فضيلة الشيخ قرأت في الأخبار أن مؤتمر في مدينة ماردين ألغوا فيه تقسيم البلاد كما في كتب الفقه إلى دار إسلام ، ودار الكفر ، ودعوا إلى أنه يناقض إحترام العهود والمواثيق في القانون الدولي ، وحقوق الإنسان ..إلخ فما هو الرد ، مع بيان معنى دار الكفر ودار الإسلام ، وعلى أيّ أساس بني أحسن الله إليكم |
|
الردُّ المبين على المؤتمرين في ماردين
،
حامد بن عبدالله العلي
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
أنصح المؤتمرين في ماردين أن يدرسوا كتاب ( سادة العالم الجدد ) لجان زيغلر ، ليعلموا كيف أنهم وظّفـوا في مشروع ( المركز والهامش ) !
بإختصار .. بعيدا عن تفاصيـل ما ذكـروه، والتي لن يقرأها 99% من المسلمين ، ولن يعبأ بها المناهضون لمشروع الهيمنة الغربـي ، مشايخنـا طيبون ، وصالحون ، ولكن المؤتمـر مجرد إضافة نقاط من الزيت لتسهيل بعض التروس الصغيرة أثناء دوران الماكنة الضخمـة للّيبرالية الإستعمارية الجديدة التي تريد السيطرة على العالم ، وتطحـن الشعوب بلا رحمة ، مختفية وراء شعارات السلام العالمي ، وحقوق الإنسان ، والتعايش السلمي ..إلخ
( نحن في مركز الدائرة ، ونريد أن نبقى في المركز ، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تقود العالم ) جيسي هيلمز رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ 1995_2001م ، كتاب سادة العالم الجدد ص 32
دول المركز _ وفق التصور الغربي _ هي أمريكا ، وحلفاؤها الغربيون ، والعالم الإسلامي يقع في أدنى الهامش .
( ويبسط السادة سلطانهم على العالم بواسطة الأيدلوجيات التي يدعون إليها ، وأيضا بواسطة الضغط الإقتصادي ، والعسكري الذي يمارسونه ، أمـّا الإيدلوجية التي تقود ممارساتهم فتحمل إسما بريئـا " تفاهـم واشنطن " ) سادة العالم الجدد ص 47
PNAC) ) هي الحروف التي تختصر المشروع الذي منحت به أمريكا نفسها الحـقّ ، في تجاوز كلّ المعاهدات الدولية ، وإنتهاك كلّ حقوق الإنسان ، للوصول إلى هدف الهيمنة على العالم ، وهو مما يُسمـَّى : (The Project for the New American Century) أي مشروع القرن الأمريكي ، ويهدف إلى :
American leadership is good both for America and for the world; and that such leadership requires military strength, diplomatic energy
أي تحقيق قيادة أمريكا للعالم التي هي خير لأمريكا ، وللعالم ، وتتطلب هذه القيادة قوة عسكرية ، وجهود دبلوماسية.
ولهذا إتخذت أمريكا نهج الحرب الإستباقية أي البدء بالضربة العسكرية ، أو احتلال الدول _ كما احتلت العراق وأفغانســتان _ لإزالة أي عائق يحول دون تحقيق مشروع القرن الأمريكي.
