عصمة الانبياء وأسئلة أخرى

 

السؤال:

هل الانبياء معصومون وما معنى قوله تعالى ( وعصى آدم ربه فغوى ) وقد دخلني من هذا الامر وسواس وضيق كيف يقع الانبياء في الذنوب ، ولدي سؤال آخر عن حكم تأجير الحمامات العمومية للنساء والرجال وما كسبته من هذا العمل إن كان حراما ما أفعل به ، وعندي مال زائد على حاجتي أتصدق به على أقاربي فهل يجوز لي الصدقة على أقاربي ؟

***********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

هون عليك الأمر ، فالاعتقاد الصحيح في عصمة الأنبياء أنهم معصومون من الكبائر ومن الذنوب التي تحقر الشخصية ، مما يسقط المروءة ، مثل السرقة والخيانة والكذب ، ومن الخطأ في تبليغ الوحي ، أما الوقوع في ما سوى ذلك من الأخطاء فليسوا معصومين ، وعصيان آدم بسبب أكله من الشجرة ، ومعنى غوى أي أخطأ ، فالغواية ليست درجة واحدة ، وبالنسبة للأنبياء يحاسبون على الأخطاء الصغيرة جدا التي هي بالنسبة إلينا لعلها تكون ليست أخطاء ، كما قيل سيئات المقربين حسنات الأبرار ، بمعنى أن الله تعالى يؤاخذهم على أخطاء لعلها تكون بالنسبة إلينا حسنات وليست أخطاء ، وذلك بسبب قربهم من الله تعالى ، فتعظم المحاسبة عليهم ، فإذن هي ليست غواية كغواية من يغوى من بني آدم غير الأنبياء ، ولكنها غفلة أوجبت الوقوع في الخطأ .

قال الإمام القرطبي : قال بعض المتأخرين من علمائنا والذي ينبغي أن يقال : إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم , ونسبها إليهم , وعاتبهم عليها , وأخبروا بذلك عن نفوسهم وتنصلوا منها , واستغفروا منها وتابوا , وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها , وإن قبل ذلك آحادها , وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم , وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور , وعلى جهة الخطأ والنسيان , أو تأويل دعا إلى ذلك , فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات , وفى حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم , وعلو أقدارهم ; إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس ; فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة , مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة . قال : وهذا هو الحق ولقد أحسن الجنيد حيث قال : حسنات الأبرار سيئات المقربين ; فهم صلوات الله وسلامه عليهم - وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم , فلم يخل ذلك بمناصبهم , ولا قدح في رتبتهم , بل قد تلافاهم , واجتباهم وهداهم , ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم ; صلوات الله عليهم وسلامه .

، ويقول العلماء أن الفرق بين الأخطاء التي قد يقع فيها الأنبياء وغيرهم هي :
أولا : أن النبي لابد أن ينبه من الله على الخطأ إن وقع منه لانه محل قدوة .
ثانيا : أنه لابد أن يتوب ويكون بعد التوبة أعلى منزلة من قبلها .
ثالثا : أن خطأه لا يكون في كل شيء وإنما في صغائر الأمور التي ربما لم تعد أخطاء من غيره لو فعلها .
رابعا : أن الله تعالى كتب عليهم وقوعهم في الخطأ أحيانا لحكمة بالغة ، وهي لئلا يحصل الغلو فيهم ، وليتذكر الناس دائما أنهم بشر وليسوا ملائكة ، وأيضا ليتبين للناس أنهم إنما يبلغون الوحي ، ولا يأتون بالشريعة من عند أنفسهم ، ولهذا فهم يبلغونه بكل أمانة حتى ما يأتي به الوحي في نقدهم شخصيا ، فإنهم يبلغونه كما أنزل ، كما قالت عائشة رضي الله عنه : (لو كان النبي صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه .. الاية ) رواه الترمذي وغيره ، مما يدل على أنهم أمناء على وحي الله تعالى .

وهذا القول هو القول الحق الوسط ، قول أهل السنة في مسألة عصمة الأنبياء ، وثمة قولان ضالان في المسألة : فاليهود غلوا في نسبة الذنوب إليهم حتى جوزوا وقوع الشرك من الأنبياء حاشا أنبياء الله تعالى وسبحان الله عما يقول الظالمون ، والرافضة والمعتزلة قالوا بعصمة الأنبياء مطلقا من كل خطأ ، وزادت الرافضة عصمة الأئمة من ولد فاطمة إلى اثني عشر إماما ، آخرهم الذي زعموا أنه قد اختبأ في السرداب ، وغلوا في ذلك حتى ادعوا أنهم لاينسون ، ولا يذهلون طرفة عين ، ولا يخطئون ، ولا يجهلون شيئا ، قد أحاط علمهم بما كان وما سيكون ، علموا موتهم متى يكون ، ورزق العباد في أي سر مكنون ، عافانا الله تعالى من سبل الضلالة ، ومناهج الغواية .
ـــــــــــــــ
وأما الحمامات :
فقد ورد في شأن الحمام ـ والمقصود به حمامات الاغتسال العامة وليست الحمامات الخاصة في البيوت ـ هذه الأحاديث الصحــاح : ـ
من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ، و من كان يؤمن بالله و
اليوم الآخر ، فلا يدخل حليلته الحمام رواه النسائي والترمذي من حديث جابر رضي الله عنه
ـــــــــــــــــــ
الحمام حرام على نساء أمتي رواه الحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها
ـــــــــــــ
وعن أم الدرداء خرجت من الحمام فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أين يا أم الدرداء ؟ فقلت:من الحمام،فقال:والذي نفسي بيده ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها،إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل رواه أحمد ـ
ـــــــــــ
وهل تدل على أن دخول الحمامات العامة حرام على النساء لانها لابد لها من ان تنزع ثيابها فيه وقد يحصل بذلك مفاسد لاتخفى ، وأما الرجال يجوز لهم دخول الحمامات العامة بشرط ستر العورة وحفظ ضوابط الشريعة ـ
وبناء على ما تقدم فالواجب على السائل أن يجعل حماماته رجالية فقط ويلغي النسائية ، وأن يحمل الرجال على لبس الازر لستر العورات ويمنع من يكشف عورته وهي ما بين السرة إلى الركبة ، وأما المال الذي كسبه من تأجير الحمامات للنساء فإن كان قد أنفقه فليس عليه إلا التوبة ، وإن كان لايزال بيده شيء من ذلك الكسب فعليه أن يتخلص منه بإنفاقه في المصالح العامة للمسلمين مع التوبة والله أعلم
ـــــــــــــ
وأما الصدقة على أقرباءك :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبه ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك ) رواه مسلم
وعن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسم ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ، ودينار ينفقه على فرسه في سبيل الله ، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ) رواه مسلم
وقد دل الحديثان على أن أفضل ما ينفق الرجل هو على أهله وعياله وأن أجر ذلك أفضل من الصدقة في الجهاد والمسكين وعتق الرقاب ، بشرط أن لا يكون ما ينفقه على عياله فيه إسراف وتبذير أو يكون فيه إعانة على معصية الله تعالى والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006