تعليق من الشيخ محمد بن خميس العجمي على الرد على فتوى جمعية التراث في منع الدعاء على اليهود والنصارى

 

السؤال:

أرجوا نشر تعليقي على رد الشيخ حامد العلي على فتوى جمعية التراث مع التعقيب إن وجد

*********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: ـ
وصلنا هذا التعليق من الاخ الشيخ أبو عبدالرحمن محمد بن خميس العجمي :

تعليق على رد الشيخ حامد العلي على فتوى جمعية إحياء التراث

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اتبعه إلى يوم الدين و بعد،،،

قرأت رد فضيلة الشيخ حامد العلي حفظه الله تعالى و سدده إلى الحق ، على فتوى الأخوة في جمعية إحياء التراث الإسلامي ، وهو جواز أن يمنع و لي الأمر الخطباء على الدعاء على النصارى .

فأعجبني الشيخ حامد في رده المتزن و المدعم بالأدلة الشرعية ، و ليس هذا بجديد عليه .

وأردت أن أشارك بمبحث حول هذا الموضوع ، و إن كان ما ذكره الشيخ حامد من أدلة شرعية كافية في معرفة الحق لمن تجرد عن الهوى و التعصب.

و أنبه : أني لا أقصد في هذا المبحث الطعن أو التشكيك في المشايخ الكرام الذيم أصدروا هذه الفتوى ، فنحن نقر بأنهم اجتهدوا و اجتهادهم خطأ يحتمل الصواب و اجتهادنا صحيح يحتمل الخطأ ، و العصمة لله وحده و لرسوله.

و الفتوى التي ذكروها تقوم على عدة أمور تحتاج إلى بيان وتفصيل ، و أحاول في هذا المبحث الإيجاز و ترك الأدلة التي ذكرها الشيخ حامد لعدم التكرار.

أولا : قولهم أنه لا تلازم بين معاداة الكفار من يهود ونصارى وبين لعنهم و الدعاء عليهم.

ثانيا : أن الدعاء عليهم يرجع إلى المصلحة الشرعية المبينة على السياسة الشرعية التي يراها ولي الأمر.

ثالثا : استدلالهم بقوله تعالى : " و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله0000الآية.
و إنها من باب سد الذرائع.

أقول بحول الله و قوته :

أولا : قولهم : أنه لا تلازم بين معاداة الكفار000إلخ.

هذا خطأ بل هناك تلازم بين معاداة الكفار و الدعاء عليهم ، لأنه يلزم من المؤمن لعن كل من لعنه الله ورسوله ، فهي طاعة لله ولرسوله لا تنفك ، فهل يعقل أن يقرأ المؤمن قوله تعالى : " لعن الذين كفروا من بني اسرائيل000الآية وقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" لعن الله اليهود و النصارى000الحديث.
ثم نقول لا تلازم ! بل يلزم من قولكم أنه يجوز أن لا نعمل بالآيات و الأحاديث التي فيها لعن اليهود و النصارى لأن الأمر منفك عندكم فيجب معاداتهم و لا يجب لعنهم فكيف نوفق بين قولكم لا يجب لعنهم و بين دعاء الله ورسوله عليهم ؟

ثانيا : قولكم : أن الدعاء عليهم يرجع إلى المصلحة الشرعية المبنية على السياسة الشرعية و الجواب على هذه الشبهة من وجوه :

أولا : بيان المقصود من السياسة الشرعية و بيان ضوابطها.

عرف ابن عقيل الحنبلي : " السياسة : ما كان فعلا معه الناس أقرب إلى الصلاح و أبعد عن الفساد و إن لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم و لا نزل به وحي " (الطرق الحكمية لابن القيم وانظر تبصرة الحكام :2/132لابن فرحون).

فنحن نقر بأن للحاكم سلوك السياسة في تدبير أمور الناس وتقويم العوج وفق معايير وضوابط داخلة تحت قواعد الشرع ، وإن لم ينص عليها بخصوصها.

قال الإمام ابن القيم : " و هذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام وهو مقام ضنك ومعترك صعب.
فرط فيه طائفة : فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرأوا أهل الفجور على الفساد ، وجعلوا الشريعة قاصرة لاتقوم بمصالح العباد000

وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة :
فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله ، وكلتا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله و أنزل به كتابه000(الطرق الحكمية ص 13وما بعدها).

وما ذكره الأخوة في فتواهم يندرج ضمن الطائفة الثانية ، حيث أن فتواهم جواز أن يمنع ولي الأمر الخطباء من الدعاء على اليهود و النصارى و إن هذا من باب السياسة هو إفراط ينافي حكم الله و رسوله بالدعاء عليهم كما بينا من الأدلة السابقة.

قال ابن القيم :" فلا يقال : إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع ، بل هي موافقة لما جاء به ، بل جزء من أجزائه ، ونحن نسميها سياسة تبعاً لمصطلحهم ، و إنما هي عدل الله ورسوله.
وتقسيم بعضهم طرق الحكم إلى شريعة و سياسة كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة و حقيقة ، وكتقسيم آخرين الدين إلى عقل و نقل و كل ذلك تقسيم باطل، بل السياسة و الحقيقة و الطريقة و العقل كل ذلك ينقسم إلى قسمين : صحيح و فاسد : فالصحيح قسم من أقسام الشريعة لا قسيم لها ، و الباطل ضدها ومنافيها ، وهذا الأصل من أهم الأصول و أنفعها "(الطرق الحكمية ص 13وما بعدها).

ثالثا : استدلالهم بقوله تعالى :" و لا تسبوا الذيم يدعون000الآية.
و استدلالهم بأنها من باب سد الذرائع.

