نصراني يعترض على قول جبريل عليه السلام ( اقرأ ) وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمي لايقرأ ؟

 

السؤال:

ما ردكم على نصراني يقول هذا الكلام : تقولون في صحيح البخاري : أول ما بدئ به رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل ‏ ‏فلق ‏ ‏الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو ‏ ‏بغار حراء ‏ ‏فيتحنث ‏ ‏فيه ‏ ‏وهو التعبد ‏ ‏الليالي ذوات العدد ‏ ‏قبل أن ‏ ‏ينزع ‏ ‏إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى ‏ ‏خديجة ‏ ‏فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في ‏ ‏غار حراء ‏ ‏فجاءه ‏ ‏الملك ‏ ‏فقال ‏ ‏اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني ‏ ‏فغطني ‏ ‏حتى بلغ مني الجهد ثم ‏ ‏أرسلني ‏ ‏فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني ‏ ‏فغطني ‏ ‏الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم ‏ ‏أرسلني ‏ ‏فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني ‏ ‏فغطني ‏ ‏الثالثة ثم ‏. . . . ولنا أن نتساءل: وهل كان جبريل وربُّه - حسب الرواية - لا يعلمان بأمية محمد حتى يقول له جبريل: اقرأ، فينتظر إجابة محمد بنفي علمه بالقراءة؟! إن الأقرب إلى المنطق أن جبريل وهو رسول الله إلى محمد كان ينبغي عليه أن يهوّن من شدّة الأمر وهول الموقف، فيثبت له رسوليته عن طريق إخباره بأنه أمي (لو كان الأمر كذلك) وأنه يعلم عدم قدرته على القراءة والكتابة، ولذلك فسوف يعلّمه إياها.. هذا ما يقرّه العقل ويأبى غيره المنطق. أما ما عدا ذلك فهو استخفافٌ بالعقل وتحريفٌ للنقل أيضاً!! ولماذا كرر الأمر ثلاثة ؟ وما صحة هذه الرواية : جاء في السيرة النبوية لابن هشام : خرج رسول الله إلى حِراء ، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها ، جاءه جبريل -عليه السلام- بأمر الله تعالى . قال رسول الله : فجاءني جبريل ، وأنا نائم ، بنَمَطٍ من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ: قلت : ما أقرأ ؟ قال : فغَتَّني به ، حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ : قلت : ما أقرأ ؟ قال : فغَتَّني به ، حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ، قال: قلت : ماذا أقرأ ؟ قال : فغَتَّني به ، حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، قال : فقلت ماذا أقرأ ؟ ما أقول ذلك إلاّ افتداءً منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي ، فقال : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }. قال : فقرأتها ، ثم انتهى. السيرة لابن هشام ج 1/ 25. هل كان جبريل يجهل ان محمد أمي لا يستطيع القراءة حتى يأتيه بكتاب ويطلب منه بصيغة الأمر القراءة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ؟ ! . قال الحافظ ابن حجر : وقد وقع في مرسل عبيد بن عمير عند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ" (7) ( 7 ) فتح الباري ك/ التفسير ب/ تفسير سورة "اقرأ باسم ربك الذي خلق" .( 8 )

**********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

سأنقل أولا بعض النصوص مما يطلق عليه النصارى ( الكتاب المقدس ) ـ بعد أن حرفوه فوضعوا فيه ما تقشعر له الابدان ، ليتبين مدى قبح هذا الاعتراض السخيف على الحديث الصحيح في البخاري ، وكم هو قبيح ممن حرفوا كتب الله تعالى فوضعوا فيها الطامات التي يعجز العقل عن تصور مدى قبحها : ـ

