إختلط عليّ الحابـل بالنابــل.

 

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخى الفاضل حفظك الله ورعاك
وجزاك الله عنا خير الجزاء
سؤالى ياشيخ عن المنهج الصحيح حيث انه قد اختلط عندى الحابل بالنابل فلا اعرف من هو على الاستقامة الشباب السلفى وما يقولون به وهو عدم الاستماع الى بعض الدعاة والهجر وقذف الشباب الذين هم على غير المنهج بالمخالفين والاخذ من مصادر معينة والجرح والتعديل الى ما هنالك من امور اخرى وانا ياشيخ اصبحت فى حيرة فلا اعرف اين جادة الصواب ومن هم الذين على الاستقامة

*******************

جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سبب اختلاط الحابل بالنابل أنك تفكر بغيرك أكثر مما تفكر بنفسك ، بينما أنت مأمور أن تجعل همك في نفسك بارك الله فيك ، وكان بعض السلف يقول : إذا أراد الله تعالى بعبد خيرا أشغله بنفسه وقال غيره : علامة خذلان العبد أن تراه منشغلا عن نفسه
--------------
وسبب شتات الامر أن العبد لايجعل الاخرة همه ، وقد صح في الحديث من كانت الاخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم يؤته من الدنيا إلا ما كتب له
---------------
ولو أن العبد كان مهموما بفكاك رقبته من النار ، فإنك تجده مجتهدا في المحافظة على الصلاة ، وحسن أداءها وخشوع القلب والجوارح فيها ، والتبكير إليها ، وبحفظ القرآن وبقيام الليل ، وصيام النافلة ، وبإصلاح النفس وتنقيتها من الآفات، وبمعرفة سنن النبي صلى الله عليه وسلم والائتساء به فيها ، وبحفظ لسانه عن الوقوع في أعراض الناس ومن لم يكلفه الله أن يتكلم في شأنــهم.ـ
---------------
وتراه يجد في قلبه بسبب إقباله على عمل الاخرة وإعمار الوقت في ذلك ، يجــد حلاوة الايمان ، ولذة الطاعة ، وسكينة العبادة ، وانشراح الصدر بالعمل الصالح ، لاسيما في الخلوة مع ذكر الله تعالى ، ويجد للقرآن أثرا عظيما في نفسه ، وتجده يكره الانشغال بعيب الناس إلا ما لابد منه من النصح إن كان أهلا لذلك ، وبآدابه المعروفة
-----------
وأما هؤلاء الذين يضيعون أعمارهم في عيب الآخرين ، وتتّبع عورات الناس ، وينشغلون بجرح هذا وتعديل ذاك ، فقد أشغلهم الشيطان عن أنفسهم بتلبيس إبليسي ، وسيكتشفون بأخرة أن أعمارهم ضاعت بغير طائل ، بل كسبت آثاما عظيمة ، فقد صح في الحديث أن أربى الربا الاستطالة في أعراض المسلمين ، ومن علامة حرمان التوفيق أن يستهين العبد بما يلوكه لسانه
-----------
وليت شعري كيف يصبح المسلم في حيرة عن جادة الصواب ، والجادة مهيع واضح ، وصراط مستقيم ، كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ألا يسع المسلم أن يتعلم القرآن من تفاسيره السنيّة كابن كثير والبغوي ، ويتعلم الفقه من كتب الفقه المعروفة ، ويتعلم الحديث من الصحاح ، ويعبد ربه ، ويدع الناس وشأنهم ، ألا يسعه ذلك ؟ فهل سيسأله الله عن غير هذه الأربــع : علمه ماذا عمل به ، و ماله من أين اكتسبه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه .ـ
-----------------
وأما إن بلغ في العلم مرتبة يكون فيها مسؤولا أن ينهى عن البدع ويحذر من أصحابها ـ ونحن نعني هنا أهل البدع الذين هم أهل البدع وليس أهل السنة ممن يُبَدّعون بغير حق ـ فحينئذ يجب عليه أن يقوم بذلك على قدر ما يسعه ، ولو وجب على كل عبد أن يبحث عن كل صاحب بدعة فيتكلم فيه ، لكان هذا من تكليف مالايطاق ، هذا فضلا عن ملاحقة كل داعية والتنبيش عن دخائله ، وتحديد موقف منه ، فهذا ليس سوى الخذلان بعينه عافانا الله ، والمقصود أن تحميل كل طالب علم مسؤولية العلماء ، وما حمّلـــوه ، ضرب من الجهل والحمق، أما إشغالهم بأعراض الناس والمصلحين فذنب عظيم ووزر جسيم
ـــــــــــــــــ
وعليك بوصية هذا الإمام فخذ بها : ـ
قال بشر الحافي : وقد رأيت مشايخ طلبوا العلم للدنيا فافتضحوا ، وآخرين طلبوه فوضعوه وعملوا به وقاموا به فأولئك سلموا فنفعهم الله تعالى ، وإذا أنت سمعت الشيء من معدن واخذت به ثم سمعت غيرك يقوله بخلافه فلا تماره فإنك لاتنتفع بذلك ، واعمل به لنفسك ، وقد رأيت أقواما سمعوا من العلم اليسير فعملوا به ، وآخرين سمعوا الكثير ، فلم ينفعهم الله به فكيف ؟
وكان يقول : من حرم المعرفة لم يجد للطاعة حلاوة ، ومن لايعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الاحوال ، ومن زهد في الدنيا على الحقيقة ، كانت مؤنته خفيفة ـ
والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006