لماذا بثوا محاكمة صدام بهذه الطريقة ؟

 

السؤال:

فضيلة الشيخ : ثمة سؤال مهم وهو لماذا هذه المحاكمة لصدام ، وما وراء بثها للإعلام بهذه الطريقة ، وفي هذا الوقت ، وما هي الإشارات السياسية وراء صور الكاميرا التي يختارها الإحتلال الأمريكي ليخرجها لنا من المحاكمة ؟!!

**********************


جواب الشيخ:

نحمده سبحانه حق حمده ، ونسأله أن يصلي ويسلــم على نبيه وعبده ، محمد وعلى آله وصحــــبه ، أما بعـــــــد :

أولا : بعد الفشل الذريع الذي منيت به إدارة بوش في العراق ، على المستوى السياسي والأمني وأخطر منهما ـ في نظر الشعب الأمريكي ـ على مستوى تبرير الحرب ، حيث سقطت ورقة التوت عن كل الذرائع الزائفة التي قدمتها إدارته لشن غزو أدى إلى مقتل الآلاف من الأبرياء ـ الذين لم يسأل أحد عنهم ـ وتعذيب واغتصاب وانتهاك حقوق الآلاف أيضا ، ولازال ذلك جاريا في العراق على يد قوات الاحتلال الصهيوصليبية فيه .

أصبح هم بوش وعصابته البحث عن زخم إعلامي ينقذ بوش من ورطته في تدني شعبيته في ظل السباق المحموم الذي يجري مع كيري الذي هو مثله ، إن لم يكن أسوء ، في نظرته إلى العالم الإسلامي .

ولهذا لجأت إدارته ـ عوضا عن قتل صدام وكان ذلك ميسورا لهم عند اعتقاله وإدعاء أنه قاوم مقاتلا وقتل ـ لجأت إلى تأجيل عرض هذه المسرحية إلى حين اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية ، يظنون أن ذلك من شأنه التأثير على الشعب الأمريكي ، بإظهار بوش في صورة البطل الذي جلب عدو أمريكا للعدالة ، ثم إن تمطيط ، وتطويل المحاكمة ، سيكون بمثابة البقرة الحلوب التي تدر الأصوات لمشروع بوش في إعادة إنتخابه .

ثانيا : في إبقاء صدام ومن معه أحياء ، وعرض مسرحية محاكمتهم ، تلويح بالعصا ، وترهيب ، لبقية المترددين في تنفيذ المخطط الصهيوصليبي والذي وزع أوامره ـ في ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير ـ بما يلي :

1ـ إحداث تغيير جذري في ثقافة المنطقة من الإسلام إلى الثقافة الغربية التي تسمح بمساحة صغيرة لإسلام محصور ومهجن فحسب .

2ـ السماح بتحويل المنطقة كلها إلى ملحقات عسكرية لوزارة الدفاع الأمريكية .

3ـ إنهاء الصراع مع الصهاينة بتحقيق كل مطالب الصهاينة .

فهذه المسرحية لمحاكمة صدام ، ستبقى الزخم الترهيبي التأديبي ، لجميع المترددين أن هذا سيكون مصيركم ، ستتحولون ـ إن عصيتم ـ من رؤساء دول إلى الذل والهوان أمام قاض شاب من أتباعنا ، يحكم فيكم بما يحقق أهدافنا ، فسيروا جميعا بلا تردد في مشروعنا خير لكم .

ثالثا : بدا واضحا أن الاحتلال الصهيوصليبي أراد أن يرسل رسائل من خلال اختيار بث الصور والكلمات التي اختارها بعناية في أثناء مسرحية محاكمة صدام .

ولايخفى أن اختيار كلمته عن دفاعه عن شرف العراقيات ، بعد أن تم تصوير فضيحة "بو غريب " من قبل المصورين العسكريين الأمريكيين أنفسهم ، وغض الطرف عن بثها للعالم لإظهار العبث بالشرف العربي ، وتمريغه في التراب ، وفي هذه رسالة واضحة تحمل في طياتها ، عنجهية الاحتلال وحقده والرغبة الهستيرية المريضة في التشفي والانتقام .

رابعا : كما لاتخفى الرسالة المبثوثة من وراء الصور عن استغفال رجل الشارع العربي ، وتأكيـد الصورة التي يرسمها الغرب عن العرب ، بأنهم شعوب تسيرها العصا ، وتخدعها الكلمة المزخرفة بالنفــاق .

