ما حكم الاحتفال بالاسراء و المعراج ، وما هي الدورس المستفادة منه

 

السؤال:

ما حكم الاحتفال بالاسراء والمعراج ، وما هي الدروس المستفادة منه ؟

***************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

نبدأ أولا بذكر الدروس المستفادة :

1ـ فمن أهم دروس حدث الإسراء والمعراج معرفة منزلة المسجد الأقصى في كيان هذه الأمة ، فهو مهاجر الانبياء ، ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم .
-----------------
2ـ وكذلك الاسراء فيه إشارة إلى ربط رسالة النبي صلى الله عليه وسلم برسالة المرسلين جميعا ، وانها رسالة عالميــــة ، وأن النبوات يصدق بعضها بعضا
--------------------
3ـ وفيه التنويه بمنزلة محمد صلى الله عليه وسلم إذ رفعه الله تعالى إليه إلى هذه المنزلة الرفيعة التي لم يصل إليها مخلوق ، حتى تجاوز سدرة المنتهى ، فوصل في الاكرام غاية المنتهى .
---------------------
4ـ وفي ذلك تنويه إلى منزلة هذه الامة إذ كل شرف للنبي صلى الله عليه وسلم يفيض عليها منه نصيب أيضا.
------------------------
5ـ وفيه أن الله تعالى يسلي ويثبت قلوب أولياءه عند المحن ، ولهذا جاء الاسراء إثر وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها ، وإثر ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف من الاذى البالغ فجاء الاسراء والمعراج
ليكون تسلية له عما قاسى، وتعويضاً عما أصابه ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء، ولئن كان الناس قد صدّوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك .
--------------------------
6ـ وفيه تهيئة النبي صلى الله عليه وسلم للمراحل التالية من الدعوة حيث سيواجه قومه أشد مما مضى وسيهاجر ويفرض عليه الجهاد في سبيل الله ، فلهذا رأى حجاب ربه ، ورأى الجنة ، وجال في الملكوت الاعلى ، والتقى برفاق الطريق ، ووقف بيقين على أهداف الرسالة العليــا ، قبل أن يسلك فيه ، ليثبت الله قلبه.
---------------------------
7ـ وفيه التنويه بمنزلة الصلاة وأنها أصل الاسلام بعد الشهادتين ، وفي كونها فرضت في السماء ، إشارة إلى أن العبد عندما يصلي فكأنما يسري بروحه إلى ربه ، ولهذا ورد في الحديث إن الله ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة مالم ينصرف ، وفيه أن المصلي يناجي ربه ، وفي الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال عبدي: الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم، قال تعالى أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجّدني عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر الفاتحة، قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ).
-----------
8ـ وفيه : إشارة إلى أن اليهود لما أضاعوا كرامة الوحي وبدلوا احكام الله ، وحرفوا دين الله ، حول الله تعالى عنهم النبوة إلى غيرهم إل الابد ، بعدما لعنهم لعنهم لعنا كبيرا ، فهو إيذان إلهى بأن القيادة الخيرية العالمــية الحاملة للوحي الالهي قد انتقلت من أمة إلى أمة ، ومن بلد إلى بلد ، وفي ذلك بيان أن الله تعالى لايعبأ بالانسان إلا بقدر ما يحمل من أمانة الإيمان وتكاليفه ، وإنما يرفعه ويشرفه على قدر ذلك
---------------------
9ـ وفي اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للبن على الخمر في حديث الإسراء ، ففي صحيح البخاري : ـ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، ولو أخذت الخمر غوت أمتك.
فيه إشارة إلى ان الإسلام دين الفطرة ، لأن اللبن مادة نافعة لم تتغير عن النفع ، والخمر استحالة إلى فساد وإفساد ، فالاسلام هو الحفاظ على فطرة الانسان ، واحترام لعقله .
---------------------
10ـ وقد كان فيه أيضا امتحان للمؤمنين في إيمانهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان هذا الامتحان تمييزا للصديق الاكبر أبي بكر رضي الله عنه ، فقد بادر إلى التصديق دون تردد ، فرفعه فوق كل الامة المحمدية .

وفي الحديث : ( لما أسري بالنبي إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به، و صدقوه، و سعوا بذلك إلى أبي بكر، فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال: أو قال ذلك ؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس و جاء قبل أن يصبح ؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوه أو روحه، فلذلك سمي أبو بكر الصديق ) خرجه الحاكم والبيهقي.

