أثبت لي أن العمليات الاستشهادية ليست انتحارا؟

 

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل خير يا شيخ حامد العلي على جهودك التي تبذلها في الدعوة الى الله
اما بعد .......أريد منك يا شيخ ان تعطيني الادلة على ان العمليات التي يقوم بها اخواننا في فلسطين عمليات اسشهادية وليست انتحارية وكل الشبه التي تقال في هذا الموضوع والرد عليها ...بارك الله فيك ...ثم يا شيخ اليست هي قتل للنفس بغض الظر عن اسبابها ودوافعها...مع ذكر أقوال كبار العلماء اللذين افتوا بأنها عمليات استشهادية ...وشكرا؟

********************

جواب الشيخ:


الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :

قد كتبت في هذا مقالا ، وفتوى سابقة .



وأزيد هنا نشر رسالة لشيخ الإسلام طبعت مؤخرا بتحقيق الشيخ أشرف بن عبد المقصود ، وهي بعنوان ( قاعدة في الانغماس في العدو وهل يباح ) ، قد فصل فيها شيخ الإسلام حكم انغماس المجاهد في صف العدو ، ليقتل في سبيل الله تعالى لنيل الشهادة ، وأنقلها كاملة ، إلا من شيء يسير جدا اختصرته لخروجه عن موضوع الرسالــة ، قال شيخ الإسلام رحمه الله :

((( الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ونشهد أن لا إله إلا الله ، ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا .

أما بعد :
فهذه مسألة يحتاج إليها المؤمنون عموما ، والمجاهدون منه خصوصا ، وإن كان الإيمان لايتم إلا بالجهاد ، كما قال تعالى ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ، ثم لم يرتابوا ) ، ولكن الجهاد يكون للكفار ، وللمنافقين أيضا ، كماقال تعالى ( جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) في موضعين من كتاب ال.
له
ويكون الجهاد بالنفس والمال ، كما قال تعالى ( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) ، ويكون بغير ذلك ، وبنفقة ، لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من جهز غازيا فقد غزا ، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا ) .

ويكون الجهاد باليد والقلب واللسان كما قال تعالى ( جاهدوا بالمشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم ) رواه أبوداود والدارمي وأحمد ، وكما قال في الحديث الصحيح ( إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولاقطعتم واديا إلا كانوا معكم حسبهم العذر ) متفق عليه .

فهؤلاء كان جهادهم بقلوبهم ودعائهم .

وقد قال تعالى (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( الساعي على الصدقة بالحق كالمجاهد في سبييل الله ) رواه أبوداود وابن ماجة والترمذي .

وقال أيضا ( المجاهد من جاهد نفسه في الله ) رواه أحمد والترمذي .

كما قال ( المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) .

والجهاد في سبيل الله أنواع متعددة ….

ثم قال: يفرق بينهما النية واتباع الشريعة ، كما في السنن عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :الغزو غزوان ، فأما من ابتغى وجه الله ، وأطاع الإمام ، وأنفق الكريمة واجتنب الفساد ، كان نومه ونبهه كله أجر .

وأما من غزا فخرا ورياء وسمعه ، وعصى الإمام ، وأفسد في الأرض ، فإنه لم يرجع بالكفاف .

وفي الصحيحين عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه : قال : قيل يارسول الله الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ؟ أي ذلك في سبيل الله ؟ قال ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) .

وقد قال تعالى : ( وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله ) .

وهذه المسألة هي في الرجل أو الطائفة يقاتل منهم أكثر من ضعفيهم ، إذا كان في قتالهم منفعة للدين ، وقد غلب على ظنهم أنهم يقتلون .

كالرجل يحمل وحده على صف الكفار ويدخل فيهم ، ويسمى العلماء ذلك " الانغماس في العدو " فإنه يغيب فيهم كالشيء ينغمس فيه فيما يغمره .