" الولايات المتحدة قد دأبت منذ وقت طويل على خيار الأعمال الاستباقية لمواجهة تهديدات الأمن القومي" . " الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بأعمال استباقية إذا اقتضت الضرورة ذلك ". النصَّان من وثيقة الأمن القومي الأمريكي
" قد أدخل معك في يوم ما في حرب ، وفي الوقت الراهن أتمتـّع بالقوّة ، في حين تفتقر إليها، لذا فإنني سوف أشن الحرب حالياً ".جراهام أليسون أحد منظري مفهوم الحرب الإستباقية الأمريكية
قال الشاعر عن عهود الإستعمار الإنجليزي القرن الماضي :
والعهد بين الإنجليـز وبيننـا ** كالعهد بين الشاة والرئبال
من ذا رأى ذئب الذئاب مصافحا ** بتودد حمْلا من الأحمال
لكنهم خافوا انفكاك قيودنا ** فاستـوثقوا منهنّ بالأقفال
كتبوا لنا تلك العهود وإنّمـا ** وضعوا بها قفلا من الأغلال
شُلـّـت أكفّ موقّعيها إنهم **حلـَّت عليهم لعنة الأجيال
هبْ أنّهم أمِنوا انفكاك قيودنا ** أفيأمنـون تقلـّب الأحوال
تنبيـه مهم : الدرس الأول في السياسة العالمية ما يلي :
علـى الخارطة السياسية العالمية مشهـدان :
مشهد هذا الوحش المدمـِّر للإنسانية : زعماء الدول الغربية _ المتحالفون مع الصهاينـة أعظم منتهك للقوانين والعهود الدولية _ الذين يتبنّون إستراتيجية إبقاء الغرب أو الشمال سيـّدا للعالم ، ومركـزاً لـه ، يستنزف ثروات دول الهامش _ لاسيما العالم الإسلامي _ وينهب مقدراته ، ويبقيه تابعا ضعيفا ، ضاربا عرض الحائط بكلِّ القيم الإنسانية الحقـَّه ، مع حرصه أيضا في أثناء ذلك على نفاقه في الدعوة إلى إحترام المواثيق العالمية ، وسيادة الدول ، وحقـوق الإنسان ، وحرية الشعـوب !
وجميع المؤسسات الدولية التي يسيطر عليها _ لاسيما هيئة الأمم المتحدة _ والمعاهدات ، والتحالفـات ، والقواعد العسكرية التي يقيمها الغـرب _ لاسيما في بلادنا الإسلامية منذ قرن _ إنمّـا وسائـل تحقق أهدافه ، وقول غير ذلك ، جهل فاضح بالواقع ، فضلا عن جهالـة أحكام الشريعـة .
والمشهد الثاني : مشهـد تلك النخب المحترمـة ، والمؤسسات الحقوقية غير الرسمية _ والحـقّ أنّ أكثرهم في الغرب أيضا _ الذين يحاولون إيقاف هذا الوحش دون جدوى.
( إنَّ شقاء العالم يمـتد حتى عتبة البيت الأبيض ، وبلعنة مدهشة تعجز الإمبراطورية عن أن تخفي تماما عن أنظار العالم ، العدد الذي لايحصى من الضحايا التي تنتجهم كل يوم ، وكأمواج محيط لعين ، يأتي الضحايا ليعلنوا عن أنفسهم على مسافة خطوات من الكابيتول ) سادة العالم الجدد س 213
وواجب العلماء ليس إخفاء هذه الحقائق ، والدفـاع عن وسائل الهيمنة التي وضعها الغربيون للهيمنة على العالـم ،
بل فرض على العلماء اليوم أن يقودوا مشروع نهضة إسلامي يقوم على ثلاثة أسس :
أحدها : إستنهاض كلِّ الطاقات الإسلامية ، والتعاون مع غير المسلمين ، لكسر مشروع ( المركز والهامش ) وإسقاط أمريكا ، والغرب عن قيادة العالم ، لرفع الظلم عن البشرية ، من المسلمين ، وغيرهـم.
الثاني : دعم حركات المقاومة في كلِّ البلاد الإسلامية التي تقاوم الإحتلال بالسلاح ، والتي تقاوم الإستبداد بمشاريع الإصلاح ، والوقوف إلى جانبها ، والدفاع عن المضطهدين في سجون الطغاة بسبب وقوفهم من الحق ، والعدل .
الثالث : شـنَّ الغارة على السياسة الغربية ، والكشف عن خططها الخبيثة لمحاربة الإسلام تحت شعار ( محاربة الإرهاب ) ، وكشف إستغلال تلك السياسة لهذا المصطلح المزيـَّف ، والتحذير من مسايرة هذه السياسة الخبيثة .