----------------------
11ـ وفيه أن الله تعالى أكرم هذه الأمة بكرامات حفاوةً بقدوم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء

عن عبدالله؛ قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى. وهي في السماء السادسة. إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض. فيقبض منها. وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها. فيقبض منها. قال: {إذ يغشى السدرة ما يغشي} [53/النجم/ الآية-16]. قال: فراش من ذهب. قال، فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس. وأعطي خواتيم سورة البقرة. وغفر، لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا، المقحمات.رواه مسلم
--------------

12ـ وفيه أيضا إشارة إلى الصبر والثبات على الحق كما يدل عليه هذا الحديث : ـ

مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة، فقلت لجبريل ما هذه ((الرائحة الطيبة))؟ فقال ماشطة بنت فرعون، كانت تمشطها، فوقع المشط من يدها فقالت باسم الله، فقالت ابنة فرعون: أبي، قالت: ربي، ورب أبيك، قالت أقول له إذا، قالت قولي له، فقال لها:: أولك رب غيري؟ قالت: ربي وربك الله الذي في السماء فأحمي لها ((بنقرة من نحاس، فألقى ولدها، واحدا، واحدا فكان آخرهم صبي، فقال يا أماه اصبري فإنك على الحق.
---------------
13ـ وفيه أن الله تعالى أظهر من دلائل النبوة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعت لقريش المسجد الاقصى ولم يكن قد رآه فألقمهم حجارة بعدما كذبوه : ـ

وفي الحديث : ( لما كان ليلة أسري بي، وأصبحت بمكة فظعت بأمري، وعرفت أن الناس مكذبي. فقعد معتزلا حزينا. قال: فمر عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له – كالمستهزئ -: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: ما هو؟ قال: إنه أسري بي الليلة. قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم. فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه، قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي! فانتفضت إليه المجالس، وجاءوا حتى جلسوا إليهما، قال: حدث قومك بما حدثتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أسري بي الليلة. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم. قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب؛ زعم! قالوا: وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد – وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد -؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت. قال: فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقال – أو عقيل -، فنعته وأنا أنظر إليه – قال: وكان مع هذا نعت لم أحفظه – قال: فقال القوم: أما النعت؛ فوالله! لقد أصاب) أخرجه أحمد والنسائي والضياء المقدسي
-----------
14ـ وفيه ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من خشية جبريل ليكون في ذلك عبرة له صلى الله عليه وسلم في الحديث : ـ
مررت بجبريل ليلة أسري بي بالملأ الأعلى، و هو كالحلس البالي من خشية الله عز و جل) خرجه الطبراني في الاوسط وابن أبي عاصم في السنة .
-------------
15ـ وفيه مارآه صلى الله عليه وسلم من عذاب الذين يقولون مالايفعلون ، تعليما للنبي صلى الله عليه وسلم : ـ
وفي الحديث : ـ
رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال: الخطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبر و ينسون أنفسهم، و هم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون ) خرجه ابن حبان وأبو يعلى.
-----------

16ـ وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم في أعظــم وأعلى واهم لقاء قمة عبر التاريخ : ـ

لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: ( يا محمد أقريء أمتك مني السلام، و أخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، و أنها قيعان، غراسها سبحان الله، و الحمد لله، ولا إله إلا الله، و الله أكبر ) ـ رواه الترمذي
وتأمل كيف أن لم يُتناول في هذه القمة إلا ذكر الهدف الاسمى والاعلى للوجود الانساني وهو الرجوع إلى الله وجواره في جنة الخلد.
-----------------
17ـ وفيه أن الله تعالى أكرمه بغسل قلبه قبل أن يعرج به إلى السموات حيث طهارة وقدسية الحضرة التي لايحضرها إلا الملائكة المطهرون ، ففي الحديث الصحيح : ـ ( أتيت ليلة أسري بي، فانطلق بي، إلى زمزم فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أنزل) ـ رواه مسلم

وفي الحديث ايضا : ـ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال: بينا أنا في الحطيم _ وربما قال في الحجر - مضطجع بين النائم واليقظان أتاني آت، فشق ما بين هذه إلى هذه – يعني ثغرة نحره الى شعرته – قال: فاستخرج قلبي: ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي ثم أعيد) متفق عليه