وكذلك الرجل يقتل بعض رؤساء الكفر بين أصحابه ، مثل أن يثب عليه جهرة إذا اختلسه ويرى أنه يقتله ويغتفل بعد ذلك .

والرجل ينهزم أصحابه فيقتل وحده أو هو وطائفة معه العدو وفي ذلك نكاية في العدو ، ولكن يظنون أنهم يقتلون .

فهذا كله جائز عند عامة علماء الإسلام من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم .

وليس في ذلك إلا خلاف شاذ .

وأما أئمة المتبعون كالشافعي وأحمد وغيرهما فقد نصوا على جواز ذلك ، وكذلك هو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما ، ودليل ذلك : الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة .

أما الكتاب :
ــــــ

فقد قال تعالى ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، والله رؤوف بالعباد ) .

وقد ذكر أن سبب نزول الآية ، أن صهيبا خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلحقه المشركون وهو وحده ، فنشل كنانته ، وقال : والله لايأتي رجل منكم إلا رميته ، فأراد قتالهم وحده ، وقال : إن أحببتم أن تأخذوا مالي بمكة فخذوه ، وأنا أدلكم عليه ، ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ربح البيع أبا يحيى .

وروى أحمد بإسناده أن رجلا حمل وحده على العدو فقال الناس : ألقى بيده إلى التهلكة ، فقال عمر : كلا بل هذا ممن قال الله فيه : (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، والله رؤوف بالعباد) .

وقول تعالى ( يشري نفسه ) أي يبيع نفسه ، فيقال : شراه وبيعه سواء ، واشتراه وابتاعه سواء ، ومنه قوله ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) أي باعوه .

فقوله تعالى ( يشري نفسه ) أي يبيع نفسه لله تعالى ابتغاء مرضاته ، وذلك يكون بأن يبذل نفسه فيما يحبه الله ويرضاه ، وإن قتل أو غلب على ظنه أنه يقتل .

كما قال تعالى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) .

وهذه الآية وهي قوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) يدل على ذلك أيضا .

فإن المشتري يسلم إليه ما اشتراه ، وذلك ببذل النفس والمال في سبيل الله وطاعته ، وإن غلب على ظنه أن النفس تقتل والجواد يعقر ، فهذا من أفضل الشهادة .

لما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلــــم : ( ما من أيام العلم الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) يعني أيام العشر .
قالوا : يارسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟

قال : ( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء )
وفي رواية ( يعقر جواده وأهريق دمه ) .

وفي السنن عن عبدالله بن حبشي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي العلم أفضل؟ قال طول القيام .

قيل أي الصدق أفضل ، قال : جهد المقل.

قيل : فأي الهجرة أفضل ؟ قال : من هجر ما حرم الله عليه .

قيل فأي الجهاد أفضل ؟ قال : من جاهد المشركين بنفسه وماله .

قيل : فأي القتل أشرف ؟ قال : من أهريق دمه ، وعقر جواده .

وأيضا فإن الله تعالى قد أخبر أنه أمر خليله أن يذبح ولده ليبتليه هل يقتل ولده في محبة الله وطاعته ؟

وقتل الإنسان ولده قد يكون أشق عليه من تعريضه نفسه للقتل ، والقتال في سبيل الله أحب إلى الله مما ليس كذلك .

والله سبحانه أمر ابراهيم بذبح ابنه قربانا ، ليمتحنه بذلك ، ولذلك نسخ ذلك عنه لما علم صدق عزمه في قتله ، فإن المقصود لم يكن ذبحه ولكن ابتلاء ابراهيم .

والله تعالى يبتلي المؤمنين ببذل أنفسهم ، ليقتلوا في سبيل الله ومحبة رسوله ، فإن قتلوا كانوا شهداء ، وإن عاشوا كانوا سعداء .

كما قال تعالى ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ) .

