هل بقاء حكم الامريكيين أهون ضررا من احتمال نشوب حرب أهليه؟

 

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ :
لا يوجد مسلم يقر ما يحدث في العراق ولا يقر ان يحكم الكافر بلاد المسلمين ولكن السؤال يا شيخ أليس من الضرر خروج الأمريكان من العراق في الوقت الحالي ، وأنه قد يكون فيه ضرر أكبر على العراق والمسلمين في العراق ، وكما يقال قد تنشب حرب اهلية أو ما شابه ذلك من عدم الاستقرار . ولكم جزيل الشكر .

************************

جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته : ـ

إذا اعتقد المسلم أن الإقرار بحكم الكفار الساعين لاطفاء نور الإسلام ، أن حكمهم على بلاد المسلمين محرم ، فيجب عليه أن يعتقد أيضا أنه أشد خطرا على الأمة ، من جعل بأس الأمة فيما بينها .

وهذا هو نص القرآن العظيم ، قال تعالى (والفتنـــة أشد من القتل) ـ وقال المفسرون الفتنة هي الكفر والشرك ، وقولـــــــــه تعالى (وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ) أي حتى لا يكون الشرك عاليا بل تكون كلمة الذين كفروا السفلى .

فإذا كان الله تعالى أمرنا بالقتال مع أننا نقتل فيه وتتلف أرواح أبناء الامة فيه ، حتى لا يعلو الكفر ، فكيف نرضى أن يعلو الكفر علينا حتى لا يقع القتل فينا ، سبحان الله العظيم ، أليس هذا عكس دلالة القرآن تماما .

هذا أولا .

وثانيا :
ــــــــــــ
من قال إن علو الكفار على بلاد الإسلام ، يمنع القتل ، ويأتي بالاستقرار ، بل القرآن يدل على عكس هذا تماما ، قال تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، بل سيكثر فينا الفساد وعدم الاستقرار ، وسيطلبون منا إن صرنا تبعا لهم أن نقتل تحت رايتهم ، فيكون قتلنا حينئذ سخرة لهم، فالقتل حينئذ واقع فينا لامحالــة ، إن هربنا منه رضا بعلو الكافر علينا ، عذبنا بوقوعه فينا ذلا للكافر ، لا طلبا لعزنا، فخير لنا أن نقتل ونحن نطلب عزنا من أن نقتل ونحن تحت سلطان الكافر . ثم ليت شعري أي فساد ، وأي اضطراب سيكون في أمّتنا أشد منه في حال وقوعنا تابعين لليهود والنصارى ، ومتى كانت هذه الأمة ، أقرب إلى الهدى والأمن والسلامة والسلام في ظل علو أعداءها عليها، لماذا إذن حذرنا الله تعالى منهم أشد التحذير حتى ضمن ذلك في سورة الفاتحة التي لاتصح صلاتنا إلا بتلاوتها ؟!


وثالثا :
ــــــــــ
لو كان أسلافنا الذين جاهدوا الاستعمار في القرن الماضي قد قالوا مثل هذا الكلام لما ولى عن ديارنا ولكن الحمد لله الذي جعل في قلوبهم تلك الحماسة الجياشة التي حملتهم على التضحية لطرد المستعمر من ديار الإسلام .

ورابعا :
ـــــــــ
هل كان يحل لاحد أن يقول كان ترك الاتحاد السوفيتي في أفغانستان أهون من الحرب الأهلية التي حصلت بعده ، طبعا لا ، فكذلك هنا ، فالواجب طرد الكافر من بلاد الإسلام ، فإن حصلت بعد ذلك حروب بين أهلها ، فسوف تنتهي بعد ذلك ، وتحل القضية ، وليست هي أول حرب تقع داخل الأمة ، وما من أمة إلا ويقع فيها حروب ، ولكنها لاترضى بتسلط عدوها عليها ، والحروب فيها أهون من بقاء تسلط عدوها عليها .

خامسا :
ـــــــــــــ
هل يحل لاحد أن يقول يجب ترك جهاد اليهود وطردهم من فلسطين ، لانه قد يؤدي ترك الفلسطينيين وحالهم إلى قيام حرب أهلية بينهم ، وقطعا لن يقول هذا مسلم ، فكذلك الحال في العراق .

وسادسا :
ـــــــــــــــ
علو الكفار على أرض العراق ، أمر معلوم لانه واقع ، وحصول الحرب الأهلية أمر مظنون وقد لا يقع ، وقد يتداعي العقلاء لمنعها حفاظا على الشعب ، فكيف نبقى علو الكافر المتيقن تحريمه بل خطره العظيم على الأمة ، من أجل دفع أمر مظنون قد يقع وقد لا يقع .

وسابعا :
ـــــــــــ
اتفق العلماء على وجوب جهاد الكافر إن احتل بلدا إسلاميا ، ولم يقل أحد منهم فيما أعلم يجوز الإقرار بعلوه وحكمه على المسلمين ، خوفا من قتال يقع بين المسلمين بعد ذلك !