حيث يرى الإحتلال انه يمكنه بهذه المسرحية أن يلهي الشارع العراقي والعربي عما يجري من مخططات إبادة لعقل ، وثقافة ، وشخصية ، وحقوق هذه الأمة ، ودماء أبناءها ، سواء في العراق أو فلسطين أوغيرها.

خامسـا : وفي نفس الوقت يحاول الإحتلال عبثا استغفال العرب بإظهار الإحتلال أنه حضارة العدالة ، وأنه لم يفعل ما فعله صدام من جرائم خارجة عن قيم الحق والعدل !!

سادسا : إنه لا يزال يحمل تلك العقلية التي تنظر إلى العربي والمسلم على أنه سينسى ما فعله الاحتلال الصيهوصليبي سواء في العراق أو فلسطين فلا فرق ، من جرائم مروعة تم إبعاد الكامرات عن تصوير مدى فظاعتها ، في المدن والقرى والأزقة ، والمعتقلات .

ولقد كان ، ولازال ، الجندي الأمريكي في العراق ، أو اليهودي في فلسطين ، يغتال المرأة ، ومع جنينها في بطنها ، والطفل ، والعجوز ، ويجهز على الجريح ، ويقتل البريء بلا محاكمة ، إن تلك الدماء تسيل ولا يسأل أحد عنها ، لأنها لم تكن محظوظة بالدرجة الكافية لتكون وقودا لمعركة سياسية !!

أنه سينسى ذلك كله بمتابعة هذه المسرحية الهزلية عن محاكمة صدام ، الذي كانت أمريكا نفسها أكبر داعم له ، وبأموال ودعم دول الجوار والدول العربية ، فهم جميعا شركاء في كل الجرائم ، إضافة إلى جرائمهم على شعوبهم ، فما بالهم اليوم تحولوا إلى قطط بريئة ؟!!

لايزال يحمل تلك العقلية أن المسلم سيصدق أن هؤلاء البرابرة الذين افتضحوا بخوضهم لحروب تهراق فيها الدماء أنهارا ، بالأكاذيب والافتراءات والزيف ، لمجرد الهيمنة ، واغتصاب الحقوق ، والهيمنة الظالمة على الشعوب ، وافتضحوا بما تنقله وسائل الإعلام من وسائلهم المنحطة التي تذكرنا بمحاكم التفتيش الصليبية في أوربا ، في تعذيب السجناء والمعتقلين لديهم !!

وأن المسلم سينسى ، وسيصدق أنهم يحملون حضارة ، أو قيما للحق أو العدالة ، أو يفهمون معنى الحرية ، وحقوق الإنسان .

وإنه لمن المضحك أن تعد أمريكا قمع نظام صدام للثورة الشيعية ضده عام 1991م ، من الإتهامات ، بينما كانت هي التي سمحت له باستعمال ما يحتاجه من سلاح لقمعها في وقت كان الجنوب تحت سيطرتها !

إنهم يظنون أننا سننسى أن أمريكا هي أكبر مصنع للمستبدين في العالم ، ولازالت تدعم أنظمة عربية ، يقترف في سراديب معتقلاتها أضعاف ما فعله صدام !

أما في الخليج ، فالتاريخ شاهد ، على أنها هي التي جاءت بالشاه الذي سام شعبه سوء العذاب بعدما خافت على أطماع شركات النفط من ثورة مصدق ، ثم أشعلت فتيل الحرب الخليج الأولى ، ثم أغرت صدام باحتلال الكويت ، إنها سبب كل المصائب هنا ، كما أنها تحرك الفتن والحروب والقلاقل ، إن وجدت أطماعها تتحقق بذلك ، ثم تأتي في النهاية ، في صورة المنقذ العادل !!

إنهم لا يزالون يرون صورة العربي المسلم أنه سيصفق لهم في نهاية كل مسرحية !!

لكن هيهات ، فقد مضى عصر الخداع ، خداع الأنظمة العميلة لشعوبها ، وخداع النظام العالمي الفاسد بقيادة أمريكا للعالم لاسيما العالــــم الإسلامي .

وإن أمريكا قد غدت تتخبط في مستنقع لن تخرج منه إلا مهزومة في سمعتها التي صنعتها من الزيف والأكاذيب ، ومهزومة في محاولتها إظهار ثقافتها في صورة ثقاقة القيم ، وإنما هي ثقافة الطغيان ، والظلم ، والإنتقام ، والعنجهية والإستكبـــــار ، ومهزومة عسكريا أيضا ، ومهزومة إقتصاديا .

وإن ذلك لكائن وإن طال الزمان ، سنة الله ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنته تحويل

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006