أولا :استدلالهم بالآية في غير محل الخلاف لأن المقصود من الآية كما بين فضيلة الشيخ حامد ، أن النهي عن سب آلة المشركين في محلهم و ليس عام في كل موضع.

1-قال الإمام ابن القيم مبينا قاعدة سد الذرائع و أقسامها :" الفعل أو القول المفضي إلى المفسدة قسمان ، أحدهما : أن يكون وضعه للإفضاء إليها كشرب المسكر المفضي إلى مفسدة السكر ، و كالقذف المفضي إلى مفسدة الفرية ، و الزنا المفضي إلى اختلاط المياه و فساد الفراش ، ونحو ذلك ، فهذه أفعال و أقوال وضعت لهذه الفسدة و ليس ظاهر غيرها.
الثاني :أن تكون موضوعة للإفضاء إلى أمر جائز أو مستحب ، فيتخذ وسيلة إلى محرم إما بقصده أو بغير قصد منه.
فالأول : كمن يعقد النكاح قاصدا به التحليل ، أو يعقد البيع قاصدا به الربا ، أو يخالع قاصدا به الحنث ، ونحو ذلك.
و الثاني : كمن يصلي تطوعا بغير سبب في أوقات النهي ، أو يسب أرباب المشركين بين أظهرهم000(إعلام الموقعين:3/108).
وجه الدلالة : أن ابن القيم رحمه الله فسر النهي عن سب آلة المشركين إذا كان ذلك بين أظهرهم.

2-قال الإمام ابن تيمية في تفسيره لهذه الآية :" قال قتادة : كان المسلمون يسبون أوثان الكفار ، فيردون ذلك عليهم ، فنهاهم الله تعالى أن يستبوا لربهم قوماً جهلة لا علم لهم بالله ، وذلك أنه في اللجاجة ( أي: الخصومة) أن يسبَّ الجاهل من يعظمه مراغمةً لعدوه إذا كان يعظمه أيضاً "(الصارم المسلوم:3/925).
وجه الدلالة: بين رحمه الله : أن النهي عن السب يكون في وقت الخصومة و هذا لا يكون إلا عند الكفار لا على إطلاقه في كل موضع.

فإن قيل : هل النهي عن السب خاص للكافر المشرك الغير كتابي ؟
قلنا : لا ، بل هو يشمل النهي عن سب صلبان و دين و كنائس النصارى إذا كان ذلك عندهم أو كان الكافر في قوة و في منعة.
قال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية : " قال العلماء : حكمها باقٍ في هذه الأمة على كل حال ، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي عليه السلام أو الله عزوجل ، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم و لا دينهم و لا كنائسهم ، و لا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك ، لأنه بمنزلة البعث على المعصية. وعبر عن الأصنام و هي لا تعقل بـ"الذين" على معتقد الكفرة فيها " (تفسير الإمام القرطبي:7/41).

و مما يجب التنبيه عليه : أن الدعاء هو من أعظم السلاح عند أهل الإسلام الذي أرشد إليه الله تعالى في كتابه ، ورسوله في سنته ، و لا سيما في هذا العصر الذي تكالب الأعداء على أهل الإسلام فالصرب النصارى في البوسنة و الهرسك ، و في كوسوفا ، و في الشيشان و الفلبين و أفغانستان و السودان و اليهود في فلسطين ، فهل نراهم يقتلون إخواننا ويشردونهم و يزنون في نسائهم و يأخذون أموالهم ثم نقول لا تدعون على اليهود و لا على النصارى من باب المصلحة أي مصلحة بعد هذا الذل و الله !

قال الإمام ابن تيمة :" و الجهاد بالنفس يكون كما يكون باليد ، بل قد يكون أقوى منه ، قال النبي صلى الله عليه و سلم:"جاهدوا المشركين بأيديكم و ألسنتكم و أموالكم " رواه النسائي و غيره ، و كان صلى الله عليه و سلم يقول لحسان بن ثابت :" اغزهم وغازهم " وكان ينصب له منبرا في المسجد ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره و هجائه للمشركين. و قال النبي صلى الله عليه و سلم :" اللهم أيده بروح القدس " و قال :" إن جبريل معك ما دمت تنافح عن رسوله " و قال :" هي أنكى فيهم من النبل ".
و كان عدد من المشركين يكفون عن أشياء مما يؤذي المسلمين خشية هجاء حسان ، حتى إن كعب بن الأشرف لما ذهب إلى مكة كان كلما نزل عند أهل بيت هجاهم حسان بقصيدة فيخرجونه من عندهم ، حتى لم يبق له بمكة من يؤويه . و في الحديث : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " و " أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، و رجل تكلم بحق عند سلطان جائر فأمر به فقتل ".
و إذا كان شان الجهاد باللسان هذا الشأن في شتم المشركين و هجائهم و إظهار دين الله و الدعاء إليه عُلم أن من شتم دين الله و رسوله ، وأظهر ذلك ، وذكر كتاب الله بسوء علانية ، فقد جاهد المسلمين وحاربهم و ذلك نقض للعهد "(الصارم المسلول: 2/389-391).

هذا ما تيسر لي ذكره على عجالة ، و إن كنت أذكر ذلك فأنا كلي أذان صاغية للرد أو للتعقيب على كل ما كتبت و أنا على استعداد للرجوع عن الخطأ و اتباع الحق فهذا موضع لا ينتصر فيه إلا لله و لرسوله ، و الله أعلم.

كما رجوا من فضيلة الشيخ حامد نشر هذا المبحث في موقعه و لا ينساني من النصح و التوجيه و الإرشاد و له مني جزيل الشكر.
أبو عبد الرحمن العجمي

التعقيب : رد قيم ، وقلم واعد ، وجزاك الله خيرا وبارك الله فيك .
حامد بن عبدالله العلي

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006