يقول د.زيمباردو أن كل إنسان له الامكانية ان يكون خيِّر او شرير. العقل البشري يمكن له أن يرشدنا لأي شيء في خيالنا لنخلق بدورنا جنة أو جحيم على هذه الارض.إنها تعتمد تماماً على الحالات الخاصة التي يمكن ان نقع معها في الشَرَك.إن هؤلاء الشباب و الشابات اللذين اساءوا معاملة السجناء العراقيين في صور ابوغريب قد وقعوا في شَرَك برميل الشر
س:هل هو أمر حتمي ,بطبيعة حال الحرب,ان تحدث مثل هذه الأشياء مهما كانت القواعد والانظمه القائمة؟
ج:إن الخبراء يقولون إنه ليس حتمياً. فعندما يكون هناك مسائلة و شفافية و تسلسل واضح للقيادة و احترام حقوق العدو المحارب فإن هذا سيمنع مستقبلياً مثل هذه البشاعة التي حدثت في ابوغريب.
س:هل هناك شيء متأصل في العلاقة بين السجين و السجان و التي تشجع مثل هذا السلوك؟
ج:إنه تفاوت في موازين القوى, فهؤلاء الحراس لهم السلطة المطلقة على السجناء, والظروف التي جعلتهم يطوروا مثل هذا الشعور بعدم آدمية النزلاء. كما أنها ليس لها أي مؤسسة خارجية لتتفقد مثل هذه الممارسات للقوة. بالتأكيد فإن التصنيف الأجتماعي يلعب دور فعال ايضاً. ربما كان من الأسهل لهؤلاء الجنود أن ينظروا للأغراب على أنهم دون مرتبة الإنسان, أكثر من لو كان الضحايا نظروا إليهم و تصرفوا مثل ما يتصرف الامريكان.
س:ما هي القوى الأكثر سيطرة و التي تؤثر أو تتسبب للسجانين ان يسيئوا معاملة السجناء؟ هل الفشل في القيادة هو العامل دائماً؟
ج:يقول د.زيمباردو أنه يمكن أن يبدأ بالفشل في القيادة,لكنه يتضمن مجموعة من العمليات النفسية و الاجتماعية, مثل انتشار المسئولية, تجريد العدو من انسانيته, سرية العملية, الافتقار إلى المسؤولية الشخصية, الظروف التي تساعد على فك الارتباط الأخلاقي, إعادة تعريف الشر على إنه "ضروري" و تطوير مسوغات لهذا الشر, اعطاء نماذج من المجتمع, تجميع الضغوطات كي تتوافق مع الهوية الثقافية لمستعرضين القوة, المباديء الطارئة و التي تنشيء ما هو مقبول للفريق في هذا الموقف و الطاعة للسلطة الطارئة أو قيادات الفريق...... و في هذه الحالة, فإنه يمكن لموظفين الـ سي آي إيه مثلهم مثل المتعاقدون المدنيون أن يكونوا هم (المحققون_القائمون بالتعذيب) و كذلك حالة الإحباط و الملل و الضغوط العصبية إلى جانب حب الإنتقام هم اللذين ساهموا في تعزيز هذه النتائج السلبية.....
س:كيف يمكننا منع هذه الممارسات من الحدوث ثانية؟
ج:يقترح د.زيمباردو احضار خبراء في مجال التصحيح العسكري من القوات البحرية الامركية و قوات الدفاع الجوي لمحاكاة السجون الأمريكية. كما يقترح الأفراج عن المعتقلين اللذين لا يتعبرون ذو خطر فعلي على الأمن أو اعطائهم الحق في الاتصال بمحاميهم و أخذ حقوقهم تبعاً لمنظمات حقوق الإنسان... و فيما يلي قائمة ببعض المقترحات التي قام بها بعض الخبراء النفسيين و العسكريين للحيلولة دون حدوث حالات ابوغريب ثانية:
1-التدريب. تبعاً للتقارير الاخبارية, فإن الحراس كانوا جنود احتياطيين ولم يتلقوا اي تدريب في اي سجن أو معسكر اعتقال, كانوا ذو رتب منخفضة في الجيش و ليس لديهم إلا الخبرة القليلة في استجواب الارهابيين او سجناء الحرب.
التدريب ايضاً يجب أن يتضمن تعليم الحراس كيف ان القوة, الغموض و انعدام المسئولية الشخصية يمكن أن يشجع على سوء المعاملة.
2-التوظيف. معظم المصادر تقول أنه كان هناك العديد من السجناء و القليل من الحراس. الخبراء يقولون أن ذلك يؤدي إلى تشجيع الوحشية كوسيلة خام للسيطرة على النزلاء. مزيد من التخطيط بطرق مبتكرة مطلوب للتعامل مع مثل هذا الخلل في التوازن.
3-التوجيه. إن المهمة الأساسية للحراس هي حراسة السجناء, لكن هذا الأمر يصبح مشوشاً عندما يأتي أحد ضباط المخابرات العسكرية بطلبات غامضة لإرخاء التعامل مع السجناء أو وضع ظروف معينة للاستجواب. لابد من وجود تسلسل قيادي واضح مع وجود رؤساء مسئولين لإنشاء الظروف التي تعمل على "أفضل الممارسات" و انفاذها.
4-الإشراف.يجب التأكد من أن قائد الوحدة يقوم بزيارة السجن كثيرا و يقوم بزيارات مفاجئة و عشوائية.
5-المسائلة.في غياب أي تسلسل واضح للقيادة, و البعد آلاف الأميال عن الوطن, فإنه من الواضح أن الاشراف على سلوك الحراس يحدث به تقصير.لابد من وضع اجراءات واضحة لكامل المسئولية الشخصية في جميع أنحاء النظام, من الحراس تدرجاً إلى أعلى رموز السلطة.لابد للحراس ان يعلموا انهم مهنياً و أخلاقيا مسئولون عن تصرفاتهم. إن معظم الأطباء النفسيين اللذين يقومون بدراسة السجون يؤمنون بأن حجاب السرية الذي يحيط بمعظم السجون يجب أن يُرفع لمنع حدوث مثل هذه التجاوزات التي شهدها العالم في سجن ابو غريب.
د. فيليب زيمباردو ، دكتوراة من جامعة ستانفورد؛ بريت بيلهام , الحاصل على الدكتوراة والعالم في رابطة علم النفس الامريكية؛ ستيفن ج. بريكلير , الحاصل على الدكتوراه ، المدير التنفيذي لمديرية العلوم بالجمعية الأمريكية للعلوم النفسية, قد ساهموا بخبراتهم في هذا التحقيق....
مكتب شؤون الإتصالات
رابطة علماء النفس الأمريكية
واشنطن العاصمة
جميع الحقوق محفوظة
التاريخ: 31/01/2007
عدد الزوار: 7448 | 