=============

هذا ونستفيد من كرامة الاسراء والمعراج التي هي كرامة لنبينا صلى الله عليه وسلم ولناكذلك ، أنها أيضا تشتمل على أمانة جعلها الله في أعناقنا ، وهــــي أن نحافظ على المسجد الاقصى ، ونرعاه بأرواحنا ودماءنا ، لاننا بحفاظنا عليه ، نحافظ على اختيارنا بتحمل أمانة رسالة الرسل جميعا التي حُـمِّلناها ، فالمسجد الاقصى مهاجر الأنبيـاء ، والشاهد التاريخي على وحدة رسالتهم .

ولاريب أن ما يجري من أحداث اليوم ، امتحان لهذه الأمة ليرى الله تعالى أهليتها لحفظ أمانته ، وبقاء الخيرية فيها ، بقيامها بحراسة ما هو من أعظم مقدساتها ، وأنها تستحق إكرام الله تعالى لها بان جعلها وارثة الوحي الرسالي ، المرموز له بمسرى النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمسجد الحرام والمسجد النبوي خصوصيتها ، والمسجد الاقصى استحقاقها الخيرية العالمية إلى آخر الزمان ، وحمل الرسالة الشاملة ، والميراث الحق لهداية الرسل جميعا ، ولاريب أنه امتحان عظيم ، غير أن الأمة ستنجح فيه بعون الله . غير أن الشأن هــو فيمن يختارهم الله تعالى ليكونوا حماة المسجد الاقصى ، ومن يقع عليهم الاصطفاء الالهي ليكونوا خاصة جنوده ، فيالشرف من رفعته العناية الالهية إلى هذا المقام الاسمى ، ويا لسعادة من نظرت إليه العين الربانية نظرة الاجتباء فاستعلمه الله لهذه المهمة الجليلة ، فاللهم استعملنا في جنودك ، واكرمنا بألطافك اللدنية ، وأفرغ علينا من نعمك الخصوصية ، وقربنا من حضرتك القدسية ، واجعل دماءنا سبيلا لمرضاتك ، وسقيا لشجــرة نصـر دينك ، وخذ من مهجنا ونفوسنا وأموالنا حتى ترضى عنا ، وتنصر بها دينك الذي اصطفيت على الدين كلــه.. آمــين

=====================

وأما حكم الاحتفال بالإسراء والمعراج فننبه أولا أنه لم يثبت أن الإسراء والمعراج كان في السابع والعشرين من رجب ، والاحتفال بيوم الإسراء والمعراج بدعة ،ونسوق فيما يلي فتوى لسماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة ورئيس قضاتها ورئيس الشؤون الإسلامية سابقا- رحمه الله-

الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج غير مشروع

سئل سماحة الشيخ عن حكم الاحتفال بذكرى الاسراء والمعراج؟

- والجواب: هذا ليس بمشروع ؛ لدلالة الكتاب، والسنة، والاستصحاب، والعقل. أما الكتاب فقد قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} سورة المائدة الآية 3.

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } سورة النساء الآية 59.
والرد إلى الله هو إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته وإلى سنته بعد موته، وقال تعالى:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} سورة آل عمران آية 31. قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } سورة النور آية 63.

وأما السنة: فالأول ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

الثاني: روى والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والمحدثات فإن كل محدثة ضلالة".

الثالث ": روى الإمام أحمد والبزار عن غضيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة" رواه الطبراني إلا أنه قال: "ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة".

"الرابع ": روى ابن ماجه وابن أبي عاصم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبي الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته " رواه الطبراني، إلا أنه قال: "إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ".

وأما الاستصحاب فهو هنا استصحاب العدم الأصلي. وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية، فلا يقال: هذه العبادة مشروعة. إلا بدليل من الكتاب والسنة والإجماع، ولا يقال إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة أو الاستحسان أو القياس أو الاجتهاد؛ لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا مجال لتلك فيها.

وأما المعقول فتقريره أن يقال: لو كان هذا مشروعاً لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج. وان كان من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وسلم فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ثم من بعدهم من الصحابة على قدر منازلهم عند الله ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين ولم يعرف عن أحدمنهم شيء من ذلك فيسعنا ما وسعهم.