وثامنا :
ـــــــــــــ
هؤلاء الأمريكيون لم يحققوا الأمن في بلادهم ، فهم في رعب شديد من القاعدة ، وفي رعب شديد في العالم كله منها أيضا ، فكيف يأتون بالأمن والاستقرار لبلاد الإسلام عندما يحكمونها ، والحال أن فاقد الشيء لا يعطيه !!

هذا فضلا عن أن بلادهم يقع فيها من القتل والفوضى الأمنية ما جعلها أعلى دولة في العالم في نسبة الجريمة ، فكيف يحققون الأمن لغيرهم ؟!!

تاسعا :
ـــــــــــ
هاهو الشعب العراقي يعيش حالة من الفوضى والنهب والسلب والقتل والدمار والجوع وانتشار الأمراض ، حتى اختطاف الفتيات ، وضياع الأمن ، وأكثر ذلك لاتنقله وسائل الإعلام ، لان الأمريكيين يحكمون العراق الآن حكما بوليسيا صارما ويلقون القبض على علماء أهل السنة ، ويراقبون بطرق استخباراتيه كل شيء ، ولكننا تبلغنا الأخبار من هناك بالاتصالات من الشعب ، وهي تحكي واقعا يشيب له الولدان .

وكل ذلك يحدث تحت إشراف الأمريكيين ، وقد سرقت حتى المتاحف ، والمستشفيات ، والجامعات تحت إشرافهم !! فهل هؤلاء هم الذين سيأتون بالاستقرار للعراق؟

وعاشرا :
ــــــــــــــــ
هذه الإدارة الأمريكية يسيطر عليها جماعة بروتستانتية متطرفة اسمها المسيحيون المتصهينون ، وهي متحالفة مع الصهيونية ، وهذا الأمر لم يعد يخفى على أحد ، فاليهود هم أقوى الذين يوجهون القرار الأمريكي ، واليهود هم كما قال تعالى ( ويسعون في الأرض فسادا ) ـ فكيف يرتجى منهم تحقيق أمن واستقرار في بلاد الإسلام ـ

كماقال شاعر : أمن بيت الكلاب رجوت عظما *** لقد منّتك نفسك بالمحال

وقال آخر : أترجو بالجراد صلاح أمر ** وقد جبل الجراد على الفســـاد

وحادي عشر :
ــــــــــــــــــــــــ
أطماع المخطط الصليبي الصهيوني يمتد في آفاق أبعد بكثير من حدود العراق ، بل يشمل حدود الأمة الإسلامية ، فتركه حتى يستقر في العراق ، ويتخذها منطلقا جديدا لحربه على الإسلام ، إعانة على هدم الدين .

ثاني عشر :
ـــــــــــــــــــــ
قال شيخ الإسلام ابن تيميه : ( فلا يشك عاقل أن استيلاء الكفار المشركين الذين لا يقرون بالشهادتين ولا بغيرها من المباني الخمس ولا يصومون شهر رمضان ولا يحجون البيت العتيق ولا يؤمنون بالله ولا بملائكته ولا بكتبه ورسله واليوم الآخر ... ثم قال بعدما ذكر خطر علو التتار على بلاد الإسلام وأن من مفاسده أنهم سيخرجون عباد الله عن دين الله إلى الكفر ، ويعظمون بيوت الأصنام... إلخ قـــــــــــــال : ( ورفع المشركين وأهل الكتاب من النصارى وغيرهم على المسلمين بحيث يكون المشركون وأهل الكتاب أعظم عزا وأنفذ كلمة ، وأكثر حرمة من المسلمين ، وإلى أمثال ذلك مما لايشك عاقل أن هذا أضر على المسلمين من قتال بعضهم بعضا ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو رأى ما جرى على أمته من هذا ، كان كراهته له ، وغضبه منه ، أعظم من إثنين يتقاتلون على ملك ) منهاج المسلم 6/373 ، ومعلوم أن قتال اثنين على ملك ، يعني حربا بين طائفتين من المسلمين لان كل ملك له أتباع وأنصار .

ثالث عشر :
ـــــــــــــــــــ
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر ما يصيب أمته من البلايا ، جعـل أهون ذلك هو أن يُجعل بأسهم بينهم ، فهو بلا ريب أهون من تسلط الكفّار عليهم .

ففي الحديث الصحيح : لما أنزلت هذه الآية: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، فلما نزلت: (أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض )قال النبي صلى الله عليه وسلم: هاتان أهون، أو هاتان أيسر ) خرجه الترمذي وغيره .

وروى مسلم من حديث ثوبان : ( إن الله زوى لي الأرض. أو قال: إن ربي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي: أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي: يا محمد!إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها – أو قال بأقطارها – حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا. وإنما أخاف على أمتي!الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) .

وقوله ( حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا) دليل على أن هذا واقع في الأمة لا محالة ، وأنه أهون ما يصيبها ، لأنها أمة مرحومة ، وهي أمة الخير ، وإذا كان لكل أمة عقوبة لابد أن تصيبها ، فقطعا ستكون عقوبة هذه الأمّة أهون عقوبة . والله اعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006