أما سؤالك عن مسألة تقسيم البلاد إلى دار كفر ، ودار إسلام ، فنقول وبالله التوفـيق :
إتفق العلماء على أنَّ الله تعالى إنما بعث دين الإسلام ، لإقامة الحكم على الناس بإعلاء كلمة الله وهي شريعته ، وهذا من أعظم أصول الإسلام ، قال تعال : ( وَأَنْـزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) ، وقال تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
قال ابن كثير رحمه الله : ( أي وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق وعانده ، بعد قيام الحجة عليه ، ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية ، وكلُّها جدال مع المشركين وبيان ، وإيضاح للتوحيد وبيِّنات ، ودلالات فلما قامت الحجة على من خالف شرع الله الهجرة ، وأمرهم بالقتال بالسيوف ، وضرب الرقاب ، والهـام، لمن خالف القرآن ، وكذب به وعانده. وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية ، عن أبي المنيب الجرشي الشامي ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعثت بالسيف بين يدي الساعة ، حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلـّة ، على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " ) .
،
ولهذا فرض الله تعالى الجهاد على هذه الأمـّة ، وتوعـَّد مـن تركه أشد الوعيـد قائلا : ( إلاّ تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم )
،
لأنهـّا إن تركت الجهاد ، فرطت في أمانة إعلاء كلمة الله تعالى ، وإعزاز الدين في الأرض ، وقهر أعدائه ، ولهذا وقع الإجماع على فرضية الجهاد لأنهّـا وسيلة هذا الغرض ، قال ابن حزم رحمه الله : ( والجهاد فرض على المسلمين ، فإذا قام به من يدفع العدوّ ، ويغزوهم في عقـر دارهم ويحمي ثغور المسلمين ، سقط فرضه على الباقين وإلاَّ فـلا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( أنفروا خفافا وثقالا وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكـم ).
،
ولما قامت الأمة بهذه الفريضة ، تبع ذلك تقسيم البلاد التي تخضع لحكم الجهاد إلى قسمين : دار حرب ، ودار إسلام ، وأنَّ دار الحرب هي التي يجب على الإمام إخضاعها لحكم الإسلام ، ودار الإسلام هي التابعة للحكم الإسلامي .
ونسبة البلاد إلى من يسيطر إليها مذكورة في القرآن العظيم ، قال تعالى : ( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنـا أو لتعودن في ملتنـا) ، وقـال سبحانـه : ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ) ، وقال تعالى ( سأوريكم دار الفاسقين ) ، ونظائرها ، كما ورد ذلك في السنة ، ففي البخاري قول عبدالرحمن بن عوف لعمر رضي الله عنهما : ( فامهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ) ، وفي النسائي عن المدينة قبل الإسلام : ( كانت دار شرك ) ، موقوفا عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأما تقسيم الفقهاء البلاد إلى دار كفر ، ودار إسلام ، فهو وإن لم يرد به نص ، غير أنهم وضعوا هذا التقسيـم ، لما يترتب على كلِّ منهما من أحكام تخصُّها ، مثـل حكم دماء أهلهـا ، وأموالهـم ، وحكم من يقتل من المسلمين في صفّهم ويجهـل حالـُه ، وحكم اللقيط فيها .. ونحو ذلك من الأحكام الشرعية التي ترجع كلها إلى إعلان جهاد الطـلب عليها من الإمـام _ إن كانت دار كفر _ متى ترجّحت مصلحته .
وأصح القولين أنَّ الحكم على البلاد أنها دار كفر بحسب ظهور الكلمـة فيها ، فإن كان الحكم للإسلام فهي دار إسلام ، وإلاَّ فهـي دار كفـر .
كما قال القاضي أبو يعلى: ( وكل دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام؛فهي دار كفر) .
وقال المرداوي في الإنصاف: (ودار الحرب: ما يغلب فيها حكم الكفر ) 4/121
وجاء في السيل الجرار للشوكاني رحمه الله : ( أقول: الاعتبار بظهور الكلمة ، فإن كانت الأوامر و النواهي في الدار لأهل الإسلام ، بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره ، إلاّ لكوته مأذونا له بذلك من أهل الإسلام ، فهذه دار الإسلام ، و لا يضـرّ ظهور الخصال الكفرية فيها، لأنها لم تظهر بقوة الكفار ، و لا بصولتهم ، كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود ، و النصارى ، و المعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية ، و إذا كان الأمر بالعكس فالدار بالعكس ) 4/575
لكن ينبغي التنبـُّه إلى أنَّ هذا إنما هـو تبع _ كما ذكرنا _ لجهاد الطلـب ، وثمرته أنـّه يجب على الإمام أن يغـزو البلاد التي تعلو فيها أحكام الكفر ، لإخضاعها لحكم الإسلام ، حتى لو كان فيها مسلمون .
