هل يجوز الالتحاق بالمدارس علما بأن فيها تحية العلم ، والعلم يرمز لدولة اشتراكية ذات نظام يحمل عقيدة

 

السؤال:

هل يجوز الالتحاق بالمدارس علما بأن فيها تحية العلم ، والعلم يرمز لدولة اشتراكية ذات نظام يحمل عقيدة تناقض الاسلام

*********************

جواب الشيخ:

الجواب على سؤال السائل عن حكم الدراسة في المدارس التي فيها القيام للعلم في دولة عقيدتها تناقض الإسلام ، والعلم يرمز لذلك النظام .

الحمد لله القائل ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الداعي إلى الصراط المستقيم ، وعلى آله وصحبه أهل الدين القويم ، وبعـــد :

القيام في حد ذاته ليس عبادة تعبدنا الله بها ، وإنما يكون كذلك في الصلاة ، كما يكون الجلوس فيها عبادة ، ولهذا قام النبي صلى الله عليه وسلم للجنازة وأمر بذلك أول الأمر فقال ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع ) رواه الجماعة ، وقال ( إنما قمنا للملائكة ) رواه الحاكم من حديث أنس رضي الله عنه ، ثم ترك ذلك ، وتنازع العلماء في سبب تركه ، وروى الترمذي وابن ماجة أنه ترك ذلك مخالفة لليهود .
ــــــــــ
وعلى أية حال ، فلو كان القيام في حد ذاته مما تعبدنا الله به من حركات الجوارح كالركوع والسجود ، ما جاز أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما قمنا للملائكة ) .
ــــــــــ
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحب أن يتمثل الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث معاوية .
ومعلوم أن أحدا من العلماء لم يكفّر من يحب أن يتمثّل له الناس قياما ، وإنما ذكروا تحريمه ، لما فيه من حصول تعاظم العبد في نفسه ، وقد أمر الله تعالى عباده بالتواضع . والنزاع في الجمع بين هذه الحديث ، وبين النصوص التي تدل على جواز القيام مشهور ،وليس هذا موضعه .
وذلك بخلاف فيما لو أحب أن يسجد له الناس على سبيل المثال ، فإن ذلك كفر.
ــــــــــ

وبهذا يعلم أن القيام للعلم فيه تفصيل ، ولا يخلو الأمر :

إما أن يكون العلم رمزا لزعامة زعيم ، أو رئيس على قوم ، ذوي عصبية ، وليست رئاسته قائمة على مبدأ كافر ، فإن القيام له في هذه الحالة محرم ، كالقيام للزعماء ، كما دل على هذا الحديث الآنف ، وهو من عمل الجاهلية .
ــــــــ
وإما أن يكون العلم رمزا لعقيدة كافرة متمثّلة في نظام يقوم عليها ، فهذا من قام له معظماً له ، عالماً بما يرمز إليه ، فهو كفرٌ بالله تعالى ، وذلك كمن يعظِّم الطواغيت سواء ، ولا يفعله إلاّ من يتّبعُهم ، ويدين بدينهم ، غير أن الجهل غالب على الناس ، فلا يكفر المعيّن إلا بعد البيان ، فإن أصر على تعظيم شعار عقيدة كافرة عالما بمناقضتها للإسلام ، فهو مرتد تجري عليه أحكام الردة والعياذ بالله.
ــــــــ
وأما من إن كان المسلم أصلاً واقفاً لغير ذلك ، ثم رفع العلم ، فكفر بما يرمز إليه بقلبه ، ولم يقف تعظيما له ، فلا يكون كفرا ، لانه لم يقع منه عبادة مصروفة لغير الله تعالى ظاهرا ، ولم يحدث منه تعظيم لشعائر الكفر باطنا .

غير أنه يحرم عليه أن يشهد مشهدا يقوم الناس فيه بالباطل ، دون إنكار منه ، كما قال تعالى (والذين لا يشهدون الزور ) أي لا يحضرون أماكن الباطل والمنكر.

