الكرامات ومسألة كلام الله تعالى ؟

 

السؤال:

يا شيخ بالنسبة للكرامات ،هل هي مطلقة ، هل يمكن أن يكون بعض الأولياء يؤتى التصرف في الكرامات كما يؤتى التصرف في غيرها من الأسباب ، كما يروون في كتب التصوف ، وما هو الضابط الذي يجعلنا نفرق بين دعاوى التصوف في التصرف بالكرامات وأنها من مخاريق الجان ، وبين تصديق كرامات الأولياء . وسؤال آخر عن كلام الله تعالى ، هل هو يسمع منه ، أم لايسمع منه ما تقول الأشعرية ، وإذا كان يسمع منه ، فما الجواب على من يقول إنه سيكون حادثا حينئذ والحادث مخلوق ؟

**********************************

جواب الشيخ:

لاريب ليست الكرامات مطلقة ، وأفضل ضابط أن نقرأ سير الصحابة وكراماتهم ونقيس من بعدهم عليهم ، ولايخفاك حديث خير الناس قرني ، وقد ذكر العلماء أن الكرامة تكون لحجة في الدين أو حاجة أو نفع للمسلمين .
---------------
وليست هي دعاوى يدعيها المدعون ، ممن يتخذها مباهاة يسوق بها لنفسه تعظيما لها طلبا لجاه او مكانة في قلوب الخلق .
-----------
وليتـامل العاقل حال خير القرون ، وكيف أن الاخبار المنقولة بالاسانيد الصحيحة عنهم ، تثمر نتيجة واحدة أن أعظم ما أكرمهم الله تعالى به ما ذكره بقولـــــــــه ( وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ) ـ
------------
فالاستقامة على الاخلاص والعمل الصالح هو اكبر ما أكرمهم الله به ، ثم إن الله تعالى اجرى على أيديهم الكرامات في وقت الحاجة ، أو لنفع عام للمسلمين أو لإقامة الحجة في الدين ، وقع ذلك من الله تعالى ، دون دعوى منهم أنهم قادرون عليها وقتما يشاؤون ، ومع ذلك كان إخلاصهم وتواضعهم لربهم وطلبهم الرفعة منه لا من الناس يمنعهم من أن يذكروها في الخلق ، فلما علم الله تعالى ذلك منهم نقلت لنا ، فعرفنا قدرهم ، فإن العظيم جاهــه عند الله ، الذي يصمت وينطق حالـــه .
--------------
وأما القصص الخرافية عن كراماتهم ،وكرامات من بعدهم ، والتي لم تصـــح ، فلاتجدها إلا في المؤلفات التي لاتعتني بصحة الاسناد ، مثل كتب التصوف ، فلهذا لم يكن لها ذكر عظيم في الاسلام ، ولهذا كان أهل الحديث يذكرون كرامات الصحابة في باب المناقب ، ويكتفون بما صح إسناده ، ويقدمون ما ورد من ثناء ربهم ورسوله على الصحابة بعملهم الصالح وجهادهم ، يقدمون ذلك على ما وقع لهم من كرامات ، لان هذه الاخيرة نتيجة ، للإستقامة التي هي الأصل ، والمقام العظيم الذي وهبهم الله تعالى إياها نسأله سبحانه أن يمن علينا بفضله .
-------------
وأنصحك بقراءة كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ففيه ماطلبت الجواب عنه بأوضح العبارات ، وأبين الاشارات ، وأصح المسائل وأسد الدلائل
-------
أما هؤلاء الصوفية المتأخرون ، فانشغلوا بدعاوى الكرامات ، وأهملــوا الاتباع الصحيح ، وانشغلوا بالمباهاة ، ونسوا الاخلاص ، وانشغلوا بمظاهر التعظيم والتفخيم والالقاب ، ونسوا أن التصوف السني الاول كان محض الاخلاص في العبادة لله تعالى ، والائتساء بحال نبيه وصحابته في الزهد وأعمار الوقت بالعبادة والذكر ، لا التوجه بالقلب إلى الشيوخ والاضرحة عبادة وتعظيما ، واتخاذ هذه الوثنية شركا يدان به خضوعا وتسليما ، والترنح في الموالد ، واستماع السماع المبتدع ، وكل ذلك من الإحداث في الدين المحرم تحريما .
----------------