غير أنَّ هذا لايعني إباحة دماء المسلمين في البـلاد التي تكون الكفر فيها هو الظاهـر ، بل هـي فـي هذه الحالة تصبح كالمركبـَّة من دار إسلام لمن فيها من المسلمين ، ودار كفر وحرب لمن فيها من الكفـّـار .
وذلك كما يجب على الرعية بنص الحديث في الصحيحين : ( إلاّ أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) ، قتال الحاكم الذي ظهر منه الكفر البـواح ، ويكون حكم من ينصره على كفـره مثل حكمـه ، بينما يكون من تحت حكمه ، هـم مسلمون ، دماؤهم ، وأموالهم معصومـة .
وفي الحديث دلالة على أنه يجب القتال لجعل الحكم للإسلام ، وهذا هو أعظم مقاصد الجهـاد في سبيل الله تعالى ،
وفيه دلالة على أنَّـه لايلـزم من ذلك إنسحاب حكم دار الكفر على المسلمين في ذلك الموضـع .
وفي مثل هذا جاءت فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما قال جوابا على مسألة ماردين : ( الحمد لله دماء المسلمين ، وأموالهم محرمة حيث كانوا فى ماردين ، أو غيرها , وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة ، سواءكانوا أهل ماردين ، أو غيرهم ، والمقيم بها إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه ، والاّ استحبت ولم تجـب ..
وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان ، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام ، لكون جندها مسلمين , ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار ، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه , ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه ) مجموع الفتاوى 28 / 250
فهذا هو معنى الفتوى الماردينية ، ليس معناها أن ماردين لا يغزوها المسلمون _ آنذاك _ لأنَّ فيها طائفة من المسلمين ، ولا أنَّ من فيها من الخارجين عن شريعة الإسلام في أمـن مطلق من غـزو المسلمين ، بل معناها أنها إنْ غزيـت يقاتل الخارج عن شريعة الإسلام فيها بما يستحقه ، وتحفظ دماء المسلمين ، ولايقال بما أنهم في دار الكفر تباح دماؤهم ، وأموالهـم ، إجراء لأحكام الدار عليهـم !
وفي ذلك قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله :
ولم تجر للكفار أحكام دينهـم ** على أهلها لكـن بها الكفر قد حصل
وما كان فيها الجانبان على السوى ** فقـال تقـي الدين في ذلك المحل
يعامل فيها المسلمـــون بحقهم ** وذا الكفر ما قـد يستحق من العمل
فلا تعط حكم الكفر من كلِّ جانب **ولا الحكم بالإسلام في قول من عدل
وإن ارتـدَّ أهل بلد صار حكم دارهم ، أنها دار كفر ، يجب قتالهم
قال ابن قدامة رحمه الله: ( ومتى ارتد أهل بلد ، وجرت فيه أحكامهم صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم ، وسبي ذراريهم الحادثين بعد الردة ، وعلى الإمام قتالهم ، فإن أبا بكرالصديق قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة ، ولأنَّ الله تعالى قد أمر بقتال الكفار في مواضع من كتابه ، وهؤلاء أحقهم بالقتال ، لأنَّ تركهم ربما أغرى أمثالهم بالتشبه بهم ، والارتداد معهم ، فيكثر الضرر بهم .. وبهذا قال الشافعي ) .
وهذا الذي ذكرناه هنـا ، كلَّه مجمعٌ عليه في الجملة _ رغم خلاف فرعي غير مؤثـّر في تفسير دار الكفر والإسلام _ وهذه الأحكام الشرعية ، لايمكن لأيِّ كان أن يبطلـها ، ولو اجتمع من بين أقطارها ، فلن يقدروا على إبطال شريعة الله تعالى ، فهي الباقية إلى قيام الساعة ، ومن خالفها زائل ولايلبث إلاّ ساعـة .