فإن اضطر إلى حضور هذا المشهد ، بحيث لا يمكنه أن يتعلم ما يحتاج إليه من علوم الدنيا التي بها يطلب الرزق ، فالتحق بالمدارس التي يكون فيها هذه العادة القبيحة من القيام للعلم ، وأنكر ذلك بقلبه ، فهو معذور إن شاء الله تعالى .
ــــــــــ
وهو بمنزلة من يسجل في جنسية الدولة التي يرمز إليها ذلك العلم ، ويحمل جواز السفر التابع لها ، ويستفيد من ذلك ، في كسب رزقه ، وأمنه على نفسه ، وتنقله ، وسائر معايشة ، مع أنه قد يقال أيضا ، إن في ذلك إيـذانـاً بالقبول ، والاتّباع لما هو شعار الكفر ، غير أن ذلك يسوغ إن شاء الله تعالى للضرورة ، مادام القلب منكرا للكفر ، بريئا منه .

وهذا إنما ساغ للضرورة ، لان القيام في حد ذاته ليس عبادة من صرفها لغير الله تعالى كفر ، ككفر من يسجد لغير الله تعالى ، أو يصلي ، أو يصوم ، أو يحج لغير الله تعالى ، ولو كان كذلك ، لم تبحه الضرورة .

ذلك أن ما كان كفرا أكبر ، فلا يبيحه في الظاهر إلا الإكراه ، لمن كان قلبه مطمئنا بالإيمان .
ــــــــــــــ
ونظير هذا من بعض الوجوه ، مما يسوغ فعله ، لدفع ضرر أكبر ، أو تحصيل مرجحة راجحة ، مما ليس هو كفر في حد ذاته ، مالم يصحبه تعظيمُ للطواغيت ، ما فعله الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة رضي الله عنه .

قال ابن حجر رحمه الله في الإصابة : ( ومن مناقب عبد الله بن حذافة ما أخرجه البيهقي من طريق ضرار بن عمرو ، عن أبي رافع ، قال : وجّه عمر جيشا إلى الروم ، وفيهم عبد الله بن حذافة فأسروه ، فقال له ملك الروم : تنصر أشركك في ملكي ، فأبى ، فأمر به فصلب ، وأمر برميه بالسهام ، فلم يجزع ، فأنزل ، وأمر بقدر فصب فيها الماء ، وأغلي عليه ، وأمر بإلقاء أسير فيها ، فإذا عظامه تلوح ، فأمر بإلقائه إن لم يتنصر ، فلما ذهبوا به بكي ، قال : ردوه ، فقال : لم بكيت ؟ قال : تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هكذا في الله ، فعجب قبل رأس ، وأنا أخلي عنك ، فقال : وعن جميع أسارى المسلمين ، قال : نعم ، فقبل رأسه ، فخلى بينهم ، فقدم بهم على عمر ، فقام عمر فقبل رأسه وأخرج ابن حجر لهذه القصة شاهدا ، من حديث ابن عباس موصولا ، وآخر من فوائد هشام بن عثمان من مرسل الزهري ) انتهى .
ـــــــــــــ
وتأمّل كيف رجح هذا الصحابي الجليل ، مصلحة إطلاق أسارى المسلمين ، ودفع الضرر الأكبر عنهم ، بفعل الضرر الأصغر وهو تقبيل رأس هذا الطاغية الكافر ، مع اعتقاد القلب البراءة منه ومن دينه .
ـــــــــــــــ
ومعلوم أنه لو ترك أهل التمسك بالدين كلهم ، تعلم علوم الدنيا ، لاسيما في هذا الزمن ، لأدى ذلك إلى مفسدة عظيمة ، ومضرة كبيرة ، عليهم وعلى الإسلام ، فمن أجل ذلك ، فالصحيح إن شاء الله تعالى ، جواز الالتحاق بالمدارس ، وإن كان فيها القيام للعلم الذي يرمز لنظام ذي عقيدة تناقض الإسلام ، بشرط البراءة القلبية من ذلك ، إن لم يكن ثمة غيرها من المدارس التي تخلو مما يخالف الشرع ، ولم يمكن تغيير هذا المنكر والله أعلم .

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006