مشاركة النصارى في عيدهم وتهنئتهم فيه ؟

 

السؤال:

ما حكم مشاركة النصارى وغيرهم من المشركين في أعيادهم وتهنئتهم فيه ؟

**********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

لايجوز لمسلم أن يهنىء أي طائفة من طوائف الكفار والمشركين على أعيادهم الدينية ، لان في ذلك إطهارا لموافقتهم على شركهم وباطلهم ، وإقرارهم عليه ، وننقل هنا كلاما نفيسا لشيخ الاسلام ابن تيميـة رحمه الله في هذا الباب في الكفاية إن شاء الله تعالى قال رحمه الله :

الحمد لله لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك .

ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك . ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة .

وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم .


وقال طائفة : من ذبح نطيحة يوم عيدهم فكأنما ذبح خنزيرا . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : من تأسى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة .

وفي سنن أبي داود عن ثابت بن الضحاك قال : { نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل كان فيها من وثن يعبد من دون الله من أوثان الجاهلية ؟ قال : لا قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قال : لا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم } .

فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل أن يوفي بنذره مع أن الأصل في الوفاء أن يكون واجبا حتى أخبره أنه لم يكن بها عيـــد من أعياد الكفار وقال : { لا وفاء لنذر في معصية الله } .

فإذا كان الذبح بمكان كان فيه عيدهم معصية . فكيف بمشاركتهم في نفس العيد ؟ بل قد شرط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والصحابة وسائر أئمة المسلمين أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين وإنما يعملونها سرا في مساكنهم .

فكيف إذا أظهرها المسلمون أنفسهم ؟ حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " لا تتعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخط ينزل عليهم " .

وإذا كان الداخل لفرجة أو غيرها منهيا عن ذلك ؛ لأن السخط ينزل عليهم . فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم مما هي من شعائر دينهم ؟ وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى { والذين لا يشهدون الزور } قالوا أعياد الكفار فإذا كان هذا في شهودها من غير فعل فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسند والسنن أنه قال : { من تشبه بقوم فهو منهم } وفي لفظ : { ليس منا من تشبه بغيرنا } وهو حديث جيد.

وقال في موضع آخر :
وأصل ذلك كله إنما هو اختصاص أعياد الكفار بأمر جديد أو مشابهتهم في بعض أمورهم فيوم الخميس هو عندهم يوم عيد المائدة ويوم الأحد يسمونه عيد الفصح وعيد النور والعيد الكبير . ولما كان عيدا صاروا يصنعون لأولادهم فيه البيض المصبوغ ونحوه لأنهم فيه يأكلون ما يخرج من الحيوان من لحم ولبن وبيض إذ صومهم هو عن الحيوان وما يخرج منه . وعامة هذه الأعمال المحكية عن النصارى وغيرها مما لم يحك قد زينها الشيطان لكثير ممن يرى الإسلام وجعل لها في قلوبهم مكانة وحسن ظن وزادوا في بعض ذلك ونقصوا وقدموا وأخروا . وكل ما خصت به هذه الأيام من أفعالهم وغيرها فليس للمسلم أن يشابههم في أصله ولا في وصفه

وقال شيخ الاسلام أيضا :

وهذا كله تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم { لتتبعن سنن من كان قبلكم } وإذا كانت المتابعة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح . كانت محرمة فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله من التبرك بالصليب والتعمد في المعمودية . وقول القائل : المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن : إما كون الشريعة النصرانية أو اليهودية المبدلين المنسوخين موصلة إلى الله وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله أو التدين بذلك أو غير ذلك مما هو كفر بالله ورسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة . وأصل ذلك المشابهة والمشاركة . وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية . وبعض حكم ما شرع الله لرسوله [ من ] مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة الأمور ؛ لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس . فينبغي للمسلم إذا طلب منه أهله وأولاده شيئا من ذلك أن يحيلهم على ما عند الله ورسوله ويقضي لهم في عيد الله من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره .

وقال في موضع آخر :

وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك . ثم قول عمر : " اجتنبوا أعداء الله في عيدهم " أليس نهيا عن لقائهم والاجتماع بهم فيه ؟ فكيف بمن عمل عيدهم وقال ابن عمر في كلام له : من صنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم .

وقال عمر : اجتنبوا أعداء الله في عيدهم . ونص الإمام أحمد على أنه لا يجوز شهود أعياد اليهود والنصارى واحتج بقول الله تعالى : { والذين لا يشهدون الزور } قال الشعانين وأعيادهم . وقال عبد الملك بن حبيب من أصحاب مالك في كلام له قال : فلا يعاونون على شيء من عيدهم ؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم . وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره : لم أعلم أنه اختلف فيه .

وأكل ذبائح أعيادهم داخل في هذا الذي اجتمع على كراهيته بل هو عندي أشد : وقد سئل أبو القاسم عن الركوب في السفن التي ركب فيها النصارى إلى أعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم بشركهم . الذي اجتمعوا عليه وقد قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم } فيوافقهم ويعينهم { فإنه منهم } . وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى قال : قلت لعمر : إن لي كاتبا نصرانيا قال : ما لك قاتلك الله أما سمعت الله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } ألا اتخذت حنيفيا قال : قلت : يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه قال : لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله .

وقال الله تعالى : { والذين لا يشهدون الزور } قال مجاهد : أعياد المشركين وكذلك قال الربيع بن أنس .

وقال القاضي أبو يعلى ( مسألة في النهي عن حضور أعياد المشركين وروى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده في شروط أهل الذمة عن الضحاك في قوله : { والذين لا يشهدون الزور } قال : عيد المشركين وبإسناده عن سنان عن الضحاك { والذين لا يشهدون الزور } كلام المشركين .

وروى بإسناده عن ابن سلام عن عمرو بن مرة { والذين لا يشهدون الزور } لا يماكثون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم .

وقد دل الكتاب وجاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين التي أجمع أهل العلم عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم إيقاد النار والفرح بها من شعار المجوس عباد النيران . والمسلم يجتهد في إحياء السنن . وإماتة البدع . ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون } وقد أمرنا الله تعالى أن نقول في صلاتنا { اهدنا الصراط المستقيم } { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } . والله سبحانه أعلم .
انتهى كلامه رحمه الله


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006