فاقرأوا هذا النص : ( فمن يشفق عليك يا أورشليم ومن يعزيك ومن يميل ليسأل عن سلامتك ، أنت تركتني ـ يقول الرب ـ إلى الوراء ، سرت فأمد يدي عليك وأهلكك ، مللت من الندامة )!! ـ سفر إرمياء 5:15ـ6
----------
واقرأوا هذا النص : ( ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض ، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم ، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف من قلبه ) سفر التكوين 5:6ـ6
---------------
واقرأوا هذا النص : ( وفي ضيقي دعوت الرب وإلى إلهي صرخت فسمع من هيكله صوتي ، وصراخي دخل أذنيه ، فارتجت الأرض وارتعشت ، أسس السموات ارتعدت وارتجت لأنه غضب ، صعد دخان من أنفه ونار من فمه أكلت جمر اشتعلت منه ، طأطأ السموات ونزل وضباب تحت رجليه ، ركب على :"كروب " وطار ورائي على أجنحة الريح ) صموئيل الثاني 7:22ـ11
-----------
فبالله عليكم كيف يعترض من يؤمن بهذه السخافات ويصف الله تعالى بهذه الكفريات ، كيف يعترض على قول جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم ( أقرأ ) ـ
---------------
وبعد هذا نقول : هذا أغبى وأسخف اعتراض سمع على الحديث الصحيح قط .

ذلك أن الرواية المشهورة تقول إن جبريل عليه السلام فاجأ محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله "اقرأ" ، ولم يأمره أن يقرأ شيئا مكتوبا ، فالاعتراض بأن جبريل عليه السلام يعلم أنه أمي فكيف يأمره بالقراءة ، لامعنى له هنا ، فهو لم يأمره أن يقرأ خطا في كتاب!!ـ
---------
وأما رد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( ما أنا بقارىء ) فهذه الصيغة ، تحتمل الاستفهام كما قال ابن حجر ( ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال : كيف أقرأ وفي رواية عبيد بن عمير عن ابن إسحاق : ماذا أقرأ ؟ وفي مرسل الزهري في دلائل البيهقي : كيف أقرأ ؟ كل ذلك يؤيد أنها استفهامية . والله أعلم ) ـ
----------
وتحتمل أيضا أنه رد المتفاجىء بطلب لم يهيء نفسه للرد عليه فيقول ( ما أنا بقارىء ) أي كيف أقرأ ولست من أهل هذا الشأن .

وأما أسلوب جبريل عليه السلام ،من المفاجأة والدخول على نفس النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة ، فالهدف منه هو إشعاره بعظم الامر الذي جاءه من الله تعالى ، وفخامة الاختيار الالهي لــه، ولتهيئة نفسه للاستعداد لجسامة المهمة ليعلم أن شأنه كله بعد هذا الخطاب سيختلف كليا عما قبله ، فسيتحول إلى من كونه أميا لايقرأ الخط ، إلى قارىء لأعظم كتاب يطرق البشرية في تاريخها كله وإلى نهاية التاريخ .
-----------------
والخلاصة أن الاعتراض بأن جبريل كان يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم ، كان أميا فلماذا قال له اقرأ ؟! اعتراض سخيف كسخافة عقل المعترض .
هذا فضلا عن أن من يسأل أو يطلب من الغير أمرا ما ، لايستلزم ذلك أن السائل لايعرف الجواب ، أو لايعلم حال المسؤول أو المطلوب منه ، فقد يقع السؤال من السائل وهو يعلم جوابه ، والطلب من المطلوب منه ، والطالب يعلم حال المطلوب وأنه لايمكنه فعله ، بهدف تنبيه المخاطــب إلى أهمية السؤال أو ما طلب منه ، أو لاستئناس المخاطب ، أو لإرشاده إلى أمر آخر ، أو لتهيئته لشيء ، ونحو ذلك ، وهذا كثير في القرآن كقوله تعالى ( وما تلك بيمينك ياموسى ) وقوله لأبراهيم ( قال أو لم تؤمن ) . وهذا معلوم يعلمه كل الناس ، وفي جميع اللغات ، وفيما يسميه النصارى الكتاب المقدس كثير من هذا أيضا . وأما الرواية التي ذكرها ابن حجر في آخر اعتراض المعترض ، فهي مرسلة، والمرسل ضعيف ، ولو صحت فهي أيضا محمولة على أن الطلب وقع من جبريل ليس لأنه يجهل حال النبي صلى الله عليه وسلــم، وإنما لتهيئته، واسترعاء سمعه ، وإحضار قلبه ، وإشعاره أنه سيكون أعظم قارىء لأعظم كتاب نزل على بني آدم فليستعد لذلك أذاً والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006