بعض أقاربي يقول : لماذا نعاقب بالذل ونحن مسلمون وهم كفار أليس فيناواحد مستجاب الدعاء؟

 

السؤال:

السلام عليكم و رحمة الله

سألني أحد أقاربي الكبار , انه غير مقتنع أبدا أن ما يحدث لنا عقاب من الله اذ ان المسلم مهما كان أفضل من الكافر فكيف يسلط عليه الكافر ؟ و يعلو الكافر و يذل المسلمون ؟

و أيضا سألني ألا يوجد في المليار مسلم من يستجيب الله له ؟

أرجو أن تبسط لنا الاجابة يا شيخ

جزاك الله خيرا

*********************

جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

قل له أليس ولدك أحب إليك من ولد الناس .

إذن لماذا تعاقب ولدك إذا أخطأ
سيقول لك لكي أجعله يشعربعاقبة الذنب فيعود ويصحح مساره .
-------
فكذلك الله تعالى إذا عاقب المسلم فقد يعاقبه لكي يذّكــر ، كما قال تعالى ( ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون ) ـ
-----------
وقد يترك الله تعالى الكافر دون عقوبة في الدنيا ، لان هذا الترك نفسه عقوبة ، كما قال تعالى " ولايحسبن الذين الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهيــن " ـ