وقد قال لبني اسرائيل : ( فتوبوا إلى أنفسكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم )
أي ليقتل بعضهم بعضا ، فألقي عليهم ظلمة ، حتى جعل الذين لم يعبدو العجل ، يقتلون الذين عبدوه .

فهذا الذي كان في شرع من قبلنا ، من أمره بقتل بعضهم بعضها قد عوضه الله بخير منه وأنفع ، وهو جهاد المؤمنين عدو الله وعدوهم ، وتعريضهم أنفسهم لأن يقتلوا في سبيله بأيدي عدوهم لا بأيدي بعضهم بعضا ، وذلك أعظم درجة وأكثر أجرا .

وقد قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) .

وأيضا فإن الله أمر بالجهاد في سبيله بالنفس والمال مع أن الجهاد مظنه القتل بل لابد منه في العادة من القتل .

وذم الذين ينكلون عنه خوف القتل وجعلهم منافقين .

فقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ) .

وقال تعالى : (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا * قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ) .

فأخبر سبحانه أن الفرار من الموت أو القتل ينفع أبدا ، بل لابد أن يموت العبد وما أكثر من يفر فيموت او يقتل ، وما أكثر من ثبت فلا يقتل .

ثم قال : ولو عشتم لم تمتعوا إلا قليلا ثم تموتوا .

ثم أخبر أنه لاأحد يعصمهم من الله ، إن أراد أن يرحمهم أو يعذبهم ، فالفرار من طاعته لاينجيهم .

وأخبر أنه ليس لهم من دون الله ولي ولانصير .

وقد بين في كتابه أن ما يوجبه الجبن من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار ، فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .
فأخبر أن الذين يخافون العدو خوفا منعهم من الجهاد منافقون ، فقال : (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ) .

وفي الصحيحين : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عد الكبائر ، فذكر : ( الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، والسحر ، واليمين الغموس ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) وذكر منها ( الفرار يوم الزحف في الصفين ) .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( شر ما في المرء شح هالع، أو جبن خالع ) رواه أبو داود وأحمد .

أدلة السنة :
ــــــ

أما دلالة سنة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فمن وجوه كثيرة :

منها أن المسلمين يوم " بدر " كانوا ثلاثمائة وبضعة عشرة ، وكان عدوهم بقدرهم ثلاث مرات أو أكثر ، وبدر أفضل الغزوات وأعظمها .

فعلم أن القوم يشرع لهم أن يقاتلوا من يزيدون على ضعفهم ، ولافرق في ذلك بين الواحد والعدد ، فمقاتلة الواحد للثلاثة كمقاتلة الثلاثة للعشرة .

وأيضا فالمسلمون يوم " أحد" كانوا نحوا من ربع العدو ، فإن العدو كانوا " ثلاثة آلاف " أو نحوها ، وكان المسلمون نحو السبعمائة أو قريبا منها.

وأيضا فالمسلمون يوم " الخندق" كان العدو بقدرهم مرات ، كان أكثر من " عشرة آلاف " وهم الأحزاب الذين تحزبوا عليهم من قريش وحلفائها ، وأحزابها الذي كانوا حول مكة وغطفان وأهل نجد واليهود الذين نقضوا العهد ، وهم بنو قريضة جيران أهل المدينة ، وكان المسلمون في المدينة دون الألفين .

وأيضا فقد كان الرجل وحده على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على العدو بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم ، وينغمس فيهم ، فيقاتل حتى يقتل ، وهذا كان مشهورا بين المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه .

وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري ، جد عاصم بن عمر بن الخطاب ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان ، فنهدوا إليهم بقريب من مائة رجل رام ، وفي راية مائتي رجل ، فاقتلوا آثارهم ، حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه ، فقالوا : هذا تمر يثرب.

فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع ، وفي رواية إلى " فدفد" أي مكان مرتفع ، وأحاط بهم القوم ، فقالوا لهم : انزلوا فاعطوا أيديكم ولكم العهد والميثاق لايقتل منكم أحد ، فقال عاصم : أيها القوم أما والله فلا أنزل على ذمة كافر ، اللهم فأخبر عنا نبيك ، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة .

ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق ، منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر ، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها ، قال الرجل الثالث : هذا أول الغدر ، والله لا أصحبكم لي بهؤلاء أسوة ، يريد القتلى ، فجرروه وعالجوه ، فأبى أن يصحبهم ، فقتلوه .

وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر ، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبدمناف خبيبا ، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عمرو يوم بدر.

ولبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله .

فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها ، فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه مجلسه على فخذه والموسى بيده ، قالت : ففزعت فزعة عرفها خبيب .

فقال : أتخشين أن أقتله ، ما كنت لأفعل ذلك ؟

قالت : والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب ، فوالله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده ، وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمــــــر .

وكانت تقول : إنه لرزق رزقه الله خبيبا .

فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوا في الحل ، قال لهم خبيب : دعوني أصلي ركعتين .

فتركوه فركع ركعتين ، فقال : والله لولا أن تحسبوا أني ما بي جزع لزدت ، اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولاتبق منهم أحدا ، قال :

فلست أبالي حين أقتل مسلما ** على أي جنب كان في الله مصرعي
وذاك في ذات الاله وإن يشأ ** يبارك على أوصال شلو ممــزع

ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارب فقتله ،وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة .

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم .

وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قد قتل أن يؤتى بشيء منه يعرف ، وكان قتل رجلا من عظمائهم .

بعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا.

فهؤلاء عشرة أنفس قاتلوا أولئك المائة أو المائتين ، ولم يستأسروا لهم حتى قتلوا منهم سبعة ، ثم لما استأسروا الثلاثة امتنع الواحد من أتباعهم حتى قتلوه .

وهؤلاء من فضلاء المؤمنين وخيارهم ، وعاصم هذا هو جد عاصم بن عمر ، وعاصم بن محمد جد عمر بن عبدالعزيز

ثم قال شيخ الاسلام :

وأيضا ففي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

عجب ربنا من رجلين :

رجل ثار عن وطائه من بين حيه وأهله إلى صلاته ، فيقول الله تعالى لملائكته : انظروا إلى عبدي ، ثار عن فراشه ووطائه من أهله وحيّه إلى صلاته ، رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي .

ورجلا غزا في سبيل الله عز وجل ، فانهزم مع أصحابه ، فعلم ما عليه في الإنهزام وما له في الرجوع ، فرجع حتى يهريق دمه .

فيقول الله لملائكته : انظروا إلى عبدي رجع غربة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى يهريق دمه .

فهذا رجل انهزم هو وأصحابه ثم رجع وحده فقاتل حتى قتل ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يعجب منه ، وعجب الله من الشيء على على عظم قدره ، وإنه لخروجه عن نظائره يعظم درجته ومنزلته ، وهذا يدل على : أن مثل هذا العمل محبوب لله مرضي لايكتفى فيه بمجرد الإباحة والجواز ، حتى يقال : وإن جاز مقاتلة الرجل حيث يغلب على ظنه أنه يقتل فترك ذلك أفضل !!

بل الحديث يدل على : أن ما فعله هذا يحبه الله ويرضاه ومعلوم أن مثل هذا الفعل يقتل فيه الرجل كثيرا أو غالبا ، وإن كان ذلك لتوبته من الفرار المحرم ، فإنه مع هذه التوبة جاهد هذه المجاهدة الحسنة .

قال الله تعالى ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " ، فمن فتنه الشيطان عن طاعة الله ثم هجر ما نهى الله عنه وجاهد وصبر كان داخلا في هذه الآية .

وقد يكون هذا في شريعتنا عوضا عما أمر به بنو اسرائيل في شريعتهم لما فتنوا بعبادة العجل بقوله : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) .

وقد قال تعالى ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) الى قوله ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ) .