وأما مسألة الكلام ، فالله تعالى يتكلم بكلام مسموع يسمع منه ، كما سمعه آدم وموسى ومحمد والملائكة والقرآن مليء بالنصوص الدالة دلالة قطعية على هذا .
-----------
والكلام صفة من صفات الله تعالى ، ولكنه قديم النوع ـ قديم يعني لم يزل ـ وحادث الآحاد ، أي كلامه مع آدم لم يقع قبل ذلك الزمان ، وكذلك مع موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والملائكة ومع أهل الجنة في الجنة، فأحاد الكلام حادث ، لابمعنى مخلوق ، ولكن بمعنى أنه وقع في زمن دون زمن .
----------
ووقوع آحاد بعض صفاته في زمن دون زمن يثبته أهل السنة على ظاهر الوحي ، كما يرى سبحانه الفعل عندما يقع ، ويسمع الصوت عندما يقع ، وهو سبحانه لم يزل سميعا بصيرا ، ويأتي يوم القيامة لفصل القضاء ولايأتي قبل يوم القيامة لفصل القضاء ، فهذا كله وأمثاله عند أهل السنة لا إشكال فيه ، لأنهم لايتوهمون التشبيه أصلا عند تلقي نصوص الوحي في الصفات فلا يحتاجون بعد ذلك إلى التعطيل أو التأويل .
--------------
أما أهل الكلام فيفرضون أولا التشبه في النصوص ، ثم يفرون منه إلى التعطيل ، ثم يلجأون إلى التأويل لكي لايصادم النص عقائدهم ، ولهذا يقولون بالتعلق الحادث بالصفة القديمة كما هو معلوم عنهم ، كما يقولون الحادث هو تعلق المسموع بصفة السمع القديمة ولم يسمع الله تعالى الآن دعاء الداعي مثلا !!!ـ
-------------
ولما جاءت مسألة كلام الله ، اضطربوا اضطرابا كبيرا ، فقد سمع موسى كلام الله تعالى في تلك اللحظة وحصل بينه وبين ربه ، محاورة ، فكيف يتنزّل هنا تعلق الحادث بالصفة القديمة ، ولهذا قالوا هنا إن كلام الله نفسي لايسمع منه ، فرارا من أن يكون موسى عليه السلام قد كلمه الله تعالى في ذلك الزمن بكلام لم يكلمه به من قبل ، وفرارا من دلالة غير هذا من الأدلة الكثيرة أيضا على مثله . وأجاب الغزالي على سماع موسى كلام ربه ، بأن الله تعالى أزال عنه الحجاب ، فسمع ما يدل على كلامه الذي لم يزل في الازل قديما " وما تلك بيمينك " ثم قال : " هي عصاي " ثم أزال الحجاب عنه فسمع ما يدل على كلامه القديم الذي لم يزل " ألقها يا موسى " ـ
----------
وهذا كله تكلف لا معنى له ، ولم يخطر على بال صحابي سمع التنزيل ولا أي مسلم يسمع كلام الله تعالى في حوار موسى مع ربه عند الوادي المقدس .
-----------
والحاصل أن صفة الكلام قديمة النوع بمعنى لم يزل متكلما ، ثم يتكلم بما شاء وقتما شاء لمن شاء ، فيكون ذلك الكلام المعين حادثا لا بمعنى مخلوق ، بل بمعنى وقع في ذلك الزمن دون غيره .
------------
ولهذا قال تعالى ( كلما جاءهم ذكر من ربهم محدث ) ـ
--------------
وهذا كله لامحذور فيه ولا ينافي وصف الله تعالى بالكمال المطلق ، بل الكمال هو أن يتكلم سبحانه متى ماشاء سبحانه .
------
ولو رجعت إلى رسالة أم البراهين تبين لك هذا جليا بإذن الله ، وهي منشورة في ركن المكتبة
والله أعلــــــــم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006