بيع السيارة عن طريق شركات الوساطة المالية ، وإجراء مسابقات الجمال بين النساء ؟

 

السؤال:

السلام عليكم
لدي أيها الشيخ الفاضل عدة أسئلة
1- هل يجوز السيارة على أقساط عن طريق شركة التسهيلات مثلا أو أي شركة أخرى تتعامل مع الربا ؟ مع العلم بأني فقط أشتري عن طريقهم السيارة بالأقساط ولا أتعامل معهم بالربا ونحو ذلك

2- من المعلوم يا شيخ أن مسابقات ملكات الجمال يقيمها الكفار غالبا فهل يجوز أن يقيمها بنات المسلمين بين بعضهم البعض بدون أي اختلاط أو تصوير خارجي أو كشف للعورات ، وإنما يفعلها بعض البنات الصغار للتسلية فهل هذا تشبه بالكفار ؟

********************

جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

لايجوز شراء السيارة على أقساط عن طريق شركة التسهيلات ولا أي شركة تتعامل بالربا في تمويل الصفقات ، لان نفس العقد عقد ربوي ، تماما كما تفعله البنوك الربوية في تمويل المشاريع ، حيث تقوم الشركة بعمل الوسيط المالي الربوي ، يعطي الشركة المالكة للسيارة ثمنها نقدا ، ويأخذه من العميل بزيادة ربوية إلى أجل فكأنه منح العميل قرضا ربويا .

فإن قلت فإن البنوك الإسلامية تفعل ذلك أيضا ، فالجواب أن البنوك الإسلامية تقوم ببيع المرابحة ، والمفترض في هذا البيع أن يشتري البنك الإسلامي السيارة كأنه يشتريها لنفسه فيقوّم سعرها على هذا الأساس ، ثم يحوزها بنقلها إلى ملكه نقلا تاما ، ثم يبيعها للعميل ويربح فيه ببيع أجــل ربحا مناسبا ، ولا يضر أن يكون البنك قد اتفق مع العميل على وعد بالشراء قبل أن يملك البنك الإسلامي السيارة .

غيــر أنـّـه لا يجوز أن يكون الوعد ملزما ، فإن جعله ملزما فهو حيلة على الربا ، لأن البنك في هذه الحالة يكون كأنه باع العميل السلعة قبل أن يملكها ، وفي الحديث ( لاتبع ما ليس عندك ) رواه أحمد والأربعة من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ، ولأنه إن ألزمه بالوعد المسبق ، فلافرق حينئذ بينه وبين شركات الوساطة المالية الربوية ، سوى فرق صوري لاأثر له .

هذا مع أن بعض العلماء يحرم بيع المرابحة كمــا تجريه البنوك الإسلامية من أصله ، ومنهم العلامة الفقيه الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى ، وهو قول قوي ، وقد بانت قوته ، لما رأينا ما تفعله بعض البنوك الإسلامية ـ هدى الله القائمين عليها ـ من تلاعب كبير على هذا النظام أعني بيع المرابحة .

وقد تولد من بسبب هذا التلاعب ، كثير من الحيل الربوية ، منها أن بعض العملاء يأتون إلى البنك في صورة أنهم يريدون إجراء بيع المرابحة، غير أنهم لا يريدون ـ فــي الحقيقة ـ إلا استفادة من نظام المرابحة للحصول على النقد ، فيجرون البيع صوريا بقصد الحصول على المبلغ النقدي من البنك الإسلامي فحسب ، فيتواضعون على سعر للسلعة من يتفقون عليهم ، يناسب حاجتهم إلى المقدار من المال ، وليس له علاقة بسعر السلعة الفعلي ، فيلجأ مندوب البنك الإسلامي إلى إجراء المعاملة من غير أن يقوّم السلعة ، بل يعتمد السعر الذي اقترحه العميلان ، مما يدل على أنه لايهمه إلا الفائدة الربوية التي يجنيها ، فلا هو يشتري السلعة لنفسه أولا ولا شيء من هذا القبيل .

ومن العملاء من يشتري السلعة شفهيا من غير أي إجراء ينقل ملكيتها ويجعلها في حيازته قبل أن إعادة بيعها ، وقد صح الحديث ( نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار ) وفيـــه ( لاتبع ما ليس عندك ) .

ومنهم من يجري بيع المرابحة في غير السلع ، بل في المنافع ، مثل أجرة البناء ، ومثل دفع تكاليف دورة تعليمية في معهد للكمبيوتر ونحو ذلك ، وهذا لا يصح بحال ، فإن بيع المرابحة لا يصح إلا إن كان ثمة سلعة يشتريها التاجر ويملكها ويحوزها ثم يعيد بيعها بعد ذلك ، ولايمكن هذا في بيع المنافع ، ولهذا فقد حاولوا تخريجها بالاستصناع المتوازي ، فتحول دور البنك الإسلامي إلى دور صوري في الاستصناع ، وهدفه الأساسي هو القرض بفائدة لمن لا يمكنه أن يبني بيته !! .