وذلك يدل على أن التائب قد يؤمر بجهاد تعرض به نفسه للشهادة.

فإن قيل فقد قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِين ) .

وقد قالوا : إن ما أمر الله به من مصابرة الضعف في هذه الأية ناسخ لما أمر به قبل ذلك من مصابرة عشرة الأمثال .

قيل : هذا أكثر ما فيه أنه لاتجب المصابرة لما زاد على الضعف ، ليس في الآية أن ذلك لايستحب ولايجوز .

وأيضا : فلفظ الآية إنما هو خبر عن النصر مع الصبر ، وذلك يتضمن وجوب المصابرة للضعف ولا يتضمن سقوط ذلك عما زاد عن الضعف مطلقا ، بل يقتضي أن الحكم فيما زاد على الضعفين بخلافه فيكون أكمل فيه ، فإذا كان المؤمنون ظالمين لم تجب عليهم أن يصابروا أكثر من ضعفيهم ، وأم إن كانوا هم المظلومين وقتالهم قتال وقع عن أنفسهم فقد تجيب المصابرة كما وجبت عليهم المصابرة يوم أحد ويوم الخندق مع أن العدو كانوا أضعافهم .

وذم الله المنهزمين " يوم أحد " والمعرضين عن الجهاد يوم الخندق ، في سورة آل عمران والاحزاب ، بما هو ظاهر معروف .

وإذا كان الآية لاتُبقى ( أظنها لاتقتضي ) وجوب المصابرة ( أظنها مصابرة ) ما زاد على الضعفين في كل حال ، فإنه ( لعلها " فلئن " ) لايبقى ( لاتقتضي ) الاستحباب ( أو) الجواز مطلقا أولى وأحرى .

فإن قيل : قد قال تعالى ( ولاتلقوا بأيدكم إلى التهلكة ) ، وغذا قاتل الرجل في موضع فغلب على ظنه أنه يقتل ، فقد ألقى بيده إلى التهلكه .

قيل : تأويل الآية على هذا غلط .

ولهذا مازال الصحابة والأئمة ينكرون على من يتأول الآية على ذلك كما ذكرنا ، : أن رجلا حمل وحده على العدو ، فقال الناس : ألقى بيده إلى التهلكه ، فقال عمر بن الخطاب : كلا ولكنه ممن قال الله فيهم : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) .

وأيضا فقد روى أبو داود والنسائي والترمذي من حديث يزيد بن أبي حبيب ، عالم أهل مصر من التابعين ، عن أسلم أبي عمران قال : غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه لا إله إلا الله يلقي بيديه إلى التهلكة فقال أبو أيوب إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد قال أبو عمران فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ) .

وأبو أيوب من أجل السابقين الاولين من الأنصار قدرا ، وهو الذي نزل النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لما قدم مهاجرا من مكة إلى المدينة ، ورهط بنو النجار هم خير دور الأنصار ما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبره بالقسطنطينية .

وقد أنكر أبو أيوب على من جعل المنغمس في العدو ملقيا بيده إلى التهلكة دون المجاهدين في سبيل الله ، ضد ما يتوهمه هؤلاء الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه ، فإنهم يتأولون الآية على ما فيه ترك الجهاد في سبيل الله .

والآية إنما هي أمر بالجهاد في سبي الله ، ونهى عما يصد عنه ، والأمر في هذه الآية ظاهر كما قال عمر وأبو أيوب وغيرهما من سلف الأمة ، وذلك أن الله قال قبل هذه الآية : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين ، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ) .

وقوله : ( وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله ، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) .

إلى قوله : (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

فهذه الآيات كلها في الأمر بالجهاد في سبيل الله وإنفاق المال في سبيل الله ، فلا تناسب ما يضاد ذلك ، من النهي عما يكمل به الجهاد ، وإن كان فيه تعريض النفس للشهادة ، إذ الموت لا بد منه ، وأفضل الموت موت الشهداء .