ومعنى نملي ، أي نتركهم بلا عقوبة
-------
كما يترك المعلم تلميذا قد غضب عليه غضبا شديدا ، يتركه بلاعقوبة على انخفاض معدله مثلا ، حتى يرسب ، فقد يظن الناس أنه ترك عقوبته لرضاه عنه ، بينما هــو قد أراد بذلك ان يزيد في عقوبته.
------------------------
ثم إن الله تعالى تارة يظهر عاقبة الذنوب للذكرى ، ويخفيها تارة للامتحان .
-------------------
يظهر عاقبة الذنب ليذكر الناس الذين تنفعهم الذكرى ، ويخفيها أحيانا فنرى بعض الناس مرتكسا في الذنوب ولاتبدو عليه عاقبتها الظاهرة في الدنيا حتى يفضي إلى عذاب الله في الآخــــرة ، وذلك أعني إخفاء آثار الذنب الظاهرة في الدنيــا ، يكون من الله تعالى للإمتحان.
-------------------
ذلك أنه لو أظهر الله عقوبة كل ذنب بعده مباشرة ، لبطل الايمان بالغيب الذي عليه يدور امتحان الله تعالى العباد في الدنيا .
-----------------
وأما متى يظهر الله تعالى أثر الذنب ، ومتى يخفيه ، فالله تعالى يفعل ذلك كله لحكم يعلمها هو ، ونجهلها نحن ، فلا يجوز لنا أن نحكم على ربنا ، قائلين : لماذا اخفى آثار الذنوب في هذا الحال أو لهذا الشخص ، وأظهرها في حال آخر ولشخص آخـــــر ، بل ذلك إليه سبحانه " لايسئل عما يفعل وهم يسئلون " ـ وإنما علينا الاعتبار والادكار.
-------------
وبهذا يعلم ان من الخير للعبد أن يرى أثر ذنبه ، فيكون هذا بمثابة جرس تنبيه ، وتذكير ليرجع إلى ربه ، ولهذا قال بعض العلماء : البلاء يجمع بينك وبين ربك ، والنعماء كثيرا ما تنسي العبد ربه .
--------------
وأما آثار الذنوب الباطنة فهي لاتتخلف أبدا ، كما قيل في الأثر أن رجلا ممن كان قبلنا اسرف على نفس بالذنوب فكان يقول ، كم أذنب ولا أعاقب ، فأوحى الله تعالى إلى نبي ذلك الزمان أن يقول له : لقد عوقبت بأشد عقوبة ولكنك لا تشعر ، قسوة القلب ، عافنا الله تعالى من ذلك.
---------
فالسيئات لابد أن يكون لها آثار على النفس ولهذا سميت السيئات سيئات ، وإنما يهرب أهل السيئات عن آثارهــــــا بالملهيات ، يلهون أسماعهم وأبصارهم بما يسكرها كما قال تعالى " لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " ، فيلهونها بالمعازف والصور ، فإن لم تكفهم ألهوها بالخمور والمخدرات ، ولو لم يفعلوا ذلك لماتت قلوبهم من الوحشة ، ولنفقت نفوسهم من الضيق ، نسأل الله تعالى العافية.
-------
ولهذا قال تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " فهي لاتطمئن إلا بذكره ، وأما من غفل عن ذكره ، فهو فــي شقاء وضنك ،ولايغرنك ضحكهم أمام الناس ، ولاإظهارهم الفرح فإنهــم إن خلوا عمن يؤانسهم فينسيهم ذكر الله ، استوحشت أرواحهم من أجسادهم ، وضاقت عليهم أنفسهم أضيق من ســـم الخياط ، كما ذكر لي ذلك بعضهم ممن تاب .
---------
أما قول القائل : لماذا لايستجيب الله تعالى للمسلمين فينصرهم ، فنقول إن ثمة فرق بين استجابة الدعاء ، وإعطــاء الداعي ما سأل ، فالله تعالى لايرد سائلا قط ، لأنه كريم يستحي أذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرا ، لكنه سبحانه إما أن يعطيه ما سأله ، أو بدله من ثواب الاخرة ، أو يصرف عنه من السوء بسبب دعاءه ، فلايعدم الداعي خيرا قط .
--------------
فالله تعالى يستجيب دعاء المسلمين ، لكن ليس بالضرورة يعطيهم ما سالوه إذا كان قد وضع له شروطا أمرهم أن يأتــوا بها ، فلا يعطيهم ما سألوه حتى يأتوا بها ، وذلك كما يسأل العبد ربه الولد ، فلايعطيه الله تعالى ما سأل إلا إذا تزوج ودخل على زوجته متوكلا على ربه . كذلك الله تعالى سبحانه أمــر المؤمنين أن يقتدوا بنبيهم في الأخذ بالسنن الكونية التي رتبها سبحانه مفضية إلى مسبباتها ، ومن ذلك أسباب النصر والتمكين ، فالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، كان يدعو بالنصر ، ولكنه نُصــر بعــدما مر بالمراحل التي كتبها الله تعالى على المؤمنين في صراعهم مع الجاهلية، فعودي ،واستضعف هو والمسلمون ، وأوذوا، وعذبوا ،وهاجروا ، وهاجر هو بعدهم مختفيا مختبئا في غار ثور ، سالكا طريقا لايعرفه الكفار ، ولما قاتل هو وأصحابه نصروا في مواطن ، وحبس عنهم النصــر في أحــد ، ووقعت عليهم المصائب من الخوف ، والجوع ، ونقص الاموال ، والانفس والثمرات ، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم شروط قريش في صلح الحدييبة ، حتى ظن بعض اصحابه أنهم أعطوا الدنية في دينهم ، والخلاصة أنه جاهدأعداءه مستعملا كل الاسباب الكونية التي وضعها الله تعالى ، ومر بمراحل الصراع كلهــا ، مجتازا كل الابتلاءات بنجاح ، ثم بعد ذلك تحقق له النصر .
-------
فالله تعالى يريد من هذه الامة أن تقتدي بنبيها، لا أن تكتفي بالقعود والدعاء ، وأن تقول: أليس فينا واحد يستجيب الله تعالى له فننتصر ؟!
-----------------
ولهذا كان الدعاء المستجاب عند التقاء الصفوف ، لأنهم قاموا للجهاد ، واستجابوا لربهم ، فاستجاب الله تعالى لهم دعاءهم، كما ذكر الله تعالى دعاء اتباع الانبياء من قبل أنه كان عندما يواجهون الأعداء باذلين أسباب النصر مجاهدين ، كما قال تعالى ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ،وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في امرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين " والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006