اما في دفع تكاليف الدورات التدريبية فخرجوها على أن البنك يشتري حق الانتفاع بحجز عدة أماكن في الدورة ويملك ذلك ، ثم يبيعها بربح على من يرغب بعد ذلك ، والحقيقة والواقع أن البنك الإسلامي ، لا يدفع ثمن المكان إلا بعدما يأتيه الزبون يبحث عن قرض يمكّنه من الدراسة في الدورة .

فيقوم البنك الإسلامي بما هو أشبه بالوسيط الربوي الذي يقرض بفائدة ، وقد حدثنا من أجرى بيع المرابحة مع بعض البنوك الإسلامية في شراء غنم مع أجرة الراعي مقدما !!

فكيف يجري في مثل هذا كله ـ ليت شعري ـ نظام بيع المرابحة ، إلا أن يكون غطاء لكل حيلة على الربا الذي هو من أكبر الكبائر ، وقد كان الواجب أن يكون دور البنك الإسلامي الأساسي هو حماية المسلمين من الربا الذي هو إعلان الحرب على الله ، وعامل مدمر للمجتمعات .

والخلاصة أن بعض البنوك الإسلامية اتخذت من بيع المرابحة وسيلة وغطاء للقرض بفائدة ، والواجب على المسلم أن لا يعاملهم إلا بعد التأكد من سلامة العقد بسؤال العلماء ، ذلك أن الهيئات الشرعية التابعة لهم والتي تأخذ رواتبها من البنك لا تصلح أن تكون مصدر إفتاء معتمد كما لا يخفى والله أعلم

--------

أما مسابقة الجمال فلا يجوز للمسلمين أن يفعلوها حتى بين النساء وللأطفال .

أولا لان عقيدتنا الإسلامية لا تعتبر جمال المرأة في صورتها الخارجية فحسب ، بل في معانيها الإنسانية ، وما تحمله من قيم وفضيلة ، فهنا يكمن جمالها الحقيقي ، وفي إجراء مسابقات الجمال التي تمنح المرأة امتيازا بناء على شكلها الخارجي تكريس لمفهوم مناقض للعقيدة الإسلامية، وإخراج للمرأة من إنسانيتها إلى معنى مادي محض ، ونحن لا ننكر ما للجمال الظاهري من أثر على النفس ، وأن الله تعالى فطر العباد على محبة الجمال ، ولاتثريب على من يحب الجمال ، ويحرص على أن يناله ، غير أن تكريس مجرد ذلك بجعله معيار منح الامتياز ، وعامل التميـّز على الآخرين ، يناقض عقيدتنا ، ولهذا ورد في الحديث ( تنكح المرأة لأربع ، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) متفق عليه من حديث أبي هريرة .

--------------

وثانيا لان في إجراء هذه المسابقات ، إشعارا بأن الفتاة التي لاتملك مثل جمال الفائزة في الشكل الخارجي أقل منها قدرا ، وأن تلك الفائزة أعلى وأزكى ، وهذا حكم جائر ، يؤدي إلى إفساد المعيار الصحيح للنظرة للمرأة في الإسلام.

-------------

وثالثا لان الواجب أن تجرى مسابقات في حفظ القرآن والعلم والآداب ، لتشجيع النساء على حيازة هذه الفضائل ، بدل تشجيعهن على التنافس في الجمال الظاهري وتبديد الأموال والإسراف في العناية بالمظاهر الزائفة .

----------

ورابعا لأن في إجراء هذه المسابقات تحريضا على النظرة الماديّة ، وترجيحا لجانب اللذة على القيم والفضائل ، وهذه هي حقيقة الصراع اليوم بين الإسلام وأعداءه ، فالإسلام يدعو إلى نشر القيم والفضائل في العالم ، ويدعو إلى جعلها معايير الخير المطلقة ، وأما أعداؤه لاسيما في العالم الغربي يدعون إلى تمجيد المادة واللذة وجعلهما هما الهدف الأسمى للحياة ، كما نرى هذا واضحا.

----------------

وخامسا لأن في انتخاب الجميلة من بين النساء ، أمام الآخرين ، إزراءا بغيرها ممن لم يمنحهن الله تعالى جمال الصورة ، وفي إظهار ذلك أمام الناس ، تحزين لقلب المؤمنة ، وقد نهينا عن إدخال الحزن على قلوب المؤمنين عمدا ، كما ورد ذلك حتى في النجوى ، وفي الغيبة ، وفي السخرية ، وفي ذلك من النصوص الكثيرة مالا يخفى .

وينبغي أن ننتبه إلى أن كثيرا من مظاهر الحياة الغربية منبثقة من عقيدتهم ، ومتولدة من فلسفتهم للإنسان والحياة والكون ، وأن كثيرا ما يغفل المسلمون عن هذا ، فيـتأثرون بما يفعله الكفار من مظاهر حياتهم ، دون نظر إلى أسسها العقدية، وقد دخل على المسلمين بسبب ذلك شر عظيم ، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع سبيلهم قائلا : لتتبعن سنن الذين من قبلكم ، شبرا بشبر ، أو ذراعا بذراع ، وحتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ) أي فمن غيرهم .. متفق عليه ، وإنما ذكر جحر الضب ، لان جحره يأخذ طريقا حلزونيا بما يشبه المتاهة داخل الأرض ، فتأمل في هذا التشبه ما أحسنه ، والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006