فإن الأمــر بالشيء لا يناسب النهي عن إكماله ، ولكن المناسب لذلك النهي عمـــا يضل ( لعلها يصد ) عنه ، والمناسب لذلك : ما ذكر في الآية من النهي عن العدوان ، فإن الجهاد فيه البلاء للأعداء ، والنفوس قد لاتقف عند حدود الله بل تتبع أهواءها في ذلك ، فقال : ( ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين ) .

فنهى عن العدوان ، لأن ذلك أمر بالتقوى ، والله مع المتقين كماقال ( فمن اعتدى عليكم فاعتقدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ) .

وإذا كان الله معهم نصرهم وأيدهم على عدوهم ، فالأمر بذلك ايسر ، كما يحصل مقصود الجهاد به .

وأيضا فإنه في أول الآية قال : ( وأنفقوا في سبيل الله ) ، وفي آخرها ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) .

فدل ذلك على ما رواه أبو أيوب من أن إمساك المال والبخل عن إنفاقه في سبيل الله والاشتغال به هوالتهلكة .

وأيضا : فإن أبا أيوب أخبر بنزول الآية في ذلك ، لم يتكلم فيه برأيه ، وهذا من ثاني ( ؟) روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حجة تجب اتباعها.

وأيضا فإن التهلكة والهلاك لا يكون إلا بترك ما أمر الله به ، أو فعل ما نهى الله عنه .

فإذا ترك العباد الذي أمروا به ، واشتغلوا عنه بما يصدهم عنه ، من عمارة الدنيا ، هلكوا في دنياهم بالذل ، وقهر العدو لهم ، واستيلائه على نفوسهم وذراريهم وأموالهم ، ورده لهم عن دينهم ، وعجزهم حينئذ عن العمل بالدين ، بل وعن عمارة الدنيا وفتور هممهم عن الدين ، بل وفساد عقائدهم فيه.

قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

إلى غير ذلك من المفاسد الموجودة في كل أمة لاتقاتل عدوها سواء كانت مسلمة أو كافرة.

فإن كل أمة لاتقاتل فإنها تهلك هلاكا عظيما باستيلاء العدو عليها وتسلطه على النفوس والأموال .

وترك الجهاد يوجب الهلاك في الدنيا ما يشاهده الناس ، وأما في الآخرة فلهم عذاب النار.

وأما المؤمن المجاهدون، فهو كما قال الله تعالى : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُون )

فأخبر أن المؤمن لا ينتظر إلا إحدى الحسنيين : إما النصر والظفر وإما الشهادة والجنة ، فالمؤمن المجاهد إن حيا حيى حياة طيبة ، وإن قتل فما عند الله خيرا للأبرار .

وأيضا فإن الله تعالى قال : ( ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا ) .

وقال في كتابه ( ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )

فنهى المؤمنين أن يقولوا للشهيد إنه ميت ، قال العلماء : وخص الشهيد بذلك ، لئلا يظن الإنسان أن الشهيد يموت فيفر عن الجهاد خوفا من الموت .

وأخبر الله أنه حي يرزق ، وهذا الوصف يوجد أضا لغير الشهيد من النبيين والصديقين وغيرهم لكن خص الشهيد بالنهي لئلا ينكل عن الجهاد ، لفرار النفوس من الموت ، فإذا كان هو سبحانه قد نهى عن تسميته ميتا واعتقاده ميتا ، لئلا يكون ذلك منفرا عن الجهاد ، فكيف يسمى الشهادة تهلكه واسم الهلاك اعظم تنفيرا من اسم الموت.

فمن قال إن قوله : ( ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) يراد به الشهادة في سبيل الله فقد افترى على الله بهتانا عظيما .

وهذا الذي يقاتل العدو مع غلبة ظنه أنه يقتل قسمان :

أحدهما : أنه يكون هو الطالب للعدو ، فهذا الذي ذكرناه .


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006