وننبّه في الختـام إلى أربعـة أمور مهمّـة :
أحدهـا : أنَّ الذين أساؤوا فهم تقسيم ( دار الكفر ، ودار الإسلام ) فإستحلُّوا دماء ، وأموال غير المسلمين في بلاد الغرب ، هـم طائفة قليلة جداً ، ولا أثـرَ لهم يُذكـر ، أمـّا الهجمات على دول الغرب من بعض الجماعات ، فمنطلقه هـو منطـلق آخر تماما _ وإن كنا نتحفظ عليه من جهة أخرى _ وهو منطلق عسكري هدفه إحداث تغييـر في معادلة الصراع ، أو تحقيق توازن رعـب ، أو إنتزاع نقاط سياسية ، أو غيرها ، وهذا تفعله كثير من المنظمات القتالية المناهضة للغرب ، وليس الإسلاميون فحسـب ، ومجال الإجتهاد فيه تابع لأحكام الجهاد ، من باب أنهم يقاتلون عدوَّا لايعترف أصلا _ وإن تظاهر بخلاف ذلك _ بالمعاهدات ، ولا بالقانون الدولي ، ولا بالعهد الدولي لحقوق الإنسان ، بل يوظّفهـا في خدمة أهدافه ، ولا نحتاج أن نذكـِّر بمثالين قريبين الأوَّل ما حدث في غزة في الحرب الأخيرة من إصطفاف غربي كامل مع العدوان الصهيوني عليها ، والثاني ما فعله الكيان الصهيوني في إغتيال الشهيد المبحوح رحمه الله ، وغض الطرف الغربي عن تلك الجريمة إلاَّ ذرَّا للرماد في العيون ، والأمثلة كثيرة جداً .
الثاني : أنَّ جهاد الأمـّة اليوم هو جهاد دفع ، يقاتل فيه المجاهدون لتطهير بلاد الإسلام من إحتلال صهيوغربي مغتصب معتد ، يستهدف الأمـّة حضاريا ، ويخطّط لتمزيقها ، ومن أعظم الواجبات اليوم الوقوف بكلِّ وضوح ، مع كلِّ مشاريع المقاومة ، وتبنّيها ، ودعهما بكلِّ الوسائل .
الثالث : أن أعظم منتهك للقانون الدولي ، وللمعاهدات والمواثيق الدولية ، ولحقوق الإنسان هو التحالف الصهيوغربي ، ولايخفى أن أعلى مؤسسة للمواثيق الدولية وهي الأمم المتحدة ليست سـوى وكر تجسس ، وأداة لتنفيذ أطماع هذا التحالف ، وهي قبل أن تفقد أي إعتبـار لها بشريعة الإسلام ، فقدتها بكونها أداة لتنفيذ أطماع هذا التحالف ، وحقا إنَّ القذافي نفسه كان أفقه عندما مزَّق ميثاق الأمم المتحدة في إجتماعها السنوي ، ممن يدعو إلى إحترامهـا !!
الرابع : إنَّ التجديد في الدين هو إحياؤه في الأمة ، وإرجاعها إلى التمسك بدينها ، والإعتزاز به ، وردّ تآمـر أعداء الأمـة عليها ، وليس التجديد هـو تبديل الديـن ، وتغيير أحكامـه ، لإرضاء من كرهوا ما أنزل الله تعالى !
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( فالشريعة عدل الله بنعباده ، ورحمته بين خلقه ، وظلـُّه في أرضه ، وحكمته الدالة عليه ، وعلى صدق رسوله صلىالله عليه وسلم ، أتم دلاله وأصدقها ، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون ، وهداه الذيبه اهتدى المهتدون ، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل ، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه في استقام على سواء السبيل ، فهي قرة العيون ، وحياة القلوب ، ولذة الأرواح ، فهي بها الحياة ، والغذاء ، والدواء ، والنور ، و الشفاء ، والعصمة ، وكلّ خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها ، وحاصل بها ، وكلّ نقص في الوجود ، فسببه من إضاعتها ، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم ، وهي العصمة للناس وقوام العالم ، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا ، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا ، وطـيّ العالم ، رفع إليه ما بقي من رسومها ، فالشريعة التي بعث الله بهارسوله هي عمود العالم ، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة) .
والله أعلم وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فيلتوكل المؤمنـون
الكاتب: زائر
التاريخ: 05/04/2010