هل يجوز جعل العقل حاكما على النصوص وإبطال أحكامها ؟

 

السؤال:

 هل جعل العقل حاكما على النصوص ، وإبطال ما دلت عليها من أحكام ، استنادا على اتباع العله في أحاديث النهي كحديث ماتحت الكعبين ففي النار يقول هذا إذا كان متكبرا والنهي عن تعليق الصور بالمنزل يقول هذا إذا عظمت فقط وإذا إنتفت هذه العلل فلا بأس من فعلها إذا كانت النوايا طيبة . فهل يصح هذا أم التسليم والإمتثال هو الواجب .ويحتج من يقول هذا القول أن علماء المذهب الحنفي يقرون هذا من خلال فتاواهم وضحوا لنا الأمر جزاكم الله خيرا ؟

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبــه وبعد : ـ

لايجوز جعل استنباط العلة وتعليق الحكم عليها وجودا وعدما ، جعل ذلك مبنيا على تحكيــم العقل ، بغير دليل ، اتباعا للهوى وانقيادا للشهوات ..
-----------
أما إن كان استنباط العلة ، وتعليق الحكم عليها وجودا وعدما ، اتباعا للدليل الشرعي وانقيادا للوحــي ، فهذا من جملة اتباع الشريعــة ، إذ الشريعة العليّة ، إنما هي نصوص تدل على الاحكام بمنطوقها ومفهومها ومعقولها، ومعقولها هو القياس القائم على التعليل.
----------
ومن الأمثلــة على الاول أن يقال : إن الله تعالى فرض الحجاب من أجل الفتنة ، واليوم لا فتنة بالنظر إلى شعر المرأة ، بسبب انتشار العري ، فلايجب الحجاب ، كما يقوله من يقوله من الزناقة ، فهذا زندقـــة وكفــر .
--------------
ومن الأمثلة على الثاني أن يقال إن العلــة في حديث البخاري ( إذا دخلتم ليلا، فلا تدخل على أهلك، حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة ) أن الرجل يطرق أهله ليلا فجأة من سفر، وهي لاتعلم بمجيئه ، فيرى ما لايسره ، فيضــر ذلك بالعلاقة الزوجية ، ولكن الحكم قــد يتغير ، بما تيسر هذه الأيام من وسائل الاتصالات ، فتزول العلــة ، فالعلة تدور مع المعلول وجودا وعدما ، فيمكن للزوج أن يدخل على أهله ليلا إن اعلمها بموعد وصوله .
-------------
ومثال آخر : أن النبي صلى الله عليه نهى عن قتل المرأة في الحرب ، وعلل ذلك بقوله " ماكانت هذه لتقاتل " ، واليوم قد يزول هذا الحكم المعلق بعلة عدم القتال من المرأة ، بكونها مقاتلة ، فبعض الدولة تجند النساء في القتال ، كما هو معلوم ، فمثل هذا الاستنباط الشرعي الصحيح ، ونحوه لاينكر ، بل هو من اتباع الشريعة.
---------
وإذا كان العالم يتجرد لله تعالى ، ويعظم شريعته ، ويستحضر في فتواه أنه يوقع عن رب العالمين ، ويخالف هواه ، ولا يفتي لإرضاء الخلق ، بل قياما بما أمره الله تعالى به ، ويتقيد بقواعد الاستنباط الصحيحة ، ويتبع الدليل ويدور معه حيث دار ، فهذا لاتثريب عليه إن اجتهــد، والواجب أن تتسع صدورنا للخلاف في المسائل الإجتهادية ، وأيضا إن زل العالم الذي غلب صوابه ، وظهر فضله ، فالواجب أن تغفر له زلته ، وتُطــــوى ، ولا يشنع عليه بسببها ، فما من أحد إلا وله زلـــــة .
----------
أما الأحاديث التي وردت في الوعيد على الزيادة على الكعبين في الثياب ، فليست مقيدة بعلـّـة بالتكبــر ، ومن يدعي أنها معللة بذلك ، مطالب بالدليل على هذا التعليل ، ولادليل ، وأما حديث " إنك لســت مما يفعل ذلك خيلاء " فإنما ورد في صورة مخصوصة هي أن يكون الازار فوق الكعبين ، ويسترخي ويتعاهده لابسه ، كما قال الصديق في الحديث " إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده " ، أو كما قال .

فلايصح التعليل بمثل هـــذا .
----------
وكذلك تعليل تحريم تعليق الصور بتعظيمها في نفس المعلق لهــا ، غلط واضــح ، فإن عائشة رضي الله عنها علقت صورة على سهوة لها ـ فتحة في الجدار ـ فأغضب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حتى امتنع من دخول حجرتها حتى هتكتها ، وكون ذلك وقع منها تعظيما لا معنى له ولايقوله فقيه ، ومعلوم أن الشبهة على بيت النبوة في مثل هذا مستبعدة ، والواجــب أن لايكون هــم العالم أن يغير الشريعة لإرضاء الناس ، بل يكون تابعا للشريعة منقادا لها ، انقيادا تاما ، آمــــرا للناس بذلك ، في كل الأحـــــــوال ، فهي الصراط المستقيم ، والهدى القويم ، الذي من تمسك به هُــدى ، ومن انحرف عنه ضــــــل .
--------
وهذا ولإستنباط العلل ، والأحكام المترتبة عليها ، قواعد معروفة ، مستنبطة من الكتاب والسنة ، فمن لم يكن ذا دراية بها ، فلا يجوز له أن يتهجم على الفتيا ، ويضل الناس بغير علــــــــم والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006