ونسوق لك بعض كلام العلماء في ذلك، فمن ذلك ما قاله ابن النحاس في كتابه "تنبيه الغافلين):

ومنها- أي البدع المحرمة- ما أحدثوه ليلة السابع والعشرين من رجب وهي "ليلة المعراج " الذي شرف الله به هذه الأمة، فابتدعوا في هذه الليلة وفي ليلة النصف من شعبان وهي .

الليلة الشريفة العظيمة كثرة وقود القناديل في المسجد الأقصى وفي غيره من الجوامع والمساجد، واجتماع النساء مع الرجال والصغار اجتماعاً يؤدي إلى الفساد وتنجيس المسجد وكثرة اللعب فيه واللغط، ودخول النساء إلى الجوامع متزينات متعطرات، ويبق في المسجد بأولادهن فربما سبق الصغير الحدث، ربما اضطرت المرأة والصبي إلى قضاء الحاجة، فإن خرجا من المسجد لم يجدا إلا طريق المسلمين في أبواب المساجد، وإن لم يخرجا حرصا على مكانهما أو حياء من الناس ربما فعلا ذلك في إناء أو ثوب أو في زاوية من زوايا المسجد، وكل ذلك حرام، مع أن الداخل في الغلس لصلاة الصبح قل أن يسلم من تلويث ذيله أو نعله بما
فعلوه في باب المسجد، ويدخل بنعله وما فيه من النجاسة إلى المسجد وهو لا يشعر. إلى غير ذلك من المفاسد المشاهدة المعلومة. وكل ذلك بدعة عظيمة في الدين ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين، مع ما في ذلك من الإسراف في الوقيد والتبذير وإضاعة المال.

وقال أيضاً: واعتقاد أن ذلك قربة من أعظم البدع وأقبح السيئات؛ بل لو كان في نفسه قربة وأدى إلى هذه المفاسد لكان إثماً عظيماً. فينبغي للعاجز عن إنكار هذه المنكرات ألا يحضر الجامع وأن يصلي في بيته تلك الليلة إن لم يجد مسجداً سالماً من هذه البدع لأن الصلاة في الجامع مندوب إليها وتكثير سواد أهل البدع منهي عنه وفعل الواجب متعين.

هذا إن لم يكن مشهوراً بين الناس، فإن كان مشهوراً بينهم بعلم أو زهد وجب عليه أن يحضر الجامع ولا يشاهد هذه المنكرات؛ لأن في حضوره مع عدم الإنكار إيهاماً للعامة بأن هذه الأفعال مباحة أو مندوب إليها وإذا فقد من المسجد وتأخر عن عادته في الصلاة جماعة وأنكر ذلك بقلبه لعجزه لربما يسلم من الإثم، ولا يغتر به غيره، ويستشعر الناس من عدم حضوره أن هذه الأفعال غير مرضية؛ لأن حضورمن يقتدي به في هذه الليلة هو الشبهة العظمى.

فظن الجهال والعوام أن ذلك مستحسن شرعاً، ولو اتفق العلماء والصلحاء على إنكار ذلك لزال بل لو عجزوا عن الانكار وتركوا الصلاة في الجامع المذكور لظهر للناس أن ذلك بدعة لا يسوغها الشرع ولا يرضاها أهل الدين، وربما امتنع الناس عن ذلك أوبعضهم فحصل لهم الثواب بفعل ما يقدرون عليه من الانكار بالقلب والامتناع عن الحضور إن كانوا عاجزين عن التبيين . وإن كانوا قادرين فيسقط عنهم بعض الإثم ويخفف عنهم الوزر.

وقال الشيخ علي محفوظ في كتابه "الإبداع في مضار الابتداع " تحت عنوان "المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه " ومنها: "ليلة المعراج " التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها.

وقد تتفق أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرة: كالاجتماع في المساجد وايقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك واجتماعهم للذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج، وكان ذلك حسناً لو كان ذكراً وقراءة وتعلم علم، لكنهم لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لا سيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير. انتهى.
وان أردتم المزيد من الكلام على الموضوع فعليكم مراجعة " الاعتصام " للشاطبي، و"البدع والحوادث " للطرطوشي و"البدع والنهي عنها" لابن وضاح القرطبي. هذا ونسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية إلى دين الإسلام والثبات عليه. والسلام عليكم.
انتهت الفتوى.

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006